الردود العلمية المقروءة

دفع بهتان ربيع المدخلي في زعمه منافحتي عمن يدعو إلى حرية الاعتقاد وأخوة الأديان

ففي ليلة الأحد 11/ ربيع الأول/ 1427هـ وأنا بمدينة الرياض –حرسها الله وجميع بلاد المسلمين- لأمر طارئ؛ أتاني أحد إخواننا – حفظهم الله تعالى- بمقال لربيع المدخلي – أحسن الله خاتمتنا وإياه- بعنوان: “أبو الحسن المأربي يحامي بالخيانة والبهتان عمن يدعو إلى حرية وأخوّة الأديان“!!! والمقال بحواشيه مكوَّن من سبع عشرة ورقة، وفيه أن كاتبه قد فرغ منه بتاريخ 12/ محرم/ 1427هـ، ولي على المقال جوابان:أحدهما مجمل، والآخر مفصل، فأقول مستعيناً بالله، مستمداً منه توفيقه وهداه:

أما الجواب المجمل فمكون من أمور:

1/ قد ظن كثير من الناس أن الكاتب – أصلحه الله- قد استفاد مما سبق من ردود عليه؛ أظهرتْ عوار فكره، وكشفت فساد أسلوبه؛ فاستيقظ كثير من شباب الدعوة، وخلعوا ثوب الغلو والطيش الذي ألبسهم إياه هذا الكاتب، وسلكوا مسلك العلماء الكبار في نشر العلم والأخلاق الحميدة، وتأصيل الأصول العلمية المفيدة، وسعوا في جمع كلمتهم، ولمِّ شتاتهم، بعد أن بدّدهم هذا الرجل، ومزّق شملهم كل ممزق!! ولكن هيهات هيهات لما يظنون، وصدق من قال:

ومن لا يملك الشفتين يسخو *** بسوء الظن من قيلٍ وقالِ

وقد كان الأولى بهذا الرجل: أن يتذكر قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في محاورات صلح الحديبية “إن قريشاً قد عضتها الحرب، وما جئت لحربهم…” ولعل في لجاجة وعناد هذا الرجل ما يكون سببًا في الفتح المبين، والنصر العزيز، كما نصر نبيه على أعدائه بعد أن لجّوا في الخصومة ، وما ذلك على الله بعزيز، وصدق من قال:

لا تحقرن صغيرًا في مخاصمة **إن البعوضة تُدْمي مقلة الأسد

وفي الشرارة ضَعْفٌ وهي مؤلمة**وربما أضرمت نارًا على بلد

2/ لقد حاولت أن أحصي عدد ما في هذا المقال من سب وشتم – خرج من معدنه- سواء كان بالتصريح، أو بالتلميح، أو بالتهكم، ومع أنني لم أُشدِّد في هذا الإحصاء؛ إلا أنني وجدت في المقال (270) ما بين سبة، وتهمة، ورمية، وفرية، فإن دل هذا فإنما يدل على مدى حنق هذا الرجل، وما امتلأ به قلبه من بغض وحقد، هذا في الباطن، أما الظاهر فلا يغبط على ما هو فيه من سوء أخلاق وخلال، وأقوال وفعال، وما أوتي من لسان ليس له خطام ولا زمام!! ويا ليته استفاد من قول القائل:

وإن لم تجد قولاً سديدًا تقوله**فصمتك عن غير السداد سداد

بل يا ليته أوقف نفسه أمام الحديث الذي أخرجه البخاري وغيره من حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: “….إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالاً؛ يهوي بها في نار جهنم” وفي رواية متفق عليها: “إن العبد ليتكلم بالكلمة؛ ما يتبين فيها؛ يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب” وقوله: “ما يتبين فيها” أي: لا يتدبرها: أهي خير، أم شر؟ ولا يتأمل ما تقتضيه هذه الكلمة!!

3/ لقد كتبت كتاب “الدفاع عن أهل الإتباع” وهو عبارة عن مجموع لعدد من ردودي على الشيخ ربيع، ومن جملته الرسالة الثامنة: “إعلان النكير على منهج الشيخ ربيع في التكفير” وذلك في الجزء الثاني من الكتاب ص233-460، وقد جمعت شيئًا من كلامه المقروء والمسموع –وهو الأكثر- وبيّنت في هذه الرسالة الحال المزري الذي وصلت إليه عبارات هذا الرجل وكلماته في هذا الباب الخطير، والأمر المفسد المبير، ألا وهو باب الحكم على الناس بالتكفير، وانتهيت من هذه الرسالة في 9/ صفر/ 1424هـ، ونشرتها قبل إدخالها في كتاب “الدفاع…” مقروءة ومسموعة، وسجّلت في أشرطة ثمانية كلام الشيخ ربيع بصوته، مع تعليقي عليه، حتى لا يقابل الرسالة بالإنكار والتكذيب، وحتى لا يفزع إلى اتهامي بالبتر والتشغيب!!وقد خلصت في رسالتي هذه إلى أن الرجل أحد خمسة أحوال، وقد تجتمع فيه، وقد يتخلف بعضها:

أ/ إما أن الرجل غالٍ في التكفير لمخالفه.

ب/ وإما أنه لا يتقن أصول أهل السنة في هذا الباب الخطير، فخاض فيه بغير علم، ولا هدى، ولا كتاب منير.

ج/ وإما أنه لا يدري ما يخرج من رأسه.

د/ وإما أنه يُخفي ولعه بالتكفير، إلا أن الله يظهره على فلتات لسانه.

هـ/ فإن لم يكن هذا، ولا ذاك، ولا ذلك؛ فقد فتح على الأمة باب شر، وجرأ المتهورين على التكفير، وبذر بكلماته وصرخاته بذورًا مشئومة، وستثمر يومًا من الدهر ثمرة حنظلية –إلا أن يشاء ربي شيئًا-.

وهذه الأحوال الخمسة لها شواهدها في الرسالة المذكورة، ومنشورة بصوته في الأشرطة الثمانية.

فقد كان المتوقع من هذا الرجل: أن ينظر فيما كتبتُ عنه، وأن يسمع ما سجل بصوته من طوام، وأوابد؛ وإما أن يعلن تراجعه عن ذلك المعتقد الخاسر – إن كان يعتقد الغلو في التكفير- أو يتراجع عن إطلاقات غير مقصودة منه في عباراته، لأنها تنضح بما سبق من تصريح بالتكفير، أو أنها تقتضيه، أو أنه من لازم هذه العبارات، أو أنه بمجموع كلامه لا يحتمل غير التكفير!!أما أن يحشد في مقاله الأخير هذا كلامًا في غير موضع النزاع، ويسوِّد الصفحات بما لا حاجة له بيني وبينه؛ فهذا يدل على أنه أحد رجلين –وكلاهما شر، وأحلاهما مُر، وقد سبق أن ذكرت ذلك له-:

إما أنه لا يعرف موضع النزاع، ولا يعي لبَّ القضية التي يخاصم فيها الناس، أو يخاصمه فيها غيره، وإما أنه يعي ذلك؛ لكنه يكابر، ويراوغ، ويغمغم، ويلبس على قليلي البصيرة، وضعفاء العزيمة!!

4/ سبق أن ذكرتُ أن المقال سبع عشرة ورقة –حسب ما طبع لي من الانترنت- ومن جملة ذلك ورقتان للحواشي، فصلب المقال خمس عشرة ورقة، فيها نحو إحدى عشرة ورقة عبارة عن نقل منه لكلام دعاة الإخوان المسلمين، والطائفة المرغنية، وتلخيص لما في بعض أشرطته التي نقلت منها، ونقل منه لبعض فتاوى العلماء في بعض مقالات لبعض قادة الإخوان المسلمين – حسب ما نقله عنهم- وكل هذا لا حاجة لي به، والبحث في غنىً عن هذا كله؛ فإن بحثي مع هذا الرجل – كما في رسالة: “إعلان النكير على منهج الشيخ ربيع في التكفير“- يتلخص في أنني أقول :

إن عبارات ربيع المدخلي في كثير من مخالفيه تحمل تكفيرهم، وذلك بالتصريح، وبما تقتضيه العبارات، ومن ضم كلامه إلى بعضه؛ فإن كلامه لا يحتمل إلا التكفير في كثير من مخالفيه؛ سواء كانوا من الدعاة، أو من الأتباع، فكون ربيع يُسوِّد الصفحات بما لا حاجة له، ويُشغل نفسه وغيره بغير موضع البحث، فهذا مما يعاب به، ولا يكون إلا أحد وصفين، كما سبق!! وأما بقية المقال فنقل لكلامي، وتعليق بالسب والشتم دون دليل واحد، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – كما في “مجموع الفتاوى” (4/186-187) رادًّا على من سلك سبيل الشتم لمخالفه، وهو في مقام المناظرة :”إن هذا الكلام: ليس فيه من الحجة والدليل، ما يستحق أن يُخاطب به أهل العلم، فإن الرد بمجرد الشتم والتهويل؛ لا يعجز عنه أحد، والإنسان لو أنه يناظر المشركين، وأهل الكتاب؛ لكان عليه أن يذكر من الحجة ما يبين به الحق الذي معه، والباطل الذي معهم، فقد قال الله عزوجل لنبيه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: [ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ] {النحل:125}  وقال تعالى: [وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ] {العنكبوت:46}  فلو كان خصم من يتكلم بهذا…. من أشهر الطوائف بالبدع، كالرافضة؛ لكان ينبغي أن يذكر الحجة، ويعدل عما لا فائدة فيه، إذْ كان في مقام الرد عليهم….” اهـ. فتأمل هذا، وانظر ما حواه المقال من افتراءات وبواقع [سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ].

وكلامي هذا موجود في كتابي المطبوع، وما نقله ربيع عن بعض دعاة الإخوان من القول بحرية الاعتقاد موجود في مقاله هذا فلْيُعْرَضْ هذا وذاك على لجنة من أهل العلم، وليُسْألوا: هل جواب ربيع في محل النزاع، أم هو “هنجمة” و “غمغمة” و “جعجعة”؟!! هل بحثي مع ربيع في طلب دليل منه على ما حَكَمَ به على مخالفيه، حتى يفزع إلى حشد ذلك؟! هل أنكرتُه فيما احتواه شريطه من مادة علمية أو غير علمية؛ حتى يذهب يلخص ذلك في ثلاث عشرة نقطة؟!! من الذي طلب منه ذلك حتى يحارب في غير ميدان ويدعو – حيث لا خصم- النزال والطعان؟.

 إن بحثي معك أيها الرجل – إن كنت تريد أن تفهم وتدرك – : أن كلامك يحمل تكفير كثير من مخالفيك – تصريحًا واقتضاء – فإن كنت تعتقد ذلك: فصرح بمعتقدك، وعند ذاك أملأ الصفحات بأدلتك على معتقدك، والمنصفون ينظرون فيها، إما أن يوافقوك، وإما أن يخالفوك، وإن كنت لا تعتقد ذلك: فسارع بشطْب هذه العبارات التي تنضح بالتكفير، وبادر بإعلان توبتك، وأثبت للخصم والصديق أنك على درب السلف تسير، وأن رجوعك إلى الحق خير من لجاجك وعنادك، أما إطلاق العبارات الهابطة، والألفاظ المتدنية في الخصم؛ لا تغيرّ من الحققيقة شيئًا [فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ] {الرعد:17} هذا مع أنني في كتابي : “إعلان النكير” كنت أحتمل له بعض الاحتمالات، وأستبعد أنه يريد أو يعتقد كل ما تحمله عباراته المطلقة، التي لو آخذناه بظاهرها؛ لكان أشد غلاة التكفير في هذا العصر، وقد نقلت له كلامًا في الفِرَق وأتباع سيد قطب، ظاهره التكفير المطلق لهم، وقلت -كما في: “الدفاع عن أهل الإتباع” (2/335)-: “وإني لأستبعد أن يكفِّر الشيخ كل من يدخل في هذه الفرق –فيما بينه وبين نفسه- إلا أن كلامه الآتي -إن شاء الله- يدل على تكفيرهم، فإن لم يكن مكفِّرًا لهم جميعًا؛ فعليه أن يحرر كلامه في هذا الباب الخطير…”ا.هـ

فالمراد من الرسالة إصلاح الرجل، والحذر من دلالات عباراته، وأنا بهذا أفضل له من المطبلين والأذناب المقلدين الذين لا يعرفون معروفًا، ولا ينكرون منكرًا، إلا ما أملاه عليهم شيخهم وكبيرهم ربيع المدخلي!!!

5/ الشيخ ربيع سكت فترة طويلة حتى رد على رسالة: “إعلان النكير على منهج الشيخ ربيع في التكفير” بهذا المقال الموتور، كما يظهر ذلك من تاريخ الرسالة والمقال، فيصدق عليه قول من قال: “سكت دهرًا، ونطق هُجرًا” ولي هنا سؤال أو أكثر: ما هو موقفك أيها الرجل من بقية رسائل كتابي: “الدفاع عن أهل الإتباع” وعدد هذه الرسائل تسع رسائل؟ فهل أنت تقرأ ما فيها، أم لا؟ وهل ستبين موقفك من أخطائك التي ذكرتها في رسالتي: “تحذير الجميع من أخطاء الشيخ ربيع وأسلوبه الشنيع” أم لا؟ وهل تريد أن أكتب بقية الأخطاء، وهي في تسع أشرطة منشورة، بعد إخراج مادة: “تحذير الجميع” من شريطين منها، أم لا؟ ثم ما هو موقفك من كلامك في آخرين في رسالة: “إعلان النكير”؟ ولماذا تنتقي بعض مواضع فترد عليها –وإن كان ردًّا متهافتًا ساقطًا- وتنخنس عن بقية الردود، فلا تظهر إقرارًا ولا إنكارًا، وهل هذا حال المنصفين، ودرب الصادقين، أم أنه أسلوب المراوغين، وصنيع الزائغين؟ هل قد نسيت كلامك السيئ في رب العالمين، ورسوله الأمين، وحامل الوحي جبريل، والصحب الكرام الميامين؟ هل نسيت تخليطاتك العقدية، ومجازفاتك الدعوية؟ وهل صمتك المريب عن كل ذلك يرفع من شأنك أم لا؟ وصدق القائل:

فكيف إذا الرعاة لها ذئاب *** وراعي الشاة يحمي الذئب عنها

6/ لقد يسّر الله بهذا الجواب وأنا بعيد عن مكاني وكتبي، ولم أجد إلا نسخة من كتابي: “الدفاع” أعارنيه أحد طلاب العلم، ومنها نقلت مادة هذا الرد، ولم أر في التأخير في الرد مصلحة، وفي هذا كفاية لمن أراد الهداية، وتجنب سُبل أهل الزيغ والغواية، وبهذا ينتهي الجواب المجمل فالله المستعان، وعليه التكلان.

