فقد اطلعتُ على مقال هزيل – كالعادة- كتبه الشيخ ربيع المدخلي، بتاريخ 15/شوال/1432هـ ردًّا على بعض الشباب المشرفين على منتدى “كل السلفيين” وعَنْون له بقوله: “بيان من هم أسباب الفتن وأسسها ورؤوسها ومثيروها” الحلقة الأولى، وكان رده هذا على مقال لأولئك الشباب، والذي بعنوان: “السبب الأساس وراء إثارة الشيخ ربيع المدخلي للفتن بين السلفيين” والذي نُشر بتاريخ 1/شوال/1432هـ، وقد سبق لهؤلاء الشباب مقال آخر بتاريخ 23/12/2010م، بعنوان: “لأهل الإنصاف فقط (مَن / ما) المسؤول الأبرز عن تفرُّق كلمة السلفيين في العالم!؟“، وقد أظهر هؤلاء الشباب – جزاهم الله خيرا- بجلاء في هذين المقالين أن السبب الأكبر والأبرز في ذلك هو الشيخ المدخلي، كما أظهروا الأسباب التي تحمله على ذلك من إعجابه الشديد برأيه، وحرْبه الضروس على من يخالفه في مسائل الاجتهاد، وزدْ على ذلك إغراقه في الغوْص في الضمائر والسرائر، ورهق في لسانه لا يعرف الورع والحرص على الحسنات إذا خُولف، والاستماتة في خنادق الفجور في الخصومة … إلى غير ذلك مما لايشكُّ فيه من خَبَر حال الرجل، وجَرَّب الخلاف معه، وقد ذكرتُ عنه في ذلك من الخلال والخصال ما يكفي في كتابي “الدفاع عن أهل الاتباع” فنسأل الله لنا وله الهداية من الغواية، والسلامة من الضلالة ومن العماية، وحُسْن الخاتمة في النهاية.
وبَدَل أن يرعوي الشيخ المدخلي، ويكثر من زاد الآخرة وهو في هذا السن، وينتفع بنصح الناصحين ونقْد الناقدين له بما لا يبلغ عُشْر معشار أسلوبه مع الآخرين؛ هاج وماج، وأَزْبَدَ وأَرْعَدَ، وطاش حِلْمُه وقَلَمُه في المتكلم والساكت، والحاضر والغائب، وكعادته في اللفلفة ذهب يُجَمِّع ويلقِِّط البعرة والتمرة، والحبل والحيَّة، ليرمي مخالفه بكل حَجَر ومَدَر، وليثبت للناس أنه الحَمَل الوديع، وأن غيره الوحش المفترس الكاسر، الغادر الماكر الفاجر، المتحلل من أصول الديانة، المنابذ لكل خُلُق كريم!! متناسيًا أن الحقائق لا تثبت بهذه الشقاشق، وأن الحق أبلج، والباطل لجلج، وأن منهجية الرجل – فيما خالفناه فيه- باتت بمنأى عن منهجية كبار العلماء، الذين ما فتئ أن ينتحلهم، ويتمسح فيهم في الظاهر، ويغمزهم في الجلسات الخاصة، وعلى فلتات لسانه، ألا يُدْرك هذا الرجل بعد هذه السنين فساد ما هو عليه، وهو يرى من يمدحهم اليوم يلعنهم غدًا؟ ومن يناصره اليوم يتخلى غدًا عنه؟ ومن يُثني عليه اليوم يؤلف في سقطاته ومخالفاته بعد ذلك؟ ألم يبلغك يا هذا ما حال زبانيتك وجلاوزتك في مشارق الأرض ومغاربها الذين تفرقوا فرقًا وأحزابًا، ينهش بعضهم لحوم بعض، مع عظيم ما تبذله من جهد حتى لا تفوح رائحتهم المنتنة، وحتى لا يفرح بكم الآخرون، كما تظن وتذكر ذلك لهم؟! ألا يكفيك هذا في إعادة النظر في منهجك القائم على الولاء والبراء في مسائل الاجتهاد؟ ألا يحملك هذا على التصحيح بدل أن تلجَّ في الخصومة والجدال، وترمي مخالفك بكل سيء وقبيح؟ ألا ترحم نفسك من الانتقائية والتناقضات التي تعيش فيها؟ فبينما تقيم الدنيا ولا تقعدها على كلمة لشخص؛ إذا بك تبتلع لغيره ما لا يُحتمل في ميزانك؟! إننا والله نشفق عليك، ونحب لك الخاتمة الحسنة، ونعيذ أنفسنا وإياك من طول العمر وسوء العمل، ولا يظلم ربك أحدًا.
