السؤال: هل الصلاة على النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – واجبة أم لا ؟
الجواب : اختلف أهل العلم في ذلك :
فذهب أبو حنيفة , ومالك , والثوري , والأوزاعي إلى أنها تجب مرة في العمر , وتستحب في غير هذه المرة , وقد عزاه – في الجملة – عياض وابن عبدالبر إلى الجمهور , وانظر ” جلاء الأفهام في الصلاة على خير الأنام ” صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ص312) .
وكذا قال السخاوي في ” القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع ” صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ص21) فقال : ” وقد أول بعض العلماء هذا القول – يعني القول بالاستحباب – بما زاد على المرة الواحدة , وهو متعين , والله أعلم ” اهـ .
وادعى ابن جرير الطبري الإجماع على أن الأمر بالصلاة على النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أمر استحباب , وقد تعقبه الإمام ابن القيم – رحمه الله – كما في ” جلاء الأفهام ” ( ص312) فقال : ” وادعى ابن جرير فيه الإجماع , وهذا على أصله , فإنه إذا رأى الأكثرين على قول , جعله إجماعا يجب اتباعه …” اهـ .
وذهب القاضي عياض إلى أن الصلاة على النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فرض على الجملة , غير محدد بوقت … اهـ . من ” الشفا بتعريف حقوق المصطفى ” صلى الله عليه وعلى آله وسلم (2/140) وقد نقل هذا القول عن جماعة من العلماء , انظر (2/141-142) .
وقيل : تجب الصلاة على النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – في القعود آخر الصلاة , بين التشهد وسلام التحليل , وهو قول الشافعي وجماعة من الشافعية , وكذا قال إسحاق بن راهويه , وهو آخر الروايتين عن أحمد , كما في ” جلاء الأفهام ” (ص312) .
وقيل : تجب في التشهد , وهو قول الشعبي وإسحاق , وقيل تجب في الصلاة , من غير تعيين لمحل , نُقِلَ ذلك عن أبي جعفر الباقر , انظر ” القول البديع ” (ص29) .
وذهب جماعة إلى وجوب الصلاة على – النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم – كلما ذُكِرَ , ومن هؤلاء : أبو جعفر الطحاوي , وجماعة من الحنفية , وأبو عبد الله الحليمي , والشيخ أبو حامد الإسفراييني , وجماعة من الشافعية , انظر “جلاء الأفهام” (ص312) و” الفتح ” (11/153) و”القول البديع” (ص30) . وقال ابن العربي من المالكية : “إنه الأحوط” كما في ” القول البديع ” (ص30) . وقال السخاوي : ” وعبارة الطحاوي : تجب كلما سَمِعَ ذِكْر النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – من غيره , أو ذكره بنفسه ” اهـ . وفي ” القول البديع ” (ص31) : ” وقد أنشد شهاب ابن أبي حجلة من قصيدة له :
صلوا عليه كما صليتم لتروا |
|
به يوم النجاة نجاحا |
صلوا عليه كل ليلة جمعة |
|
صلوا عليه عشية وصباحا |
صلوا عليه كلما ذكر اسمه |
|
في كل حين غدو ورواحا |
فعلى الصحيح صلاتكم فرض إذا |
|
ذكر اسمه وسمعتموه صراح |
صلى عليه الله ما شب الدجى |
|
وبدا مشيب الصبح فيه ولاحا |
قال السخاوي : ولما ذكر الفاكهي في حديث : ” البخيل من ذُكِرْتُ عنده فلم يُصَلِّ عليَّ ” قال : هذا يقوي قول من قال بوجوب الصلاة عليه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – كلما ذكر , وهو الذي أميل إليه – قال : قلت : ونقل ابن بشكوال عن محمد بن فرج الفقيه أنه كان ينشد بيت حسان :
هجوتَ محمدًا وأجَبْتُ عنه وعند الله في ذاك الجزاءُ
ويزيد فيه : ” – صلى الله عليه وعلى آله وسلم -” فيقال له : ليس يتزن , فيقول : أنا لا أترك الصلاة على النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ثم عقبه ابن بشكوال بقوله : فرحمه الله لقد كان يعجبني ما يفعله , ينفع الله بنيته في ذلك ” اهـ .
ونقل السخاوي عن أبي اليمن ابن عساكر القول بأن الصلاة على النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – واجبة على المكلف إذا سمع ذكره – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – كلما ذكر , لا كما قال من ادعى : أن محمل الآية على الندب , ولا كمن زعم أنها تجب مرة في العمر … اهـ .
وكذا نقل عن أبي بكر الطرطوسي وأبي الليث السمرقندي من الحنفية اهـ (ص31-33) .
