الأسئلة العامة

هل يجوز صوم يوم الشك , أم لا ؟

السؤال: هل يجوز صوم يوم الشك , أم لا ؟

الجواب : في الجواب على ذلك أحتاج أولاً إلى تحديد المراد بيوم الشك ؛ لأن منهم من يقول : يوم الشك : هو يوم الثلاثين من شعبان ؛ إذا كانت ليلته صافية ليس فيها غَيْمٌ , ولم يتراءَ الناسُ الهلالَ , أو شهد برؤيته من لا يُعتمد عليه , أما يوم الغيم ؛ فلا يعد شكًا .

ومنهم من يقول : إذا اختلف الناس : هل هذا اليوم من رمضان أو من شعبان ؛ فهو شك , ومنهم من يقول : الصحو لا يُشَك فيه , والغيم هو الذي يكون فيه الشك .

والذي يترجح عندي : أنه إذا احتمل الأمر أن هذا اليوم من رمضان أو من شعبان ؛ فهو يوم الشك , سواء كان صحوًا أو غيمًا .


 

وأما حكم صوم يوم الشك , ففيه أقوال :

فهناك من يوجب صيامه , وهم جماعة من فقهاء الحنابلة , وهناك من يحرم صيامه عن رمضان , أي يحسب من جملة رمضان ، وهم أكثر أهل العلم : مثل مالك , وسفيان , وابن المبارك , والأوزاعي , والشافعي , وغيرهم , أما إن صامه من شعبان ؛ فرخص فيه جماعة , ومنع منه الشافعي إلا أن يوافق صومًا كان يصومه , فيجوز حينئذ .

وهناك من نهى عن ذلك مطلقًا , أي لا يصومه , في فرض أو نفل .

وهناك من فرق بين يوم الغيم فيصام , ويوم الصحو فلا يصام .

وهناك قول للإمام أحمد : أن ذلك راجع إلى الإمام , إن صام صام الناس معه , وإلا فلا .

وهناك أقوال أخرى .

ودليل من أجاز صيام يوم الشك أو أوجبه عدة أدلة , منها :

(1) حديث عمران بن حصين : عند البخاري (1983) ومسلم (1161) أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – سأل رجلا فقال : ” يا فلان ! أما صُمْتَ سُرَرَ هذا الشهر ؟ ” يعني شعبان , قال الرجل : لا يا رسول الله ! قال :” فإذا أفطرت فَصُمْ يومين ” وفي رواية عند مسلم : ” إذا أفطرت رمضان فَصُمْ يومًا أو يومين ” قالوا : والسرر – بتثليث السين – أواخر شهر شعبان .

كما هو قول جمهور أهل اللغة , قالوا : ولا يكون صيام آخر الشهر إلا يوم الشك هذا , وعندما أمره – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – بصيام يوم أو يومين , دلّ ذلك على وجوب صوم يوم الشك .

(2) حديث ابن عمر : عند البخاري ( 1906) ومسلم ( 1080) أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال : ” لا تصوموا حتى تَرَوُا الهلال , ولا تفطروا حتى تَرَوْهُ , فإن غُمَّ عليكم ؛ فاقدروا له ” قالوا : قوله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – : ” فاقدروا له ” , أي : ضَيِّقُوا على شعبان بصيام آخره , كما في قوله تعالى : ] وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ [ [الفجر : 16] أي : ضَيَّق عليه رزقهُ , وفي سورة الطلاق : ] وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ [ أي : ضُيِّقَ عليه , ولهذا القول معنى آخر مأخوذ من قوله تعالى : ] قَدَّرْنَاهَا مِنَ الغَابِرِينَ [ [النمل : 57] أي : حكمنا بذلك , والمعنى : احْكُموا بطلوعه من جهة الظاهر , وفي رواية : ” فإن غُم عليكم ؛ فأتموا العدة ثلاثين ” كما في “الصحيحين” قالوا : المقصود بذلك عدة رمضان , وهلال شوال , بدليل ما جاء عند مسلم ( 1081) : ” فإن غُم عليكم ؛ فاقدروا العدة , ثم أفطروا ” أي في شوال .

