الردود العلمية المقروءة

حقًّا الذي يثير الفتن بين السلفيين هو الشيخ ربيع المدخلي – هداه الله- الجزء الثاني

الحلقـة الثـانيـة 

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد:
فقد اطلعتُ على الحلقة الثانية من رد الشيخ ربيع المدخلي على مقال: “السبب الأساس وراء إثارة الشيخ ربيع المدخلي للفتن بين السلفيين” لمشرفي منتدى “كل السلفيين” وذلك بعد ردي على الحلقة الأولى من هذا الرد، وكالعادة رأيت الحلقة الثانية تصرخ بالزور والبهتان والافتراء عليّ وعلى بعض الدعاة، والشيء من معدنه لا يُستغرب، فقد حقق هذا الرجل في هذه الأمور ما لم يكن يخطر ببال الكثيرين: أن هناك من ينتسب إلى العلم والمشيخة والأستاذية!! ثم يَهْوِي إلى هذه الهُوَّة السحيقة من الظلم والبغي، والافتراء على عباد الله، ولكن عزاؤنا في ذلك أن هذه سنة الله عز وجل مع أوليائه – جعلني الله منهم- وها هو يتجرع غُصَص هذا البغي من انفضاض أكثر طلاب العلم عنه، ومعرفتهم بحاله السيئة التي وصل إليها، وإذا كانت أعراضنا ثمنًا لمعرفة الحقيقة؛ والاهتداء إليها، ولزوم المنهج الذي درج عليه السلف الصالح؛ فَرَبِحَ البيعُ، رَبِحَ البيعُ، واللهِ لا نقيل ولا نستقيل، واللهَ نسأل الأجر والمثوبة على صبرنا وتحملنا لبغي هذا الرجل، وأن يجعلنا مفاتيح خير، مغاليق شر.


هذا، وألخِّص ردي هنا في أمور إن شاء الله تعالى:

1- ذكر ربيعهم!! أنه رد في الحلقة الأولى بأدلة واضحة على اتباعنا للهوى، وقَلْبنا للحقائق، وأننا أسباب الفتن ومثيروها بداية ونهاية، وأننا نسعى في الأرض بالفساد، وتفريق شباب السنة، وإفساد كثير منهم…..
وجوابي: أن كلامه وردي المفصَّل عليه منشوران، والحكم للعلماء أو العقلاء على الأقل، وأما الدعاوى المجردة فلا قيمة لها، ولا يغـتر بالكلام المجرد لصدوره ممن يعظمه إلا ضعيف العقل، فقد قال أبو حامد الغزالي في “المنقذ من الضلال”: “عادة ضعفاء العقول: يعرف الحق بالرجال، لا الرجال بالحق، والعاقل يقتدي بقول أمير المؤمنين علي – رضي الله عنه- حيث قال: (لا تعرف الحق بالرجال؛ بل اعرف الحق تعرف أهله) والعارف العاقل يعرف الحق، ثم ينظر في نفْس القول: فإن كان حقًّا قبله سواء كان قائله مبطلاً أو محقًّا” اهـ، من “مجموعة رسائل الغزالي” (ص546) وقد قال الله عز وجل حاكيًا عن فرعون أنه قال عن موسى: [إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الفَسَادَ] {غافر:26} وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- في “الفتاوى الكبرى” (1/ 461): وليس لأحد أن يحتج بقول أحد في مسائل النـزاع، وإنما الحجة النص، والإجماع، ودليل مستنبط من ذلك، تُقَدَّر مقدماته بالأدلة الشرعية، لا بأقوال بعض العلماء، فإن أقوال العلماء يُحتج لها بالأدلة الشرعية، لا يُحتج بها على الأدلة الشرعية اهـ، وقال الإمام الشافعي – رحمه الله-:أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لم يكن له أن يَدَعَها لقول أحد من الناس اهـ من “إعلام الموقعين” (1/ 7).


2- ذكر ربيع عن مشرفي المنتدى أنهم قالوا: “إن الخلاف جرى بين الشيخ ربيع المدخلي وأتباعه وأنصاره من جهة، ومخالفيه من المشايخ السلفيين وأتباعهم وأنصارهم من جهة أخرى” فأشعل هذا الكلام أنف هذا الرجل، وقال: “انظر هذا المكر الحزبي:

أ- كيف جَرّد هؤلاء المشرفون أو علي الحلبي ربيعًا وإخوانه من السلفية، وأضفوا وصْف السلفية على مخالفيهم، فوصفوهم بالمشايخ السلفيين، وربيع وإخوانه لم يحاربوا أي سلفي، لا من المشايخ، ولا من طلاب العلم، وإنما خالف ربيعًا وإخوانه من المشايخ السلفيين قوم لا علاقة لهم بالمشيخة السلفية من قريب ولا من بعيد، إنما هم قومٌ تخرجوا من الشوارع، ولعلهم من المسارح، إلا المغراوي الذي ضموه إلى صَفِّهم لخفة عقله، وما عُرِفُوا إلا بالشغب على السلفية والسلفيين، نيابة ودفاعًا عن أهل البدع ….”اهـ.

والجواب على هذه الافتراءات من وجوه:

أ-هل يلزم – عند من يفهم الخطاب العربي- من قول هؤلاء المشرفين في وَصْفِهم مخالفي ربيع: “بالمشايخ السلفيين” بأنهم يجردون ربيعًا ومن معه من السلفية؟! فلو قال قائل: لقد قتل فلانٌ قتيلاً مسلمًا، فهل يلزم ذلك أنه يريد أن القاتل كافر؟! أليس هذا من الأسلوب العربي: أن المتكلم إذا كان في مقام إجمال ذِكْر المخالفين لربيع، فإنه يصفهم بوصف يراه المتكلم جامعًا لهم، دون أن يدل ذلك على تجريدهم ربيعًا ومن معه من السلفية؟

ب- أليس لهؤلاء المشرفين ومشايخهم الذين يرجعون إليهم كلام كثير بوصْف ربيع بالمشيخة والعلم والسلفية؟ ولم يُعْلَم عن أحد منهم إخراج هذا الرجل ومن سلك مسلكه من دائرة السنة والجماعة، أو من دائرة السلفية؟ وهذا كله لمعرفتهم الصحيحة في هذا الباب الخطير بمنهج السلف – والتي حُرِمها ربيع ومُقلِّدوه، وإن بُحَّتْ أصواتهم بخلاف ذلك – إن كثيرًا من المخالفين لربيع يعرفون منهج السلف أفضل من معرفة ربيع العوراء له، تلك المعرفة التي لا تفرق بين المسائل التي يجب عقْد الولاء والبراء عليها من غيرها من مسائل الاجتهاد، ولا تفرق – عمليًّا وأحيانًا نظريًّا- بين الحكم على المقالة والحكم على القائل، والحكم العام والمعين ….الخ.