وذهب بعضهم إلى أن الصلاة على النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – تجب في كل مجلس مرة , ولو تكرر ذكره مرارًا , قال السخاوي : حكاه الزمخشري عن الأوزاعي , في الكتاب يكون فيه ذكر النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – مرارًا , قال : إن صليت عليه مرة واحدة أجزأك .
قال السخاوي : ” قلت : وحكى الترمذي عن بعض أهل العلم , قال : إذا صلى الرجل على النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – مرة أجزأ عنه ما كان في ذلك المجلس …” اهـ . (ص36).
هذا , وقد سرد المذاهب – مختصرا – الحافظ في ” الفتح ” (11/152) والسخاوي – مطولا – في ” القول البديع ” وابن القيم – دون استيعاب- في ” جلاء الأفهام ” والصنعاني في ” العدة في شرح عمدة الأحكام ” (3/16-20) وهو شبه منقول من كلام ابن القيم – رحمه الله – .
واستدل هؤلاء العلماء وغيرهم بأدلة على أقوالهم :
فاسْتُدِلَّ لمن ذهب إلى وجوب الصلاة على النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – كلما ذُكِرَ اسمه – صلوات الله وسلامه عليه – بأدلة منها :
1- قوله تعالى : ] إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [ ومعلوم أن الصلاة من الله – عز وجل – وملائكته عليه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لم تكن مرة وانقطعت , بل هي صلاة متكررة … ثم أمر المؤمنين بها , فتكرارها في حقهم أحق وآكد لأجل الأمر .
قالوا : ولأن الله تعالى أكد السلام بالمصدر الذي هو التسليم , وهذا يقتضي المبالغة والزيادة في كميته , وذلك بالتكرار .
قالوا : ولأن لفظ الفعل المأمور به يدل على التكثير , وهو : ” صلى وسلم ” فإن ” فعَّل ” المشدد يدل على تكرار الفعل , كقولك : كَسَّرَ الخبز , وقَطَّعَ اللحم , وعَلَّمَ الخير , وبَيَّنَ الأمر , وشدَّد في كذا , ونحوه .
قالوا : ولأن الأمر بالصلاة عليه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – في مقابلة إحسانه إلى الأمة , وتعليمهم , وإرشادهم , وهدايتهم , وما حصل لهم ببركته من سعادة الدنيا والآخرة , ومعلوم أن مقابلة مثل هذا النفع العظيم لا يحصل بالصلاة عليه مرة واحدة في العمر , بل لو صلى العبد عليه بعدد أنفاسه , لم يكن موفيًا لحقه , ولا مؤديا لنعمته – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فجعل ضابط شكر هذه النعمة بالصلاة عليه عند ذكر اسمه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – . اهـ ملخصا من ” جلاء الأفهام ” (ص318).
وأجيب على الآية بأن الأمر المطلق لا يلزم منه التكرار , والماهية تحصل بمرة , وتُعُقِّبَ بأن الأمر المطلق في الآية بينته السنة , بأن ذلك عند ذكره – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – كما سيأتي إن شاء الله .
2- قوله تعالى : ] لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا [ أي فلا يسمونه إذا خاطبوه باسمه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – كما يسمي بعضهم بعضًا , بل يدعونه برسول الله ، ونبي الله , وهذا من تمام تعزيره وتوقيره وتعظيمه , فهكذا ينبغي أن يخص باقتران اسمه بالصلاة عليه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ليكون ذلك فرقًا بينه وبين ذكر غيره , كما كان الأمر بدعائه بالرسول والنبي فرقا بينه وبين خطاب غيره , وهذا على أحد التفسيرين في الآية … اهـ . من ” جلاء الأفهام ” (ص319) .
وأجيب بأن هذا التفسير غير متعين , ولو تعين فلا يلزم القياس عليه .
وذكر ابن القيم – رحمه الله – وجهًا جمع به بين التفسيرين , فارجع إليه إن شئت .
3- واستدلوا بحديث أبي هريرة أن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – رقى المنبر , فلما رقى الدرجة الأولى , قال : ” آمين ” ثم رقى الثانية فقال : ” آمين ” ثم رقى الثالثة فقال : ” آمين ” فقيل : يارسول الله , سمعناك تقول : ” آمين ” ثلاث مرات , قال : ” لما رقيت الدرجة الأولى ؛ جاءني جبريل – صلى الله عليه وسلم – فقال : شَقي عبد أدرك , رمضان فانسلخ منه , ولم يغفر له , فقلت : ” آمين ” ثم قال : شَقِي عبد أدرك والديه ، أو أحدهما ، فلم يدخلاه الجنة , فقلت : ” آمين ” ثم قال : شقي عبد ذكرت عنده ولم يُصَلِّ عليك ، فقلت ” آمين ” . أخرجه البخاري في ” الأدب المفرد ” برقم (646) وابن خزيمة برقم (1888) وغيرهما , وقد روي من غير حديث أبي هريرة , والحديث صحيح بالمجموع , كما بينته في ” كشف الغمة في خصائص رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والأمة ” (ص159-162) وفي بعض الروايات : ” رغم أنف امرئ ” وفي بعضها : ” خاب وخسر عبد ” وفي بعضها ” أبعده الله ” وهذا دعاء على من فعل شيئا من ذلك , وذم له , وتارك المستحب لا يُدْعَى عليه ولا يُذَم , قاله الإمام ابن القيم – رحمه الله – في ” جلاء الأفهام ” (ص313) .