(3) حديث أم سلمة وعائشة : كان رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – يَصِلْ شعبان برمضان ” . وقد صححه شيخنا الألباني – متع الله به – في ” صحيح سنن أبي داود ” (2/444) و” صحيح سنن ابن ماجه ” (1/276) .

4) أثر ابن عمر : أنه كان إذا مضى من شعبان تسع وعشرون ؛ يرسل من ينظر في اليوم الصحو, فإن لم ير الهلال ؛ أصبح مفطرًا, وإن كان غيم , أصبح صائمًا . أخرجه بنحوه عبد الرزاق (7323) وأحمد (2/5) وأبو داود (2320) وغيرهم , والأثر صحيح.

قالوا : وابن عمر راوٍ لحديث : ” صوموا لرؤيته , وأفطروا لرؤيته … ” الحديث , وما كان ليخالف روايته , واستدلوا بأدلة عقلية , وقياسية , وبالاحتياط , والمقام هنا للأدلة النقلية . والله أعلم .

واستدل القائلون بمنع الصيام عن رمضان بأدلة , منها :

(1) حديث أبي هريرة : عند البخاري (1914) ومسلم (1082) أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال : ” لا يتقدمنَّ أحدكم رمضان لصوم يوم أو يومين ؛ إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه ؛ فليصم ذلك اليوم ” .

(2) حديث أبي هريرة عند البخاري (1909): أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال : ” صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته , فإن غُبِّي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ” قالوا : ففي هذا الحديث الإفطار مع الغيم وغيره .

(3) حديث ابن عمر عند البخاري (1907) ومسلم (1080) أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال : ” الشهر تسع وعشرون ليلة , فلا تصوموا حتى تروه , فإن غُم عليكم , فأكملوا العدة ثلاثين “.

(4) حديث ابن عباس من طريق شعبة عن سماك , قال : دخلت على عكرمة في اليوم الذي يُشك فيه من رمضان , وهو يأكل , فقال : ادنُ فَكُلْ , قلت : إني صائم , فقال : والله لتَدْنُوَنَّ , قلت : فَحَدِّثْني , قال : حدثني ابن عباس أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال: “ لا تستقبلوا الشهر استقبالا , صوموا لرؤيته , وأفطروا لرؤيته , فإن حال بينكم وبينه غُبْرَةُ سحاب , أو قترة ؛ فأكملوا العدة ثلاثين ” . أخرجه ابن حبان بهذا اللفظ ( 3590) وقد أخرجه النسائي , وابن خزيمة , وأحمد , وغيرهم بنحو هذا , وهذا الحديث – وإن كان من رواية سماك عن عكرمة , وفيها اضطراب – إلا أنه من رواية شعبة عن سماك , وقد مدحها بعضهم , وأيضًا فسماك قد روى قصة وقعت له مما يدل على ضبطه, وكذا فقد تابعه أشعث ابن سَوَّار – وإن كان مُضَعَّفًا – عند الطبراني في ” الكبير ” (11/271/ 11706) , وقد تابعه آخرون على هذا المعنى , فالظاهر ثبوت هذا الحديث , وقد روى الثوري والقطان عن سماك عن عكرمة قال : ” من صام يوم الشك , فقد عصى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. ” والذي يظهر أن هذا لا يُعِلُّ حديث ابن عباس هذا – إن سلم من اضطراب سماك نفسه – والله أعلم .

5) قول عمار : ” من صام يوم الشك ؛ فقد عصى أبا القاسم – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – .” علقه البخاري , وذكر الحافظ في “التغليق” (3/139-141) من أخرجه , وحسب ما رأيت من طرقه – دون استقراء تام – فلا يصح بهذا اللفظ ، ففيه انقطاع , أشار إليه الحافظ في ” التغليق ” , ورُوي بلفظ : ” إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فكُلْ ” . أخرجه عبد الرزاق , وفيه رجل مبهم بين رِبْعِيِّ بن حِراشٍ وعمار , فلا تطمئن له النفس , إلا أن هناك آثارًا عند ابن أبي شيبة (2/285-286) عن جماعة من التابعين بنحوه , مما يدل على اشتهار هذا المعنى عندهم , والله أعلم .

وهناك كلام في وقفه ورفعه , وقد رجح ابن عبدالبر والحافظ رفعه حُكْمًا , انظر ” فتح الباري ” (4/120) .

