الأسئلة العامة

هل الحلف بالطلاق بنية اليمين يُعْتبر شركًا؟ لأنه حَلِفٌ بغير الله.

[س68] سؤال: هل الحلف بالطلاق بنية اليمين يُعْتبر شركًا؟ لأنه حَلِفٌ بغير الله.

الجواب: لقد اطلعتُ في الجواب على سؤالك على فتوى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمة الله عليه- في إجابته على سؤال سائل قريب من سؤالك، ولذلك رأيت أن أنقل لك فتوى سماحة الشيخ -رحمه الله- فإنها أسدُّ وأنفع لي ولك وللقراء -إن شاء الله تعالى-:

سائل يقول: سمعنا في برنامجكم “نور على الدرب”: أن الحلف بغير الله حرام، كما سمعنا فيه أن الشخص إذا حلف بالطلاق فلا تطلق زوجته. أليس في ذلك تناقض يا سماحة الشيخ؟

الجواب: الحلف بغير الله منكر، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “من كان حالفا فليحلف بالله، أو لِيَصْمُتْ([1]) وقال عليه الصلاة والسلام: “من حلف بغير الله؛ فقد كَفَرَ أو أشرك([2]) وهو حديث صحيح، وقال -عليه الصلاة والسلام-: “من حلف بالأمانة فليس منا([3]) وقال: “لا تحلفوا بآبائكم، ولا بأمهاتكم، ولا بالأنداد، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون([4]).

هذا حُكْمه -عليه الصلاة والسلام- وهو مَنْعُ الحلف بغير الله كائنا من كان، فلا يجوز الحلف بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ولا بالكعبة، ولا بالأمانة، ولا بحياة فلان، ولا بشَرَفِ فلان، وكل هذا لا يجوز؛ لأن الأحاديث الصحيحة دلت على منع ذلك، وقد نقل أبو عمر ابن عبد البر الإمام المشهور -رحمه الله- إجماع أهل العلم على أنه لا يجوز الحلف بغير الله، فالواجب على المسلمين أن يحذروا ذلك، وليس لأحد أن يحلف بحياة فلان، أو شرف فلان، أو بالكعبة، أو بالنبي، أو بالأمانة، كل هذا لا يجوز.

أما الطلاق فليس من الحلف في الحقيقة، وإن سماه الفقهاء حلفا، لكن ليس من جنس هذا، الحلف بالطلاق معناه: تعليقه على وجه الحث، أو المنع، أو التصديق، أو التكذيب، مثل لو قال: والله ما أقوم، أو والله ما أكلم فلانا، فهذا يُسَمَّى يمينا، فإذا قال: علي الطلاق ما أقوم، أو علي الطلاق ما أكلم فلانا؛ فهذا يُسَمَّى يمينا من هذه الحيثية، يعني من جهة ما يتضمنه من الحث، أو المنع، أو التصديق، أو التكذيب، سُمِّيَ يمينا لهذا المعنى، وليس فيه الحلف بغير الله، فهو ما قال: بالطلاق ما أفعل كذا، أو بالطلاق لا أكلم فلانا، فهذا لا يجوز.

ولكن إذا قال: علي الطلاق ألا أُكَلِّم فلانا، أو علي الطلاق ما تذهبي([5]) إلى كذا وكذا، أي زوجته، أو علي الطلاق ما تسافري([6]) إلى كذا وكذا، فهذا طلاق مُعَلَّق، يُسَمَّى يمينا؛ لأنه في حكم اليمن من جهة الحث، أو المنع، أو التصديق، أو التكذيب، فالصواب فيه أنه إذا كان قَصَد مَنْعَها، أو مَنْعَ نفسه، أو مَنْعَ غيره من هذا الشيء الذي حلف عليه؛ فيكون حكمه حكم اليمين، وفيه كفارة يمين.