كتبه أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني

من مدينة الرياض – حرسها الله وجميع بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه-

انتهت الحلقة الأولى، ويليها

الحلقة الثانية – إن شاء الله تعالى –

الحلقة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

وهذا أوان الشروع في الرد المفصَّل ، فأقول – وبالله التوفيق – :

1)قوله في عنوان مقاله: “أبو الحسن المأربي يحامي بالخيانة والبهتان عمن يدعو إلى حرية وأخوّة الأديان” .

والجواب: أقول معلقًا على هذا العنوان: هذا سجْعٌ مثل سجْعٌ الكهان، يُرَاد به دفع كلامي القائم على الدليل والبرهان، ويُتَوَصَّل به إلى نشر منهج الغلو والطغيان، الذي تداعتْ أركانه، وزُلزل بنيانه، بتوفيق الكريم المنان.

ثم إن المحاماة إن كان بحق؛ فنعمَّا هي، وإن كانت بباطل؛ فأين هي؟! هل استطاع صاحب هذا العنوان أن يثبت أنني صححت باطل أحد من مخالفيه؟! فإن كان: فَلْيُحِلْني إلى موضع ذلك، والحق أحق أن يُتَّبع، أما الدعاوى فما يعجز عنها الفارغون العاطلون – فضلاً عن غيرهم -.

ولقد رددت على نحو هذه التهمة في رسالة:”التنكيل بما في خطاب الشيخ ربيع من الأباطيل” وهي الرسالة السادسة من كتاب “الدفاع” (2/5-70) لكن عدم الإنصاف يُعْمِي ويُصِمُّ.

فهل ردُّ الظلم عن الكافر – فضلاً عمن دونه – من المحاماة المذمومة؟! ألم يقف هذا الرجل على ما نقلته عن شيخ الإسلام من “الاستقامة” (1/119) وقد نفى كلامًا باطلاً نُسِبَ إلى الحلاج – والحلاج هو الحلاج !!– فقال رحمه الله: “هذا الكلام – والله أعلم – هل هو صحيح عن الحلاج، أم لا؟ فإن في الإسناد من لا يُعْرَف حاله، وقد رأيت أشياء كثيرة منسوبة للحلاج، من مصنفات، وكلمات، ورسائل، وهي كَذِبٌ عليه، لاشك في ذلك – وإن كان في كثير كلامه الثابت عنه فساد واضطراب – لكن حَمَّلوه أكثر مما حمله، وصار كل من يريد أن يأتي بنوع من الشطحات والطامات؛ يعزوه إلى الحلاج، لكون محله أقبل لذلك من غيره …” ا هـ.

فهل قال أحد: هذا من المحاماة الفاجرة من شيخ الإسلام عن رجل قُتِلَ في الزندقة؟ إن هذا الجواب من شيخ الإسلام – على قواعد ربيع المحدثة، وطريقته المخترعة – مروق عن منهج السلف، ودسيسة في الصف، وتباكٍ على الزنادقة!! وانظر نصوصًا أخرى عن شيخ الإسلام في “الدفاع عن أهل الاتباع” (2/9-10) .

وقال الإمام ابن القيم – كما في “بدائع التفسير” (2/105) – في قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ] {المائدة:8} ) فقال – رحمه الله – : “فإذا كان قد نَهَى عباده أن يَحْملهم بُغضُهم لأعدائهم، على ألا يعدلوا – مع ظهور عداوتهم، ومخالفتهم، وتكذيبهم لله ورسوله – فكيف يسوغ لمن يدَّعي الإيمان، أن يحمله بغضه لطائفة منتسبة إلى الرسول – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – تصيب وتخطيء، على ألا يعدل فيهم؟ بل يُجَرِّدُ لَهم العداوة، وأنواع الأذى؟ ولعله لا يدري أنهم أولى بالله ورسوله منه، وما جاء به منه علمًا، وعملاً، ودعوة إلى الله على بصيرة، وصبرًا من قومهم على الأذى في الله، ولإقامة الحجة لله، ومعذرة لمن خالفهم بالجهل؟؟ ….” اهـ كلامه .

ولا شك أن بعض من طَعن فيهم ربيع أعلم بالله منه، وأنفع للإسلام وأهله من ربيع وحزبه، فهل هذا الكلام من ابن القيم مُنافحة بالباطل، ودفاع عن المشركين المكذبين لله ورسوله، كما تُفْضي إليه قواعد إمام هذا العصر، ربيع المدخلي ؟!

وفي “النبلاء ” (17/481) ترجمة يحيى بن عمار السجستاني – وهو من الصلابة في السنة بمكان – قال الذهبي – رحمه الله – : “وكان متحَرِّقًا على المبتدعة والجهمية، بحيث يؤول به ذلك إلى تجاوز طريقة السلف، وقد جعل الله لكل شيء قدرًا، إلا أنه كان له جلالة عجيبة بهراة، وأتباع وأنصار” اهـ .

فهل هذا تباكٍ من الذهبي، ومحاماة فاجرة عن المبتدعة والجهمية؟ وهل كلام يحيى بن عمار في المبتدعة – وإن كان صوابًا – يسوء الذهبي، كما اتهمني بذلك ربيع؟! إن هذا الرجل لا يحب أحدًا يرد عليه غلوه، فإن رددتَ غلوه؛ فأنت محامٍ عن أهل البدع والضلال بالزور والبهتان؟؟ وإن قلتَ له: لا يلزم من كلام فلان هذا أن تحكم عليه بذلك الحكم الجائر؛ فأنت ممن يسوؤه كلام أهل السنة في أئمة البدع والضلال!! وإن قلتَ له: كَوْن فلان مخالفًا للسنة؛ لا يسوغ ذلك ظلمه ونسبة ما لم يقله إليه؛ قال: أنت ترمي أئمة السنة السابقين واللاحقين بأنهم ظلمة بغاة، وأنهم فجرة غلاة!! فيا سبحان الله، من أي قواعد ينطلق هذا الرجل؟ وبأي عالم يقتدي هذا الكاتب ؟! وإلى أي نهاية ينتهي هذا المنهج الأرعن، المخالف للسبيل الأقوم؟!

2) قوله: “فإن من أشد الناس مخالفة لأهل السنة، ومن أشد المنافحين والذابين عن أهل البدع والضلال، ومن أشد وألد خصوم أهل السنة السلفيين، بالكذب والفجور والخيانات، وبتر الكلام: أبو الحسن المأربي” اهـ.

والجواب: سبق أن الشيخ ربيعًا قد أطلق فيَّ أنني أشد الناس مخالفة ومنافحة عن الباطل وأئمته، وألدُّ خصوم السلفية عبر التاريخ، وهاهو هنا يقول: “إن من أشد ..” فهل هذا من التورع الذي اكتسبه ربيع من الردود السابقة؟! أم أن ذلك غير مقصود منه؟! والثاني هو الراجح، والله أعلم .

وأيضًا: فمن هم السلفيون أهل السنة الذين أخالفهم – فضلاً عن كوني أخاصمهم، فضلاً عن كوني أشد وألد الناس لهم عداوة؟ – هل هم ربيع وأذنابه؟ هل هم الغلاة الطائشون، والمسرفون السفاحون؟

هل هم الجزارون القصّابون؟ إن كان ذلك هو المراد؛ فموقفي منهم: رد أخطائهم، وكشف فساد منهجهم، وأما الحق الذي معهم؛ فأقبله منهم، وأشكرهم، وأدعو لهم، وأستغفر لهم فيما لحقني من أذاهم، بل أدعو أن يبدل الله سيئاتهم حسنات، وأما باطلهم فأتقرب إلى الله بكشف أمره، وهتك ستره.

وإن كان المراد بذلك العلماء العاملين، والصلحاء الربانيين؛ فهذه فرية بلا مرية، وهي من ربيع ليست بعجيبة؛ فالشيء من معدنه لا يُستغرب!!!

وهاك كلامي في كتابي “الدفاع عن أهل الاتباع” – الذي يرد ربيع في مقاله هذا على بعض المواضع منه – لتعلم أن الرجل لا ينتفع بالحق الذي مع خصمه؛ لأن هدفه – فيما يظهر من حاله -: الاندفاع في الرد على مخالفه، لا الوصول إلى الحق الذي معه!!

ففي (2/21) قلت: “فمن هم علماء المنهج السلفي هؤلاء الذين أهاجمهم؟ هل هاجمتُ سماحة الشيخ ابن باز، وفضيلة الشيخ ابن عثيمين، ومحدث العصر الألباني، وعلامة اليمن الوادعي، وأئمة هذا الزمان من كبار العلماء، وفقهاء الأمة: علماء لجنة الإفتاء، والعالم الموَفَّق، والمربِّي المُحَنَّك، وزير الشؤون الإسلامية الشيخ صالح آل الشيخ، وعلامة الحجاز العبّاد، وبقية علماء أرض الحرمين ونجد، والشام، ومصر، وإفريقيا، وغير ذلك ممن سلكوا سبيلهم في نصرة الحق… ألا فلْتُسَمِّ لي أيها الشيخ شيئًا من ذلك، إن كان عندك دليل على ذلك، وأحلني إلى نص كلامي من كتاب، أو شريط، أو شهادة عدل، ودون ذلك خرط القتاد!! فإن كان عندك شيء من ذلك؛ وإلا فَدَعْ عنك التهاويل والأراجيف، فمتى كان الرد على من ينحرف عن السلفية حربًا على السلفية؟! ومتى كان المفرّقون للصفوف، المضيعون للجهود، الحريصون على الزعامة: من كبار علماء السلفية ؟…” إلخ.

وفي (2/31) قلت ردًّا على فريته:” إنني أسعى لإسقاط العلماء” فقلت: “رمتني بدائها وانسلت، فلو كنت أسعى لذلك؛ فلماذا أستشهد بهم في كتبي، وأدافع عنهم وعن طريقتهم في كل وادٍ؟! أما مدرستك يا هذا، فهي التي خرَّجت من يقول: ابن جبرين متبدع، وبكر أبوزيد سروري، والفوزان نُصٌّ ونُصٌّ، أي نصف سلفي، ونصف مبتدع أو حزبي، وابن قعود إخواني بنّائي على الخط العام، والمفتى ما يفقه المنهج، وابن باز عنده من يلبس عليه، ولا يعرف أمور المنهج، والألباني: سلفيتنا أقوى من سلفيته، وهو مع الحزبين في خندق، وابن عثيمين حوله سروريون، ولا يدري بهذه الأمور، والعباد ما قرأ، ونظره ضعيف، وكبير في السن، وتكلم في أمور ما يعرفها، والسديس عالم سياسي، والشريم سروري، وحسين آل الشيخ مميع، ومافى الرياض سلفي إلا فلان بن فلان، ولا يوجد ثلاثة سلفيون في جامعة الإمام، والشيخ ربيع معصوم في المنهج، أو ما يخطئ في المنهج، وهو أعلم من ابن باز والألباني وغيرهما بالمنهج، ومن خالفه؛ سقط ومات، وأبو زيد وابن جبرين ماتا، وماتت كتبهما؛ عندما تكلم فيهما الشيخ ربيع، وابن تيمية فتح الباب أمام الإخوان المسلمين بمنهج الموازنات، إلى آخر هذه الافتراءات، فيا سبحان الله، ترمون الناس بأدْوائكم الكريهة، وتتظاهرون بأنكم على منهج العلماء؟! فهلا أتيتم من كلام هؤلاء العلماء بما يوافق مقالاتكم في مخاليفكم من أهل السنة؟! وهلا أجبتم عن فتاوى هؤلاء العلماء التي ملأْتُ بها كتبي في الرد عليكم؟! أبعد هذا كله ترميني بما فيك وفي أذنابك؟” اهـ.

وأزيد هنا فأقول: وفي هذه الأيام يُنْشَر كلام لربيع مع تلميذه فريد المالكي، وهو يُقَرِّر شيخه ربيعًا على قوله: “ابن باز طعن السلفية” فلم ينكر ذلك، إنما اقتصر ربيع بعد سماعه ذلك على نصيحة فريد المالكي بأن هذا كلام خاص بينهما لا يُخْبر به أحدًا!! وهل بعد طلبي منه أن يحيلني إلى موضع هاجمتُ فيه أي عالم بباطل، أو تنقّصْتُ من قدره، أوتعمدت إسقاط مكانته، ثم يعجز عن ذلك – كما بشرته بذلك، وأن دونه خَرْط القَتَاد – فإذا بإمام هذا العصر!! يطالعنا مرة أخرى بإعادة دعواه المجردة بعد عدة سنوات!! هل تظنون أن ربيعًا استطاع أن يظفر بدليل – خلال هذه المدة – على قوله، وترك ذِكْره تورعًا، أو إشفاقًا عليّ؟! ثم هل أنكر شيئا مما نسبته إليه، أو إلى أذنابه وجلاوزته من كلامهم في العلماء؟ وهل بعد هذا كله يكون كلامهم السَّيِّء في أهل العلم محبة منهم وإجلالاً للعلماء، وسيرًا على منهجهم، ويكون كلامي السابق في مدحهم، والثناء عليهم، والاستشهاد بكلامهم – وهو قليل جدًّا بالنسبة إلى غيره من كلامي في هذا الباب – يكون مراوغة، وزندقة، وتقية، وتزلفًا؟ صدق الله القائل: [وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ] {النور:40}  وصدق من قال:

إذا لم يكن عون من الله للفتى *** فأول ما يقضي عليه اجتهاده

3) رجع هذا الرجل – عندما أفلس في الحجج عبر عدة سنوات – إلى القول بأنني أنصر مذهب المعتزلة، والخوارج، والروافض في أن الأصل في خبر الآحاد أنه يفيد غلبة الظن، لا العلم القطعي ولا النظري، وذكر أنني شيدت ذلك بالمراوغات، والتلبيسات، والبتر، والخيانة، وأني حشدت الشبه الكثيرة لنصرة الباطل وأهله، وخذلان الحق وأهله، دون سوق حجة واحدة لنصرة الحق المجمع عليه، وذكر أنني نقلت عن الشيخ الألباني، والشيخ ابن باز، والشيخ العبّاد خلاف ما يقولون!! ومن نظر في هذه الافتراءات؛ علم الحال السيئ الذي وصل إليه هذا الكاتب، فالحمد لله على العافية.