وكأنه من المحرمات في أصول الشيخ ربيع أن يرد على أحد ويسكت عن الآخرين، بل لابد أن يطوف على جميع خصومه، وكأنها سُبْحَة يزيد خرزها يومًا بعد يوم، فكل يوم تظهر أسماء جديدة ممن يراهم الشيخ المدخلي أخبث أهل الأرض، وألدّ أعداء السلفية عبر التاريخ، وأكْذب، وأجهل، وأضر ….الخ مما لا يخلو منه مقال أو جواب لهذا الرجل، وقد كان من قبل يبالغ في مدحهم لما كانوا على شاكلته، أو كان يرجو خضوعهم لقوله!!
وهذا أوان الشروع في المقصود من ردِّي على بعض ما جاء في مقال الشيخ المدخلي – هداني الله وإياه-:
1- ذكر الشيخ ربيع أن رؤوس مخالفيه يصبُّون على السلفية والسلفيين – يعني بالسلفية والسلفيين نفسه وأتباعه ومنهجهم- بلايا مصحوبة بالأكاذيب والخيانات والغدر … اهـ، وهذه دعوى منه عاطلة باطلة، فردودي – على سبيل المثال- عليه مطبوعة منشورة، وما ذكرتُ كلمة عنه إلا من كتاب له، موثّقًا إياها بالجزء والصفحة، أو من شريط، فأنقل الكلمة بلفظها بل بلَحْنها، وأذكر اسم الشريط، والوجْه الذي فيه الكلمة، ثم أرد عليه من عدة وجوه، بعضها زاد عن عشرة وجوه، أما هو فلا ينقل – في كثير من أحواله- كلام خصمه، بل يقرأه هو، ويفهم منه شيئًا ما، ثم يعنون لذلك عنوانًا ينادي على مخالفه بالزندقة والمروق، ثم يرد على خصم لا وجود له، وعلى عقيدة لا قائل بها ممن يسميهم!!
وقد ذكرتُ لذلك أمثلة كثيرة في “الدفاع عن أهل الاتباع” ومن نظر في ردوده وردود كثير من أتباعه – آنذاك- لرأي أنها أولى بالوصف الذي يرمي غيره به، والأمر كما قيل: رمتني بدائها وانسلّت.
2- ثم ذكر أنه يرافق تلك الأكاذيب من مخالفيه ثناء على المذاهب الرافضية والخارجية والصوفية الضالة المنتسبة إلى المذاهب السنية اهـ وأنا أتحدى هذا الرجل الذي يصف غيره بالأكاذيب والفجور والخيانات أن يأتي بكلمة واحدة من كتبي وأشرطتي مما يدل على ذلك، وإلا فليعرف الجميع من صاحب الأكاذيب والخيانات …الخ؟
ولو سلمنا أن أحدًا خالف الشيخ المدخلي في حكمه على شخص ما وفي جزئية ما من كلام له، أيكون بهذا ممن يُثني على هذه الجزئية المختلف في الحكم عليها؟ فضلاً عن بقية كلام هذا الرجل، فضلاً عن بقية أصول هذا المذهب الباطل؟ فضلاً عن أصول بقية المذاهب الأخرى الضالة؟ أهذا كلام من يعرف ما يخرج من رأسه؟! وإن كان الشيخ ربيع يعني بذلك غيري فليذكر كلامه بنصه، وليوثقه بالطرق العلمية، ثم يجعل لغيره فرصة النظر في هذا الكلام أيضًا، ثم يقرر: هل يوافقه على اتهامه أم لا، هكذا عرفنا المنهج العلمي المنصف، وإلا فما فائدة درجة الأستاذية التي بلغها هذا (الأستاذ!!) وهو لا يقيم لمنهجيتها وزنًا، فينسب إلى الرجل كلامًا دون توثيق له عنه، وإن وثَّقه؛ فبدون فقه لمعناه، وإن فقهه؛ فبدون معرفة لأسباب قبوله أو رده، وإن ردّه؛ فبدون معرفة لمنزلة هذا الرد، وقدْر هذا الخطأ، وإن عرف؛ فبدون مراعاة لما يؤول إليه الرد من مصالح ومفاسد!! أهكذا تكون الأستاذية التي يفاخر هذا الأستاذ ببلوغ درجتها؟ فنعوذ بالله من الهوى الذي يُعمي ويُصم، ويؤول بالمرء إلى الانسلاخ من الرتب السنية بعد بلوغها، والعجب بعد أن قال ما قال ذهب يتلو قول الله عز وجل: [وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ] {الحج:30} وقوله سبحانه: [وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا] {النساء:112} وقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند أحمد وأبي داود: “… ومن خاصم في باطل وهو يعلم؛ لم يَزَلْ في سخط الله حتى ينـزع، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه؛ حُبِس في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج مما قال” وغير ذلك من أحاديث في صفات المنافقين، فهل لا يوجد مؤمن له حرمة إلا ربيع المدخلي وأذنابه؟ أليس الذين ترمونهم يا هذا بالفظائع والقبائح مؤمنين أيضًا؟ هل أنتم لا تذكرون هذه الأدلة إلا إذا رد عليكم أحد، وكشف باطلكم ولو بالحق، عندها تعرفون حرمة المؤمن، وما لا يجوز أن يقال فيه؟ أما كتاباتكم التي تحمل الصفحة الواحدة فيها – أحيانًا- أكثر من خمسين سبّة وطعنة من الزندقة فما دونها، كل هذا يجوز لكم، لأنه جرح وتعديل، وأنتم أئمته في هذا العصر!! والعجب أن جرحكم ليس مبنيًّا على الاجتهاد في نظركم، فكأنه وحْيٌ يوحى!!([1])
3- ثم وصف مخالفيه باكتساب الآثام العظيمة، وتفريق السلفيين، وأنهم يقذفون بذلك الأبرياء الحريصين على جمع الكلمة بكل مستطاع، والداعين للأمة جميعًا إلى الاعتصام بالكتاب والسنة، والمحاربين للتحزب والتفرق والذين دم الله أهلهما …..الخ
والجواب: أنه يعني بذلك نفسه وحزبه، وأن تمسْكنه هذا لا يغير من الحق شيئًا، فالذي يقول لمخالفه: إن لم تتابعني على قولي سأسقطك وأُسقط فلانًا وفلانًا؛ ليس بريئًا حريصًا على جمع الكلمة بكل مستطاع، والذي يقول: اهجروا فلانًا، واهجروا من لم يهجره، وهكذا، أو اهجروا من لم يبدعه، أو من توقف في تبديعه؛ من كان كذلك ليس بريئًا، ولا حريصًا على جمع الكلمة بكل مستطاع!! أي كلمة يحرص الشيخ المدخلي على الاجتماع عليها والاعتصام بها؟ أهي كلمته، وكلمة من تابعه؟! أم هي آراؤه واجتهاداته المنحرفة المشؤومة؟ أم هي كلمة الله ومنهج السلف؟ إن كانت الأولى والثانية فهي وراء النجم إذا خالفت الحق، وإن كانت الثالثة فحيهلاً بها، ونحن أسعد بها منه ومن حزبه الذين أكثرهم من المقلدة العميان، أو المتـزلفين له بوقوعهم في الأعراض بما يجلب الآثام، أو الجبناء الذين يخافون سطوته وسلاطة اللسان، والعبرة في صحة الانتساب إلى منهج السلف منا ومنه الحجة والبرهان، وهذه مؤلفاته ومقالاته، ومؤلفات غيره ناطقة بما فيها، فليحكم العلماء في كل منهما:
4- ذكر أنه من أول يوم التقى بي وجدني أدافع عن سيد قطب والإخوان المسلمين والتبيلغ …الخ.