ومذهب العلماء عدم التشنيع على المخالف في المسائل الاجتهادية مشهور، فقد قال ابن عبدالبر – رحمه الله- في “جامع بيان العلم وفضله” (2/ 80): “عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال: ما برح أولو الفتوى يُفتون، فيُحلُّ هذا، ويُحَرِّم هذا، فلا يرى المحرِّم أن المحِلَّ هَلَكَ لتحليله، ولا يرى المُحِلُّ أن المحَرِّم هَلَكَ لتحريمه” اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- كما في “مجموع الفتاوى” (30/ 80): “وكذلك قال غير مالك من الأئمة: ليس للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه، ولهذا قال العلماء المصنِّفون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصحاب الشافعي وغيره: إن مثل هذه المسائل الاجتهادية لا تُنكر باليد، وليس لأحد أن يُلْزم الناس باتباعه فيها، ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية، فمن تبين له صحة أحد القولين تبعه، ومن قلّد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه، ونظائر هذا في المسائل كثير” اهـ.

وقال أيضًا في (27/ 300): “لو كان أحدهم عارفًا بمذهبه لم يكن له أن يلزم علماء المسلمين بمذهبه، ولا يقول يجب عليكم أنكم تُفتون بمذهبي، وأن أي مذهب خالف مذهبي كان باطلاً من غير استدلال على مذهبه بالكتاب والسنة، ولو قال: من خالف مذهبي قوله مردود، ويجب مَنْعُ المفتي به، وحَبْسُهُ؛ لكان مردودًا عليه، وكان مستحقًّا العقوبة على ذلك بالإجماع، فكيف إذا كان الذي حَكَمَ به ليس هو مذهب أحد من الأئمة الأربعة” اهـ. مستفادًا من رسالة ابن قديش اليافعي أحد الباحثين باليمن (ص111).

وأما عن الفرق بين تكفير المقالة دون تكفير القائل أو تفسيقه أو تبديعه؛ فقد بَسَطتُ فيه القول في “الدفاع عن أهل الاتباع” ومن ذلك قول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- كما في “مجموع الفتاوى” (12/ 487): “وسبب هذا التنازع تعارضُ الأدلة، فإنهم يرون أدلة توجب إلحاق أحكام الكفر بهم، ثم إنهم يرون من الأعيان الذين قالوا تلك المقالات من قام به من الإيمان ما يمتنع أن يكون كافرًا، فيتعارض عندهم الدليلان، وحقيقة الأمر أنهم أصابهم في ألفاظ العموم في كلام الأئمة ما أصاب الأولين في ألفاظ العموم في نصوص الشارع، كلما رأوهم قالوا: من قال كذا فهو كافر، اعتقد المستمع أن هذا اللفظ شامل لكل من قاله، ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع، قد تنتفي في حق المعين، وأن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين، إلا إذا وُجدت الشروط، وانتفت الموانع، يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يُكفِّروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه” اهـ.

ج- أنا عن نفسي – ولا أظن غيري إلا كذلك- أكره وصْف من يصفني بالشيخ، وكم أنكرتُ هذا القول على من يطلقه في المحاضرات العامة، فضلاً عن غيرها، ولم نكتب هذا عن أنفسنا قط، ونُشْهد الله أننا لسنا مشايخ، وعسى أن يقبلنا الله عز وجل في زمرة طلاب العلوم الشرعية، أما أنت يا ربيع فقد أتيتَ من ذلك بالمخجلات المخزيات من وصْفك لنفسك بذلك وزيادة!! ووصْفك لمن يسير على أثرك – وإن انحرفت- بهذه الأوصاف، بل أعظم منها!! فقد وصفت في “تنكيلك!!” مَنْ ردَّ عليّ من مقلديك في اليمن بعلماء أهل اليمن، وصَرَّحت بأسمائهم!!

د- قوله: “وربيع وإخوانه لم يحاربوا أي سلفي، لا من المشايخ ولا من طلاب العلم ….” فهل نُصدِّق هذا الرجل في كونه لم يحارب، أو لم يبدِّع، أو لم يصرح بتضليل أي سلفي – شيخًا كان أو طالبًا- وها هو يحذِّر من صاحب الفضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين – رحمه الله- ويبدّعه؟ وقد سمعتْه أذناي منه، ووعاه قلبي، ورددتُ عليه قوله، فهل هذا العَلَم – وإن اختلفنا معه في بعض الأمور- ليس من المشايخ السلفيين، ولا من طلاب العلم؟ الرجل الذي كان له نحو سبعين درسًا في بعض الأسابيع، ويسرد العلم سردًا، أما ربيع فيكفيه أنه بلغ درجة الأستاذية، ولم يكتف بذلك حتى طمع في إمامة السلفية!! وإن كان قد حَرَمَهُ الكلامُ في الناس من ضبط العلوم الشرعية!!

وهل نصدِّق هذا الرجل بأنه لم يُقِم حربًا شعواء على أي سلفي، وقد أشعل الدنيا على صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور بكر بن عبدالله أبوزيد – رحمه الله- بسبب رده عليه في الخلاف مع سيد قطب، وإن كنا لا نقر عددًا من المسائل التي خلص إليها الشيخ بكر – رحمه الله- في هذا وغيره، لكن الخلاف شيء، وهتْك العِرض، وتربية الشباب على جفاء العلماء الذين لا يبلغ ربيع عُشْرهم شيء آخر.

وهل نصدِّق هذا الرجل في أنه لم يحارب سلفيًّا قط، لا من المشايخ ولا من طلاب العلم، وهو يسأل – متهكمًا ساخرًا- بعض الدعاة قائلاً: سَمِّ لي ثلاثة من السلفيين في جامعة الإمام محمد بن سعود؟! فإذا كان لا يعتقد وجود ثلاثة سلفيين في الجامعة – ومن جملة المدرسين فيها ورؤساء الأقسام أقوام لا يبلغ ربيع كَعْبَهم في العلم، فهل نصدقه في دعواه هذه؟

وهل نصدقه في زعمه هذا، وأئمة الحرمين عنده مُصَنَّفُون أصنافًا شتى، ما بين سروري، وحكومي، وإخواني …الخ؟!

هـ- بل لو عاملناه بإسرافه وظُلْمه، وتعميمه، والانتقام بقضِّه وقضيضه إذا وقف على كلام عام لمخالفه – وإن كان لا يقصد العموم- لو عاملناه بأسلوبه هذا فنقول له: هل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله- ليس سلفيًّا، ولا هو بشيخ ولا طالب علم سلفي؟ وذلك لأن ربيعًا سأل سؤاله ذاك عن ثلاثة سلفيين في جامعة الإمام في الوقت الذي كان الشيخ – رحمه الله- مدرِّسًا في الجامعة المذكورة فَرْع القصيم!! ولو قال هذه الكلمة القبيحة أحد غيره؛ لشنَّع عليه ربيع بذلك، ووصفه بالأوابد، وجمع له الشوارد من قاموسه وجرابه في السبِّ والشتم واللعان!!

