الأسئلة العامة

ما هي السنة في الأذكار عقب الصلاة المكتوبة ، وهل يُجْهَرُ بها أم لا ؟

السؤال  :ما هي السنة في الأذكار عقب الصلاة المكتوبة ، وهل يُجْهَرُ بها أم لا ؟

الجواب :ذهب جماعة من أهل العلم إلى الجهر بجميع الأذكار عقب الصلاة ، وقد نسب ابن مفتاح هذا القول لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – ، كما في ” الفروع ” (1/454-455) وقال به ابن القيم – رحمه الله – انظر ” أعلام الموقعين ” (2/370) وانظر ” الدرر السنية ” (4/312) وقال بنحوه أيضا ابن حزم كما في ” المحلى ” (4/260) ونصر هذا القول السيوطي في “نتيجة الفكر في الجهر في الذكر ” كما في (1/389) من ” الحاوي ” وكذا نصره اللكنوي في ” سباحة الفكر في الجهر بالذكر ” بل نصر الجهر بالذكر مطلقا ، أي بعد الصلاة وغير ذلك .

والمشهور عن المذاهب الأربعة المنع من الجهر بالذكر ، كما في ” شرح مسلم ” للنووي (5/86) و” المجموع ” (3/487) وذهب إلى هذا أيضًا الشاطبي ، كما في ” الاعتصام ” (1/351) وانظر ” الفتح ” (2/325-326) وذهب ابن الملقن في ” الإعلام بفوائد عمدة الأحكام ” (4/8) إلى شرعية واستحباب رفع الصوت بالذكر ، وتأكيد التكبير من الذكر ، وبنحوه قال ابن دقيق العيد ، كما في ” الإحكام ” (2/89) .

وذهب بعضهم إلى رفع الصوت بالتهليلات بعد صلاة الفجر والمغرب خاصة ، ولا دليل على ذلك ، وقد أنكره الشيخ عبد الرحمن بن حسن ، كما في ” الدرر السنية ” (4/309-310) .

وقد استدل من ذهب إلى الجهر بصفة عامة ، بما في بذلك عقب الصلوات بأدلة ، منها :

1- ما أخرجه البخاري برقم (7405) ومسلم برقم  (2675) من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فيما يرويه عن ربه عز وجل : ” أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ؛ ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ؛ ذكرته في ملأ خير منه …” الحديث .

قال السيوطي في ” الحاوي ” (1/389) : ” والذكر في ملأ لا يكون إلا على جهر ” اهـ.

2- واستدلوا بحديث ابن عباس قال : ” كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – بالتكبير ” وفي رواية :” أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من الصلاة المكتوبة ، كان على عهد النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ” أخرجه البخاري برقم (841-842) ومسلم برقم (583) .

3- واستدلوا أيضا بما أخرجه مسلم برقم (594) أن ابن الزبير كان يقول دبر كل صلاة حين يسلم : ” لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا إله إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه ، له النعمة ، وله الفضل ، وله الثناء الحسن ، لا إله إلا الله , مخلصين له الدين ولوكره الكافرون ” قال ابن الزبير : ” كان رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – يهلل بهن دبر كل صلاة ” .

والتهليل : رفع الصوت ، كما في ” لسان العرب ” (11/701-702) .

4- واستدلوا بحديث عقبة بن عامر أن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال لرجل يقال له : “ذو البجادين” : ” إنه أواه “وذلك أنه كان رجلا كثير الذكر لله – عز وجل – في القرآن ، يرفع صوته في الدعاء , أخرجه أحمد (4/159) وغيره ، وسنده ضعيف ، من أجل ابن لهيعة ، وقد اضطرب فيه ، لكن له شواهد : من حديث ابن الأدرع ، قال : كنت أحرس رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ذات ليلة , فخرج لبعض حاجته ، قال : فرآني ، فأخذ بيدي ، فمررنا على رجل يصلي يجهر بالقرآن ، قال فرفض يدي ، ثم قال : ” إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمغالبة ” قال : ثم خرج ذات ليلة ، وأنا أحرسه لبعض حاجته ، فأخذ بيدي ، فمررنا على رجل يصلي بالقرآن ، قال : فقلت : عسى أن يكون مرائيًا ، فقال النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – : ” كلا إنه أواه ” قال : فنظرت , فإذا هو عبدالله ذو البجادين , أخرجه أحمد (4/337) وغيره ، وفي سنده هشام بن سعد ، وفي لين .

وكذلك له شاهد من حديث جابر بنحوه ، أخرجه الحاكم (1/368) وفي سنده محمد بن مسلم الطائفي ، وفيه لين ، وكذلك من حديث أبي ذر بنحوه ، أخرجه الحاكم (1/368) وفي سنده من لا يعرف ، وهناك مُرْسَلٌ حَسَنٌ بنحوه .انظر ” أسد الغابه ” (2/588) و”الإصابة”(6/149-150) ترجمة عبد الله ذي البجادين .

فالحديث حسن بمجموع طرقه ، وقد يرتقي للصحة , والله أعلم .

واستدلوا بأحاديث أخرى لا تصح ، واستدلوا بالجهر بالأذان , والخطبة , والتكبير أيام التشريق ، والإهلال بالتلبية في الحج ، وغير ذلك , وفي الاستدلال بذلك على إطلاق الجهر نزاع لا يخفى .