والجواب: أن الدفاع بحق ودفع الظلم عن الكافر فضلاً عن المسلم محمود عند العقلاء، وليس بمعيب، وعندما وقفتُ على كلام الشيخ ربيع الصارخ بالغلو، والأحكام الفجّة، ومجانبته هدي كبار العلماء أنكرته، مع إنكاري ما عليه المذكورون من مخالفة للسنة في الأصول والفروع، فهل يلزمني أن أكون مدخليًّا حذو القُذة بالقُذة؟ هل إنكاري على الشيخ ربيع يعني إنكاري منهج السلف؟ فتنة هذا الرجل أنه لا يُفرق بين آرائه وبين السلفية!! فآراؤه هي السلفية، والسلفية هي آراؤه، وكلامه هو المنهج، والمنهج هو ما عليه ربيع، وليس هذا الإعجاب والغرور بغريب على رجل يُسْأل: هناك من يقول: إن الشيخ ربيعًا معصوم في المنهج، ما تقول أنت في هذا؟ قال الشيخ ربيع: لا، لا، أقول: لستُ معصومًا، لستُ معصومًا، ولكن اسمع: لا أعرف لي خطأ في المنهج!!اهـ.
فهو لا يعرف له خطأ في المنهج، وأكثر أهل الباطل – غير الزنادقة والمرضى- لا يعرفون لأنفسهم خطأ فيما هم فيه، والتـزكية تكون من الغير لا من الشخص لنفسه، وكثير من الناس أقام الحجج والبراهين على خطئك أيها الأستاذ في المنهج والتربية والدعوة، فاعرف أنت أو لا تعرف، فكم من الناس ضلوا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ولو سلكتَ مسلك الأئمة الذين يقول أحدهم وهو الشافعي – رحمه الله- في مسائل الاجتهاد: قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب؛ لأرحت واسترحت، ثم ما هو المراد بالمنهج الذي لا تعرف لنفسك فيه خطأ؟ أهو أحكامك على الرجال؟ أم قواعد الأئمة في الجرح والتعديل؟ أم حكمك على الكتب والمؤلفات؟ أم قواعد التربية الدعوية؟ فما من واحدة من هذه إلا ولك فيها أخطاء بل بلايا وطوام، وفي “الدفاع عن أهل الاتباع” برهان ذلك ودليله، وفي أشرطتك التي جمعتها بصوتك، والتي لم أنشرها بعد البرهان الساطع على ذلك، وكم حرصْنا على طَيّ ملفِّك، والانشغال بغيرك، لكن يبدوا أن الأمر كما قيل: على نفسها جنتْ براقش!!
ألا يستفيد هذا الرجل من منهج الإمام أحمد، ويَفْصِل بين آرائه وبين السلفية والمنهج السلفي؟ فقد جاء في “النبلاء” (11/317) ترجمة الإمام أحمد بن حنبل: عن عبدالله بن محمد الوراق، قال: “كنت في مجلس أحمد بن حنبل، فقال: من أين أقبلتم؟ قلنا: من مجلس أبي كريب – يعني محمد بن العلاء بن كريب الهمداني- فقال: اكتبوا عنه، فإنه شيخ صالح، فقلنا: إنه يطعن عليك، قال: فأي شيء حيلتي، شيخ صالح قد بُليَ بي” اهـ.
فهذا أحمد إمام أهل السنة حقًّا، لا إمام الجرح والتعطيل في هذا العصر!! يعلم رأي أبي كريب السيئ فيه، ومع ذلك لم يقل: إنه لم يطعن فيّ إلا لكراهيته السنة التي أنا إمامها، بل أثبت له الصلاح، وأمر بالكتابة عنه، واعتذر له بأن الله ابتلاه بالوقوع فيه، فأين الثرى وأين الثريا؟!!
5- ما ذكره حول كتابي “السراج الوهاج” قد رددت عليه مفصلاً في “قطْع اللجاج بالرد على من طعن في السراج الوهاج” وقد بيّنتُ فيه انحراف الشيخ ربيع عن منهج الأئمة في النقد، والخلافات الدعوية، فلا حاجة للإعادة، وليراجعه من شاء في “الدفاع عن أهل الاتباع” (1/3-266).