وعلى كل حال، فملخّص الجواب ما يلي: أن مذهب الجماهير من السلف والخلف – ومنهم مَنْ سمى ربيع من العلماء المذكورين آنفًا -: أن خبر الآحاد إذا تجرد عن القرائن؛ فإنه يفيد الظن الراجح، أو غلبة الظن، لا العلم اليقيني، وهذا مبسوط في عدة مواضع، وسجلته بصوت بعضهم، ومن صفحات كتبهم، لكن هذا الرجل إذا أفلس في الحجج؛ سعى إلى تغطية قصوره بالإسفاف والتطاول، وليس هذا بغريب منه!!

ولقد سبق نقل كلام هؤلاء العلماء في عدة مواضع من ردودي – المقروءة والمسموعة – عليه، فلماذا لم يناقش ما نقلتُ عنهم، ويرد عليّ بكلام آخر عنهم بخلاف قولي، أو بما يدل على خطئي عليهم؟ أما أن يستدل بكلام في غير موضع النزاع؛ فهذا يدل على أنه أحد أمرين، كما سبق!!

وأما خبر الآحاد إذا حُف بقرائن تقوي الظن، حتى يصير علما يقينيًّا؛ فهذا مما لا أنكره، كما هو في كتبي، وأشرطتي، ومجالسي .

وأما خبر الآحاد الذي في “الصحيحين” أو أحدهما؛ فهذا مما يفيد العلم النظري، لا الضروري، وقد ذكرتُ ذلك مرارًا في كتابي “الدفاع عن أهل الاتباع” كما في (1/257-258) و (2/16) فيُرْجَع إلى تفصيلي في ذلك، لكن العاطل من الأدلة مع غير إنصاف؛ يصل به الحال إلى مالا يُحمد عليه!!

فالأدلة التي حشدتها على أن الأصل في خبر الآحاد أنه يفيد غلبة الظن: أدلة نقلية، وعقلية، وهي أدلة أهل العلم، لا أهل البدع من الخوارج، والمعتزلة، والروافض، لكن الجهل بما عليه أهل السنة يفضح المتشبعين!!

ثم أين تكذيب الشيخ العبّاد – حفظه الله – لي ولإخواني في هذه المسألة كما يزعم ربيع؟

فقد نقلْتُ عنه موافقته لي على أن الأصل في خبر الآحاد أنه يفيد غلبة الظن، فهل تستطيع – أيها الرجل – أن تنقل عنه تكذيبه لي في أنه يقول، إن الأصل في خبر الآحاد أنه يفيد غلبة الظن؟ فإن عجزت – وأنت كذلك إن شاء الله – فلتخجل من هذه المجازفات!!

4) قوله: “ثم إن من عجائب هذا الرجل: أنه من أشد الناس تناقضًا، ومخالفة لدعواه، وأصوله التي أصّلها للفتن والشغب، فمن تناقضه: أنه ظل يدافع عن سيد قطب لينفي عنه القول بوحدة الوجود، ويطعن فيمن ينسب إليه القول بوحدة الوجود، ويرمهم بالغلو، ويُنَزِّل عليهم الأحاديث التي في الخوارج، ومنها:”أنهم شر الخلق والخليقة، وأنهم كلاب النار …” الخ، وهم كوكبة من أعلام السنة، منهم: الشيخ الألباني، والشيخ محمد بن صالح العثيمين، والشيخ صالح الفوزان، والشيخ محمد أمان …” اهـ .

قلت: هذه الجعجعة لا تُسْمِن ولا تغني من الحق شيئًا، فباختصار: أطالب هذا الكاتب المجازف أن يذكر لي في أي موضع من كتبي، أو أشرطتي، أو ومجالسي، وكل ما يمكن أن يُنْسَب به إلى قائل مقالة: أين ذكرت هذا الطعن في هؤلاء العلماء؟ وأين نَزَّلْتُ الأحاديث التي في الخوارج على هؤلاء العلماء؟ فإن عجزت يا ربيع؛ فاخجل، واستحي من افتراءاتك على الأبرياء!!

وأما كوني نفيتُ عن سيد قطب قوله بوحدة الوجود؛ فذلك لما رأيت كلامه – في بعض المواضع التي استدل بها ربيع – محتملاً، وليس صريحًا فيما يقوله ربيع، وقد نقلتُ قول سماحة الشيخ ابن باز، وفضيلة الشيخ بكر أبوزيد، ومعالي الشيخ صالح آل الشيخ، وفضيلة الشيخ الدويش في كون كلام سيد قطب محتملاً، وليس بصريح في القول بوحدة الوجود، وقد سبق ذلك في كتابي: ” الدفاع عن أهل الاتباع” (2/383-386) في الرسالة الرابعة: “الجواب الأكمل على من أنكر حمل المجمل على المفصل” فإذا كان موقفي موافقًا لموقف هؤلاء العلماء، وإذا كان فهمي لكلام سيد قطب قد وافق فهم العلماء؛ فهل هم يدافعون بباطل عمن يقول بوحدة الوجود، كما يدعي ذلك ربيع عليّ؟ وإذا كانوا ليسوا كذلك؛ فلماذا أكون كذلك، وقولي هو قولهم؟ أليس هذا من المجاملات، والاضطراب في معاملة الخلق، والكيل بمكاييل متنوعة، عَلِمها مَنْ عَلِمها، وجَهِلها مَنْ جَهِلها؟!

5) ثم قال بعد ذلك: “وفي جلسة في مأرب مع الشيخ محمد الإمام، والشيخ البرعي، وآخرين، ودار النقاش في هذه المسألة، فنافح أبو الحسن عن سيد قطب بشدة، ثم قال: لو تبين لي أن سيد قطب يقول بوحدة الوجود؛ لكفرته، ثم أُوقِفَ على بحث لي باسم: “أطوار سيد قطب في وحدة الوجود” فلم يسعه إلا الاعتراف بأن سيد قطب يقول بوحدة الوجود، لكن هل وَفَّى بوعده، ودفعتْه عنتريته إلى تكفير سيد قطب بوحدة الوجود؟ الجواب: لقد حاد وحاص عن ذلك، فقال: ولكني لا أكفره، ولا أقول: إنه من أهل النار” اهـ .

قلت: هذه الجلسة المشار إليها لم تكن بحضور من وصفهم هنا بالمشيخة!! – فيما أذكر – إنما كانت الجلسة مع عدد من إخواني طلاب العلم، أثناء زيارة منهم لي في دار الحديث بمأرب، وقوله: “فنافح عن سيد قطب بشدة” سبق الجواب عنه.

وكوني قلت: لو تبين لي أن سيد قطب يقول بوحدة الوجود؛ لكفّرته: نعم، قلت هذا، وذكرتُ في الجلسة المشار إليها علة ذلك، وهي: أن الرجل إذا كان يصرح بأن الخلق والخالق واحد، وأن الكلب، والخنزير، والقرد، وغير ذلك آلهه من دون الله، فهذا مما لا يُعْذَر فيه عندي بالجهل – وإن كنت أرى العذر بالجهل في أمور كثيرة – فمن يعبد الصنم، ويقول في الشجر أو الحجر: إنه إله، ويُخَطِّىء موسى في إنكاره على بني إسرائيل عبادة العجل، ويُصَوِّب فرعون؛ فإنه لا يُعذر ولا كرامة.

وكوني وقفت على كلام لسيد قطب أكثر وضوحًا في هذه المقالة مما كنت قد وقفت عليه من كلامه – سواء كان هذا من ربيع أو غيره، فالحق ضالة المؤمن – فإن غيرتي على العقيدة حملتني على غمز سيد قطب بوقوعه في هذه المقالة، لا أنه لم يسعني إلا الاعتراف بذلك، كما يزعم هذا الكاتب، وكأنه يحكي عن نفسه إذا خالفه من يهابه، فيترك قوله لقوله، ويرمي الناس بدائه!!

وكوني لم أُكَفِّر سيدًا؛ فذاك لأني وقفت له على قولين متناقضين، وإن كان نفيه لهذه العقيدة أصرح من كلامه باعتقادها، و لا أدري بم خُتم للرجل؟ ولا تكفير لمسلم مع الاحتمال، فأين هذا من تهاويل المجازفين؟

وأما الحكم بالنار على المعين؛ فلهذا تفصيل آخر، وليس هذا موضعه، والله أعلم.

6) ثم ذَكر ربيع أنني أتناقض في تطبيق قاعدة: “حَمْل المجمل على المفصل” وقاعدة: “نصحح ولا نهدم” وذَكر أنني أطبقها في حق أهل البدع، لا في حق أهل السنة!! وذَكر أنني أصف أهل السنة بالغثاء، والأقزام، وأنهم لا يصلحون حتى لرعاية الحمير!! علمًا بأن كتابي “الدفاع” – وغيره من قبل ومن بعد – فيه الرد البليغ على هذه الافتراءات، فمع ظلم ربيع وحزبه، ومع بغيهم وطغيانهم؛ لم أخرجهم من السنة، ولم أُبدِّعهم، ولم أعاملهم بالمثل، ولم أَدْعُ عليهم كما يفعلون، بل أستغفر لهم، وأقول: هم إخواننا وإن بغوا علينا، وهم من أهل السنة وإن جهلوا سبيل الأئمة، أو اتبعوا أهواءهم في بعض المواضع، فأين التناقض في تطبيق هذه القواعد؟!

وأما الأوصاف التي ذكرها: فالأشرطة محفوظة، وأن هذه الأوصاف في غير من ذكرهم، وفي أناس كان بعض من ذكرهم يصفهم أو يصف بعضهم بهذا وزيادة، ولكن اتباع الهوى جعل الحسن قبيحًا، والممدوح مذمومًا!

وأُنَبِّه على أنه لا يلزم من كشف عوار منهج ربيع وحزبه الطعن في أهل السنة، وعلمائهم، فلا حاجة لهذا التمحل المكشوف، وهذا التملق المزيف، فقد سبق بعض كلامك يا ربيع أنت ومن معك في العلماء، فاستتروا!!

7) قوله: “ومن عجائبه: أنه لا يستطيع الانفكاك عن الدفاع عن سيد قطب وأمثاله، ومن ذلك ما تراه في هذا الفصل، فأقرأْه، وأقرأْ مناقشتي له؛ ليظهر لك ما يتمتع به هذا الرجل من خُلُق ودين” اهـ.

قلت: أما دفاعي بحق عن سيد قطب وغيره؛ فهذا مما أتقرب به إلى الله تعالى، وأما دفاعي بباطل؛ فلا أجد هذا من نفسي – ولله الحمد – وربيع مُطَالَبٌ أمام القُرَّاء بإثبات موضع واحد يَصْدُق عليه أنه دفاع مني بباطل، حتى أُسَلِّم له بدعواه الموتورة المتهافتة!!

وأما دعواه مناقشته لي في هذا المقال؛ فمما يُضْحك الثكالي!! فأين مناقشتك لي أيها الإمام!! وأنت تصيح في غير ميدان، وتزمجر في غير موضع الخصومة، وقد سبق تفصيل ذلك في الرد المجمل، والعاقل يدرك ذلك.

وإذا كنتُ مدافعًا عن سيد بباطل؛ فلماذا حذّرتُ من أخطائه في كتابي “الدفاع عن أهل الاتباع” الذي وقف عليه ربيع، إلا أن تدينه وخلقه لا يسمحان له بذِكْر حسنات خصمه، ولو كانت شاهدة له في موضع النزاع، ودافعة للزور والبهتان.

وإليك أخي الكريم بعض ما ذكرته من تخطئة سيد قطب وغيره في هذا الكتاب الذي يزعم ربيع أنه يرد عليه، فما ظنك بغيره؟!!

أ- ففي (2/278) قلت: “هذا الكتاب ليس دفاعًا عن أخطاء وضلالات المخالفين، سواء كانوا جماعات أو أفرادًا، إنما المراد منه بيان حقيقة منهج الشيخ ربيع، والمراد بيان غلوه، أو تناقضه، أو إظهار أمره المريب، وأما ثبوت ما يَدَّعيه عن هؤلاء – ومن ثَمَّ الحكم عليهم – فيحتاج – في كثير منه – إلى بحث وتثبت، فلابد من مراجعة الكثير من هذه الأحكام، وأسبابها، فَيُقْبَلُ الحق منه ومن غيره، ويُرَدُّ الباطل على من جاء به، وأما ما أعلمه من انحرافات هؤلاء؛ فقد بينتُ موقفي بجلاء من ذلك في غير هذا الموضع، والحمد لله رب العالمين” أهـ .

ب- وفي (2/329) قلت: “ليس في ردي مجازفات الشيخ ربيع في كلامه في سيد قطب إقرار الأخطاء التي وقع فيها سيد قطب، فإن لسيد منهجًا قد أثمر ثمرات حنظلية، وقد صرف منهجه وكلامه كثيرًا من شباب الأمة عن منهج أهل السنة والجماعة، وجَرَّأهم على علماء الأمة، فولغوا في تكفير المجتمعات والولاة بلا استثناء، بل ما سَلِم منهم كبار أهل العلم، وأشعلوا الفتن التي أفضت إلى التفجيرات والاغتيالات، وغير ذلك ما هو مفصل في موضعه.

إلا أن منهج أهل السنة قائم على العدل، فلا نتجاوز الحد في عدو ولا صديق؛ فلما نحا الشيخ ربيع غير منحى أهل العلم؛ بينتُ فساد طريقته، ولما راوغ وتخبط؛ كشفتُ سوء خطته، فرحم الله السلف الذين لم يحابوا صديقًا، ولم يظلموا خصما” ؟!! اهـ .

فهل وقفتَ على هذا يا ربيع في رسالة “إعلان النكير”؟ فإن لم تكن وقفتَ عليه؛ فلماذا ترد على كتاب ولم تقرأه كاملا؟ حتى تعرف ما لخصمك وما عليه؟ وإن كنت وقفتَ عليه؛ فهل فهمتَ منه إقراري سيد قطب على أخطائه؟ فإن كنتَ كذلك؛ فاتهم عقلك وفهمك، وإن كنتَ لم تفهم ذلك؛ فاتهم أمانتك، وتدينك، وخُلُقَك، ولكن الرجل ممن يرمي غيره بدائه ووبائه!!.