4- حديث أنس , قال رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – : ” من ذُكِرْتُ عنده فليصل عليَّ ؛ فإنه من صلى عليَّ مرة ؛ صلى الله عليه بها عشرًا ” صلى الله عليه وعلى آله وسلم . أخرجه النسائي .
قال ابن القيم – رحمه الله – : ” وهذا إسناد صحيح , والأمر ظاهره الوجوب ” اهـ . (ص313)
5- حديث الحسين بن علي – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال : ” البخيل من ذُكِرْتُ عنده فلم يُصَلِّ عَلَيَّ ” .
أخرجه النسائي في ” عمل اليوم والليلة ” برقم (55-56) والترمذي برقم (3546) وغيرهما ، وهو صحيح بشواهده ، كما بينته في ” كشف الغمة ” ( ص169-170) .
قال ابن القيم – رحمه الله – : قالوا : فإذا ثبت أنه بخيل , فوجه الدلالة من وجهين :
أحدهما : أن البخل اسم ذم , وتارك المستحب لا يستحق اسم الذم , قال الله تعالى : ]والله لا يحب كل مختال فخور الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل[ [الحديد :23-24] فقرن البخل بالاختيال والفخر , والأمر بالبخل , وذم على المجموع ، فدل على أن البخل صفة ذم , وقد قال النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – : ” وأي داء أدوأ من البخل ” 1
الثاني : أن البخيل هو مانع ما وجب عليه , فمن أدى الواجب عليه كله ؛ لم يسم بخيلا , وإنما البخيل مانع ما يستحق عليه إعطاؤه وبذله ” . اهـ (ص315) .
6- مرسل محمد بن علي بن أبي طالب – المعروف بابن الحنفية – أن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال : ” من نسي الصلاة عَلَيَّ ؛ خطىء طريق الجنة ” وقد روي مسندا , والصواب أنه مرسل , والله أعلم .
7- أن الله سبحانه وتعالى أمر بالصلاة والتسليم عليه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فالأمر المطلق للتكرار , ولا يمكن أن يقال : التكرار هو كل وقت , فإن الأوامر المكررة إنما تتكرر في أوقات خاصة , أو عند شروط وأساليب تقتضي تكرارها , وليس وقت أولى من وقت , فتكرر المأمور به بتكرار ذكر النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أولى لما تقدم من النصوص اهـ . من كلام ابن القيم – رحمه الله – (ص315-316).
وأطال في تقرير ذلك (ص316-318) , وقد استدل الشافعي بنحو ذلك على وجوب الصلاة على النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – في الصلاة .
8- أن عدم الصلاة عليه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – من الجفاء ، وعدم الإجلال ، والتعظيم ، والتوقير ، وتمام المحبة الواجبة .
وأجيب بأن هذا استدلال بموضع النـزاع , وفيه مصادرة لقول المخالف , وكون عدم الصلاة عليه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – من الجفاء روي من مرسل قتادة , ولا يحتج به .
هذا ملخص ما استدل به من قال بوجوب الصلاة عند ذكر النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – .
واستدل من قال بوجوبها في التشهد ببعض ما ورد في تعليم النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – للصحابة كيف يصلون عليه – صلوات الله وسلامه عليه – وقد نوزع من استدل بذلك نزاعا طويلا , انظر ” القول البديع ” (ص22) وما بعدها .
واستدل من نفى وجوب الصلاة على النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – بأدلة أكثرها أدلة عقلية , فمن ذلك :
1- أنه لم ينقل عن السلف أنه كلما ذُكِرَ النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – صلوا عليه , فيأتيه الصحابي , ويناديه , فيقول : يا رسول الله , ولم ينقل أن القائل أو المستمعين صلوا على النبي – صلى الله عليه وسلم – ومثل ذلك – لكثرة وروده – لو وقع لنقل , ولما لم ينقل , دل على عدم الوقوع ، ولما لم يقع ، دل على عدم الوجوب .
2- لو كان ذلك واجبًا ؛ لبينه النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – بيانا يقطع العذر , وتقوم به الحجة .
3- أن القول بالوجوب لم يعرف عن أحد من الصحابة أو التابعين , والجمهور على خلافه .