6- ويخْلُص الشيخ المدخلي في نهاية كلامه بأن من خالفه إنما أثار الفتنة بعد موت المشايخ الكبار، مثل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، والعلامة المحقق الشيخ ابن عثيمين، ومحدِّث العصر العلامة الألباني – رحمهم الله جميعًا- وكأنَّه أسعد بكلام هؤلاء الأئمة وغيرهم من الأحياء والأموات، والشيخ ربيع نفسه قد غمز في هؤلاء الأئمة الكبار في حياتهم، وفي طلابهم، وفيمن تتلمذ على أيديهم، بل نفى السلفية عن منتسبي جامعة الإمام محمد بن سعود باستثناء اثنين أو ثلاثة، وجُلّهم تلاميذ هؤلاء الأئمة أو طلاب طلابهم، فلماذا هذا الانتحال الباطل؟ ثم إن تأليفي للسراج الوهاج سنة 1418هـ كان في حياة هؤلاء الأئمة، بل أثنى عليه بعضهم، وفي هذا الكتاب ما يأتي على غلو الشيخ ربيع وتمييع غيره من الأساس، فكيف يدَّعي أنني ما تكلمتُ بما تكلّمت به إلا بعد موت العلماء الكبار؟!! فدع عنك يا هذا الدعاوى والانتحال، وانزل في الميدان بالحجج والبراهين، لا بادعاء أن فلانًا يزكيك، والآخر يؤيدك، ففوق كل ذي علم عليم، ومن علم حجة على من لم يعلم، وقد يعرف المفضول ما غاب عن الفاضل، وكم ترك الأول للآخر.
7- ثم استدل الشيخ ربيع على أننا نكيد للمنهج السلفي منذ وقت بالصلح الذي كتبته بين الشباب في بريطانيا سنة 1420هـ وفيه ربْط الشباب بالشيخ علي الحلبي والشيخ سليم الهلالي، وعدّ ذلك من وضع الحواجز والسدود بين الشباب وعلمائهم، ثم نقل نصَّ الصلح الذي كتبته وأصلحتُ به بين الشباب في بريطانيا، وجوابي على ذلك من وجوه:
أ- أنني عندما ذهبتُ إلى بريطانيا في رحلة دعوية سنة 1420هـ، رأيت الشباب شذر مدر، وكلاً منهم يحذر من الآخر، والمسلمون على قلتهم هناك – فضلا عن السلفيين- حالهم يُرثى له، فجلست معهم أفرادًا وجماعات، واحتجتُ إلى مترجم في عدة أوقات، وتبين لي أن سبب نزاعهم: أن فلانًا زار فلانًا الإخواني – مثلاً- وهو مريض، وأن البقية لم يهجروه، ونحو ذلك من أمور لا تستحق هذا العويل، فذكّرتهم بالله، وبالظروف التي حولهم في أوربا، ونصحتهم بالاجتماع والائتلاف، وحذرتهم من مغبة الحال التي هم عليها، …. إلى غير ذلك مما لا يخفى على من مارس هذا العمل، وكتبتُ بينهم مسوَّدة الصلح، ولما رأيتُ أن أكثر من يزورهم من الدعاة هو الشيخ الحلبي والشيخ الهلالي، وهما رجلان أعرفهما بالحكمة والتؤدة في كثير من أمورهما – وإن كان للهلالي بعد ذلك مواقف أخرى فغفر الله لنا وللجميع- ولما كان أكثر الخلاف بين الشباب هناك في مسائل إدارية، أو تنظيمية، أو اجتهادية راجعة إلى تقدير المصالح والمفاسد، ونحو ذلك من مسائل لا يُحسن الكلام فيها إلا من كان خبيرًا بالواقع والأفراد المختلفين وأخلاقهم وأساليبهم في معالجة الأمور، ومعرفته بالذي يحسن فهم الكلام منهم، والذي هو غير ذلك، والذي يحسن نقل ما أحسن فهمه، ومن ليس كذلك، فكان اللازم ربطهم في ذلك بمن له خبرة بهم، وهو موضع ثقتهم، حتى نقلِّص من مساحة الاختلاف، فرأيت أن أنسب الناس لذلك الشيخ الحلبي والشيخ الهلالي، فربطت الشباب بهما في هذه المسائل، أما مسائل الحلال والحرام – وهم لا يختلفون فيها- فالعبرة فيها بالأدلة، والمرجعية فيها العلماء وأهل العلم، فأي خطأ، فضلاً عن مكيدة مدبَّرة في ذلك؟!