جـ) وفي (2/282) قلت: “ومعلوم أن الضلالات والمُزْمِنات التي وقع فيها سيد قطب – رحمه الله – قد تكلم عنها جماعة من العلماء، بما يغني عن إعادتها هنا، والكلام عن الضلالات شيء، والكلام عن المعين شيء آخر…” ثم ذكرتُ أصناف الناس تُجاه سيد قطب، ورجحتُ قول من قال: إنه تورط في مزمنات وبلايا، وذلك لجهله بعقيدة السلف، وتقصيره في دراستها دراسة وافية، ومع الدعاء له بالرحمة، فإنهم يُحَذِّرون من هذه الضلالات، ولا يَعُدُّونه من علماء المسلمين الفقهاء في دين الله، ولا من المتمسكين بمنهج السلف …. الخ”. فهل يقول عاقل بعد الوقوف على هذا في كتابي: إن قائل هذا لا يستطيع الانفكاك عن الدفاع عن سيد قطب بباطل وخيانة، وبهتان؟! نعم، يقول هذا من كان عقله كعقل ربيع، أو كان تَدَيُّنه كتديُّنِ ربيع!!

د) وفي (2/331-332 ) ذكرتُ موقف ربيع من الفرق الإسلامية المعاصرة، وقلت: “معلوم أن دعوتنا تحارب هذا التفرق، الذي كان سببًا من أسباب ضعف الأمة، وذهاب ريحها، وأن هذه الفرق – بتفرقها، وتناحرها، وفساد كثير من مناهجها – قد أساءت للدعوة كثيرًا، وإن أصلحوا في بعض الجوانب، أو حَسَنُتْ نوايا الكثير منهم… فالواجب عليهم أن يتقوا الله تعالى، ويلزموا غرز علماء السنة الأفاضل الأماثل – في الحق – مثل سماحة الشيخ ابن باز، ومحدث العصر الألباني، وفقيه هذه الأمة ابن عثيمين – رحمهم الله – ومن جرى مجراهم – في الحق – من كبار العلماء في هذه الأيام، وأن يتركوا التحزُّب الذميم، الذي فرّق الأمة، وأن يرفعوا رؤوسهم بدعوة أهل السنة والجماعة، فإنها دعوة الطائفة المنصورة الناجية، إلا أن إنكارنا على هذه الفرق ما هم فيه من الخطأ؛ لا يلزم منه تجاوز الحد معهم، والافتراء عليهم، وتكفيرهم جميعا!! وما هم عليه من الخطأ في مناهجهم؛ يُصَرَّح برده، والتحذير منه، لكن لا يلزم منه الحكم بذلك على جميع أفرادهم فردًا فردًا، فكلٌّ يُحْكَم عليه بما يستحق، وما هم عليه من الأخطاء والانحرافات؛ لا يسوغ ترك التعاون معهم فيما يعود على الإسلام وأهله بالنفع الراجح، أو الخالص، عاجلاً وآجلاً..” إلى أن قلتُ: “.. وإلا فأخطاؤهم مردودة، وانحرافاتهم لا يَغْتَرَّ بها إلا من لم يُوَفَّق إلى منهج السلف في هذه المواضع، والله المستعان”.

 فهل بعد هذا كله – أيها الإمام!! – لا تخجل مما ذكرتَه عني في مقالك هذا؟!

هـ) وفي (2/350) نقلتُ بعض كلام ربيع في الإخوان المسلمين ونحوهم، ثم قلتُ: “وعلى كل حال: فمن قال هذه المقالات منهم أو من غيرهم؛ فمخذول محروم، ونبرأ إلى الله منه ومن قوله …” اهـ .

فأين محاماتي عنهم بالفجور والبهتان والخيانة أيها الإمام ؟! ولو ذهبتُ أسرد موقفي من أخطاء الفِرق في كتابي “الدفاع” – فضلاً عن غيره – لطال بي المقام؛ لكن المراد بيان افتراء هذا الكاتب عليَّ وعلى كتابي الذي نفع الله به – ولله الحمد – وصدق من قال:

ولم تَزَلْ قلةُ الإنصاف قاطعةً *** بين الأنام ولو كانوا ذوي رحم.

8) قوله: “أما عذري في عدم التصريح بتكفير سيد قطب بوحدة الوجود: فهو – والله – التورع؛ لقيام الاحتمالات، ومنها احتمال توبته، فموقفي مثل موقف العلماء الذين أدانوه بوحدة الوجود، ولم يصرحوا بتكفيره، وعلى رأسهم من ذكرناهم سلفًا، وما أظن أبا الحسن إلا أنه يرميهم بالجبن والتناقص، ولكنه يجبن عن التصريح بذلك”اهـ.

والجواب من عدة وجوه – إن شاء الله تعالى-:

الأول: ما المراد بقولك: “عدم التصريح” هل تريد أن لك تكفيرًا ضمنيًّا لسيد، إلا أنه ليس صريحًا أو ظاهرًا في نظرك؟! والذي حملني على هذا السؤال: كون الرجل قد جُرِّبَتْ عليه المراوغة بالألفاظ!!

وهل لا يُنسب إلى الرجل تكفير مخالفه إلا إذا صرح بذلك؟ أليس إذا كان كلامه ظاهرًا في التكفير – وإن لم يكن صريحًا – فإن ذلك كافٍ في نسبة هذا القول إليه؟ وكذلك إذا كان كلامه ليس صريحًا بآحاده إلا أن كلامه بمجموعه يدل على ذلك؛ أليس هذا كافيًا في ذلك؟! فلا مناص لك أيها الرجل من التزام ما تحمله عباراتك من التكفير، أو إعلان تراجعك عن هذه العقيدة الفاسدة، وتحرير كلماتك التي لا خطام لها ولا زمام.

الثاني: هل حقًّا لم يصرح ربيع بكفر سيد قطب؛ لقوله بوحدة الوجود أو غيرها؟

الجواب: قد كفّره في غير موضع بكلام ظاهر في ذلك، وهاك بعض الأدلة على ذلك من كلام ربيع:

أ- ففي شريط: “التنظيمات والجماعات” (2/أ) وُجِّه إليه سؤال، وهو: “معلوم أن الشيخ محمود شاكر، قد ناصح سيد قطب في أربع مقالات، فهل أقام عليه الحجة التي يستحق بها التكفير؛ لقوله بخلق القرآن، وإنكار العلو، ولعنه موسى وآدم عليهما السلام”؟ فتأمل – أخي القارئ – أن السؤال في حصول إقامة الحجة التي يستحق بها سيد التكفير أم لا، ثم أجاب صاحب هذا المقال، المدعي عدم تكفيره لسيد!!

فقال: “… أما قضية طعنه في نبي الله موسى، والقول بخلق القرآن؛ فهذه لا تحتاج – في نظري – إلى إقامة حجة؛ لأن الحجة فيها قائمة بذاتها، فعند المسلمين، وعند اليهود، وعند النصارى، وحتى يمكن عند الهنادك، يعني يعرفون مقام موسى عليه الصلاة والسلام، ويعرفون أنه نبي كريم، وما أظنهم يسخرون به، كما سخر منه سيد قطب عامله الله بما يستحق، والسلف كفروا من ينتقص نبيًّا من الأنبياء، ولا يقبلون له عُذرا أبدًا؛ فإن هذا من البديهيات، التي يعرفها حتى أجهل الناس، فكيف بسيد قطب؟! فلا يُشترط أن تُقام عليه الحجة؛ الحجة في الأمور التي تخفى، أما إذا كان أمرًا معلوما من الدين بالضرورة؛ فيجحده، أو يخدش فيه، أو يسخر منه؛ فهذا الحجة قائمة فيه، ولا تحتاج إلى من يقيم على من يخدش فيه إلى إقامة حجة، إقامة الحجة في الأمور التي تخفى…. وإذا كان أمرا معلوما من الدين بالضرورة ؛ فهذا لا يحتاج إلى إقامة حجة؛ لأنه نفسه يحمل الحجة ،ولا يحتاج إلى من يقيم عليه الحجة” اهـ من (2/254-255) من “الدفاع عن أهل الاتباع”.

فهذا جواب عن سؤال، وكلاهما يُعْرَض على من يعقل ويدرى، هل ربيع يكفِّر سيداً في هذا الجواب، أم يحكم بإسلامه، ويرد على من كفره، ويسلك سبيل العلماء في عدم تكفير سيد قطب، كما يزعم؟!!

ب- وفي (2/285) من “الدفاع” قال في شريط “نصائح تربوية” (ب): “بالله مكانة الأنبياء، ومكانة الصحابة… هل يجهلها عامي جاهل في غابات أفريقية؟!! فهل يعذر أحد من عوام المسلمين يطعن في الصحابة، الذين تواترت وعُلمتْ من الدين بالضرورة مكانتهم، وقام الكتاب والسنة والإجماع على إثبات مكانتهم ومنازلهم، هل مثل هذا يُجْهَل؟ يُعذر فيه سيد قطب الذي قرأ كتب الدنيا كلها، كتب المسلمين وغيرهم؟ ثم طعنه في نبي الله موسى، وسخريته به وآدم هل يُعْذَر فيه أحد؟ مكانة موسى هل يجهلها اليهود والنصارى والمسلمون؟ علماؤهم وعوامهم؟ هل يجهل مثل هذا” اهـ .

وقال في شريط “لمحة عن التوحيد” (2/ب): “سَبٌّ شنيع – أ ي لموسى عليه السلام من سيد – لا نظير له، وأَصَرَّ على هذا إلى أن مات…” اهـ .

فتأمل تقعيد الرجل للتكفير، وإن راوغ ومجمج!! إذْ نقل إجماع السلف على كفر من سب نبيًّا، وأنه غير معذور في ذلك، ولا يُنتظر في تكفيره حتى تقام الحجة عليه؛ لأن هذا أمر لا يجهله حتى عوام الكفار، وهاهو يصف سيد قطب بأنه سب موسى وآدم سبًّا شنيعًا لا نظير له، فإذا لم يكن هذا تكفيرا، أليس هذا الرجل قد فتح الباب للمتهورين؟!.

وفي شريط “نصائح تربوية” (أ) قال: “… المبتدع الضال لاسيما سيد قطب، قامت عليه الحجة، وأبى أن يرجع” من (2/368) من “الدفاع”.

فإذا كان ربيع يصف سيداً بمكفرات تَنْهَدُّ لها الجبال الصُّم الراسيات، وقد صرح بأنه لا يجهل ذلك، ولا يُعذر في ذلك، وأن الحجة قائمة عليه بذاتها، بل قد أقيمت عليه الحجة، ولم يرجع، وأصر وعاند، فهل يكون سيد قطب بعد هذا كله مسلما يا صاحب الفضيلة؟!.

جـ) وفي (2/322) من “الدفاع” قال في شريط: “ما حكم تعدد البيعات” (ب): “… نتكلم على الكتب التي كتبها – يعني سيد قطب – في الإسلام، في إسلامه، بعدما رجع إلى الإسلام، كما يزعمون” !! اهـ .

فهل ربيع مقر بأن سيدًا مسلم، أم أن دعوى أتباعه أنه أسلم بعد إلحاده زعم فقط؟!

د) وفي (2/293) من “الدفاع” قال في شريط: مرحبا يا طالب العلم” (2/أ) بعد أن سرد عدة مكفرات ظاهرة، ونسبها إلى سيد، ثم قال: “… أنا ما أكفره، لكن هذه كفريات، وأجمعت الأمة أن من ينتقص نبيًا كفر، وأنا ما كفرته، أبغى العلماء يكفروه، وفي العلماء أمل أن يكفروه – إن شاء الله تعالى – أنا لا أحكم عليه، لا (أصدر) هذا في كتبي، ولا في محاضراتي، ولكن أننتظر هذا الحكم الصحيح من العلماء” اهـ .

فإذا كنتَ يا ربيع تصحح تكفير سيد قطب ، وفي العلماء أمل عندك أن يكفروه، مع أنك قد حكمتَ بأن العلماء عندما وقفوا على كلامه كفروا كلامه، وحكمتَ أيضًا بأن هذه الأمور لا تحتاج إلى استيفاء شروط ولا انتفاء موانع قبل تكفير قائله أو فاعلها، بل نقلتَ الإجماع على ذلك؛ فلماذا تَذَرُّ الرماد في العيون بقولك: “أنا ما أكفره”؟! وإذا كان السلف أجمعوا على كفر من وقع فيما وقع فيه سيد؛ فلماذا تخالف أنت الإجماع؟

وأنت لا تفرق في التكفير بهذه الأمور بين القول والقائل، وتصرح بأن من قال كفرًا مثل هذا؛ فإنه يُحكم عليه بالكفر!! أليس العقلاء يدركون أن أحسن أحوالك: أنك فتحت باب التكفير أمام المتهورين؟!

وهل بعد هذا كله ستصدِّق – أخي الكريم – ربيعًا في قوله في “الحد الفاصل” ص(60 ) في الحاشية: “لم أكفِّر سيد قطب لا من قريب ولا من بعيد” ؟! فما فهم هذا الرجل وما مراده بالتكفير؟ وانظر تعليقي على ذلك في “الدفاع” (2/324) .

وعلى كل حال: فارجع إلى بقية نصوصه في “إعلان النكير على منهج الشيخ ربيع في التكفير” وضَمِّ بعضها إلى بعض؛ فلن يخرج الرجل عن الأحوال الخمسة السابقة، فإن كان ربيع يكفر سيدًا؛ فليصرح، وليترك المراوغة، والأساليب الملتوية، وإذا كان لا يعتقد كفره بعينه؛ فعليه أن يعلن تراجعه عن إطلاقاته، وما تقتضيه عباراته، ويعيد النظر فيها، ويحررها بما يتفق مع كلام أهل السنة وقواعدهم حقًّا لا ادعاءً!! .

الثالث: قوله في سبب عدم تكفيره سيدًا!!: “فهو – والله – التورع، لقيام الاحتمالات، ومنها احتمال توبته”.

قلت: لولا أنني وقفتُ على كلام ربيع الذي ينفي فيه احتمال توبة سيد قطب في مسألة وحدة الوجود، وغيرها؛ لصدقته في يمينه، ولكنها – والله – يمين فاجرة، ومخالفة للواقع، سواء تعمد ذلك ربيع أو قاله عن وهم ونسيان، وإليك الدليل على ذلك:

أ- فقد سبق أنه قال في شريط: “لمحة عن التوحيد” (2/ب): “سَبٌّ شنيع – أي لموسى عليه السلام – لا نظير له … وأَصَرَّ على هذا إلى أن مات..” فهل من أصر على الطعن الذي لا نظير له في موسى – عليه السلام – إلى أن مات على ذلك: يكون تائبًا؟ هذا مع نقل ربيع إجماع السلف على كُفْر من فعل ذلك.

