الأسئلة الحديثية

ما هو الحديث المعنعن وما هو حكمه؟

السؤال: ما هو الحديث المعنعن وما هو حكمه؟

تعريف الحديث المعنعن :

هو:” الحديث الذي يرويه الراوي عن شيخه بصيغة ” عن ” دون أن يذكر سماعًا، أو تحديثًا، أو إخبارًا ، أو نحو ذلك ” .

المسألة الثانية : هل الحديث المعنعن من قبيل المقبول أو من قبيل المردود ؟

اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :

1- فمنهم من قال : إنه مردود مطلقًا .

2- ومنهم من قال : إنه مقبول مطلقًا .

3- ومنهم من فَصَّل – وهم الجمهور – فقالوا : إن الراوي إذا عنعن عن شيخه؛ قُبِلَ قولُه بشروط ثلاثة :

أ‌- العدالة في الرواية ، فتشمل العدالة في الدين  والضبط .

ب- البراءة من التدليس .

ج- لقاء الراوي بشيخه (1).

وقد اتفق العلماء على الشرطين الأولَيْن ، واختلفوا في الثالث على أقوال :

1- فمنهم من اشترط طول الصحبة بين الراوي وشيخه ، وهذا قول أبي المظفر السمعاني .

2- ومنهم من اشترط أن يكون الراوي المعنعِن معروفًا بالرواية عن شيخه ، وهو قول أبي عمرو الداني.

3- ومنهم من اشترط ثبوت اللقاء ولو مرة واحدة ، وذكر بعضهم أن هذا مذهب ابن المديني ، والبخاري ، ونسبه ابن رجب إلى المحققين ، وذكر أقوالاً عن كثير منهم ، وبَيَّن أنها أخص من كلام ابن المديني ، والبخاري .

4- ومنهم من اكتفى بإمكان اللقاء ، وهو مذهب الإمام مسلم –رحمه الله – وحكى الإجماع عليه ، ولايُسلَّم له ذلك دعوى الإجماع (1) .

والذي يترجح لي : الأخذ بمذهب مسلم مالم يغمز إمام في السماع ، فيؤخذ بقوله عند ذاك ، وهو مذهب المحققين ، والله أعلم .

فإن قيل : إذا كانت العنعنة محمولة على الاتصال بالسماع ونحوه ، فلماذا لايقول الراوي : حدثني فلان ، أو سمعت فلان ، ونحو ذلك ؟

فالجواب : لقد أجاب على ذلك الخطيب – رحمه الله – في ” الكفاية ” (2) فقال : ” إنما استجاز كَتَبَةُ الحديث الاقتصار على العنعنة ؛ لكثرة تكررها ، ولحاجتهم إلى كتْب الأحاديث المجملة بإسناد واحد ، فتكرار القول من المحدث : ” حدثنا فلان ” عن سماعه من فلان : يشق ويصْعُب ؛ لأن لوقال : أُحدِّثكم عن سماعي من فلان ، وروى فلان عن سماعه من فلان ، وفلان عن سماعه من فلان ، حتى يأتي على أسماء جميع مُسْنِدي الخبر ، إلى أن يُرفع إلى النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وفي كل حديث يَرِدُ مثل ذلك الإسناد ؛ لطال وأضجر ، وربما كثر رجال الإسناد حتى يبلغوا عشرة وزيادة على ذلك ، وفيه إضْرارٌ بكتَبة الحديث ، وخاصة المقلين منهم ، والحاملين لحديثهم في الأسفار ، ويَذْهب بذكر ما مثَّلْناه مدةٌ من الزمن ، فساغ لهم – لأجل هذه الضرورة – استعمال : ” عن فلان ” . . . . ” اهـ .

المسألة الثالثة : حالات العنعنة قبولاً وردًّا :

للعنعنة حالات تُقْبل فيها، وتكون محمولة على الاتصال ، وأخرى يُتَوقف فيها أو تُرَدُّ ، ومنها :


1- أن يثبت سماع الراوي من شيخه في رواية صحيحة ، أو يصرح إمام بأن الراوي سمع من شيخه ، فالعنعنة تكون في بقية حديثه محمولة على السماع ، مالم يكن مدلسًا .

2- أن يصرح إمام بعدم سماع الراوي من شيخه ، فالرواية المعنعنة هنا منقطعة، ولاتُقْبَل .

3- أن يثبت سماع التلميذ من الشيخ في بعض الأحاديث دون البعض الآخر ، ثم يروي التلميذ البعض الآخر بالعنعنة، موهمًا السماع من شيخه ، فهذه عنعنة مدلِّس، يُتَوقف فيها .

4- أن يمكن لقاء الراوي بشيخه مع براءته من التدليس ، وبراءته من طَعْنِ إمامٍ في سماعه من شيخه ، فالعنعنة هنا محمولة على الاتصال .

5- أن يمكن لقاء الراوي بشيخه مع براءة الراوي من التدليس ، لكن قد طعن إمام في سماعه من ذلك الشيخ ، فالرواية المعنعنة هنا يُتوقَّف فيها .