ب- قبل قراءة فقرات الصلح على الطرفين وتوقيعهما على ذلك، اتصلتُ بالشيخ ربيع، وقرأتُ ذلك عليه –فيما أذكر فإن هذا الأمر منذ اثني عشر عامًا- عبر الهاتف، وأقرّه، ودعا لي بدعوات كثيرة، وأذْكر – والعلم عند الله تعالى- أنه طلب مني إضافة اسمه إلى الشيخين الحلبي والهلالي، فأخبرته بما سبق في رقم (أ) فسكت، فلو كنتُ صاحب مكيدة؛ فلماذا لم أربطهم بنفسي مباشرة؟ ولماذا لم أدخل غير ربيع ممن هم اليوم مخالفون له، وهم أكثر علمًا ونفعًا منه؟ ولماذا لم أذكر شيخنا الألباني – رحمه الله- وقد كان آنذاك حيًّا، قد زرته في المستشفى قبل إلى ذهابي بريطانيا، وفي بيته بعد عودتي من هناك؟
ج- لو أدخلت اسم الشيخ ربيع في المرجعية للشباب في الخلاف الذي أساسه أمور إدارية وتنظيمية، لكان صلحي هذا – عند الشيخ ربيع- نصرة للسلفية، وغيرة على حرمات الأمة، فإذا لم يدخل اسمه فهو مكر كُبَّار، ومرحلة خطيرة في تمزيق الأمة، وإسقاط للعلماء، وإبعاد للشباب عنهم، ووراء ذلك أهداف دنيئة ونتائج سيئة، كما يقول الشيخ ربيع، فهو محنة الأمة، وعنوان مجدها وبقائها على دينها وتراثها، فإن تخلّف ذِكْره في موضع فلا خير فيهم، وكيف لا يكون كذلك، وهو يصرِّح بهذا ونحوه، فمن ذلك قوله في تعليقاته على كتابي “السراج الوهاج“: “أرسل إليّ نسخة من كتابه، ففحصتها نصحًا لله، ولكتابه، ولرسوله، وللمؤمنين، وقدمت له ملاحظات كثيرة وهامة جدًّا، لا يصلح كتابه إلا بها، ولا يجوز نسبته إلى منهج السلف إلا إذا أخذ بها” اهـ مع أن هذه الملاحظات لم يذكرها فضيلة الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله- الذي نظر في الكتاب، وكذا سماحة المفتي العام للمملكة عبدالعزيز آل الشيخ، وفضيلة الشيخ عبدالله الجبرين – رحمه الله- فهل هؤلاء لا يعرفون منهج السلف، حتى فاتت عليهم الملاحظات المدخلية؟!!