ب- وفي (2/298) من “الدفاع” قال ربيع في خاتمة كتابه: “أضواء إسلامية” (ص236-237) بعد أن عدد عدة ضلالات عند سيد: منها القول بوحدة الوجود، قال: “ثانياً: وتبين للقارئ أن سيدًا لم يقع فيه عن جهل، بل كان يشير إلى الخلافات بين أهل السنة وأهل البدع من الجهمية والمعتزلة، بعد أن ينحاز إلى أهل البدع والضلال، ثم يُهَوِّن من شأن الخلافات بعد هذا الانحياز الواضح لأغراض سياسية.

ثالثًا: أن سيدًا لم يرجع عن هذه البدع الكبيرة الكثيرة التي ناقشناه فيها، في ضوء الكتاب والسنة، ومنهج السلف الصالح، وقد بينا لك إصراره على ما تضمنه كتابه: “العدالة الاجتماعية”… وهذا يبين لك أن دعاوى: أنه رجع عن كذا، وجهل كذا بأكملها دعاوى باطلة، لا يستطيع أهلها إثباتها، بل تصرفات سيد، ونقله آراءه من كتاب إلى كتاب، وإحالته في كتاب متأخر على كتاب متقدم؛ تؤكد إصراره وثباته على آرائه، وأنه لم يتزحزح عنها، ولو أننا أخذنا دعاوى الرجوع والتراجع الباطلة بعين الاعتبار؛ لما أمكن أن يُدان فرد من أفراد فرق الضلال بما دَوَّنه في كتبه من بدع وضلالات، إذ يمكن بسهولة جدًّا أن يقال عن أي مبتدع أَلَّف في البدع: إنه رجع عنها، وهذا يفتح من أبواب الفساد ما لا يعلمه إلا الله …” ثم ذكر ربيع أدلة تدل – عنده – على أن دعاوى الرجوع مفتعلة ومنتحلة، علمًا بأن ربيعًا يذكر عن سيد عددًا من المكفرات الصريحة التي لا يختلف فيها اثنان، ويسميها بدعا، فليس إطلاقه البدعية هنا بمسوغ لنقل البحث من التكفير إلى مجرد التبديع، وإذا أردت أن تعرف إطلاقه البدعة على مكفرات صريحة عنده وعند غيره، وقد صرح هو بأنها مكفرات، انظر “كتاب الدفاع عن أهل الإتباع” (2/288 ، 292 ، 298 ، 304 ، 305 ، 309 ، 310 ، 318 ، 320 ، 337 – 338 ، 355).

فتأمل قوله: “لم يرجع عن هذه البدع الكبيرة الكثيرة” وهذا موضع الشاهد، فأين احتمال توبة سيد قطب من القول بوحدة الوجود – عند ربيع – بعد هذا التصريح منه، وبعد تزييفه دعاوى التراجع؟!! .

جـ) وفي شريط: “وقفات في المنهج” (1/أ) قال ربيع : “وسيد قطب: وحدة الوجود رافقتة من شبابه، وما استطاع أن يتخلص منها” اهـ فهل هذا يا صحاب الفضيلة يكون احتمال توبته قائمًا عندك، وأنت تصرح بأنه ما استطاع أن يتخلص منها؟!!

د) وفي شريط: “جلسة مع فضيلته” (أ) قال: “منهجهم قائم على منهج سيد قطب الضال، الذي ما ترك بدعة من أول حياته لآخرها؛ إلا وأحياها في كتبه …اهـ.

ومن هذه البدع: القول بوحدة الوجود بلا شك، كما صرح ربيع غير مرة بذلك، فمن كان من أول حياته لآخرها كذلك؛ هل يكون احتمال توبته قائما عند ذي عقل؟!

فأنت – أخي الكريم – ترى أن ربيعا جعل دعوى أتْباع قطب في توبة سيد دعوى منتحلة مفتعلة، ويردها إصرار سيد، وعدم تراجعه إلى أن مات، وتصرفات سيد، ونقله آراءه من كتاب لآخر دليل على إصراره، وثباته على آرائه، وأنه لم يتزحزح عنها، هكذا يصرح إمام عصرنا!! ثم يقسم – هنا – بالله أنه تورع عن التكفير لاحتمال توبة سيد!! فهل هذه يمين بارة، أم أنها فاجرة إن كان متعمدًا ذلك، أو مخالفة للواقع إن كان قد نسي كل هذه المجازفات؟!

وكلامه هذا في هذا المقال – وهو الأخير من جهة التاريخ – قد أغلق به أي اعتذار عنه في ذلك، وقد سبق أن صرح ربيع بأنه يعذر سيدا لاحتمال توبته، وقد فَنَّدْتُ ذلك في موضعه من “الدفاع” فهل آن لهذا الرجل أن يتواضع، ويترك الشموخ بأنفه بالباطل؟! أما آن له وقد أوقفته الآن – وقبل ذلك – على تناقضاته ومجازفاته أن يتوب إلى الله، ويترك اللجاحة بالزور والبهتان؟ ولكن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء، فيا مقلب القلوب والأبصار؛ ثبت قلوبنا على طاعتك.

الرابع: قوله: “فهو – والله – التورع لقيام احتمالات…” وبالاستقراء لكلام ربيع اتضح لي أن هذه الاحتمالات منها:

احتمال أن سيدًا جاهل، أو أنه لا يفهم ما يتكلم به في وحدة الوجود، ومن ذلك قول ربيع في شريط: “مناظرة عن أفغانستان” (ب) قال ربيع: “سيد قطب يحكي كلام أصحاب وحدة الوجود، ولا يفهمه، هذا عذره عندي” وهاك أخي الكريم كلامه الذي ينقض هذا العذر؛ لتعلم أن الرجل إما أنه متخبط، و لا يدري ما يخرج من رأسه، وإما أنه يخفي أمرًا مريبًا، إلا أنه يظهر على فلتات لسانه!!

فقد سبق في كتابه “أضواء إسلامية” (ص236) أن سيدا لم يقع في ذلك عن جهل، بل كان يشير إلى الخلافات بين أهل السنة وأهل البدع من الجهمية والمعتزلة، بعد أن ينحاز إلى أهل البدع والضلال، ثم ذكر أن دعاوى أنه رجع عن كذا، أو جهل كذا؛ كلها دعاوى باطلة مفتعلة، لا يستطيع أهلها إثباتها، فهل يقف أحد على هذا، ثم يُصَدِّق دعوى ربيع بأن عذر سيد عنده: أنه يحكي كلام أهل وحدة الوجود ولا يفهمه ؟!!.

وفي شريط ” نصائح تربوية” (ب) يقول: “.. مثل هذا يُجْهَل ؟ يُعذر فيه سيد قطب الذي قرأ كتب الدنيا، كتب المسلمين وغيرهم”؟!! كل هذا يؤكد لك أن سيدًا غير معذور – عند ربيع -؛ لعدم جهله، ولإصراره على آرائه، وعدم تراجعه عنها، فأي الكلامين من كلامك نُصدق يا صاحب الفضيلة؟! لا شك أن إثباتك العلم لقطب مقدم على نفيك العلم عنه، وإذا كان العذر الذي عولْتَ عليه في عدم تكفيرك لسيد قد نسفته بنفسك؛ فما بقى للرجل عذر عندك، فهل ستكفره، أم لا؟

الخامس: قوله: “فموقفي مثل موقف العلماء الذين أدانوه بوحدة الوجود، ولم يصرحوا بتكفيره، وعلى رأسهم من ذكرناهم سلفاً”.

قلت: مما سبق يتضح لك أن بين الموقفين ما بين الثرى والثريا، فلا حاجة لانتحال مواقف العلماء، إنما تكون المثلية بالأقوال والفعال، لا بمجرد التحمل والانتحال، والله المستعان.

السادس: قوله: “وما أظن أبا الحسن إلا أنه يرميهم بالجبن، ولكنه يجبن عن التصريح بذلك”.

قلت: سبق مدحي للعلماء دون تقليدهم، وربيع يعرف من هم الجبناء، الذين يقلدونه خشية لسانه، والذين يعينونه على الإثم والعدوان حرصًا على السكوت عنهم، وأما هذه التهمة الساقطة – وهي الاتهام بالجبن – فلا تكون إلا للرخصاء الأدنياء، لا للعلماء الفضلاء، فظَنُّك يا هذا لا يغنى من الحق شيئًا، وإن بعض الظن إثم، وحسبنا الله.

انتهت الحلقة الثانية ، وتليها الحلقة الثالثة – إن شاء الله تعالى –

كتبه أبو الحسن السليماني من مدينة الرياض

حرسها الله وجميع بلاد المسلمين –

الحلقة الثالثة

9) قوله: “ومن هم أهل الاتباع عنده؟ إنهم الإخوان المسلمون، الخليط العجيب من الروافض، والخوارج، وغلاة الصوفية، وعلى رأسهم القيادات الإخوانية، فهم عنده أهل الاتباع، ومن يبين ضلالهم؛ فهو غالٍ وظالم، إلى آخر الأكاذيب، والاتهامات الفاجرة، والطعون الظالمة، وكل هذه الأفاعيل الشنيعة المخزية – في موازين أبي الحسن – شرف، وعدل، وحرب على الظلم” اهـ .

قلت: أهل الاتباع – عندي وعند أهل الفضل – : هم الذين جَرَّدوا الاتباع لرسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وحَكَّموا قوله على قول غيره كائنًا من كان، وحَكَمُوا بمقتضى قوله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – على أنفسهم وغيرهم، وتركوا أهواءهم نصرة للحق، فحَكَوْا ما لهم وما عليهم، ومالوا مع الحق حيث مال، وحب الحق كلفهم الكثير والكثير من التضحيات، والصبر على البغي والافتراءات، والمراد بكتابي: الدفاع عمن كانوا كذلك، سواء كانوا في صفّنا أو خارج صفنا، وسواء كانوا في الإخوان أو غيرهم، فالجماعات – على ما فيها – من أفرادها أناس من أهل الاتباع، وليس انتماؤهم للجماعة الفلانية – لتأويل ما – بمسوغ لطردهم من دائرة الاتباع وأهله، كما أن في صفوفنا من ليس من أهل الاتباع، إنما هو من أهل التقليد، والعصبية الجاهلية، ومن الشغوفين بالزعامات والتصدر، فالاتباع والسنة منهج وقواعد، من تمسك بها كان من أهلها، وليست السنة حِكْرًا علينا، ولا على غيرنا، إنما هي صفات لا شعارات، وتمسك بالسنة والكتاب، لا مجرد شقشقة وألقاب !!.

هذا، مع أن المقصود الأول من كتابي: “الدفاع عن أهل الاتباع” هو دفع الظلم والبغي من ربيع وجنوده عني وعن إخواني المتمسكين بمنهج السلف حقًّا لا ادعاءً، ولا أزكيهم على الله.

وأما كون الإخوان المسلمين مزيجا مما ذَكر ربيع؛ فلأن منهجهم المحدَث الذي يسلكونه مخالف للسنة – في كثير من الأمور – مما جعلهم يكونون كذلك، لكن أهل الاتباع منهم ليسوا من ذوي هذه البدع والضلالات، وإن احْمَرَّ أنف ربيع وأتباعه!!.

وأما اتهامه لي بأنني أرمي من بَيَّن ضلالهم بالغلو والظلم؛ ففرية بلا مرية، فقد سبق أن ذكرتُ براءتي من أخطائهم، وأوجبْتُ التحذير منها، لكن لا يلزم من ذلك أن أسلك طريقة ربيع البعيدة عن مكارم الأخلاق، والمجانبة لطريقة وأسلوب أهل العلم والحلم!!

ولا شك أن رد الظلم من ربيع وغيره عن الكفار – فضلاً عمن دونهم – شرف وعدل، فالعدل واجب على كل أحد لكل أحد، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – والله عزوجل يقول: [إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ] {النحل:90} وأما ربيع فيعُد ذلك تمييعًا ومحاماة عن الباطل وأهله بالزور والبهتان ، فالله المستعان!!

10) نقل ربيع كلامي في “فصل: في موقف الشيخ ربيع من تكفير الشيخ حسن البنا، والغزالي، والمودودي” وقد نقلتُ عنه فيه أنه قال: “والله ما كَذَبَ الروافض، ولا الباطنية على الله مثل هذا الرجل – يعني حسن البنا – ما افتروا على الله مثل هذا الافتراء” اهـ .

قلت – معلقًا على ذلك في كتاب “الدفاع” -: “ومعلوم أن مِنْ كَذِب الروافض وافترائهم على الله ما هو كفر صريح، فإذا كان هذا دون كذب وافتراء البنا – حسب تعبير الشيخ ربيع وطريقته في الحكم على خصومه – فماذا عسى أن يكون حكم الشيخ حسن البنا عنده”؟.

فأقول: تأمل – أخي الكريم – دقة هذا الجزء من كلامي، وأن محاكمتي لربيع حسب طريقته في الحكم على خصومه، فإن قبل هذه الطريقة؛ فليصبر على لوازمها، وإن أنكرها؛ فلينخلع عنها، وقد صرح ربيع بكفر الروافض، بل قال ربيع في شريط: “وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة (2/أ): “… عندنا والله كفر الروافض أنجس من كفر اليهود، كُفْر الروافض والله أنجس … لعنة الله عليهم، لا أقذر، ولا أوسخ من كُفْر الروافض، وأهل البيت عندهم، يعني أَخْبَر من الله عز وجل، هم الذين يتصرفون في الكون، وأنه ما من ذرة في الكون إلا والإمام يتصرف فيها، كُفْر حتى أبو جهل ما وصل إليه..” اهـ من (2/360) من “الدفاع عن أهل الأتباع”.

فإذا كان هذا حال الروافض، ومع ذلك لم يكذبوا على الله، ولم يفتروا عليه سبحانه كما فعل حسن البنا، فما حال البنا إذًا – عند ربيع – بناء على قواعد ربيع وطريقته في تحليل كلمات خصومه؟!