وهذه التربية المشوَّهة هي التي جعلتْ تلميذه البار، ووصيه على دعوتهم أو وارثه!! محمد بن هادي المدخلي أن يقول: ليس في الرياض سلفي إلا فلان!! فما هي السلفية عند هؤلاء القوم، من أجل أن نعرف ضوابط نفيهم وإثباتهم لها؟

قد يقول قائل: الشيخ ربيع لم يقصد بكلمته هذه المشايخ الذين سميتهم!! فالجواب: من الذي أعلمك أنه لا يقصد هؤلاء؟ ألسنا نحاسبه بقوله وكتبه في مؤلفاته؟! أليس هذا كلامه لعدد من طلاب العلم في هؤلاء المشايخ؟ أليس قد أشعل المجالس بهتك عِرض هؤلاء؟ أليست الهواتف الثابتة والنقالة قد طارت بكلامه في هؤلاء العلماء في المشارق والمغارب؟ نعم، قد يكون ربيع في هذا الموضع لم يستحضر في كلمته هذه عند تحريرها هؤلاء المشايخ أو بعضهم، لكن هذا لا يُعفيه من المسؤولية والمحاسبة عند تحقيق الحق، ومع ذلك ففي ما مضى من الوجوه رد على ذلك، وما بقي تتمة لذلك أيضًا:

و- وهذا قول ربيع السابق فيَّ، ليُعلم هل هذا الرجل يعرف ما يخرج من رأسه أم لا؟ وإذا كان يعرف ذلك؛ فهل مَدْحُه وذَمُّه لله أم لا؟ وإذا كان يقصد بذلك نية حسنة؛ فهل يجوز له أن يلبِّس الحقائق على الناس، ويخون الأمانة، فيبالغ في مدح من يعتقد أنه ليس كذلك، أم لا؟ وإذا كان يريد بمدحه التأليف لمن لا يعتقد مدحه؛ فهل سُبِقَ إلى المبالغة في هذا المدح دون إكراه أم لا؟ وإذا سُبق؛ فهل يجوز له أن يحمل مدح غيره لمن لا يعتقد صحة مدحه ربيعٌ ولا المادح نفسه لتأليف قلب الممدوح، واتقاء شره أم لا؟ أسئلةٌ كثيرة من الأهمية بمكان تتوارد على أهل العقول السالمة من الهوى، والإجابةُ عليها تولّد أسئلة أكثر، لكن الهوى يُعمي ويُصِم!!

فهاك أخي القارئ بعضَ مبالغاته – التي لم أستحقها الآن فضلاً عن ذاك الوقت- في مدحي والثناء عليَّ عندما كان يطمع أن أكون نُسْخَة أخرى منه حذو القذة بالقذة، والحمد لله على العافية من بلائه، وعدم الاغترار بمدحه وثنائه.

فقد قال في كتابه: “النصر العزيز على الرد الوجيز” (ص94): “العلماء المعاصرون يؤكدون منهج النقد: رابعًا: إن علماء السنة المعاصرين، كسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، والمحدث الناقد الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، وتلاميذه، والشيخ صالح الفوزان، وعلماء السنة في اليمن،ولاسيما نابغتهم المتخصص في الجرح والتعديل أبوالحسن المصري المأربي، كلهم يسيرون على هذا المنهج في حياتهم، وفي مؤلفاتهم، وفتاواهم، بل علماء الإسلام على امتداد تاريخهم سائرون على هذا المنهج إلى يومنا هذا” اهـ.

فتأمل – أخي الكريم- هذا النص الفاضح لحقيقة هذا الرجل: فبينما كان يعدُّني من علماء السنة المعاصرين، ويحشرني في زمرة الكبار، ويفاخر ويكاثر بي في جملة الأئمة الذين يتشدق بموافقتهم إياه في منهجه، وبينما كان يعدُّ تلاميذ الشيخ الألباني – وهي كلمة أعم وأكثر من شخص، أو شخصين منهم، وأشهرهم عنده آنذاك: هو الشيخ علي الحلبي- وبينما كان يعدُّني نابغة علماء السنة في اليمن، والمتخصص في الجرح والتعديل، ولم يذكر الشيخ مقبلاً – رحمه الله- لأمور سياسية يعرفها هو وغيره، وكذا لم يذكر الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله- وهذا يدل على أن وراء الأكمة ما وراءها، ولو صدرتْ من غيره لادعى أن الكاتب لا يقيم لعلماء الأمة وزنًا، فالرجل يذكر من شاء، ويهمل من شاء بناء على موافقته ومخالفته!!

وبينما كان يَعُدَّ هذا المنهج منهجنا في حياتنا ومؤلفاتنا، وفتاوانا؛ فانظر كلامه بعد ذلك في جعْلي والحلبي وغيرنا من أصحاب الأغراض الدنيئة، وتربية الشوارع والمسارح، وأننا نحارب الدعوة السلفية وأهلها سرًّا وجهارًا، وأننا نمكر بها وبأهلها مكرًا كُبارًا، وأننا لسنا طلاب علم سلفيين، ووصْفه لي بالتافه، المتطفل، الدنيء، الجلف، الساقط، الدجال … إلى آخر ما يتفوه به صاحب هذه الافتراءات على كثير من عباد الله!! فهل من كان هذا حاله يؤتمن جرحًا ومدحًا؟ وهل من كان هذا شأنه يُوثَقُ بنصحه وإرشاده؟

إن حال هذا الرجل وعصابته يذكرني بحال القرّاء الذين حذَّر الفضيل بن عياض – رحمه الله- من صحبتهم، ففي “قوت القلوب” (1/ 472): “كان الفضيل – رحمه الله- يحذِّر من قرّاء زمانه، فقال:إياك وصحبة هؤلاء القراء؛ فإنك إن خالفتهم في شيء كفّروك” اهـ وفي كتاب “مناقب الأبرار” للموصلي: “كان الفضيل بن عياض يقول: إياك ومجالسة القرّاء؛ فإنهم إن أحبوك وصَفوك بما ليس فيك، فغَطَّوْا عليك عيوبك، وإن أبغضوك جرحوك بما ليس فيك، وقَبِله الناس منهم” اهـ “لواقح الأنوار (ص13) اهـ نقلاً عن رسالة ابن قديش اليافعي، قلت: وانظره في “الطبقات الكبرى” للشعراني (1/17) ولاشك أن هذا إن صح عن الفضيل فمحمول على من تلبس بلباس العلماء، وخالف هديهم، وسمْتهم، وهذا كثير في الخلق، والله المستعان.