فإن قيل : إن هذه الحالة الأخيره إنما تكون فيها العنعنة من قبيل المنقطع؛ إذا كان الطاعن في السماع غير البخاري أو شيخه ابن المديني ، لأنهما يشترطان ثبوت اللقاء ؟

فالجواب: أن هذا القول لايُسَلَّم به ؛فإن مذهب البخاري وابن المديني هو مذهب المحققين ، وعلى هذا فإذا طَعَنَا في سماع راوٍ؛ فإنه يقبل منهما ، كما يُقْبل طعن بقية الأئمة .

وقد تقدم الكلام على هذه المسألة بتوسع في الحديث الصحيح ، والله أعلم .

 

المسألة الرابعة : الحديث المؤنَّن ، ويقال : المؤنأن : وفيه مبحثان :

1- تعريفه : وهو : ” مارواه الراوي بصيغة ” أن ” دون أن يذكر سماعا، أو تحديثا، أو إخبارا، أو نحو ذلك .

2- حكمه : اختلف العلماء في حكم الحديث المؤنَّن على قولين :

أ‌- فمنهم من ذهب إلى أنه من قبيل المنقطع .

ب-وذهب الجمهور إلى أن حُكْم ” أَنَّ ” هو حُكْم ” عَنْ ” وأنه لااعتبار للحروف والألفاظ فقط .

وعندي: أن في الحديث المؤنَّن تفصيلا ، وذلك أن الراوي – غير الصحابي – إذا قال: إن فلانًا قال ، فهو بين حالين :

إما أن يكون قد أدرك زمن الشئ الذي يرويه، أو لا ؟ فإن كانت الحالة الأولى؛ فهو كالحديث المعنعن، حسب تفصيله السابق ، وإن لم يكن مدركا؛ ففيه تفصيل ذكرته في كتاب ” إتحاف النبيل ” (1) .

وخلاصته : أن الراوي إذا لم يشهد ما حكاه : فالراجح الحكم بعدم الاتصال ، وإن لم يكن الراوي مدلِّسًا ؛ لأنه لم يُسْند ذلك إلى من فوقه ، ولم يشهد وقوع ما حكى عنه شيخه ، إلا إذا ظهرت قرينة تدل على الاتصال : كأن ياتي الحديث من طريق أخرى محفوظة ، بإسناد ذلك إلى الشيخ ، أو ما يدل على أن الراوي تسامح في التعبير عند روايته ، أو يكون مشهورًا بالرواية عن شيخه ، أو يخرج الحديث كذلك أحد الشيخين ولايُنتقد عليه ، فكل ذلك يشير إلى الاتصال ، والله أعلم .

( فائدة ) : ذكر الحافظ أن لفظة ” عن ” و ” أنَّ ” قد تَرِدُ ولايتعلق بها حكم باتصال ولا انقطاع، بل يكون المراد بها سياق قصة، سواءأدركها الناقل أو لم يدركها ، ويكون هناك شئ محذوف مقدر، وضَرَبَ أمثلةً لذلك، منها : ما أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه قال : ” ثنا أبوبكر بن عياش ثنا أبوإسحاق عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه، ثم قال الحافظ :لم يُرِدْ أبو إسحاق بقوله: ” عن أبي الأحوص ” أنه أخبره بذلك ، وإنما فيه شئ محذوف تقديره: ” عن قصة أبي الأحوص ” أو “عن شأن أبي الأحوص ” وما أشبه ذلك، لأنه لايمكن أن يكون أبو الأحوص حَدَّثَه بعد قَتْله “(1) اهـ.







(1)انظره ملخصًا في ” النكت ” للحافظ ( 2 / 583 – 584 ) وقد صرح بهذه الشروط ابن عبدالبر ، بل ادعى الإجماع على ذلك ، انظر ” التمهيد ” ( 1 / 12 ) وفي كلام الحافظ في ” النكت ” ( 2 / 583 ) حمل الإجماع على القبول لا الحكم بالاتصال ، وفيه نظر ، انظر ” توضيح الأفكار ” ( 1 / 330 – 331 ) ، وقد ذكر الإجماع على أن المعنعَن من غير المدلي مع اللقي والسماع محمول على الاتصال آخرون ، منهم : الحاكم في ” المعرفة ” ( ص 34 ) والخطيب في ” الكفاية ” ( ص 421 ) وأبوعمرو الداني ، نقله عن ابن الصلاح ، وانظر ” النكت ” ( 2 / 583 ) .

(1) انظر المذاهب في العنعنة في “شرح علل الترمذي ” لابن رجب ( 1 / 359 – 377 ) وكتابي ” إتحاف النبيل ” ( 2 / 189 – 198 ) السؤال ( 218 ) .

(2) ( ص 153 – 154 ) .

(1) ( 2 / 197 ) السؤال ( 218 ) .

(1) انظر ” النكت ” ( 2 / 586 – 587 ) .

للتواصل معنا