الأسئلة العامة

قرأنا في العدد الأول من سلسلة الفتاوى أشياء كثيرة عن دعوة أهل السنة التي تَدْعُون إليها

السؤال : قرأنا في العدد الأول من سلسلة الفتاوى أشياء كثيرة عن دعوة أهل السنة التي تَدْعُون إليها , ومع ذلك فلم نجد كلامًا لكم حول موقف دعوتكم من أهل بيت النبوة , فنريد توضيح هذا منكم , وجزاكم الله خيرًا .

الجواب : لاشك أن ما كتبُته عن دعوة أهل السنة فيما مضى لم يكن مستوعبًا لكل معالم هذه الدعوة المباركة , إنما ذكرتُ ما ذكرتُ على سبيل المثال لا الحصر والاستيعاب , وذكرت ما حضرني حال كتابة تلكم الكلمات .

وأما أهل البيت فهم على قسمين : فمنهم البر والفاجر مثل غيرهم من الناس , فأما من كان منهم صالحًا تقيًّا ؛ فإنا ندين الله U بحبه , ونتقرب إلى الله – سبحانه –

بمحبة الصالحين من أهل بيت النبوة ونرى له من الفضيلة – من هذه الجهة – ما ليس لغيره ممن لم يكن من أهل بيت النبوة, وقد جاء في ” صحيح البخاري ” (3712) و ” صحيح مسلم ” (1759) أن أبا بكر الصديق – رضي الله عنه – قال : ” والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أحب إلي من أن أصل من قرابتي “.

 

أما الفاجر منهم : كمن يدعو غير الله ، أو يستغيث بغير الله , أو يذبح لغير الله , أو يدعي علم الغيب , أو يتخذ الكهانة والعرافة مهنة يأكل بها أموال الناس بالباطل , أو يكون رأسًا لبدعة أو ضلالة : كمن يكفّر جمهور الصحابة , أو يسبهم , ويلعنهم , ويفتري عليهم المثالب والمعايب , ويشحن صدور المسلمين بالبغض والغيظ على أصحـاب رسـول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم , ورضي الله عنهم – أو أن يكون تارك صلاة , أو قاطع طريق , أو سفّاكًا لدماء المسلمين , أو غير ذلك من الفواحش ما ظهر منها وما بطن , فإنا نتقرب إلى الله U ببغضه والتحذير منه , ولا شك أن هذا بعد النصح والبيان برفق ولين , فإن كان محبًّا للخير ؛ ذكّرناه بالله ، ووعظناه بالموعظة الحسنة , وإن كان مجادلاً ؛ أقمنا عليه الحجة من الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة , بل من أقوال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – وغيره من أهل البيت – رضي الله عنهم – وإن كان مستهزئًا بدين الله معرضًا عنه ؛ فما بقي إلا أن نلجأ إلى الله تعالى أن يكفي أولياءه شره وشر أمثاله .


وكيف لا نُحب الصالحين من أهل البيت , وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل أمير المؤمنين علي وولديه وأمهما – رضي الله عنهم جميعًا – ؟!

فمن ذلك ما جاء في ” صحيح البخاري ” برقم : (3714) , و ” صحيح مسلم ” برقم : (6257) من حديث المسور بن مخرمة , أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال : ” فاطمة بَضْعَة مني , فمن أغضبها أغضبني “, وما جاء من حديث عائشة – رضي الله عنها – : ” أما ترضَيْنَ أن تكوني سيدة نساء المؤمنين ؟ أو سيدة نساء هذه الأمة ؟ ” أخرجه البخاري (3623) ومسلم (6263) .

ومن حديث أسامة بن زيد أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال في الحسن والحسين – رضي الله عنهما – : ” اللهم إني أُحِبُّهُمَا ، فَأَحِبَّهُما ” أخرجه البخاري (3723) ومسلم (6206) ومن حديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – : ” هما ريحانتاي من الدنيا ” أخرجه البخاري (3753) .

وقوله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لعلي رضي الله عنه : “ أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي ” أخرجه مسلم (6167) من حديث سعد بن أبي وقاص , وهو الرجل الذي يحب الله ورسولَه , ويحبه اللهُ ورسولُه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – كما في قصة إرساله بالراية إلى خيبر كما في حديث سهل بن سعد في ” صحيح البخاري ” (3701) و ” صحيح مسلم ” (6172) وحديث زيد بن أرقم عند مسلم (6075) قال : قام رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – يومًا فينا خطيبًا بماء يُدْعَى ” خُمًّا ” بين مكة والمدينة , فحمد الله وأثنى عليه , ووعظ وذكّر , ثم قال : ” أما بعد , ألا أيها الناس ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! فإنما أنا بشر, يوشك أن يأتي رسول ربي ؛ فأجيب , وأنا تارك فيكم ثقلين , أَوَّلَهُمَا كتاب الله , فيه الهدى والنور , فخذوا بكتاب الله , واستمسكوا به “, فحثّ على كتاب الله ، ورغَّب فيه , ثم قال : ” وأهل بيتي , أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ” , فقال له حصين : وَمَنْ أهل بيته يا زيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال: نساؤه من أهل بيته , ولكن أهل بيته من حُرِم الصدقة بعده , قال : ومن هم ؟ قال : هم آل عليّ , وآل عقيل , وآل جعفر , وآل عباس , قال : كل هؤلاء حرم الصدقة ؟ قال : نعم .