وقد يغتر مغتر بقوله: “قلتُ هذا تأليفًا له، أو اتقاء لشره”، وقد قال في حاشية “انتفاد عقدي ومنهجي” برقم (26 / ص14) حيث قال: “… فلم أصارحه بذلك، بل تلطفت معه كما ترى” اهـ، وقوله في (ص18):”تنبيه: أُلفْتُ نظر العقلاء إلى مدى اللطف والاحترام، اللذين بذلتهما لهذا الرجل في هذه الملاحظات عند كتابتها الأولى، وصبري عليه من التاريخ المشار إليه، بل من قبله من عام 1416هـ، في سيد قطب، والإخوان المسلمين، وعبدالرحمن عبدالخالق، ثم عدنان عرعور، والمغراوي، من سنوات، وهو سادر في المخالفات، والمواجهات السرية والعلنية، وإني لا أظن أن أحدًا يصبر على بلاء يعرفه ويستيقنه، مثل صبري على هذا الرجل وأمثاله وأعوانه، فاللهم عفوًا ومعذرة إليك..”.اهـ.

أقول: كل هذا من ربيع حتى يدفع عن نفسه التهمة بفضيحة الهوى والتناقض، ومع ذلك؛ فكما يقال: عُذْرٌ أقبح من ذنب!! لأنه يقال له: وهل أكرهتك، أو طلبتُ منك أن تصفني بهذه الأوصاف في كتاب لك، حتى تتقي شري بهذه المبالغة الفاحشة؟! ثم أقول هنا للتاريخ: لقد اتصل بي ربيع المدخلي وأنا بالرياض في سنة 1417هـ، وقال: لقد ذَكَرْتُك وأثنيت عليك في كتابٍ لي، وقرأ عليّ هذا الموضع عبر الهاتف، فأُشْهد الله أنني كرهتُ هذا منه بقلبي، وكَلَّمْتُه بلساني، وذكرتُ له أنني لسْتُ أهلاً لذلك، فأصر على قوله هذا، فأي إكراه أو أي رغبة لذلك ظهرت مني حتى يتلطف معي، ويؤلِّف قلبي بمدحي بما أكرهه، ولستُ من أهله؟ إن هذا ليؤكد أن الرجل قصد اصطيادي، وظَنَّ من موافقتي له في بعض المواقف – التي لازلتُ أوافقه عليها في حدود الدليل- أنني سأكون ظَهْر جواد له يمتطي صهوته في اليمن، أو سيفًا بتارًا، يطيش به في أعراض عباد الله بلا علم ولا هُدى ولا كتاب منير، فلما أَيِس من ذلك، وتأكد أنني لستُ ذنَبًا له ولا لغيره – إن شاء الله تعالى- فعند ذاك فَقَدَ صوابه، وطار لُبابه، وذاع لعنه وسبابه، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.

ثم ما هي المخالفات والمواجهات السرية والعلنية التي أنا سادر فيها؟ الجواب: مخالفة أستاذ الأستاذين ربيع المدخلي، والرد عليه فيما خالف فيه الدليل!! فنعمت المخالفة، والحمد لله رب العالمين.

ومن مدحه لي أيضًا: قوله في رسالة لي، وقد ذكرها في مقدمة رسالته: “انتقاد عقدي ومنهجي على السراج الوهاج” (ص1): “أما بعد: فهذه ملاحظات أبديتها على ما قرره أخونا العلامة الفاضل السلفي المجاهد أبوالحسن مصطفى بن إسماعيل المأربي” فها هو يصف أحد خريجي الشوراع – عنده- بهذه الأوصاف، هل هذا الرجل يُؤتمن على الدين؟ ومما يدلك على تناقض الرجل، أنه أقسم بالله على علو مكانتي عنده، فقال بعد ذلك، في الصفحة نفسها: “والله، لو كان عندي شيء من المجاملة؛ لبذلته لأخي أبي الحسن، لما له من المنزلة عندي، ولكن يأبى الله والإسلام والمسلمون إلا النصيحة الصادقة المخلصة …” اهـ وكانت هذه الكلمة بتاريخ 30 /7 / 1420هـ، وها هو يصرح بأنه مستيقن بلائي منذ 1416هـ، فكيف يُقسم بهذه الأيمان على علو منـزلتي عنده في الوقت الذي هو موقن ببلائي؟! كل هذا التخبط من أجل أن يُبرِّئ نفسه من الهوى والتناقض، حيث يقال له: كيف ترفع الرجل إلى هذه المنزلة السامية، ثم تخسف به إلى أسفل السافلين؟! فيذكر علته العليلة: أنه أراد التأليف، ولكن “على نفْسها جنَتْ براقش” وأسأل الله الستر!! فهل يوثق بمدح أو قدح هذا الرجل؟! وهذا حاله معي، ولهذا نظائر مع غيري أيضًا، وقد ذكرتُ نحو هذا في “الدفاع عن أهل الاتباع” (1/ 73-74).

وأيضًا فقد كان هذا الأستاذ!! يعرض بعض كتبه عليّ لأراجعها له قبل طبعها، وألحَّ عليَّ يومًا أن لا أخرج من مكتبته حتى أراجع له بعض كتبه قبل طبعه، وذلك ردّه على د. سفر الحوالي في رسالته: “يوم الغضب” – وهذا فيما أذكر الآن- فهل يجوز له أن ينزل من كان من خريجي الشوارع – عنده- هذه المنـزلة؟ أليس هذا من خصال اليهود الذين قالوا في ابن سلام – رضي الله عنه- كما في “البخاري” برقم (3329): “شرُّنا وابن شرِّنا” عندما علموا بإسلامه ومخالفته لهم، بعد أن قالوا: “سيدنا وابن سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا“؟!

وطلب مني مرة أن أوافقه على قوله: من طعن فيه ربيع والحلبي وأبوالحسن؛ فهو مطعون فيه عند الشباب السلفي، فرفضتُ ذلك، لأننا لا نمثل السلفية كلها، فالسلفية أكثر وأوسع من هذا التضييق المدخلي، ثم بعد هذا كله وصفني بما لم يصف به الدجال الأكبر!! إذًا فالرجل واسع الخطو جدًّا حيث كان، لا عن أصول علمية، ولكن عن هوى نفْس، وانتقام من كل من خالفه، إلا إذا كان يهاب المخالف، كبعض المشايخ المشاهير، لاسيما الذين لهم مكانة في الدولة، فإنه يكتفي بالكلام فيهم في المجالس الخاصة، بعد نهي الحاضرين عنده عن التسجيل!!