ويقول في “نصيحته لأهل العراق” (ص18): “… وعلماء المنهج السلفي كلهم يؤيدون ما أكتب، ولم يعارضوه، ولا أحد منهم، لأنه الحق الأبلج” ويقول كما في “مجموع الكتب والرسائل” (11/113): “إن ربيعًا لم يقع فيما يستوجب الرجوع” ويقول كما في المصدر نفسه (9/167) في رده على من طعن فيه: “طعْنه في علمائهم الذين ثبتت عدالتهم وأمانتهم، واستفاضت، وشاع الثناء عليهم بين الناس من أمثال: الشيخ ناصر الدين الألباني، والشيخ محمد بن صالح العثيمين، والشيخ أحمد بن يحيى النجمي، والشيخ زيد بن محمد بن هادي المدخلي، وربيع بن هادي، والشيخ عبيد الجابري، والشيخ صالح السحيمي، …. وذكر بعض الكبار ثم قال: فهؤلاء أعلام السنة، من طعن فيهم هوى على أُمِّ رأسه، وبانتْ بدعته وعداوته للسنة وأهلها” اهـ فانظر كيف يمدح نفسه!! ويعد ردَّ الشيخ بكر أبوزيد – رحمه الله- عليه ردًّا على أهل السنة وعلى عقيدتهم ومنهجهم، كما في المصدر السابق (7/12) ويقول في (1/482): “والله، مايسعى في الكلام فيَّ ولا الطعن في ما نحن فيه؛ إلا لتكون النتيجة إسقاط المنهج، فالذي يكره هذا المنهج يتكلم في علمائه، الذي يبغض هذا المنهج، ويريد إسقاطه يسير في هذا الطريق” اهـ نقلاً من المقال الثاني لمشرفي “كل السلفيين” فأين هذا الكلام من كلام الإمام أحمد مع أبي كريب محمد بن العلاء الهمداني شيخ الشيخين؟ وهل صاحب هذا الكلام متبع في ذلك منهج الأئمة؟!
هكذا من أنكر على الشيخ ربيع غلوه في التبديع والتفسيق والتأثيم، بل في التكفير، ومن أنكر عليه تحميله كلام الخصم ما لا يحتمل، ومن أنكر عليه إنزاله نفسه منزلة من ليس له خطأ يستوجب رجوعه عنه، واستخدامه العبارات الجائرة في مخالفه، ونصبه وأتباعه الولاء والبراء على مسائل اجتهادية، كما هو معروف من منهج أهل البدع، ووضع قواعد محدثة في الدين، كذمهم من استشهد بكلام للمخالف وإن كان حقًّا، ورميهم فاعل ذلك بالحزبية والتمييع، ودعوتهم أتباعهم بهجره وهجر من لم يهجره، ومن أنكر عليهم انتقائيتهم وتناقضهم وكيلهم بمكاييل متعددة، وحزبيتهم المقيتة، وتقليدهم الأعمى …. إلى غير ذلك مما كتبته في رسالة: “تحذير الجميع من أخطاء الشيخ ربيع وأسلوبه الشنيع” كما في “الدفاع عن أهل الاتباع” (2/77-238) من أنكر عليهم شيئًا من ذلك؛ فهو محارب للسلفية وأهلها عند الشيخ ربيع!! فإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حربًا لسلفيتكم المنحرفة، فلا أحياني الله ولا أماتني إلا حرْبًا لباطلكم وضلالاتكم.
8- وفي النهاية يذكر أن أسباب الفتنة – أي مخالفته في الرأي- حب الزعامة عند مخالفيه، والتهالك على الأموال، وحب الدنيا …..الخ.
وهذه دعاوى المفلسين من الحجج والبراهين، فيفزعون إلى تشويه صورة الخصم حتى ينفِّروا الناس عنه بذلك، وإلا ففي الردود على هذا الناسك الزاهد الورِع المخبت!! ما يبطل هذا المدح المبطَّن لنفسه، ويثبت أن خصمه أسعد بالحق منه، والفضل أولاً وآخرًا لله وحده ذي الفضل العظيم.
هذا ما لزم تحريره فيما يتعلق بي من مقاله هذا، وانتظر ما يأتي منه بعد ذلك، فإن كان حقًّا فالحمد لله، وإلا فالله المستعان على هتك أستار باطله، وكشف عوار بهتانه.