وليس في هذا مناقضة لقولنا: إن الحلف بغير الله ما يجوز، وليس في هذا مخالفة؛ لأن هذا شيء وهذا شيء، فالحلف بغير الله مثل أن يقول: باللات والعزى، بفلان، بحياة فلان، وحياة فلان، هذا حلف بغير الله، أما هذا فطلاق معلق ليس حلفا في المعنى الحقيقي بغير الله، ولكنه حلف في المعنى من جهة منعه وتصديقه وتكذيبه، فإذا قال: عليه الطلاق ما يكلم فلانا، فكأنه قال: والله ما أكلم فلانا، أو لو قال: علي الطلاق ما تكلمين فلانا -يخاطب زوجته- فكأنه قال: والله ما تكلمين فلانا، فإذا حصل الخلل وحَنث في هذا الطلاق؛ فالصواب: أنه يُكَفِّر عن يمينه بكفارة يمين، أي أن له حكم اليمين إذا كان قَصَدَ مَنْعَ الزوجة أو مَنْعَ نفسه، وما قصد إيقاع الطلاق، إنما نوى مَنْعَ هذا الشيء، مَنْعَ نفسه، أو مَنْعَ الزوجة من هذا الفعل، أو من هذا الكلام فهذا يكون له حكم اليمين عند بعض أهل العلم، وهو الأصح، وعند الأكثرين يقع الطلاق.

لكن عند جماعة من أهل العلم لا يقع الطلاق وهو الأصح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وجماعة من السلف -رحمة الله عليهم-: لأنه له معنى اليمين من جهة الحث، أو المنع، أو التصديق، أو التكذيب، وليس له معنى اليمين في تحريم الحلف بغير الله; لأنه ليس حلفا بغير الله، وإنما هو تعليق، فينبغي فهم الفرق بين هذا وهذا، والله أعلم”. انتهى من كتاب: “فتاوى نور على الدرب” (1/181).

قلت: وإذا كان الحلف بالطلاق ليس حلفًا بغير الله، إنما له حكم اليمين بالله فقط؛ فلا يكون شركًا، ولا يردُ فيه التفصيل الذي ذكره العلماء: أن من حلف معظمًا للمحلوف به غير الله؛ فهو شرك، وإلا فلا يكون من الشرك الأكبر، والله أعلم.

([1]) صحيح البخاري الشهادات (2533) ,صحيح مسلم الأيمان (1646) ,سنن الترمذي النذور والأيمان (1534) ,سنن النسائي الأيمان والنذور (3766) , سنن أبي داود الأيمان والنذور (3249) ,سنن ابن ماجه الكفارات (2094) ,مسند أحمد بن حنبل (2/7), موطأ مالك النذور والأيمان (1037) ,سنن الدارمي النذور والأيمان (2341) .

([2]) صحيح البخاري الأدب (5757) ,صحيح مسلم الأيمان (1646) ,سنن الترمذي النذور والأيمان (1535) ,سنن النسائي الأيمان والنذور (3766) ,سنن أبو داود الأيمان والنذور (3251) ,سنن ابن ماجه الكفارات (2094) ,مسند أحمد بن حنبل (2/125) ,موطأ مالك النذور والأيمان (1037) ,سنن الدارمي النذور والأيمان (2341) .

([3]) سنن أبي داود الأيمان والنذور (3253) ,مسند أحمد بن حنبل (5/352) .

([4]) صحيح البخاري المناقب (3624) ,صحيح مسلم الأيمان (1646) ,سنن الترمذي النذور والأيمان (1534) ,سنن النسائي الأيمان والنذور (3766) , سنن أبي داود الأيمان والنذور (3249) ,سنن ابن ماجه الكفارات (2094) ,مسند أحمد بن حنبل (2/76) ,موطأ مالك النذور والأيمان (1037) ,سنن الدارمي النذور والأيمان (2341) .

([5]) كذا.

([6]) كذا.

للتواصل معنا