ز- ثم ما هو معيار المشيخة أو الدخول في زمرة طلاب العلم عند الأستاذ الدكتور ربيع؟!! أهو الحصول على درجة الدكتوراة، كما هو ظاهر صنيعه في استثناء الدكتور محمد المغراوي – حفظه الله وأبقاه عَلمًا شامخًا للهدى وإن أُرغمت أنف ربيع أو احمرّت؟!- أم أن المعيار في ذلك طلب العلم عند المشايخ، أو من بطون الكتب، مع مجالسة المشايخ، وسؤالهم عن كل مُشْكِل، وطول الملازمة، وكثرة البحث والاطلاع؟ فإن كان المعيار الحصول على درجة الدكتوراة، فمن المشايخ عند ربيع من ليس كذلك: كالنجمي وزيد المدخلي – حسب علمي- والجابري، وعلماء اليمن – عند ربيع-: كالحجوري، والوصابي، والإمام، والبرعي، والعدني، بل سماحة الشيخ ابن باز، ومحدث العصر الألباني لم يكونا كذلك، بل علماء الأمة السابقون جميعًا قبل وجود الدراسات الأكاديمية لم يحملوا هذه الشهادات!! مع إقراري بأن من ذوي هذه الشهادات علماء أفاضل، ودعاة أماثل، زادهم الله هدى وتوفيقًا.

وإذا كان المعيار هو طلب العلم عند المشايخ: فهل الحلبي الذي جالس الشيخ الألباني نحو ربع قرن، لا يجوز أن يظفر من ربيع بتـزكيته بأنه طالب علم؟ وهل كتب الحلبي التي هي أكثر نفْعًا من كتب ربيع – مع كونه غير معصوم في كل ما قرره ولا أنا ولا غيري- لا تؤهله لأن يوصف بكونه طالب علم؟ وهل كتبي التي أَشاد بها ربيع، وأسئلتي للشيخ مقبل في علم الحديث، والتي طُبعتْ بعد ذلك في كتاب “المقترح في أسئلة المصطلح” والتي كان ربيع يقول بعد سماعها مشيدًا بها: “الأسئلة أقوى من الأجوبة” وغير ذلك من مؤلفات في عدة أبواب، كل ذلك لا يجعل قلب ربيع القاسي يلين، حتى يسمح بوصفي أن أكون أحد طلاب العلم السلفيين، وها هو يصف عددًا من طلابي وتلامذتي – الموافقين له في هذه الفترة- كالبرعي وغيره بالمشايخ، والعلماء، وغير ذلك؟! ثم كيف هذا البخل علينا، وهو يجود بهذه الأوصاف ويبالغ في إعطائها بسخاء لكل من قلّده، وإن كان مخلِّطًا مخبِّطًا!! أما أنا فلا يشرفني أن أظفر بأي مدح من ربيع، بل ربما كان مدحه لي – وهو على هذا الحال- ذمًّا، فالحمد لله الذي بنعمته أم الصالحات.

وإذا كان ربيع قد وصفني بالمتخصص في الجرح والتعديل، بعد وصفه لي بالنابغة؛ فلماذا لا يقبل كلامي فيه، وحكمي عليه بانحرافه – في مسائل الخلاف- عن منهج السلف والخلف وأئمتنا المعاصرين؟! وإذا كان قد وصفني بأنني أسير على منهج النقد في حياتي ومؤلفاتي وفتاواي، فهاأنذا أطبِّق قواعد هذا المنهج عليه، وأحكم عليه بما سبق ذكره، مع كونه من أهل السنة ومشايخهم، فلماذا لا يخضع لهذا الحكم من النابغة المتخصص في بابه هذا؟!!

ح- تأمل عنوانه الذي عنون به في كتابه “النصر العزيز” (ص94): فقد قال: “العلماء المعاصرون يؤكدون منهج النقد” اهـ نعم منهج الجرح والتعديل هو منهج أهل العلم سلفًا وخلفًا، لكن إذا تكلم به أهله، الذين تتوافر شروط القبول فيهم، أما من يتبع هواه، ويعجبه هرولة الناس وراءه، ويحاول الانتقام من مخالفه بشتى الوسائل، ولا يفرق بين ما يوجب الجرح من غيره، فيجرِّح الشخص إذا زار فلانًا الحزبي – أي في نظر ربيع- ويضلله إذا تغدى عند فلان أو تعشى عند فلان، ويخرجه من السلفية إذا حج أو اعتمر ولم يزره، ويقدم له أسمى آيات الولاء والانقياد، ويأمر بهجره إذا ردّ عليه خطأه، وبهجر من لم يهجره أو توقف في تبديعه، وهكذا إلى ما لا نهاية!! وإذا كان لا يدري ما يخرج من رأسه، ويقع في الكبار والصغار، فيتهوك في الأعراض بلا مسوِّغ شرعي، ويبالغ في مدح من كان على شاكلته، فيجعله في مصافَّ أهل العلم الكبار، ويسقط كل ما عند مخالفه من الخير لأدنى مخالفة، ومن يمدح ويقدح تبعًا لهوى نفسه وفهمه السقيم للسنة ومسائلها، ومن يهدم أصولاً وكليات ليقيم – عبثًا- أقواله واجتهاداته، فيدمّر تماسك الدعوة في المشارق والمغارب بحجة أن مخالفه حزبي ضال، ومن يجعل مخالفه الذي هو من أهل السنة، والذين لهم جهود عظيمة، وثمرات كريمة أضل وأخبث وأحقر وأكذب من اليهود والنصارى، وغلاة الرافضة، وجميع ألدّ أعداء السلفية عبر التاريخ … إلى غير ذلك من البلايا والرزايا المدخلية، هل من كان كذلك يكون من أهل الجرح والتعديل، ومن أهل النصح لهذه الأمة، والحرص الشديد على جمع كلمتهم؟!

إن أهل الجرح والتعديل هم أهل العدل والإنصاف، والتحرِّي، والتوقِّي، وأهل النصح للأمة، أما أهل التهور والتشنيع؛ فهم أهل الهدم والتخريب!! إن أهل الجرح والتعديل طعنوا في آبائهم وأبنائهم لما ظهر منهم عن نوع خلل في الحفظ أو في العدالة، ولا يخفى على هذا الرجل موقف ابن المديني من أبيه، ولا موقف شعبة من ولده، ولا موقف أبي داود من ابنه أبي بكر، وفي المقابل وثقوا من يخالفونه في المذهب العقدي أو الفقهي إذا كان عدلاً في الرواية، ورووا عنه، وعملوا برواياته، أما ربيع فخلْق آخر!!

إن هذا الرجل ينكشف أمره للناس يومًا بعد يوم – وإن عميت أعين مقلديه عن ذلك- ولو عرفناه بهذه الحقيقة منذ اجتمعنا به؛ لتقربنا إلى الله بالتحذير من الاغترار بما هو عليه من مخالفات، ولكن الحمد لله على العافية.

وسؤالي في هذا المقام: هل يلزم من موافقة العلماء وتأكيدهم على منهج النقد، أن يؤكدوا على موافقتهم لربيع في منهجه في النقد؟ فرق كبير بين منهج السلف في النقد، ومنهج ربيع في النقد، وهذه بعض الأمثلة:

(1) قول أحمد في ابن راهوية: “لم يَعْبُرِ الجِسْر إلى خراسان مثل إسحاق، فإن كان يخالفنا في أشياء؛ فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضًا” اهـ “النبلاء” (11/370-371).