(تنبيه) : أقول : ثم توسعتُ في دراسة هذا الأثر ، فترجح عندي أن في ثبوته عن عمار نظرًا , والله أعلم .

واستدلوا أيضًا بأدلة عقلية قياسية , والمقام هنا للأدلة النقلية ، والعلم عند الله تعالى

والذي يترجح عندي في هذا الأمر : أنه لا يجوز صيام يوم الشك ؛ إلا إذا كان قد وافق عادة رجل بالصيام , وقد ورد الخبر في ” الصحيحين ” بذلك ، وإذا كان ذلك في النافلة ؛ فالفرض من باب أولى , كما قال النووي في ” المجموع ” (6/400) وانظر ” فتح الباري “(4/28) ومن ذلك قضاء الفرض الذي ضاق عليه الوقت به , أو نذر معين , ونحو ذلك , وانظر ” الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف ” على مذهب الإمام أحمد بن حنبل للمرداوي (3/348) .

والدليل على عدم الجواز : ما ذكرتُه من أدلة مَنْ مَنَع من صيام يوم الشك بنية الاحتياط لرمضان , حيث جعل رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – الصيام فرعا عن رؤية الهلال , ورُفِعَ عنا التكليف بالاحتياط وغيره في مثل هذا الموضع .

وأما حديث عمران في صيام سُرر شهر شعبان , فمنهم من أجاب عنه بأن سرر الشيء وسطه , وأن المقصود بذلك الأيام البيض , حيث ورد الترغيب فيها بخلاف آخر شهر شعبان , فقد ورد النهي عن الصيام فيه, ومنهم من قال سرر الشيء أوله, لكن الراجح أن المقصود بذلك آخر الشهر , لأنه قول جمهور أهل اللغة , وسُمِّيَ آخرُ الشهور سررًا لاستسرار القمر فيه واختفائه .

ولا بد من التأويل للجمع بين الأدلة , وقد قال الخطابي في “معالم السنن” : ” هذان الحديثان – يعني حديث عمران هذا , وحديث ابن عباس : ” لا تَقَدَّموا الشهر بصيام يوم أو يومين … ” متعارضان , ووجه الجمع بينهما : أن يكون الأول إنما هو شيء كان الرجل قد أوجبه على نفسه بنذره , فأمره بالوفاء به , أو كان ذلك عادة قد اعتادها في صيام أواخر الشهور , فتركه لاستقبال الشهر , فاستحب له النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أن يقضيه ، وأما المنهي عنه في حديث ابن عباس فهو أن يبتدئ المرء متبرعًا به من غير إيجاب نذر , ولا عادة قد كان تعودها فيما مضى ، والله أعلم ” . اهـ من ” مختصر سنن أبي داود” (3/217-218) .

وهذا الجمع أولى من قول من قال : إن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – سأله سؤال استنكار لصيامه آخر الشهر ؛ لأن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – عندما سأله : أصُمْت هذا الشهر ؟ ” قال : لا يا رسول الله , وانظر ” الفتح ” ( 4/231) وقد يقال : الجمع بين الحديثين بحمل النهي على الكراهة , لا التحريم , إلا أن جمع الخطابي أولى لقوله عليه السلام : ” إلا أن يكون يوم صوم أحدكم ؛ فليصمه ” فإن هذا أخص في جواز صوم يوم الشك إذا وافق العادة دون كراهة ، وعلى هذا المعنى يُحمل حديث عمران ، وإذا كان ذلك في النفل ؛ ففي الفرض من باب أولى , والله أعلم .

أما حديث ابن عمر : ” فإن غم عليكم فاقدروا له ” فلا يصح حصر عود الضمير على هلال شوال , بل هو عائد على هلال شوال وهلال رمضان ؛ كما صرحت بذلك الروايات الأخرى .

ورواية البخاري : ” فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ” قد أعلَّها الإسماعيلي وغيره من العلماء , والراجح أنها من تفسير آدم بن أبي إياس , فكل من رواها عن شعبة , بل عن آدم لم يذكر شعبان , إنما هو من تفسير آدم , وأدرجه البخاري في الخبر , وانظر ما قاله الحافظ في “الفتح” (4/121) , والراجح أن قوله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ” فاقدروا له ” أي انظروا في أول الشهر ، واحسبوا تمام الثلاثين ، كما في “الفتح” (4/121) .