فتأمل أخي الكريم هذه المناقشة العلمية، الموافقة لطريقة البحث العلمي في كلام الخصم وما يتضمنه، وقد كان الأولى بربيع أن يناقش كلامي بالعلم والحجة، لا بالعبارات المشينة الفجة، ومع ذلك فقد استدل بما يدل على أنه أحد وصفين كما سبق، فقال: “أتدري ما فعل أبو الحسن هنا؟ لقد ارتكب خيانة كبرى، لا تَصْدر إلا من أمثاله، من أهل المهانة والخزي – والعياذ بالله تعالى – وتلك الخيانة: أنه حَذَف كلام البنا الذي بنيتُ عليه قولي: “والله ما كذب الروافض …الخ” وحَذَف نَقْد سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – مفتي عام المملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء، وهاكم كلام حسن البنا، ونَقْد سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز …”اهـ وأخذ في سَرْد كلام البنا وغيره.

قلت: أعود لأُذَكِّر القارئ الكريم، كما أُذَكِّر هذا الكاتب بموضوع البحث، وهو: أنني ذكرتُ أن منهج ربيع في التكفير لا يخرج عن واحدة من خمس مسائل، وقد سبق ذكرها، وسردت أقوال ربيع الدالة على بعض أو جُلِّ أو كل هذه المسائل، وربيع ينكر أنه يكفر مخالفيه من قريب أو بعيد، فحشدتُ أقواله الدالة عن التكفير من قريب وبعيد، فكان المطلوب منه أن يحدد موقفه مما نقلته عنه: إما أن يُكَذبه، أو يُقر بوقوعه منه، وإذا أقر بوقوعه منه؛ فإما أن يُسَلِّم بدلالته على ما أقول وأنسبه إليه، أو لا يُسَلِّم بذلك، فإن سَلَّم بذلك؛ وأقر بأنه يُكَفّر البنا أو غيره؛ فلماذا ينكر دعواي؟ وإن أقر بأن ألفاظه تدل على التكفير، إلا أن هذا ليس مراده؛ فعليه أن يرجع عن إطلاقاته، وأن يحرر عباراته، هذا ما يقتضيه العلم، والدين، والإنصاف، أما أن يطالبني ربيع بذكر أدلته على قوله في حسن البنا، وسرد أقوال البنا التي حَمَلتْ ربيعًا على ما قاله فيه، أو يلزمني بنقل فتوى سماحة الشيخ ابن باز في تخطئة هذه المقالات؛ فكل هذا خارج عن موضع النزاع أصلاً، لأن البحث ليس في: هل لربيع دليل على قوله هذا أم لا؟ وهل قول البنا خطأ أم لا؟ ليس البحث في هذا، إنما البحث في أن ربيعًا ينكر تكفيره لمخالفيه من قريب، أو بعيد، وأنا أثبت ذلك عنه [فَمَالِ هَؤُلَاءِ القَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا] {النساء:78} ؟!

وإذا كان كلام البنا ومن انتقده خارج البحث؛ فلا يلزمني ذِكْره أصلا، وإذا كان ذلك كذلك؛ فأين ارتكابي للخيانة الكبرى التي لا تَصْدر إلا من أهل المهانة والخزي؟! فهل ربيع يفهم موضع النزاع، أو لا يفهم؟ وإذا كان لا يفهم؛ فهل له أن يتصدر المجالس، ويبلغ عن الله رب العالمين؟! وإذا كان يفهم موضع النزاع؛ فهل من الأمانة والدين اللعب بعقول المساكين، والتلبيس على المبتدئين، والتشبع بما لم يُعْطَ من الفقه الدين؟!

ثم راح إمام عصرنا!! يسرد أقوال البنا وقادة الإخوان في مسألة حرية الاعتقاد بما أبرأ إلى الله منه، وأُشهد الله على بطلان كلامهم، ولست بحاجة إلى الخوض في مقاصدهم، فالباطل مردود وإن حَسُنَتْ نية قائله – والحق مقبول – وإن ساءت نية قائله – لكن الذي لابد من ذكره: أن هذا السرد والتطويل ليس في موضع النزاع، ومن فهم كلامه وكلام غيره؛ فقد أراح واستراح!!

ثم لي وقفة أخرى على حرص ربيع بوصف سماحة الشيخ ابن باز: بالمفتي العام للمملكة … إلى آخر الأوصاف السابقة، ما سبب هذا الحرص منك أيها الرجل, وأنت تصفه بأنه طعن السلفية، وأنه مُلَبَّس عليه، وأن حوله حزبيين أفسدوا فتواه… الخ؟!

وفي أثناء سرد ربيع لكلام البنا، قال ربيع: “إن هذا لمن التحريف لدين الله تعالى، ويُخْشى على أبي الحسن أن يكون على منهج البنا والإخوان المسلمين” فلا أدري لماذا تورع هنا، وقال: ” يُخشى على أبي الحسن…” وهو يصرح، ويجزم، ويؤكد بأني أدافع عنهم، ويسوءني ذكر أخطائهم، وأني إخواني مُنْدَسٌّ في الصف السلفي لأفسده…. الخ التهم المشهورة، فهذا يدل على أن ذلك ليس عن تورع، ولكنها رمية من غير رام، والله المستعان.

11) وقوله – بعد أن أطال في نقل كلام قادة الإخوان والمرغني -: “ومع كل ذلك يُهَوِّش أبو الحسن، ويُهَوِّل، ولم يُشِرْ إلى نقدهم، ولا نقْد البنا أدنى إشارة عند خطفه لهذه الأسطر” اهـ .

قلت: قد سبق أنني لست في مقام نقْد البنا والمرغنية، إنما أنا في مقام بيان ما تحمله عبارات ربيع المدخلي من تكفير، أو فتح الباب بالتكفير أمام المتهورين، ومع هذا فقد سبق أن أشرتُ إلى انحراف منهج الإخوان في عدة مسائل، وذكرتُ انحراف أفراد فيهم، لكن هذا لا يُسوغ ظلم المنحرفين، ولا تعميم الحكم على من فيهم من الصالحين، فلا تهويش مني، ولا تهويل، ولكن منهج ربيع: من لم يكن معه حذو القذة بالقذة؛ فهو ضده، وحرب على أئمة السلفية!!

ووصْفُه لما نقلته عنه بأنه اختطاف لبعض الأسطر من كلامه؛ لا يُغَيِّر من الحقيقة شيئًا؛ لأنني إذا كنتُ قد اختطفتُ من كلامه موضع الشاهد في البحث بيني وبنيه؛ فهذا مما يجلب المدح لا الذم؛ حيث وفقني الله إلى فهم حرف النزاع، وأثبتُّ من كلام ربيع ما يدل على قولي، وتركتُ ما لا صلة له بموضع النزاع، فهذا محمود وليس بمذموم، بخلاف ربيع الذي لا يفهم المقصود من الكلام الذي ينقله، أو يفهم لكن يهوش ويهول، فمن المحسن، ومن المسيء؟ [مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ] {الصَّفات:154} ؟!!

12) قوله – بعد أن أقذع في السب – :”بهذه الأساليب التي بلغت نهاية الخسة والانحطاط، والمكر الدنيء، وما يدري أن الله يمكر به، كما قال تعالى: [وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ] {النمل:50} ” اهـ.

قلت: وعلى طريقة هذا الربيع!! فلا يبلغ نهاية الخسة… الخ إلا من وقع في أفحش الكفر، وفي كتابي: “الدفاع عن أهل الاتباع” وقفات معه في هذا الأسلوب وتلك الإطلاقات، وَضَّحْتُ فيها أن هذا الأسلوب عند ربيع معناه التكفير!!

ويهمني هنا وقفة أخرى، وذلك في قوله فيَّ: “وما يدري أن الله يمكر به” هنا سؤال: من الذي أدرى ربيعًا أن الله يمكر بأبي الحسن ؟ هل أتاه وحي من السماء بذلك؟ هل تطوَّر ربيع، وبعد أن تربَّع على عرش العلوم في الدنيا!! أصبح يعرف عن ربي عز وجل ما لا سبيل له إلا بعلم نبوي؟ هل يجوز إطلاق ذلك في المعين؟ وهب أني كما قال ربيع – ومعاذ الله من ذلك – فقد يكون ذلك استدراجًا، وقد يكون سببًا للهداية والتوفيق؛ فكم من معصية كانت سببًا في توبة العبد وصلاحه، وندمه وإنابته، وما يدري الإنسان بماذا يُخْتم له؟! أليس هذا من التألي على الله، والحكم بما عند الله في المعين دون برهان ولا دليل ؟!!.

إنني أريد أن أظهر تهور هذا الرجل، وما يؤول حاله إلى البغي والتألِّي، وإلا فقد سبق من الأدلة الصريحة ما يثبت صحة ما ذهبتُ إليه فيما ناقشته فيه، وأنه هو الصراط المستقيم، والطريق القويم، وأما ربيع ففي ترهاته يتردد، وفي بغيه وجَوْره يُبْدي ويُعيد!!.

13) قوله: – بعد أن نقل شيئا من كلام قادة الإخوان: “فنقول له – يعنيني بذلك –: حَدِّدْ موقفك منهم، وحدد موقفك ممن ينتقدهم من العلماء” اهـ .

فالجواب: قد سبق في كتابي “الدفاع عن أهل الاتباع” – وقبله وبعده – تحديد موقفي من أخطاء الإخوان وغيرهم، وقبول الحق منك ومنهم ومن غيركم، ورد الباطل عليك وعليهم وعلى غيركم، وقد حددتُ موقفي من العلماء الذين ينتقدونهم، أو هم ساكتون عنهم، لكنك صاحب بُهْتٍ وتَقَوُّلٍ على الأبرياء، ولا تعرف لخصمك حقًّا إلا أن يشاء الله.

ثم مع وضوح دعوتي ومواقفي: لا يلزمني تحديد ذلك لك، فمن أنت؟ وهل لك وصاية على العلم وأهله؛ حتى أسارع بتحديد موقفي أمامك؟! من أنت، وما أنت؟! ألم تعرف قدرك وقدر علمك الذي ظهرتْ ضآلته وهشاشته في السنوات الماضية؟ ألم تدرك أنك صاحب تهويش وتهويل فقط؟! صدق من قال:

إذا المرء لم يلبس ثيابًا من التُقَى*** تَقَلَّبَ عُريانًا ولو كان كاسيـا

14) وبعد أن نقل ربيع قصيدة للمرغني فيها من الكفر ما الله به عليم، قال: “فما رأي أهل السنة والتوحيد في أبي الحسن الذي يدافع بحماس عمن يمدح ويطري أهل هذه الطريقة؟!! بل ويدافع بحماس عمن يدعو إلى وحدة الأديان”؟ اهـ .

والجواب: لماذا تستثير – أيها الرجل – أهل السنة والتوحيد ضد أبي الحسن؟ ثم من هم أهل السنة والتوحيد عندك؟ ألست قد تكلمتَ فيهم، أو تكلم فيهم أتباعك؟!

ثم أين الدفاع الباطل بحماس عمن وصفتهم؟ لا تستطيع – بفضل الله – أن تثبت ذلك بحرف واحد، لكن عذرك أنك تفهم ما لا يفهم غيرك، ولا تفهم ما يفهم غيرك!! فالحمد لله على نعمه وآلائه.

(15) وبعد أن ذَكَر ربيع شيئًا مِنْ مَدْح البنا للمرغني قال: “قال أبو الحسن: فها هو – أي ربيع – يصرح بأن الشيخ حسن البنا يمدح الكفار، ويثني عليهم” اهـ. قلت: لم يُتم ربيع – وللأسف – نقل بقية كلامي، وهذه البقية دالة جدًّا على دعواى، فلماذا حذفها؟! فقد قلتُ ناقلاً عنه: ” .. ويُظْهر – أي حسن البنا حسب قول ربيع هذا – امتنانه بدعوتهم الكفرية عليه، مع علمه بكفرهم، وإلحادهم، وزندقتهم، كما قد صرح بذلك الشيخ ربيع، فهل يكون هذا مسلمًا عنده؟! وهل أَبْقَى هذا الرجل لمعتذر عنه بابًا مفتوحًا؟! ” اهـ.

فلماذا لم ينقل ربيع هذه التتمة ؟ ولو حَدَثَ هذا مني – والكلام له صلة بموضع النزاع – لكال لي التهم، والسب، والشتم: بالخيانة، والمكر، والبتر، وغاية الانحطاط – … إلخ ما هو من إسفافاته وتدنياته!!

وعلى كل حال: فانظر بماذا أجاب ربيع على إلزامي السابق: فقد قال: ” أقول: إذا كان البنا قد أثنى على المرغنية، وحالهم وعقيدتهم هو ما ذكرتُهُ، فمن الملوم: أنا أوحسن البنا في ميزان الإسلام؟ والجواب: أن الملوم إنما هو حسن البنا، لكن في ميزان أبي الحسن: أن اللوم إنما هو على من ينتقد الباطل والضلال، ومع هذا يدعي أنه يحب العدل، ويحرم الظلم!! [فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ] {الحشر:2} ” اهـ.

قلت: يأبى هذا الرجل أن يفهم أسلوب الحوار، وتحديد موضع الشجار، ووضع الأدلة في مواضعها، أو يأبى أن يكون صريحًا – إن كان يفهم ما سبق -!!

فالمقام مقام ذِكْر كلام ربيع في حسن البنا، وأنه – على طريقة ربيع- يكون ذلك تكفيرًا منه للبنا، وهذا ما ينكره ربيع، أو يتظاهر بإنكاره!! وليس المقام مقام تصحيح مدح البنا للمرغنية أو تخطئته، حتى يقول ربيع – مُهوشًا ومراوغًا: ” .. فمن الملوم: أنا أو حسن البنا في ميزان الإسلام؟”!!

فتأمل أخي الكريم: وصْفَ ربيع للبنا بأنه يمدح المرغنية ، وبأنه مَدِين وممتن للمرغنية، الذين يقوم فكرهم على عدد من صور الكفر الأكبر، وأن البنا قال ما قال بعدما عرف كفر المرغني، وإلحاده، وزندقته، ولاشك أن البنا ليس مكرهًا على ذلك – عند ربيع- كما هو ظاهر السياق، وإلا فليس بمذموم على ما قاله أصلاً، وكذلك ليس بجاهل، ولا متأول، ولا مخطئ، لأنه قال ما قال بعد أن عرف كُفْر المرغني وإلحاده، وزندقته، فهاهي موانع التكفير غير موجودة في البنا – على مقتضى كلام ربيع – وهاهو البنا يمدح الكفر وأهله، ويُثني عليهم بلا إكراه ولا تأويل، فإذا فهم عاقل من ذلك أحد أمرين: إما أن ربيعًا يكفّر البنا بذلك، وإما أنه على أحسن الاحتمالات قد قعّد للتكفير بكلامه هذا، وجرّأ من يُكَفّر البنا على التكفير، فمن فهم من النص السابق هذا أو ذاك؛ فهل يكون مدافعًا بحماس عن الباطل وأهله؟ وهل يُتَّهم بالخيانة والمكر؟! فبأي عقل يفهم ربيع كلامه وكلام غيره؟! أليس في هذا المقال – على قلة أوراقه – ما يدل صراحة على أن الرجل: إما أنه لا يفهم موضع النزاع، أو أنه يجيد اللعب بعقول المساكين، تعميةً عليهم، وتوعيرًا أمام وقوفهم على الحقيقة؟!