(2) قول عبدالله بن محمد الوراق: كنت في مجلس أحمد بن حنبل، فقال: من أين أقبلتم؟ قلنا: من مجلس أبي كريب، فقال: اكتبوا عنه، فإنه شيخ صالح، فقلنا: إنه يطعن عليك!! قال: فأي شيء حيلتي، شيخ صالح قد بُلي بي” اهـ “النبلاء” (11/ 317) فأين ربيع من هذا الخلُق التي تخلَّق به العلماء؟ وأين هو من هذا المنهج السلفي الرصين: “فإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضًا” و “أي شيء حيلتي، شيخ صالح قد بُلي بي“؟!!

وإياك ثم إياك أن تنتقد ربيعًا، ولو من طَرْفٍ خفي، فقد انتقدتُ منهجه الغالي في عدة مواضع من كتابي “السراج الوهاج” ولم أصرح باسمه، وأرسلتُ الكتاب إليه لينظر ما فيه، عسى أن يجمع الله الكلمة على الاعتدال والإنصاف، فماذا كان جوابه؟ هذا جوابه في رسالته “انتقاد عقدي ومنهجي على السراج الوهاج” فقد قال: “فعلمتُ أن يقصدني بذلك” وقال أيضًا: “ففهمتُ في ذلك الوقت أنه يقاوم من يدافع عن ربيع ومقبل وأمثالهما من دعاة المنهج السلفي الذابين عنه، والقامعين لأهل الأهواء” اهـ (ص14/الحاشية 26) من “انتقاد عقدي ومنهجي” فأين هذا من صريح الطعن الذي بلغ الإمام أحمد من أبي كريب، ومع ذلك فقد أبقى وصْف الصلاح لأبي كريب، ولم يتراجع عن توثيقه المتمثل في الأمر بالكتابة عنه؟ هؤلاء هم أئمة الجرح والتعديل يا ربيع:

فدع عنك الكتابة لستَ منها ** ولو سوّدت وجهك بالمداد

 

وهَبْ أني أقصد ربيعًا – بل أقصده بكثير من مسائل كتابي- فما العيب في ذلك إن كانت حقًّا؟!

(3) وهذا الذهبي – رحمه الله- يوضح أن الإمام المشهور إذا تكلم فيه أحد من العلماء بحق فهو حق، لا كما يقول ربيعهم فيمن ينتقده!! ففي “النبلاء” (5/31) ترجمة عكرمة: روى جعفر بن أبي عثمان الطيالسي عن ابن معين، قال: “إذا رأيت إنسانًا يقع في عكرمة، وفي حماد بن سلمة، فاتهمه على الإسلام” قال الذهبي: “قلت: هذا محمول على الوقوع فيهما بهوى وحَيْفٍ في وزنهما، أما مَنْ نَقَلَ ما قيل في جرحهما وتعديلهما على الإنصاف، فقد أصاب” اهـ هذا هو المنهج العلمي الصحيح: من تكلم يتكلم بعلم وحلْم، أما القداسة المكذوبة حول ربيع المدخلي وعصابته فهذا من الأساطير الباطلة.

والعجَب أن الشيطان يلبِّس عليهم أمرهم، ويوهمهم بأن ما يقومون به ضد دعاة الهدى؛ أنه من العمل بقاعدة الجرح والتعديل، واتباع السلف في ذلك، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذود عن حياض الدين، ولو نظروا في المسائل التي يخالفون فيها دعاة الحق، وغالبها ناتج عن عدم الموافقة على أسلوب هؤلاء الغلاة في الإنكار – وإن كان الحق معهم في بعض المسائل- أو الخلاف في جرح شخص أو طائفة أو تعديلهما، أو الخلاف في فهم مدلول كلمة محتملة، وهم يحملونها على أسوأ وجوهها، وإن كنتَ توافقهم على أن الشخص لو أراد بها المعنى المذموم لكان مخطئًا، ونحو ذلك من مسائل – وهي أكثر ما أثار الخلاف معهم- لو نظروا في هذا، ونظروا في طريقة السلف في مثل هذه المسائل، وتجردوا من الهوى والحمية الجاهلية لأقوالهم ورئاستهم التي يذودون عنها؛ لعلموا أن الشيطان قد لعب بهم، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- كما في “مجموع الفتاوى” (28/ 207): “فمن هَجَر لهوى نفسه، أو هَجَر هَجْرًا غير مأمور به؛ كان خارجًا عن هذا، وما أكثر ما تفعل النفوس ما تهواه ظانه أنها تفعله طاعة الله” اهـ، وفي (12/ 482) قال – رحمه الله- في سياق كلامه عمن يأمر وينهى بنوع من العدوان والظلم لحسد أو رئاسة: “وما أكثر ما يُصَوِّر الشيطان ذلك بصورة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، ويكون من باب الظلم والعدوان” اهـ.

3- وصْف ربيع لمخالفيه بأنهم يدافعون عن أهل البدع، ويذكر في عدة مواضع: وحدة الأديان، ووحدة الوجود، والرفض، والطعن في الخليفة الراشد عثمان … وغير ذلك مما انتقده على سيد قطب رحمه الله.
فالجواب: إن الذي يقرأ كلام هذا الرجل يظن أننا نقول بهذه المقالات الكفرية والبدعية، ولإمعان هذا الرجل في الظلم لمخالفيه؛ فإنه لا يفصِّل عبارته في هذا المقام، مما يوهم القارئ بأن ما انتقده علينا هو نَفْسُ ما انتقده على سيد قطب أو جماعة الإخوان وغيرها، وأن هذه المقالات هي عقيدتنا، وعليها نربي طلابنا، وهذا من البهتان العظيم، وأتحدى هذا الأستاذ أن يأتي من كلامنا بموضع واحد يدل على أقل القليل من هذه الضلالات، فإن عجز؛ فليشهد الثقلان أنه قد وقع في الإفك والتـزوير!!


كل ما في الأمر أن طريقة ربيع في النقد، وأسلوبه العدواني، وبهتانه الظاهر، وتحميله الكلام ما لا يحتمل – في عدة مواضع- لا يلزمنا أن نأخذ به كما يريد هو، بل نتبع ما يوافق الدليل، وإلا فيجب رده عليه وعلى غيره كائنًا من كان!!