ثم قال الحافظ : قال ابن عبد الهادي في “تنقيحه” : ” الذي دلت عليه الأحاديث – وهو مقتضى القواعد – أنه : أيُّ شَهْرٍ غُمَّ أُكْمِل ثلاثين , سواء في ذلك شعبان ورمضان وغيرهما , فعلى هذا قوله : ” فأكملوا العدة ” يرجع إلى الجملتين , وهو قوله : ” صوموا لرؤيته , وأفطروا لرؤيته , فإن غم عليكم ؛ فأكملوا العدة ” أي : غم عليكم في صومكم , أو فطركم , وبقية الأحاديث تدل عليه , فاللام في قوله : ” فأكملوا العدة ” للشهر , أي عدة الشهر , ولم يخص – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – شهرًا دون شهر بالإكمال إذا غم , فلا فرق بين شعبان وغيره في ذلك : إذ لو كان شعبان غير مراد بهذا الإكمال لبيَّنه , فلا تكون رواية من روى : ” فأكملوا عدة شعبان ” مخالفة لمن قال : ” فأكملوا العدة ” بل مُبَيَّنة لها ويؤيد ذلك … ” انتهى. ثم ذكر حديث ابن عباس السابق .

وأما حديث أم سلمة وعائشة – وقد صححهما شيخنا الألباني حفظه الله – فليس فيهما تصريح بالمدعى ؛ لاحتمال أن المراد أكثر شهر شعبان , أو أن ذلك كـان موافقًا لعـادته – صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: كما في حديث أبي هريرة : “إلا أن يكون صوم يوم أحدكم“.

وأما أثر ابن عمر وغيره في التفرق بين الغيم والصحو ؛ فهو مُعَارَضٌ بقول غيرهم من الصحابة الذين لم يروا هذا الرأي .

هذا ملخص أدلة أهل العلم في ذلك , والمسألة طويلة الذيل , وقد صنف القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء الحنبلي جزءًا انتصر فيه لقول من قال بوجوب صوم يوم الشك , ورد عليه الخطيب البغدادي بجزء خاص في المنع من ذلك , وقد أتى على خلاصتهما الإمام النووي
– رحمه الله – في ” المجموع ” ( 6/408- 435) فارجع إليه لمزيد الفائدة .

وإذا كان القول الراجح عدم الصيام في يوم الشك إلا إذا وافق عادة رجل في الصيام , أو كان قضاء لفرض عليه , أو نذرًا أوجبه على نفسه ، وعَيَّنه في هذا اليوم , أو نحو ذلك ؛ فقد ذكر بعض أهل العلم الحكمة من هذا المنع , فقد جاء في ” الفتح ” (4/128) عن بعضهم ، ” أن معنى الحديث : كراهية تعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان لمعنى رمضان , والحكمة فيه التقَوِّي بالفطر لرمضان ؛ ليدخل فيه بقوة ونشاط، وضعَّفه الحافظ فقال : وهذا فيه نظر ؛ لأن مقتضى الحديث : أنه لو تقدمه بصيام ثلاثة أيام أو أربعة جاز … وقيل : الحكمة فيه : خشية اختلاط النفل بالفرض , قال : وفيه نظر لأنه يجوز لمن له عادة كما في الحديث , وقيل : لأن الحكم عُلِّق بالرؤية , فمن تقدمه بيوم أو يومين فقد حاول الطعن في ذلك الحكم , قال الحافظ : وهذا هو المعتمد . انتهى .والعلم عند الله تعالى .

(تنبيه) : أنكر شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – أن يكون القول بالواجب قولاً للإمام أحمد , ولا لأحد من أصحابه – يعني والله أعلم الملازمين له – وإنما كان أحمد يرى استحباب صوم الغيم , وانظر
” مجموع الفتاوى” ( 25/99) .

(تنبيه آخر) : ذكر الترمذي في “سننه” (3/ 70) عن أكثر أهل العلم أن من صام يوم الشك , وظهر أنه من رمضان ؛ أنه يقضي يومًا مكانه . انتهى . ووجهه أنه لم يجزم بنية صيامه من رمضان ، والله أعلم .

للتواصل معنا