الأسئلة العامة

جـرى اللعن على لسان كثير من النا

السؤال :جـرى اللعن على لسان كثير من الناس عندنا في البادية: شيوخًا وشبانًا ، رجالاً ونساءً، كبارًا وصغارًا ، فترى الرجل يلعن ولده وأخاه وجاره ، بل يلعن والديه ، فيقول : ” لِعِنْ أبوي… ” أو: ” لِعِنْ أمي… ؛ سأفعل كذا وكذا ” ، من باب التهديد ، فبماذا تنصحهم ؟

الجواب : لا شك أن هذا من الفحش في القول, والمنكر الذي لا يرضي الله U ، يقول الله تعالى : ] مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ [ق : 18] ويقول: ] إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [ [الفجر: 14] ويقول U : ] وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينـزغ بينهم [ [الإسراء : 53 ].

 

 

ومن حديث أبي زيد ثابت بن الضحاك الأنصاري أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال : ولَعْنُ المؤمن كقتله ” متفق عليه .

وعند مسلم من حديث أبي هريرة t أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال : ” لا ينبغي لصديق أن يكون لعّانًا ” .

وعند مسلم أيضًا من حديث أبي الدرداء t أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال : ” لا يكون اللعانون شفعاء , ولا شهداء يوم القيامة ” .

ومن حديث ابن مسعود t أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال : ” ليس المؤمن بالطعان , ولا اللعان , ولا الفاحش , ولا البذيء ” أخرجه الترمذي ، وهو موجود في ” صحيح الترمذي ” برقم (1610) و” الصحيحة ” لشيخنا الألباني – حفظه الله – برقم (320) .

وفي ” الصحيحة “ برقم (1269) أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال : ” إذا خرجت اللعنة مِنْ فِيِّ صحابها ؛ نَظَرَتْ : فإن وجدت مسلكًا في الذي وُجّهت إليه ؛ وإلا عادت إلى الذي خرجت منه ” حسنه شيخنا الألباني – حفظه الله – في الجملة .

وعن عمران بن حصين , قال : بينما رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – في بعض أسفاره ، وامرأة من الأنصار على ناقة ، فضجرت , فلعنتها ، فسمع ذلك رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فقال: ” خُذُوا ما عليها , ودعوها ؛ فإنها ملعونة ” قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي بين الناس ، ما يعرض لها . رواه مسلم ، وفي رواية من حديث أبي برزة عند مسلم أيضًا : ” لا تصحبنا ناقة عليها لعنة ” .

والمقصود من ذلك : زجر اللاعنة للناقة التي تسبح الله ، ولا تستحق اللعنة ، فعندما حَرَمها النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – صحبتهم على الناقة ؛ كان ذلك من أشد الزجر لها ، وليس معناه أن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أقر اللاعنة على أن الناقة ملعونة ، ولا حرّم نحرها أو بيعها ، قاله الإمام النووي – رحمه الله – .

واللعن : الطرد من رحمة الله ، فإذا كان اللاعن يخبر بذلك بدون دليل عن الله – عز وجل – أو رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فهو كاذب مفترٍ على الله U ؛ لأن الطرد من رحمة الله أمر غيبي ، لا يعلمه إلا الله تعالى .

فعن أبي هريرة t قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – يقول: ” كان رجلان من بني إسرائيل مُتَوَاخِيَينِ ، فكان أحدهما يُذْنِبُ ، والآخر مجتهد في العبادة ، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب ، فيقول : أَقْصِرْ ، فوجده يومًا على الذنب ، فقال له : أَقْصِرْ ، فقال : خلّني وربي ، أبُعِثْتَ عليّ رقيبًا ؟ فقال : والله لا يغفر الله لك ، أو لا يدخلك الجنة ، فقُبِضَت أرواحُهما ، فاجتمعا عند رب العالمين ، فقال لهذا المجتهد : كُنتَ بي عالمًا ؟! كُنْتَ على ما في يدي قادرًا ؟ وقال للمذنب : اذهب , فادخل الجنة برحمتي ، وقال للآخر : اذهبوا به إلى النار ” .

قال أبو هريرة : ” والذي نفسي بيده ؛ لقد تكلم بكلمة أَوبَقَتْ دنياه وآخرته ” . أخرجه أبو داود وغيره بسند حسن .

فتأمل كيف أن كلمة العابد كانت أكبر من ذنب المسيء ؛ لأن العابد تأَلَّى على الله وتجرأ ، والله المستعان .

وإذا كان الرجل يلعن أباه وأمه ؛ فهذا من الطامات ، وقد استنكر الصحابة أن الرجل يسب أباه وأمه ، فبين لهم النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أن معناه : أن يسب أبا الرجل وأمه ، فيسب الرجل الآخر أباه وأمه , متفق عليه ، فإذا كان من تسبب في لعن والديه آثماً ؛ فما ظنكم بمن يلعنهما مباشرة ؟ كما هو مشاهد في البوادي ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

ونصيحتي للمسلمين : أن يتقوا الله ، ويحفظوا ألسنتهم من اللعن ، ويستبدلوا اللعن بالدعاء بالبركة والخير للأبناء وللمسلمين ، فإن استجاب الله لهم في الخير ؛ فإنهم مأجورون ، وهذا خير من أن يستجيب الله لعنهم ودعاءَهم بالهلاك على أولادهم , وأموالهم؛ فيتجرعوا غصص ذلك في الدنيا والآخرة، والله المسؤول أن يوفق المسلمين لفعل المأمور به , واجتناب المحظور , والله أعلم .

للتواصل معنا