علمًا بأن كثيرًا مما ينتقده على سيد قطب والإخوان فنحن نوافقه عليه في الجملة، ونخالفه في أشياء كثيرة أيضًا، ولو احتجتُ إلى التفصيل في ذلك مسألة مسألة؛ لذكرت ذلك بالأدلة، لا بزفرات ربيع العدوانية، وقد عَلِمَ من وقف على كلام أكثر مخالفي هذا الألدّ الخصم أنهم من أكثر الناس تحذيرًا من أخطاء سيد قطب وجماعة الإخوان والتبليغ وغيرهم، لكنهم يسلكون في النقد طريقة الأدلة والإقناع والحوار، وبهدف الحرص على هداية من اقتنع بهذه الأفكار، لا بأسلوب ربيع الظلوم العسوف، كل هذا مع مراعاة الظروف والأحوال التي يسودها هذا الخلاف، فإن كان سيفضي إلى شر أكبر تركنا، وإلا فقد يتعين على الشخص الصدع بالتحذير مما يراه مخالفًا للشرع، فالمسألة تعود إلى النظر في رتبة المسائل المختلف فيها، بعد صحة إثبات المسألة عن قائلها، ثم النظر في حال المخالف من حرص على الاتِّباع، أو حرص على الأَتْباع والأطماع!! مع نظرة أخرى في مآل وما يفضي إليه الإنكار من مصالح ومفاسد، وكل وقفة من هذه الوقفات لها أدلة شرعية، وطريقة سلفية، لا بالهوى والتشهي، ولما كانت نفْس ربيع لا تقبل من المخالف صرفًا ولا عدلاً – وإن كان أهدى سبيلاً منه- فإنه يشنع عليه، ويأتي بالزوابع والأعاصير، حتى يوهم القارئ أن مخالفيه جميعًا يقولون بوحدة الوجود، وحرية الأديان، والرفض، والاشتراكية الإلحادية …. الخ، لكن من فضل الله – عز وجل- فقد انقلب السحْر على الساحر، [وَلَا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ] {فاطر:43}[إِنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ] {يونس:81}[وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ] {فاطر:10}.

4- ذكر ربيع أن مخالفيه صَوَّروا العلماء والمشايخ السلفيين – يعني من حزبه- بأنهم مقلدة وأتباع لربيع، ثم قال: “حاشاهم، ثم حاشاهم مما يرميهم به المبطلون” اهـ.

والجواب: العبرة بالأدلة، لا بمجرد أن أصفهم بالتقليد في هذه المسائل، أو تنـزِّههم أنت عن التقليد، ويظهر هذا مما يلي:

من هم هؤلاء مشايخ السلفيين وعلماء السنة الذين هم قالوا بقوله في ردِّه عليّ؟ هل تابعه عالم واحد من كبار العلماء، بعد أن وقف على كلامي بنصه، لا على سؤال سائل أنضج الغيظ قلبه، فقدم سؤالاً مبتورًا عن سياقه وسباقه، ملفقًا من هنا وهناك وهنالك، فالسؤال الذي يبلغ العالم يكون على حسب فهم السائل ورغبته، لا حسب نصّ كلامي ومرادي؟ فإن كان أحد من العلماء عُرِض عليه كلامي بهذا الوصف، وأجاب بما يفرح الغلاة؛ فلا يضرني ذلك، وإن كان قد وقف وقوفًا صحيحًا على كلامي، وطَعن فيّ وفي كلامي، فأين هو، ومن هو؟ وما حجته؟ والحق أحق أن يُتبع، حتى كلمة “الغثائية” التي شنع بها ربيع، وأزبد وأرعد، لم يوافقه أحد وقف على سياق الكلام، وعرف الرجل ودعوته على أن هذه الكلمة دليل على أن قائلها رافضي خبيث – كما يزعم ربيع- وإن كان اللفظ لا يصح إطلاقه، ومع تصريحي بتراجعي عن ذلك، بل بطلبي المباهلة، إلا أن هؤلاء الهدامين لا يهمهم وصول مخالفهم إلى الحق، أو الرجوع والإنابة إليه، إنما يهمهم سقوط مخالفهم، ولما نشرتُ كلام ربيع في الذات الإلهية، وفي الرسول – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وفي نبي الله سليمان – عليه السلام- وفي الصحابة الكرام – رضي الله عنهم- وغير ذلك من مسائل في العقيدة؛ انخنس، ولم يَنْطِق ببنت شفة، حتى إنه لم يذكر عذرًا له في كثير من أقواله القبيحة، أو يذكر تراجعًا عن ذلك!!فأي الفريقين أسعد بالحق من الآخر: من يتراجع عن مجرد لفظ قبيح، ويعلن ذلك في أشهر الوسائل المتاحة له، أم من يصر على ألفاظ ومعان فاسدة، ولا يعرِّج عليها في كلامه، كأنه لم يسمع شيئًا؟!

فمن هم هؤلاء العلماء عند ربيع؟ هل هو الحجوري؟ وسيظهر عما قريب – إن شاء الله- كلام كل منهما في الآخر، أم هو الوصابي، والإمام، والبرعي؟ أليس هؤلاء الذين كانوا يقولون في اليمن:أبو الحسن مخالف في بضعة وعشرين أصلاً من أصول السنة، فإذا سألوهم: هاتوا واحدًا منها، قالوا: سيأتي بها الشيخ ربيع!! أليس هذا تقليدًا، أم لا؟ أليس من هؤلاء من كان يقول – وكل هذا مُوَثَّق عليهم- : “أبو الحسن على الحق، لكن لا يمكن أن نتخلى عن الشيخ ربيع“؟! هل هناك تقليد بعد هذا؟! ومنهم من يقول: “لو تركنا ربيعًا لأسْقَطَنا“!! ومنهم من يقول: “الدليل على انحراف أبي الحسن أن الدكتور ربيع بن هادي المدخلي ردَّ عليه“!! وآخر – لا أذكر اسمه الآن- يقول: “ربيع لا يُسأل عن الدليل“!! وآخر يقول: “التقليد المذموم: تقليد اليهود والنصارى، أما تقليد العلماء فمأمور به: [فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ] {النحل:43}” وأنا لا أُنْكِرُ تقليد العلماء لمن لم تكن له أهلية النظر، لكن أُنْكِرُ وصْف من كانوا كذلك بعلماء السنة وأئمتها، وقد أجمع العلماء على أن المقلد ليس بعالم، كما قال ابن القيم – رحمه الله- في “إعلام الموقعين” (1/ 7): “قال أبو عمر وغيره من العلماء: أجمع الناس على أن المقلد ليس معدودًا من أهل العلم، وأن العلم معرفة الحق بدليله” قال: “وهذا كما قال أبو عمر – رحمه الله تعالى- فإن الناس لا يختلفون أن العلم هو المعرفة الحاصلة عن الدليل، وأما بدون دليل؛ فإنما هو تقليد” اهـ، كما أُنْكِر على من نفى عنهم التقليد في هذه الخصومة، بعد كلامهم هذا!!

ومن العجب العجاب أن هؤلاء هم مشايخ السلفية وعلماء السنة في اليمن عند ربيعهم، وكأن الدعوة مملكة لربيع أو مزرعة، يرفع فيها من يقدم له أسمى آيات الولاء والانقياد، ويضع فيها من يخالفه وإن كان محقًّا منصفًا!!