(16) ثم ذهب ربيع يمدح كتبه وأشرطته بأنها ترفع لواء السنة، وتذب عنها وعن أهلها، وتدحض الباطل بالحجج والبراهين، وأن الله عز وجل قد نفع بهذه الجهود المباركة!! وأن الإخوان والقطبية عجزوا عن مقاومتها، حتى برز محاميهم الفذ أبو الحسن المصري، فأعلن الحرب على السلفيين، باسم محاربة الحدادية، ومحاربة الغلو!! وأشار ربيع إلى شيء من ردودي عليه المقروءة والمسموعة، ثم رجع إلى معطنه – الذي لا يصبر في الابتعاد عنه كثيرًا – بالسب والشتم، ثم مدح نفسه، وكتبه، وأشرطته، وأنها تدعو إلى جمع الكلمة، والائتلاف، وتنهى عن الفرقة والاختلاف!!

وجوابي على ذلك: أنني أترك المقام للقارئ الكريم ليعرف – من خلال الردود السابقة على ربيع وجنوده – مدى ِصدْق هذا الكلام من كذبه، وبنظرة سريعة على آثار ربيع على الدعوة في بلاد العرب والعجم، وعلى المراكز الإسلامية، والجاليات المسلمة في العالم سيعرف العاقل – الذي سلم عقله من تشويش ربيع وترهاته – أن هذا تشبُّعٌ واضح، وصدق من قال:

كل من يدّعي ما ليس فيه ***كذَّبتْه شواهدُ الامتحان

(17) قوله: “وقف أبو الحسن على هذه الفظائع، والضلالات، وأنواع المكر والكيد لهذه البلاد، والطعن في الصحابة الكرام – رضوان الله عليهم – وتكفير بني أمية .. – فراغ عن كل ذلك روغان الثعلب، ثم اختطف مقطعًا من آخرها؛ ليبرز البنا في صورة المظلوم، وربيعًا في صورة الظالم المكفِّر، فإن أبى ربيع عن التكفير؛ سلّ عليه أبو الحسن سيف الإرهاب: إما أن تكفِّر؛ وإلا فأنت متناقض” اهـ

قلت: الجواب من وجوه – إن شاء الله تعالى – :

(أ) – رميه لي بالمراوغة – أمام هذه الضلالات؛ فرية بلا مرية؛ لأن موقفي من ذلك واضح، وقد سبق بعض كلامي نقلاً عن كتابي: “الدفاع عن أهل الاتباع” وفيه براءتي من باطل هذه الفرق وغيرها، وفيه بيان لخطورة منهج سيد قطب على الشباب والمجتمعات، فكيف يكون ذلك من روغان الثعالب؟!! هل لا يكون الوضوح عندك –أيها الرجل- إلا بتكفير هؤلاء، أو فتح الباب أمام الشباب لذلك، كما هو حالك الذي لا تُغبط عليه؟!

(ب) إن إنكاري آثار منهج الإخوان وغيرهم على أبناء وبلاد المسلمين عمومًا – ومن ذلك آثار مواقف بعضهم في المملكة العربية السعودية -: أمر مشهور، وقد فصَّلْته في كتابي :”فتنة التفجيرات والاغتيالات” بل ذكرته في كتابي “الدفاع” الذي يزعم ربيع أنه يرد عليه هنا، لكن ربيعًا يكتم ما هو عليه وما هو لخصمه، كما هو أسلوب أهل الأهواء، فقد قلت في ( 2/342 ) من “الدفاع”: “إن المملكة العربية السعودية – حفظها الله وجميع بلاد المسلمين – قد أطَّتْ – وحُقّ لها أن تئطّ – من آثار هذه الأفكار المنحرفة، وإن أهل العلم هبّوا لبيان فساد هذا الفكر، لكن أين الثرى وأين الثريا؟!! أين أسلوب العلماء في علاج هذا البلاء من أسلوب الشيخ ربيع؟!” اهـ

وفي ( 2/352 ) من “الدفاع” :” قلت إن موقف الإخوان المسلمين في أزمة الخليج (1410هـ) مما أدانه الكثير من علمائنا، وإن كثيرًا من المواقف ينطلق فيها أصحاب القرار في هذه الجماعة من بضاعة مزجاة، وفَهْمٍ سقيم للأدلة الشرعية، ومنهج ثوري حماسي بعيد عن منهج السلف، لكن هل يصل بهم الأمر إلى هذا الوصف الذي يجهر به الشيخ ربيع؟! أم أن هذا كلام لا خطام له ولا زمام”؟! اهـ

فهل يقف على هذا ذو عقل – غير متأثر بعقل ربيع – ويقول بعد ذلك:إن أبا الحسن راوغ روغان الثعالب أمام مواقف الإخوان تجاه المملكة؟! ( إن هذا لشيء [إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ] {ص:5} .

(ج) وأما موقفي تجاه أخطاء الإخوان العقدية أو الدعوية فقد سبق ذِكْر شيء منها بما يُغني من إعادته.

(د) ولم يكن همي الأكبر في المقطع الذي نقلته – ولم أختطفه كما يدعي ربيع!! – إظهار أن حسن البنا مظلوم وربيع ظالم، ولو فعلتُ ذلك بوجه حق ما كان ذلك مذمومًا، بل كان واجبًا، إنما كان جل همِّي أن أُظهر للقارئ كلام ربيع، وما يتضمنه من تكفير لحسن البنا، فلا يَلْتفت إلى إنكار ربيع بعد ذلك، ويطالِب ربيعًا بالصراحة والثبات، أو بالتراجع عن كلامه الذي يُفْضي إلى التكفير إن كان لا يقصده، فإن مَجْمَجَ وقعقع؛ فهو متناقض متخبط!!

وهذا الإلزام ليس بسيف من سيوف الإرهاب – كما يزعم ربيع – إنما هو سيف العلم والقواعد التي تحيط بالمتلاعبين، وتُغلق أمامهم خطوط الرجعة الوهمية، المنسوجة لتضليل المساكين [بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ] {الأنبياء:18} .

انتهت الحلقة الثالثة

وتليها الحلقة الرابعة – إن شاء الله تعالى –

كتبه أبو الحسن السليماني من مدينة الرياض – حرسها الله وجميع بلاد المسلمين –

الحلقة الرابعة والأخيرة

(18) قوله: “وأسأل أبا الحسن: إن عنوان هذا الفصل للدفاع عن البنا، وسيد قطب، والمودودي، والغزالي، فلماذا تهربْتَ عن الدفاع عنهم، والسؤال والجواب تدور رحاهما عليهم، والسؤال الثاني المتعلق بسيد قطب إنما هو ناشئ عن السؤال الأول والإجابة عنه، فلماذا تَرَكْتَ الدفاع عن هؤلاء جميعًا، وذهبتَ تتباكى على حسن البنا فقط؟ إن وراء الأكمة ما وراءها”اهـ.

والجواب: أنني ما أزداد من تعليقات هذا الكاتب الفذ!! إلا بصيرة بمستوى فهمه، أو مقدار أمانته!! فلنرجع –أخي الكريم – إلى العنوان السابق؛ لننظر: هل هو للدفاع عمن ذَكَرهم، أم لبيان كلامه في البنا، والمودودي، والغزالي، ومناقشته في كلامه، ومطالبته بالصراحة، أو التراجع؟!

ففي “الدفاع” ( 2/282 ) قلت: “فصل: موقف الشيخ ربيع من تكفير سيد قطب” وفي (2/436 ) قلت: “فصل: في موقف الشيخ ربيع من تكفير الشيخ حسن البنا، والغزالي، والمودودي” فهل يفهم أحد من هذا العنوان – وحده – : أن ذلك للدفاع عن هؤلاء بحق أو بباطل؟! إن العنوان مبهم لا يُدرى منه هل ربيع يكفر هؤلاء أم لا؟ إنما العنوان يدل – بمجرده – على أن الفصل معقود لبيان موقف ربيع من ذلك، وليس في العنوان ما يدل على أن ربيعًا ظالم، وأن المذكورين مظلومون، ولا أن ربيعًا ليس معه دليل على ما يقول في هؤلاء، أم لا، إنما هو كلام مبهم ولا يتضح المراد منه إلا بما بعده، وذلك لأنني أرى ربيعًا أحد خمسة أمور – سبق ذكرها – فلا أجزم بأنه قد قطع بالتكفير وثَبَتَ على ذلك، بل أذكر العنوان وما تحته من الاحتمالات – وإن كان في كلام الرجل ما يدينه بهذه العقيدة الفاسدة ، أو بشيء منها ، سواء عَلِمَ ذلك أم لم يعلم.

ثم ما مراد ربيع بقوله: “فلماذا تهربْتَ عن الدفاع عنهم”؟ إن كان يريد الدفاع بباطل؟ فلم أفعل هذا – ولله الحمد – معهم ولا مع غيرهم، ولو تَهَرَّبْتُ من ذلك؛ لكنت إلى المدح أقرب مني إلى الذم.

هذا مع أنني ذكرتُ كلام ربيع في البنا، والمودودي، والغزالي، وذكرتُ أن على طريقته التي يستعملها مع خصومه، وبِضَمِّ كلامه بعضه إلى بعض، فهو مكفِّر لهم، فلا بكاء ولا تباكٍ، وليس وراء الأكمة إلا ما هو أمامها!! ومن صرّح بمعتقده الصحيح؛ استراح وأراح، ومن راوغ وتثعلب – كما يفعل ربيع – فعلى نفسها جَنَتْ براقش، ويداه أوكتا وفوه نفخ وَلَا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ] {فاطر:43} .

(19) ونقل ربيع ما نقلته عنه في شريط: ” لقاء في منزل أبى معاذ ” (أ) وفيه: “البنا دعا، الغزالي دعا إلى أخوّة اليهود والنصارى” اهـ ونقل تعليقي، وهو: “فإذا كان الرجل – أعني ربيعًا – مقتنعًا بما يقول؛ فلماذا لا يصرح بكفره؟ وقد سبق أن قال …” ما فيش أَكْفَر من الدعوة إلى وحدة الأديان” اهـ فإما أن يصرح بما يعتقده؛ وإلا فهو متناقض، أو لا يدري ما يخرج من رأسه!! أم أن الدعوة إلى وحدة الأديان من الأمور الخفية التي تحتاج إلى إقامة حجة؟!! وإذا كان الأمر كذلك ؛ فلماذا تصفها بقولك: ما فيش أَكْفَر من الدعوة إلى وحدة الأديان؟!!” اهـ ما نقله عني ربيع.

وكلامي واضح في إلزامه بتكفير البنا، والغزالي – حسب كلامه في أشرطته – حيث قرّر قبل ذلك أن الكفر الجلي لا يحتاج إلى إقامة حجة، بل ادعى الإجماع على ذلك – وإن كان قد ادعى الإجماع على عكس ذلك أيضًا !! وكل هذا موجود في كتابي “الدفاع” – وطالما أن هذا النوع من الكفر لا يحتاج إلى إقامة الحجة قبل التكفير للمعين، وطالما أنه ما يوجد أكْفر من ذلك –عند ربيع- وطالما أن البنا والغزالي قد وقعا فيه عن علم، بل قاما بالدعوة إليه؛ فكيف لا يكونان كافريْن عند ربيع؟ وإذا لم يكونا كذلك؛ فكيف لا يكون ربيع قد فتح الباب بهذه الإطلاقات والتقعيدات أمام المتهورين في التكفير؟!

هذا موضوع البحث مع ربيع، وحجتي فيه ظاهرة كما ترى، لكن من العجب تعليق ربيع على ذلك، فانظر ماذا قال هذا الإمام الفذ، الذي يعرف ما لا يعرفه علماء عصره من منهج أهل السنة!! فقد قال معلقًا: ” أقول: يظهر أن أبا الحسن راضٍ عمن يدعو إلى وحدة لأديان، وأنه لا يراها كفرًا، ولذا يدافع عن دعاتها، ويعتبرهم من أهل الإتباع، ويشن الأراجيف والإرهاب على من ينتقد من يدعو إلى وحدة الأديان”اهـ.

هكذا بهذه البراعة الربيعية الفائقة، وبهذا الإدراك العجيب لخفايا كلام الخصم، استظهر هذا الكاتب الألمعي ما قال!! والحُكْم في ظهور ما ظهر لربيع أم لا: راجع إلى من سَلِم عقله – بتوفيق الله – من اللوثة الربيعية والجرثومة المد خلية!!

وأما عن موقفي من فكرة الدعوة إلى أخوة الأديان: فهي دعوة كافرة فاجرة، والله عز وجل يقول: [إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلَامُ ] {آل عمران:19}  ويقول: [وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ] {آل عمران:85}  ويقول النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – كما في “صحيح مسلم” من حديث ابن عباس: “والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة: يهودي، ولا نصراني، ولم يؤمن بي؛ إلا أكبه الله على وجهه في النار” والإجماع منعقد على كُفْر من ارتد عن دين الإسلام، ولا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلاً.

فلماذا يستظهر هذا الرجل ما هو خلاف الظاهر، ولماذا يترك الكلام الجلي، ويغوص في نوايا الخصم، ثم يظفر بخَزَفَةٍ منكسرة، بل يظفر بما فيه خسارة الدين والدنيا، ألا وهو الزور والبهتان، إلا أن يشاء الله؟ والله المستعان.

(20) إنكاره أن يُقْرَنَ قطب، والبنا، وقادة الإخوان بالنووي وابن حجر: هذا حق، وقد صَوَّبْتُه في ذلك، كما في “الدفاع عن أهل الإتباع” (2/362) فقلت: “تنبيه: لاشك أن قادة الإخوان لا يقارنون بالنووي وابن حجر وغيرهما من أهل العلم، لكن لا يلزم من ذلك كل ما قال الشيخ ربيع، فنحن ننكر الغلو، لا الحق الذي في كلامه، فتأمل”اهـ.