وقد ذكر الإمام النووي – رحمه الله – الروايات في تحديد مَنْ هم أهل البيت , وأَنَّ ذِكْرَ نسائه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وهن أمهات المؤمنين – في أهل البيت من باب أنهن يُساكنّه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ويعولهن , وإلا فأهل بيته من حُرٍَِِّم عليه الصدقة .

فهذه الأحاديث وغيرها يُؤمِنُ بها أهل السنة , ويحبون أهل البيت حُبًّا شرعيًّا لا ادِّعاءً بدعيًّا , وينـزلونهم منـزلتهم الشرعية , دون إفراط أو تفريط , وهذا هو الواجب على الخلق جميعًا .

وإذا كان أهل بيت النبوة بهذه الدرجة الرفيعة بين المسلمين , وبهذه المنـزلة الشريفة العالية ؛ فكان الأحرى بأبنائهم أن يكونوا أحرص الناس على سنة رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وأن يتفقهوا في تركة أبيهم – صلوات الله وسلامه عليه – , وأن يحذروا مما يخالفها , ولكن للأسف أننا نرى كثيرًا منهم بخلاف هذا الوصف , وإن كنا – ولله الحمد – نرى منهم أناسًا يعلو النورُ وجوهَهم , زادهم الله هيبة وجلالة , وهؤلاء حقًّا هم أولى الناس برسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فهم الذين جمعوا بين رفعة النسب والتقوى , أما من يتبع هواه , ولا يقف عند حدود الله U , وإذا كلمته في ذلك افتخر بالنسب , ففي مثل هذا قال الشاعر:

وإن افتخرت بآباءٍ ذوي شرفٍ قلنا : صدقتَ ولكن بئس ما ولدوا

بل قد جاء في ” الصحيحين ” عند البخاري ( 2753) ومسلم (503) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قام حين أنزل الله U : ] وأنذر عشيرتك الأقربين [ فقال : ” يا معشر قريش !- أو كلمة نحوها – اشتروا أنفسكم , لا أُغْني عنكم من الله شيئًا , يا بني عبد مناف ! – وفي رواية : يا بني عبد المطلب ! لا أُغنِي عنكم من الله شيئًا , يا عباسُ بن عبد المطلب ! لا أغني عنك من الله شيئًا , يا صفية ! عمة رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لا أغني عنك من الله شيئًا , يا فاطمة ! بنت رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – سليني ما شئت من مالي , لا أغني عنك من الله شيئًا ” وعند مسلم (2699) من حديث أبي هريرة , في حديث طويل , قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ” … من بطَّأ به عمله ؛ لم يُسرع به نسبه “.

وعند البخاري برقم (5990) ومسلم برقم (518) من حديث عمرو بن العاص – رضي الله عنه – قال : سمعت النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – جهارًا غير سرِّ يقول : ” إن آل أبي فلان – يعني فلاًنا – ليسوا لي بأولياء , إنما وليِّيٍٍٍٍَ اللهُ وصالح المؤمنين ” . فكل هذا يدل على وجوب الاقتداء بالنبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.

ونحن ندعوا الله U أن يوفق أهل بيت نبيه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – للنهوض بإحياء ما اندرس من سنة المصطفى – صلوات الله وسلامه عليه – في أنفسهم وأمتهم , ونحذرهم من تلبيس الحاقدين على السنة والصحابة , والذين يستغلون سلامة فطرتهم , وطيب نفوسهم , فيثيرون فيهم العصبية الجاهلية , فيقعون في سبّ أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وينتقصونهم , فمن وفقه الله وعافاه من هذه السهام الخبيثة الحاقدة فهو الموفق في الدنيا والآخرة , لأن أهل البيت – وعلى رأسهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه – ما كانوا يسبون أبا بكر ولا عمر – رضي الله عنهما – بل قد جاء عن علي – رضي الله عنه – من نحو ثمانين وجهًا أنه قال – رضي الله عنه – : كنا نقول – ورسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – حي : أفضل هذه الأمة بعد رسول الله أبو بكر ثم عمر كما صرّح بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – كما في “مجموع الفتاوى”.

ومن اغترّ بوساوس الحاقدين , أو مالت نفسه إلى دنيا فانية ؛ فوقع في المحرمات بسبب ذلك ، فليبكِ على نفسه , فإن الخسارة خسارة الدين : ]قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين[ [الزمر : 10] ومن كان كذلك فلن يضر إلا نفسه, أما أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فلهم المكانة العالية والمنزلة السامية في الدنيا والآخرة , أما هو فلينظر بماذا يُختَم له ؟! فيا مقلِّب القلوب والأبصار ثبّت قلوبنا على دينك وطاعتك .

للتواصل معنا