ومن علماء السلفية عند ربيع عندما كتب ملاحظاته على كتابي “السراج الوهاج”: فالح الحربي، وفوزي البحريني، وفاروق صاحب الفجيرة بالإمارات، ولا تسأل اليوم عن سَبِّهِ لهم، وسَبِّهِمْ له، كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله، ولستُ بحاجة هنا إلى الكلام عن علم هؤلاء ومكانتهم في هذا الباب، وعن إقرار بعضهم بأنه كان يناصر ربيعًا ضدي من باب الحمية، وإلا فالحق معي حسب ما بلغني عن قول بعض من رجع منهم عن مناصرة ربيع!! فهل هذا تقليد وعصبية مذمومة أيضًا، أم لا؟!

ومن علماء السلفية عنده أيضًا: عبيد الجابري، وهو الذي قال في شريط مسجّل: “نحن نقبل كلام الشيخ ربيع في الجماعات والأفراد دون تمحيص” اهـ فهل قبول قول ربيع دون سؤال عن الدليل، وتحرٍّ للحجة التي اعتمد عليها، ومن ثم تنهال ألفاظ الطعن والجرح والتحذير والهجر للمسلم المخالف لربيع، هل هذا تقليد أيها الناس أم لا؟ فتأملوا بضاعة المشايخ السلفيين وعلماء السنة في نظر ربيع في هذا الباب!!

ومن علماء السلفية عنده أيضًا: الشيخ أحمد النجمي – رحمه الله- وهو القائل: “الذي يتحفظ في كلام الشيخ ربيع في أبي الحسن؛ حزبي، أو هذا دليل على أنه حزبي” اهـ.

هذا مع أن كلام أئمة الجرح والتعديل العدول الراسخين، فرسان هذا الميدان يُتَحَفَّظ في كلام بعضهم إذا ظهر دليل يدل على ذلك، أما ربيع فمنـزلته منـزلة المعصوم الذي لا يتحفظ على قوله في أبي الحسن ولا غيره، ولا يحتاج قوله في الجماعات والأفراد إلى تمحيص!! أي تقليد بعد هذا؟ فإذا أظهر أحد حقيقة هذه العصابة، وأتى بالأدلة الدامغة على قوله؛ حاصوا حيصة الحُمُر المستنفرة، ورمَوْه بكل حَجَر ومَدَر، وجعلوه ممن لا يقيم لمراجع الإسلام في هذا العصر قدْرًا ولا وزْنًا، وخلعوا على أنفسهم ألقاب المشيخة والإمامة والمرجعية!!

وهذه بعض النصوص في التحفظ في بعض كلام الأئمة، وضرورة التمحيص في كلامهم، إذا ظهر دليل يدل عليه: فقد قال الذهبي -رحمه الله- في “تاريخ الإسلام” وفيات سنة (191-200) (ص470)ترجمة يحيى القطان: “وإذا وثَّق يحيى بن سعيد شيخًا؛ فتمسَّك به، أما إذا ليَّن أحدًا؛ فتأنَّ في أمره، فإن الرجل متعنت جدًا، وقد ليَّن مثل إسرائيل وغيره من رجال الصحيح“اهـ.

هذا، ويحيى بن سعيد هو الذي تخرّج به الحفّاظ: مثل أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وابن المديني، وعمرو بن على الفلاس، وأبي خيثمة، وغيرهم، وهؤلاء هم الذين خرّجوا البخاري، ومسلمًا، وأبا داود، والنسائي، والرازيين وغيرهم، وهؤلاء الذين خرجوا النسائي، والترمذي، وغيرهما …. الخ، فانظر كم تخرَّج من حفاظ الدنيا بيحيى بن سعيد القطان، ثم يقول فيه الذهبي ما قال، فأين ربيع من هذا الجبل، حتى يُقبل قوله بدون تمحيص، ولا تحفُظ؟!!

وفي “النبلاء” (13/ 260) ترجمة أبي حاتم الرازي، قال الذهبي: “إذا وثق أبو حاتم رجلاً؛ فتمسَّك بقوله، فإنه لا يُوَثَّق إلا رجلاً صحيح الحديث، وإذا ليَّن رجلاً، أو قال فيه: لا يُحْتَج به؛ فتوقَّفْ حتى ترى ما قال غيره فيه، فإن وثقه أحد؛ فلا تَبْنِ على تجريح أبي حاتم، فإنه متعنت في الرجال، قد قال في طائفة من رجال الصحاح: ليس بحجة، ليس بقوي، أو نحو ذلك“.اهـ.

فتأمل الفرق بين كلام الذهبي -رحمه الله- في هذين الجبلين، وبين كلام أحمد النجمي – غفر الله لنا وله – :”من تحفَّظ في كلام الشيخ ربيع على أبي الحسن؛ فهذا يدل على أنه من الحزبيِّين“.اهـ فإذا كان هذا حال من تحفظ في كلام ربيع، أي: تأنَّى، وتثّبتَ، ولم يسارع في قبول كلامه إلا بعد فحص ورويِّة، مع أنه قد يقبله بعد ذلك التأني؛ فما ظنك بمن رد كلام ربيع بالكلية!!فيا ترى ماذا سيكون حكمه عند أحمد النجمي؟! والأمر كما قال المعلِّمي –رحمه الله تعالى – في “التنكيل”: “من أوسع أودية الباطل: الغلو في الأفاضل“.اهـ فهل سيرضى العلماء وطلاب العلم بمثل هذا الغلو من النجمي؟! وبنحوه قول عبيد الجابري في شريط مسجل: “نحن نقبل كلام الشيخ ربيع في الجماعات والأفراد دون تمحيص“. اهـ بمعناه.

فيا لله العجب!!هذا مع أن يحيى القطان وأبا حاتم لم يقولا في سني- فيما أعلم -: “فلان أخبث أو أكذب من اليهود والنصارى”!! أو “اليهود والنصارى أشرف منه” أو”أضر أهل البدع على الإسلام عبر التاريخ”!! أو “أقسم بالله العظيم؛لوخرج الدجال، أوأي رجل يدعي الربوبيةأوالنبوة؛لاتبعه فلان وأتباعه”!!…إلى غير ذلك مما هو معروف من قاموس ربيع، الذي لا يُبقي ولا يذر!! وقد سبق ذكر هذا في “الدفاع عن أهل الاتباع” (1/ 321-322).

ومع هذا كله، فإنني لا أجرّد هؤلاء ومن دونهم من أتباعهم من السلفية – كما يزعم هذا الرجل- بل بعضهم عندي من أهل العلم، وإن قلّد في هذه المواضع، أو هاب سلاطة لسان هذا الأستاذ!! ومنهم من أصبح ظالمًا يفري في أعراض عباد الله فريًا، ومنهم دون ذلك، [وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا] {الكهف:49}.

هذا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
انتهت الحلقة الثانية، وتليها الحلقة الثالثة – إن شاء الله تعالى-
كتبه
أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني
دار الحديث بمأرب
29 / شوال / 1432هـ