فهل هذا الموقف العلمي المنصف محاماة بالباطل؟ أو إقرار لصحة خطأ دعاة الإخوان – على عِظَمه – بحجة أن النووي أخطأ وابن حجر أخطأ؟ [نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ] .

(21) واستمر هذا الكاتب في نقل بعض ما علقتُ به على كلامه، ومجازفاته، ثم –وللأسف- يكتفي بالتعليق على ذلك بقوله: إن هذه محاماة فاجرة، وأنني لا أحب نقْد الإخوان، وسيد قطب، وهكذا حال أهل الدعاوى الفارغة، والمقالات العاطلة، وقد سبق لذلك أمثلة كثيرة، فلا حاجة للتطويل بإعادة كلامه الدال على مدى فهمه، أو الدال على أمانته!!

(22) ومع كل ما قال في سيد قطب والإخوان -وكثير منه موجود في كتابي: “إعلان النكير على منهج الشيخ ربيع في التكفير“- فإنه في النهاية قد وصل إلى قوله: “وهذا المنهج عند أبي الحسن يجعل الناس يستصغرون فتنة الإخوان المسلمين والقطبيين، وقد تضاءلتْ – والله –فتنتهم أمام فتنة أبي الحسن”اهـ. فإذا كان له كلام قد كفَّرَ فيه سيد قطب والإخوان في غير ما موضع؛ فيا تُرى على ماذا يدل كلامه هذا تجاهي؟!

(23) كلامه عن حكمتيار: لا يخرج عن طريقته التي يهرب فيها من إلزامه بالتكفير أو التناقض، إلى تَعْداده وذكْرِه ما عند حكمتيار من أخطاء، ولست مدافعاً عن حكمتيار أو غيره إذا ثبت عنهم شيء مما يخالف الحق، إلا أن هذا الرجل لم يتنبه إلى أن ما يُعَدِّده من طوام في هذا المقال عن هؤلاء مما يقوي ما أنسبه إليه من مقالة السوء، وضلالة التكفير، أو الروغان والتلاعب!!

(24) ثم وصفني هذا الكاتب – متهكَّمًا ساخرًا – بأنني قائد الطائفة المنصورة في هذا العصر، ورافع راية العدالة، والمحارب للظلم اهـ.

والجواب: أنني لست قائدًا ولا إماما، وحسبي أن أكون طالب علم، لكني أحمد الله –عزوجل- الذي جعلني سببًا لهدم غلو ربيع وحزبه، ووفقني لكشف فساد طريقته ودَرْبه، وقد يبارك الله في القليل فيصير كثيرًا، و[ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ] {المائدة:54} ومن أجل هذا الأثر المبارك؛ فَقَدَ ربيع صوابه، ووقع فيما لا يَحْمَده عليه عاقل [َمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئًا ] {المائدة:41} .

(25) قد سبق بيان تخبطات ربيع في حكمه على سيد قطب: فمرة ينقل الإجماع على أن من وقع فيما وقع فيه سيد فهو كافر، ولا يحتاج إلى إقامة حجة، ومرة ينقل الإجماع على عدم تكفير من وقع في الكفر الأكبر إلا بعد إقامة الحجة!!

ومرة يقول: أنا لا أكفره حتى يكفره العلماء، ومرة ينقل تكفير العلماء لمقالات سيد ويقول: ومع ذلك فأنا لا أكفره، مع تأكيده على أنه لا فرق بين الحكم على المنهج أو المقالة، وبين الحكم على المعين الذي ينتمي إلى ذلك المنهج، أو يقول تلك المقالة!!

ومرة يقول: الذي يجعلني لا أكفره: احتمال أن يكون قد تاب، ومرة يقول: لقد أصَرَّ على قوله، ولم يرجع عنه حتى مات، ولم يستطع التخلص من هذه المقالات إلى آخر حياته!!

ومرة يقول: أنا أعذره لأنه جاهل، أو يحكى كلام أهل وحدة الوجود ولا يفهمه، ومرة يقول –ساخرًا-: هل سيد قطب جاهل هذا الذي قرأ كتب الدنيا كلها، كتب المسلمين والكفار، تقولون: جاهل؟! ويفند ويزيف دعاوى من يعتذر له بأنه جاهل أو أنه قد تاب… الخ!! ويَعُدُّها دعاوى مفتعلة.

فتأمل هذه التناقضات من رجل واحد – وهو ربيع – في رجل واحد – وهو سيد – في مسألة واحدة – وهي هل سيد كافر أم لا؟ – والإخوان المسلمون كلامه فيهم بنحو ذلك!!

ومع هذا التخليطات يشمخ ربيع بأنفه ويقول في هذا المقال: “..وإلا فأنا ثابت – ولله الحمد – على منهج واحد، واجهتُ به أهل الضلال، ومنهم الإخوان المسلمون”اهـ!! فاللهم لك الحمد على نعمة العافية.

(26) ثم نقل ربيع فتوى اللجنة الدائمة في بطلان دعوى وحدة الأديان، والأمر عندي كما قالوا –جزاهم الله خيراً- لكن لا صلة لذلك ببحثي مع ربيع؛ فإنني لا أخالف في أنها مقالة كُفْر وأما المسلم المعين إذا تكلم بذلك؛ ففي ذلك تفصيل آخر.

(27) ومما يُضْحك الثُّكالى – وما يُضْحِكُهنَّ من ربيع كثير – أنه وصف نفسه بأنه لم يُصدر حُكْمًا على الإخوان المسلمين!! فقال: “…كما حكم – يعنيني بذلك – على ربيع بأنه غال، وظالم، ومتناقض .. الخ طعونه، وإن لم يُصدر ربيع حكمًا على الإخوان المسلمين”اهـ.

ولست أدري بأي عقل يُفَكِّر هذا الرجل؟ هل يُصَدِّق عاقل أن ربيعًا -كل هذا الوقت لم يصدر حكماً على الإخوان المسلمين؟ وقوله: “حكمًا” نكرة في سياق النفي، فتعم، أي أنه لم يصدر تكفيرًا، ولا تبديعًا، ولا تفسيقًا، ولا تضليلاً .. الخ فهل يُصَدِّق هذا عاقل؟! هل كل هذه الأشرطة المليئة بالحكم بأنهم أهل بدع، وزنادقة، وروا فض، وصوفية، وباطنية، ويكيدون للإسلام، وجَنَّدَتْهم أمريكا لهدم التوحيد، وأخبث أهل البدع، وأضر على الإسلام وأهله من اليهود والنصارى…الخ، هل كل هذا ليس بحكم منه على الإخوان؟!

ولو ذهبت أُعيد كلامه فيهم؛ لطال بي المقام، لكن حسبك أخي أن تُدْرك أن في هذا المقال –فقط- وهو الذي ينفي فيه أي حكم صدر منه على الإخوان، أن فيه ما يقرب من عشرة مواضع وصفهم فيها بأنهم من أهل البدع والضلال، ونحو ذلك من عبارات ، ناهيك عن وصفهم بأنهم دعاة إلى وحدة الوجود، وحرية الأديان….الخ!!

فهل هذا الرجل لا يعي ما يكتب؟ ولا يدرك ما يخرج من رأسه؟ فارجع يا ربيع إلى هذا المقال –وناهيك عن غيره- وانظر حكمك عليهم بأنهم من أهل البدع والضلال ونحو ذلك فيما يقرب من عشرة مواضع، فتتهم بعد ذلك عقلك وفهمك، ولتعلم أن في الزوايا بقايا، وأن في عدم الإنصاف بلايا ورزايا!!

وأما كلام ربيع في الإخوان المسلمين فأكثر من أن يُحصر، فهاك بعض المواضع – وباختصار شديد – ومن أراد التوسع؛ فليرجع إلى كتابي: “الدفاع” ليرى كذب هذه الدعوى! علمًا بأنه قد ادعى ذلك قبل ذلك، وقد رددت عليه في “الدفاع” وأثبتُّ له زيف هذه الدعوى، ولم يُجِبْ عليّ بشيء، ثم هاهو يعيد الكلام مرة أخرى، كأن الناس لا يفهمون!!

(أ‌) ففي كتابه: “النصر العزيز” ( ص78 ) أنكر أنه بَدَّع الجماعات، مع أنه قال قبل ذلك في الموضع نفسه: “أما الجماعات: فمن توفرت فيه شروط التبديع؛ فلا مانع من تبديعهم، فالجماعة التي تبايع على أربع طرق صوفية ضالة، فيها الحلول ووحدة الوجود، والغلو في الأولياء، وفيها الإرجاء، وغير ذلك من البدع؛ أُبَدِّعها، وقد بدّعها غيري ممن يقتدى بهم: كالشيخ تقي الدين الهلالي، والشيخ حمود التو يجري، وكثير من أهل السنة حَقًّا لا إدعاءً.

والجماعة التي تضم في صفوفها الروافض، والخوارج، وغلاة الصوفية، بل والنصارى، وفيها من يدعو إلى وحدة الأديان، وأخوّة النصارى، وغير ذلك من البلايا والرزايا، فقد بَدَّعْتُها، وهذا مقتضى منهج السلف، ولا نبالي – إن شاء الله – بالأراجيف الباطلة، والإرهاب الفكري الدكتاتوري” ثم قال: بعد ذلك مباشرة – مما يدل على تخبطه وتخليطه-: “وأما الجماعات وهي الأحزاب؛ فما أَذْكُر أني بدعتهم ..”اهـ.

فها هو قد بدّع جماعة التبليغ، ثم جماعة الإخوان – كما هو ظاهر من السياق – وكلامه الأخير في عدم تبديع الأحزاب لا يكاد يدرك معناه غير ربيع!! وانظر “الدفاع عن أهل الإتباع” ففي ( 2/367 – 368 ) صرح بأن دعاة الإخوان -بل جماعة الإخوان- جَمَعوا شر البدع وأن قادتهم أئمة البدع والضلال، كما في (2/382، 408) وأن الإخوان شر المرجئة، كما صرح في (2/381) وصنّفهم في الفرق، كما في (2/398) وصرح بتبديع الجماعات، كما في (2/401، 404، 405، 408، 428، 430، 432).

(ب‌) ألست يا ربيع، قد صرحت في شريط ” أسئلة متنوعة ” (ب) بأن الإخوان المسلمين كلهم أهل بدع، حتى الذي يدعي منهم السلفية؛ فإنه مبتدع كذاب في دعواه السلفية، بل أصبح بدخوله معهم ألد أعداء السلفية؟ وانظر “الدفاع عن أهل الإتباع” (2/390-393).

(ج) ألستَ قلت في شريط “تقوى الله والصدق” (أ) : “فأنا رأيي: أن كل حزبي مبتدع، شاءوا أم أبَوْا ..”اهـ. وفي كتاب “جماعة واحدة لا جماعات” (ص121) الحاشية (1) تقول: “وأهل البدع في هذا العصر مثل الإخوان المسلمين ..” وفي شريط “أثر الكتاب والسنة” (ب) تقول: “الإخوان المسلمون أخبث أهل البدع عندنا ..” وفي شريط “أسئلة متنوعة”(ب) تقول: بدعة الإخوان المسلمين تُخرج من السنة، لا أخطر منها … مالهم بدعة واحدة، لهم بدع لا أول لها ولا آخر … وهم مجمّع للبدع، هم سوبر ماركت الباطل، أنا قلت: سيد قطب سوبر ماركت الباطل، أيّ باطل تطلبه تحصّله عنده، أي بدعة .. الإخوان المسلمين سوبر ماركت أكبر من سيد قطب ..”اهـ.

والكلام في هذا يطول، وأخشى أن أُتهم بنقصٍ عندما أحاول إثبات ما هو ثابت، وتحصيل ما هو حاصل عن هذا الرجل، وصدق من قال:

وليس يصح في الأذهان شيء*** إذا احتاج النهار إلى دليل

(خاتمة) لعلك -أخي الكريم- قد أدركتَ بعد هذا كله ما قد سبق تقريره: من أن مَثَل ربيع كمثل رجل لا يذبح الشاة من حيث تُذبح، فيهرق الدم ويريح الذبيحة، إنما يذهب فيجز بالسكين في أظلاف الشاة، أو في ذيلها، ويظن أنها بهذا قد ذُكيت!! فالرجل يأتي البيت من غير بابه، فإما أنه لا يعرف للبيت بابًا، أو يعرفه لكنه يلبّس ويعتّم، ثم بعد ذلك يرمي غيره بما فيه، كما قال العربي القديم: “رمتني بدائها وانسلت”.

ويجعل رد غلوه وظلمه رضًا بالباطل الذي وقع فيه خصمه، مع أنه لا تلازم بين هذا وذاك.

وتسعفه قريحته وقاموسه بألفاظ هابطه متدنية، وعبارات ساقطة متردية، وكل إناء بما فيه ينضح!! فلا تغتر أيها السالك إلى الله بهذه الترهات، ولا تهولنك هذه الأراجيف، فما أسرع اندحار الباطل، وانكشاف الزخرف، لو استوثقت بربك، وطلبت من الله الهدى والسداد [وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ] {يوسف:21}.

(اعتذار): لولا أنني أخشى أن يكون في مقال ربيع هذا تلبيس على كثير ممن لا يدركون الحقيقة؛ لما شغلت نفسي بالرد عليه؛ فإنه مقال متهافت متناقض، لكن الشبهات خطافة، والقلوب ضعيفة، ولعل ربيعًا يدرك أن أهل الحق أقوياء بالله، وبما معهم من البراهين، وأن الله ينصر دينه وأولياءه؛ فيكفَّ عما هو عليه من التهويش والتحرش، ويسلك سبيل الصادقين المخبتين، فيعترف بخطئه، أو يكفي الناس شره، أو يتصدق على نفسه بالسكوت، وإلا (وإن [وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا] {الإسراء:8} إن شاء الله تعالى.

فمعذرة لكل من يريد مني أن نترك الرد على هذه المقالات، وأشكر لهم حرصهم على وقتي، واستبصارهم بفساد ما عليه ربيع وحزبه، إلا أنني ربما أرى ما لا يرى كثير من العاذلين، وأسأل الله أن يجعل عملي كله صالحًا، ولوجهه الكريم خالصًا، وحسبنا الله ونعم الوكيل .

وبهذا ينتهي الرد على مقال ربيع بن هادي المدخلي – أصلحني الله وإياه – وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا .

كتبه

أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني

وكان الفراغ منه ليلة الاثنين

19/ ربيع أول/ 1427هـ

في مدينة الرياض

– حرسها الله تعالى من كل سوء ومكروه

وجميعَ بلاد المسلمين-

للتواصل معنا