4- أن ذلك لو كان واجبا ؛ للزم المؤذن أن يقول : ” أشهد أن محمدًا رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ” وهذا لا يشرع في الأذان , فضلا عن وجوبه .
5- ولو كان ذلك كذلك ؛ للزم المستمع أن يقول ذلك أيضا , وقد اقتصر النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – عندما علمنا كيف نردد الأذان , على قوله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – : ” أشهد أن محمد رسول الله ” .
6- أن المسلم إذا دخل الإسلام بتلفظه بالشهادتين , لم يحتج إلى أن يقول : ” أشهد أن محمد رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ” .
7- أن ذلك لو كان واجبًا , للزم الخطيب في الجمعة والأعياد .
8- ولو وجب ذلك ؛ لوجب على القارئ أن يقطع قراءته للقرآن , أو صلاته لأدائها , ولو كان كذلك ؛ لسبق إليه الصحابة , ولنقل إلينا عنهم .
9- ولو كان كذلك ؛ لوجب الثناء على الله عند ذكره سبحانه , كأن يقال : ” سبحانه وتعالى ” أو ” تعالى جده ” أو ” عز وجل ” أو ” تبارك وتعالى ” ونحو ذلك ، بل كان ذلك أولى وأحرى .
10- ولو وجب ذلك , للزم ذلك عند سماع من ليس له هِجِّير إلا قوله : ” اللهم صل على محمد ” أن يقول من سمعه : ” صلى الله عليه وعلى آله وسلم ” ولو لزم ذلك ؛ لحدث حرج ومشقة في ترك القارئ قراءته , والدارس دراسته , وصاحب الحاجة حاجته , وقد جاءت الشريعة برفع الحرج اهـ . بمعناه من ” جلاء الأفهام ” (ص322-326) .
11- أن الصلاة عليه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – متضمنة لذكره , فيحتاج إلى صلاة أخرى , وهكذا , فيلزم التسلسل .
وليس هذا بشيء لأنه لا يتصور وقوعه – ولو على وجه الاستحباب الذي يقولون به أيضا – .
ولا شك أن بعض هذه الردود فيه تكلف , والبعض الآخر لا يمكن تجاوزه , وقد سلم بذلك ابن القيم – رحمه الله – فقال : ” ولكل فرقة من هاتين الفرقتين أجوبة عن حجج الفرقة المنازعة لها , بعضها ضعيف جدًّا , وبعضها محتمل , وبعضها قوي , يظهر ذلك لمن تأمل حجج الفريقين , والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب ” اهـ . (ص326).
وهكذا خرج ابن القيم من النـزاع , ولم يرجح – خلافا لعادته – وما ذلك إلا لما في إلزامات نفاة الوجوب من بعض القوة , فلو قلنا بوجوب الصلاة عليه كلما ذكر – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لورد علينا ما في رد النفاة الأول والرابع والخامس والعاشر , ومع أن أدلة القائلين بالوجوب نقلية وقوية جدًّا ؛ إلا أن الأخذ بظاهرها سيترتب عليه إيرادات كثيرة , ولو سلَّم القائلون بالوجوب بعدم الوجوب ولو في موضع واحد ؛ انتقض عليهم مذهبهم , أو تكلفوا في التفرقة بين موضع وغيره , وقد أجاب نفاة الوجوب عن أدلة القائلين بالوجوب : بأنها خرجت مخرج المبالغة في تأكيد ذلك وطلبه , في حق من اعتاد ترك الصلاة ديدنا اهـ . من ” القول البديع ” (ص35) ومابعدها .
ولعل هذا القول هو الذي تميل إليه النفس الآن – على ما فيه – وإن كنت قد قلت بمذهب من قال بالوجوب في كتابي : ” كشف الغمة ” (ص159) وما بعدها .
وهناك من أراد التوسط في الخلاف , فذهب إلى وجوب الصلاة على النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – مرة واحدة في المجلس , لحديث : ” ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه , ولم يصلوا على النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – إلا كان عليهم ترة ” – أي حسرة – وفي رواية ” إلا تفرقوا على أنتن من ريح الجيفة ” أخرجه الحاكم (1/550) وغيره , وهو حديث صحيح , من حديث جماعة من الصحابة , كما في ” كشف الغمة ” (ص167-167).
وعندي : أن ما قيل في الأحاديث السابقة في الصلاة عليه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – إذا ذكر , يمكن أن يقال به في هذا الحديث وما في معناه .
فلعل القول بالاستحباب أقرب للصواب , تحاشيا للإلزامات السابقة – على ما في النفس من هذا القول للأدلة النقلية السابقة – والله أعلم .
(تنبيه) : من كان من ديدنه ترك الصلاة على النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فالظاهر عندي أن هذا من الجفاء , وعليه يتنـزل ما سبق من أدلة , كما قال السخاوي – رحمه الله – .
أضف تعليق