واستدل المانعون بأدلة منها:

1– قول الله عز وجل : ] ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا [ [الإسراء : 110] وقوله تعلى : ]واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين [ [الأعرف: 205] وقوله تعالى : ] ادعوا ربكم تضرعا وخيفة [ [الأعراف :55] .

وقد أجاب السيوطي في ” الحاوي ” (1/393) عن هذه الآيات بأجوبة لا تسلم من منازعة .

2- واحتجوا بحديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا : ” خير الرزق ما يكفي ، وخيرالذكر ما يخفي “اخرجه أحمد (1/172) وغيره , وسنده ضعيف ، لأن محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة الراوي عن سعد ؛ لم يدرك سعدًا ، كما قال أبو خاتم ، انظر ” جامع التحصيل ” (ص266) .

3- واحتجوا بحديث أبي موسى الأشعري قال : كنا مع النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فكنا إذا عَلَوْنَا كَبَّرْنَا ، فقال النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ” أيها الناس , اربعوا على أنفسكم ؛ فإنكم لا تَدْعُوْنَ أصمَّ ولا غائبًا ، ولكن تَدْعُوْنَ سميعًا بصيرًا …” الحديث . أخرجه البخاري برقم (6384) ومسلم برقم (6802) .

قال النووي : ” ففيه الندب إلى خفض الصوت بالذكر ، إذا لم تدع حاجة إلى رفعه ، كما جاءت به أحاديث…” اهـ من ” شرح مسلم ” (17/28) .

وقد أجاب اللكنوي عن ذلك في ” سابحة الفكر ” (ص27, 36-38) بما محصله : أن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أراد الرفق بهم ، لا أنه كره رفع الصوت ” اهـ والحق : أن آخر الحديث يدل على أن العلة بخلاف ما قال اللكنوي ، ومن تأمل قول النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – : ” فإنكم لا تَدْعُونَ أصمَّ ولا غائبًا …” الخ الحديث ؛ ظهر له كراهية رفع الصوت بالذكر ، والله أعلم .

والراجح عندي في هذه المسألة : أن الجهر بالأذكار يكون حيث يرد الدليل بذلك ، أو الجهر أحيانا بما لم يرد به نص ، دون اتخاذ ذلك عادة ، وبشرط أن يسلم الذاكر من الرياء ، ولا يلحق غيره بذلك ضرر ، وما دون ذلك فالإسرار بالذكر هو الأولى ؛ لما قاله النووي – رحمه الله – .

أما الأذكار عقب الصلاة المكتوبة ، فلا يجهر إلا بالتكبير الوارد في حديث ابن عباس في ” الصحيحين ” والراجح – كما هو قول بعض السلف – أنه ثلاث تكبيرات ، لأن ذلك أقل الجمع ، ولو زاد ؛ فلا بأس ، ولا دليل على وجوب الاقتصار على الثلاث ، ويجهر أيضًا بالتهليل الوارد في حديث ابن الزبير عند مسلم ، وما دون ذلك فلا يجهر به .

أما ما ذهب إليه الإمام الشافعي في ” الأم ” (1/242) – وتبعه على ذلك جماعة – بأن الجهر كان للتعليم ؛ فليس بظاهر ، لأن التكبير ، وهو قول : الله أكبر , الله أكبر … لا يحتاج إلى كثرة تعليم ، والدليل على تكرار ذلك وكثرته في زمنه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قول ابن عباس : ” كنا نعرف… الخ “وقوله : ” كنا ” يدل على التكرير  والتكثير , وقد أجاب بذلك ابن الملقن ، كما في ” الإعلام بفوائد عمدة الأحكام ” (4/9) ومن استدل على الجهر بجميع الأذكار لقول ابن عباس في الرواية الثانية : ” إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف من المكتوبة كان على عهد النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ” فليس هذا الاستدلال بقوي ؛ لأن مخرج الروايتين واحد , فيحمل المطلق فيهما على المقيد ، وهو التكبير ، وقد أشار لذلك الحافظ في ” الفتح ” (2/326) .

هذا ماظهر لي والعلم عند الله تعالى .

(تنبيه) بعد تحرير هذا الجواب ؛ اطلعت على رسالة رجح فيها كاتبها الجهر بجميع الأذكار عقب الصلوات ، وقد حررت على تلك الرسالة جوابًا موسعًا في الرسالة الخاصة بهذه المسألة ، ضمن كتابي في الصلاة – يسر الله إتمامه والنفع به – .

والخلاصة : أنما رجحته قول قد قال به بعض السلف ، كابن الزبير ، كما في مصنف ابن أبي شيبة (1/270/3104) وانظر ما قاله ابن رجب في ” فتح الباري ” (7/396) وما بعدها ، فقد نصر ما رجحته ، ولم يذهب إلى ما ذهب إليه صاحب الرسالة السابقة , من أن المراد بالجهر بالتكبير, أي التكبير ثلاثًا وثلاثين , والرد على ذلك هنا يطول ، وانظره في موضعه المشار إليه سابقًا ، والحمد لله رب العالمين .

للتواصل معنا