= = = = = = = = = = = = = =
الحـاشيـة:
([1]) هذا ما صرَّح به الشيخ ربيع إذ قال في “نصيحة لأهل العراق” (ص25) ردًّا على من قال: “تسوغ مخالفة الشيخ ربيع في أحكامه على الرجال؛ لأن مَبْنىَ الحكم على الرجل مرده إلى الاجتهاد….” فقال الشيخ المدخلي متعقبًا: “إن أحكام الشيخ ربيع على الرجال ليست مبنية على الاجتهاد، وإنما هي قائمة على دراسة واسعة لأقوال من ينتقدهم من المخالفين للمنهج السلفي وأهله في مسائل أصولية بعضها عقدي، وبعضها منهجي” اهـ نقلاً عن المقال الذي نشره مشرفو منتدى “كل السلفيين” بعنوان: “السبب الأساس وراء إثارة الشيخ ربيع للفتن بين السلفيين” وهذا التعقيب على صغر حجمه فقد جمع عدة أخطاء:
أ- الدراسة الواسعة المزعومة – لو سلمنا بوجودها- لأقوال من ينتقدهم المدخلي لا تخلو عن كونها اجتهادًا أيضًا يا صاحب الأستاذية، حتى فهم النص القرآني أو النبوي فيما ليس بإجماع هو اجتهاد من الناظر فيهما أو أحدهما، فهل هذا القول من هذا الرجل قول عالم يعرف العلم ومظانه وموارده وطرق الحصول عليه؟
ب- أحكام أئمة الجرح والتعديل الذين هم خير من ملء الأرض من الشيخ المدخلي قائمة أيضًا على الاجتهاد، وقد صرحوا بذلك، فهل الشيخ ربيع أعلم منهم؟ أم أن مادته أوثق من مادتهم؟ وهل مخالفوا الشيخ ربيع أشر ممن طعن فيهم الأئمة حتى يكون كلامه بمنـزلة ما لا يقبل الرد والقبول؟
ج- وماذا يقول الشيخ المدخلي في أحكامه مدحًا أو قدحًا في أناس كثيرين وقد تراجع عنها بعد ذلك، وصرح بغيرها في كثير من مخالفيه؟ هل الوحي أو النص الذي بنى عليه حكمه تغير، أم أنه اجتهاد وتغير؟ فقد مدح هذا الرجل سيد قطب والإخوان وأبا الحسن والحلبي وغيرهم في مواضع، وأشعل الدنيا عليهم بعد ذلك، وقد مدح أمواتًا في وقت، وذمهم في آخر، ألا يدل ذلك على أن كلامه اجتهاد وليس بوحي يوحى؟!
د- لا نسلّم له بأنه يدرس أقوال الشخص دراسة واسعة، فهذا تَشَبُّعٌ بما لم يُعط، وإلا فهو قد رماني بالتجهم، والرفض، والاعتزال، وغير ذلك من ضلالات، فأين في كلامي ما يدل على شيء من ذلك، فضلاً عن الدراسة الواسعة المتبحرة لكل كلامي، لو عمل ذلك الشيخ المدخلي لوقف على كلام لغيره يدل على الصدق والغيرة على الدين عندهم، لكنه لا يقع إلا على مواضع العلل إن وجدت!!
هـ- وصفه لمن خالفه بمخالفة المنهج السلفي ظُلْم للسلفية، فهو لا يمثل السلفية، وليس الناطق الرسمي بها، وليس قوله حجة عليها، ولا يلزم من مخالفته مخالفة السلفية، وقد بيّنت – كما بيّن غيري- مخالفاته للسلفية وأئمتها السابقين واللاحقين في مسائل كثيرة، ألا يكفيه أن يسكت عنه السلفيون لكبر سنّه، حتى ينشغل بزاد الآخرة أكثر من غيره، حتى ينـزل نفسه المنزلة التي أنزله إياها بعض المفتونين، حيث قالوا: لقد تجاوز القنطرة!! قنطرة من يا هؤلاء؟ أما قنطرتكم فلا قيمة لها، تجاوزها ام سقط دونها، أما قنطرة الأئمة فبينكم وبينها خرط القتاد، والعجب أن الرجل يفرح وينتشي بتـزكية هؤلاء له!!
و- دعواه أن من خالفه فقد خالفه في أصول عقدية ومنهجية، أي في نظره، وإن كانت في الواقع من مسائل الاجتهاد في حالات كثيرة، وبعضها قد يكون من الأصول، لكن ذلك إذا خالف من لم يعرفوا بالسنة، أما دعاة السنة فغالب الخلاف معهم اجتهادي جعله الشيخ ربيع من الأصول، والحق في أغلب هذه المسائل مع من خالفه، وبناء على مذهبه فيكون هو المخالف لأصول السنة وأئمتها!!
أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني