الردود العلمية المقروءة

وقفات أخرى مع أخينا سليم الهلالي وفقه الله

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد:

فقد اطلعتُ على ردٍّ لأخينا سليم الهلالي – سلمه الله- على وقفاتي مع رسالته المفتوحة، وأسماه: “ملاحظات وتنبيهات على رسالة أبي الحسن المأربي هداه الله” فعلمتُ من خلال رده أن أظفار الغلو قد نشبت في أمعاء الرجل، لأسباب سيأتي توضيحها في هذه الوقفات، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

والرجل قد خاطَبْتُه بنوع من المودة، وإن كان فيه وضوح وصراحة، فخاطبني بجفاء ظاهر، وإن لان بكلمة ما، ففيها من علامات الترقيم ما يعكر صَفْوها، ولا أدري ما الحامل له على مقابلة الإحسان بالإساءة؛ أهو طَبْعُ البادية الذي يحكيه عن نفسه كثيرًا، أم الخوف من زبانية الغلاة أن يرموه بأنه تُشَمُّ منه رائحة الحزبية، والتمييع، والمروق، أم هو شيء آخر؟!

وعلى كل حال: فكل إناء بما فيه ينضح، [وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ] {التوبة:105}.

ولا زلْتُ طامعًا في عودته الحميدة، وأتوقَّع – والله أعلم- أن الظروف التي يمر بها من معاملة بعض من حوله له بسبب أمور لا أُحْسِن معرفة حقيقتها: أن ذلك دفع به إلى الركض في ركاب كبير الجفاة والغلاة المنتسبين للسنة؛ وهو ربيع المدخلي – هداني الله وإياه- ولذلك فآمل إذا أصلح الله هذه الدوافع؛ أن يكون للرجل رأْي آخر، إلا إذا أُشْرب حب هذا المسلك، فـ [مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ] {النور:40}ولسنا بأرحم من الله بعباده، وأعلم منه بما يصلحهم، فلله الحكمة البالغة، والحجة الدامغة.

وألخِّص وقفاتي الجديدة في نقاط:

1- لم يصرح أخونا سليم – سلمه الله- في رده عليّ بجوابه على أمر مهم، وهو أحد أركان رسالتي السابقة، وهو: هل هو يرى أبا الحسن وطلابه والدعاة الذين يؤازرونه على الحق في طول اليمن وعرضها من أهل السنة، أم أنهم مبتدعة خارجون من دائرة أهل السنة؟ وكذا ما هو حكْمه على إخوانه الذين هم حوله، ومن كان على شاكلتهم؟!

فإذا كانوا عنده من أهل السنة، فهل يُعلن ذلك حتى يَعْلَم مَنْ يشايعهم سليم ويناصرهم من الغلاة الجفاة أن سليمًا ليس معهم حذو القذة بالقذة، أم أن المصلحة تقتضي – عنده- إبقاء الأمر غامضًا؟!! وإذا بقي الأمر غامضًا؛ فهل يناسب هذا الحال إطلاقَ سليم نداءه للسلفيين بالاجتماع ونبذ كل أسباب النزاع؟ وهل هذا النداء خيالي عاطفي، أم واقعي؟!

وهذه الوقفة ليست من باب الانتصار للنفْس، كما قد يتوهم أخونا سليم، ولكن لأنه بمعرفة موقف أخينا سليم منها؛ سأدري عند ذاك كيف يكون البدء معه في مشروعه الإصلاحي الذي نادى به، لأنه لا يمكن تطبيق ذاك النداء العاطفي مع أناس يعدون مجرد الاجتماع مع غيرهم تمييعًا ومروقًا من السلفية!!!

2- قوله في (ص1 في رقم 3) من ملاحظاته، بعد شكره إياي على رسالتي إليه: “لكن أرجو صادقًا، وأتمنى مخلصاً: أن لا تكون وقفاتك بدافع الرد، وشهوة النقد، التي تتولد من حب الانتقام، وتصفية الحسابات، وتعكير العلاقات …!!” اهـ

فأقول:رسالتي منشورة بين يدي القراء، فهل فيها موضع واحد يشير إلى أن الذي دفعني إلى الرد شيء من ذلك، أم لا؟ فإن لم يجد المنصفون شيئًا من ذلك؛ فلينظر أخونا سليم من الذي يحب تعكير العلاقات؟ ثم تبديعك لي ولطلابي، وتحذيرك منا، وتأييدك للغلاة الذين نهشوا أعراض الصالحين، وتحذيرك من مراكزنا الدعوية، كل هذا ليس فيه تعكير للعلاقات، أما رسالة أبي الحسن التي يَذكُرُك فيها بالشيخ الفلاني – وفقه الله، وأكرمه الله، وحفظه الله، وسلمه الله- وغير ذلك من عبارات الود فتحتمل عندك أن يكون الدافع لها الرد، وشهوة النقد ….الخ!!

أخي الكريم: لو كنتُ كما تدعي أو تتوقع لاهتبلتُ فرصة وابل المقالات التي أمطرتْك من كل حَدَب وصَوْب من إخوانك وطلابك، والتي ما أبقتْ لك لحمًا إلا نهشته، ولا عظمًا إلا هشّمته، ولبحثتُ عن حقيقة ما أسمع، ورميْتُ بسهم مع السهام، لكني تمنيت انطفاء الفتنة، والرجوع إلى ما كنتم عليه من المودة، أو أحسن – حتى وإن ثبت ما يذكرون أنه موثَّق عنك، فباب التوبة مفتوح- ولو كنتُ أحب الانتقام، وتصفية الحسابات لحذَّرْتُ منك أثناء وجودك في اليمن، وفعلتُ أو أمرتُ بأن يُفعل معك ما يفعله أصحابك الغلاة من تعليق لافتات مخزية، ولصْق منشورات هابطة، ولكني لم أعرف متى دخلتَ اليمن، وكم مكثْت فيها، ولا متى رحلْتَ منها!! لأنني لا أسأل عن ذلك، ولا أحب تتبع هذه الأخبار، إنما أُخبرتُ بوجودك، فلم أسأل: متى، ولا كيف؟ ودعوتُ الله لك بالتوفيق والسلامة، فأي شهوة للرد يا شيخ سليم، وماذا بيني وبينك حتى أنتقم منك؟ إن أحسنتَ إليَّ فجزاك الله خيرا، وإن أسأت فعفا الله عنك، وهذا دأبي- ولله الحمد- مع غيرك ممن ظلمني: ربيع فمن دونه، فأنت من باب أولى.

3- قوله بعد الجملة السابقة مباشرة: “ ولك أن تسأل لم تتصور ذلك؟” قال: “ولي حق أن أجيبك بسؤال لحوح: لم أقحمتَ الشيخ ربيعًا في الموضوع؟ فإن قلت: هو جزء من موضوع الرسالة! فنسألك: وهل هذه النقولات التي زعمتَ أنها جرتْ بيني وبينك جزء من الموضوع، أو تساعد في حلِّ الموضوع، أم أنها ستزيد الخلاف خلافاً، وتملأ القلوب غيظاً، والنفوس حقداً؟ هذا لو كانت حقاً؛ ولكنها وُضِعَتْ في غير سياقها؛ فكيف وقد شابها كثير من الزخرفة والفضفضة والزور؟!” ثم ذكر أن الصدْق إذا كان سيشتت الشمل، فالكذب الذي يجمع الشمل أولى منه، ثم قال: “لكن حب الانتقام وتصفية الحسابات قد تعمي البصر عن هذه الحقائق الإيمانية، وتغلق العقل عن هذه الحقائق المنهجية.” اهـ.

قلتُ: والجواب من وجوه، منها:

أ- وكأن الأخ سليمًا – وفقه الله- شعر أنه نقل النقاش بيني وبينه من نقاش أخوي إلى درجة أكبر في الخصومة، فقال: “ولك أن تسأل: لِمَ تتصور ذلك؟” ثم سأل سؤالاً لحوحًا، وهاأنذا أُجيبُ عليه جوابًا صريحًا: لقد ذكرتُ الشيخ ربيعًا – ولم أقحمه في الموضوع كما تدعي- لأنك تريد أن ترتقي مرتقًا صعبًا، وتتسنم مقامًا رفيعًا، وهو إطلاق نداء لمشايخ الدعوة السلفية ودعاتها وطلابها بأن يأتلفوا ولا يختلفوا، وأن يفوِّتوا الفرصة على المتربصين بهم، وهذا نداء العاملين الربانيين الذين زَكَتْ نفوسُهم، وسَمَتْ أخلاقهم، وحلَّقت في سماء الفضيلة هِمَمُهم، ومن كان على منهج ربيع المخالف لمنهج الأئمة في هذا الباب؛ فهو محروم من هذه المنزلة السامية، إنما يقوم بهذا أهل العدل والإنصاف، وأهل الصبر والعفو، وأهل العلم والحلم والإدراك للمسائل التي كتبتُها لك في رسالتي السابقة، ولما كنتَ – مؤخرًا- أحد أقطاب هذه المدرسة الغالية الجافية، فتردد الأمر عندي: هل الأخ سليم الهلالي – وفقه الله- الذي ينادي علماء السلفية ودعاتها لجمع الكلمة اليوم، ويصفهم بمشايخه وإخوانه لازال على ما سمعنا عنه مؤخرًا، من الأحكام الجائرة على إخوانه، وتفريق شملهم، والدعوة إلى هجرهم …الخ، أم تاب من هذا الطريق المدمر المفتت لتماسك أهل السنة؟! فإن كان لازال على الأمر الأول فدونه وما يريد خرط القتاد، وهو كالذي يحرث في الماء، ومتى يستقيم الظل والعود أعوج!! وفاقد الشيء لا يعطيه، وصدق من قال:

لا تَنْهَ عن خُلُق وتأْتِيَ مثله ** عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ

وإن كان الأمر الثاني فحيهلا بهذه العودة الحميدة لدرب العلماء العاملين، والهداة المهتدين، وحيهلاً بهذه الهمة العالية، فلما ظهر لي تنافر طريقك الذي تسلكه مع نداءك الذي أطلقته؛ كتبتُ تلك الرسالة ناصحًا ومشجعًا، والله الشهيد على ذلك، هذا كل ما دفعني لذكر ربيع وحزْبه في الرسالة، ولو لم تكن سالكًا مسلكهم؛ لما سألتك هذا السؤال، بل تشاورتُ معك في كيفية تحقيق هذه الغاية النبيلة، فأين شهوة الرد، وأين حب الانتقام، وتصفية الحسابات، وتعكير العلاقات؟!

ب- النقولات التي ذكرتُها في رسالتي، والتي جرتْ بيني وبينك كانت – ولله الحمد- في حضور آخرين، وأُذكّر القراء بأن المراد بها قوله: “الشيخ ربيع ليس على منهج علمائنا فيما خالفناه فيه” ومن العجب أن سليمًا قال: “التي زعمتَ أنها جرت بيني وبينك” فقلتُ في نفسي: الزعم يكون على قول الحق والكذب، ولا يلزم من قوله هذا إنكاره لما قال من قبل، إلا أنه صرح بعد ذلك بقوله: “هذا لو كانت حقا …” فظهر أنه ينكر ذلك، وقد ذكرتُ شاهدًا في رسالتي قد حضر المجلس الثاني معنا، وأما المجلس الأول فقد حضره رهْط من الدعاة، فإن لجّ أخونا سليم في الخصومة والإنكار – نسيانًا منه، أو إمعانًا في التزلف لربيع- فأنا مستعد لإثبات ما ذكرتُ، وأزيد هنا قوله عندما أنكرتُ عليه بعض ما قاله مادحًا لربيع، فقال: “أنا أكثر منك مخالفة لربيع” وذكر أنه يجلس يناقش ربيعًا في بيته بمكة، فيرتفع الصوت بينهما، حتى يدق الباب من يدقه من الداخل، أن ارفقوا بالشيخ، فالشيخ مريض، قال هذا ليبرهن لي على عدم اغتراره بمنهج ربيع وأسلوبه في مسائل الخلاف، ثم طلب مني في المجلس الأخير أن لا أسمع فيهم ما يفسد بيننا، ثم قال: فنحن والله لا نعرف في اليمن غير دعوة الشيخ مقبل ودعوتك، ولا نحب أن أحدًا يفسد ما بيننا، كل هذا ليثبت لي عدم اتباعه لمنهج ربيع وأسلوبه، وإنما يرى المصلحة فقط في عدم تركه، وها هو الآن يقلب الموجة، ولا أدري لماذا؟! فاللهم ثبت قلوبنا على طاعتك!!

ج- ثم ذِكْره بأن هذه النقولات لا تساعد في حل الموضوع ، لا أدري أي موضوع هذا!! هل المراد صلحه مع بقية أهل السنة دون ربيع ومن معه، أم مع ربيع ومن معه دون بقية أهل السنة؟ فإن كانت الأولى فلا شك في أن تذكيري إياه بكلامي السابق سيساعد – وأي مساعدة- في إزالة الخلاف الموجود، حيث سيتم تحديد الطريقة التي يجتمع عليها الناس في بداية الأمر، ثم بعد ذلك يلحق ربيع ومن معه، أو يلحق منهم من أراد الله به خيرًا، وإن كانت الأخرى، فما الفائدة من إزالة الخلافات، وأنت معهم على ما هم عليه، وهم فئتك التي تتحيز إليها، ولا يُعلم خلاف بينكم تسعى لإزالته؟ وإن كان المراد أنك تستمر فيما أنت عليه مع ربيع دون منغصات أصلاً، فما يضيرك أن تقول له: – وهو بحاجتك إذ تخلى عنه الكثير وأنت بحاجته كذلك- أتوب إلى الله من فهمي الخاطئ عنك سابقًا، وعند ذاك تزول المنغصات، لكن لا تفرح، فما أسرع تقلّبه، ولا تأمن غوائله لأدنى الأسباب!!

د- وأما ما ذكره مما شاب هذه النقولات من الزخرفة والفضفضة والزور، فهذا كلام أربا بنفسي أن أرد عليه، فإن الواقع يدفعه.

هـ- ذِكْره أن الكذب مباح لجمع الشمل والإصلاح، يظهر أنه ليس مباحًا عندك يا أخانا سليم وعند حزبكم إلا إذا كنتَ بصدد الصلح وجمع الكلمة مع ربيع وزمرته، أما غيره من دعاة السلفية فلابد من الصدع بالحق في وجوههم، ولابد من تقشير العصا لهم، ومنهج السلف قائم على التحذير من أهل البدع!! وتحرصون على العبارات التي تنهشون بها أعراض عباد الله، لكن أذكِّرك بأن من نصر أحدًا في غير الله سُلِّط عليه.

و- ما ذكره بعد ذلك من حب الانتقام، وعمى البصر، وإغلاق العقل، يُرجع في هذا إلى القراء، من هو أولى الرجليْن منا بهذه الأوصاف من خلال هذه الرسائل فقط، ناهيك عن غيرها!!

4- قوله في (ص2/ الفقرة4) من ملاحظاته: ثم أعزِّز سؤالي اللحوح بآخر صريح: لِمَ تتعمد الرد -الآن- وقد كنتَ صامتاً الأيام التي خلت؛ كما قلتَ: (ومع ذلك فلم أرد عليك يوماً من الأيام . . إلخ)؟ فعندما تكلم الآخرون، وآذوني بسببك – ولا يزالون- ؛ سكتَّ(!) وعندما سكتَ الآخرون؛ نطقتَ وكتبتَ(!!) ولكن في وجه كلمة إصلاح أطلقتها، ورغبة في جمع الكلمة، ولم الشمل نشدتها؛ فَلَمْ تفاجئنا (بتحولك المريب والمفاجئ)؟!

قال: ولذلك أرجو صادقاً وأتمنى مخلصاً مرة أخرى: أن لا تكون وقفاتك رأس حربة تعيق مشروع الإصلاح، وصدى لآخرين لا ينعقون إلا بالفرقة والاختلاف . . وأنا لا أشك في نيتك -ولكن أنبهك وأحذرك- ومن حقي -أيضاً- أن أتخوف؛ لأنا قد بلونا مثل ذلك من أناس كنا نحسن الظن فيهم، ووضعناهم زمناً طويلاً بين أهداب العيون.” اهـ

والجواب من وجوه:

أ- أنا لم أتعمد الرد للرد، ولكن أردت أن أقول لك: إذا كنتَ مع الغلاة، فأنت في كلمة الإصلاح التي أطلقتها، كأنما تحرث في الماء، بل أنت مناقض لنفسك: كيف تنادي المشايخ، وتصفهم بأنهم مشايخك، وتنادي الدعاة، وتصفهم بأنهم إخوانك، وربيع يرى هؤلاء – أي من لم يكن معه- مبتدعة ضالين مارقين، وأنت تبَعٌ لربيع في ذلك؟! فأنا لك ناصح أمين: ثَبِّتِ العرش ثم انْقُشْ، أصْلِحْ نفسك، ثم اسع في صلاح غيرك، الزم منهج المصلحين الربانيين، ثم ادع إلى جمع الكلمة، فلم أتعمد الرد عليك، وأنت تكتب في “الانترنت” منذ وقت، ولم أحرص على متابعة ذلك، لكن لما ناديتَ الناس – فأنا واحد منهم، ومن جملة الذين يتوجه إليهم النداء بجمع الكلمة– ذكرتُ لك وقفات تنفعك، وألبستها في الجملة لباس الود والأخوّة، فلو جاءت هذه الكلمة من رجل عُرف بمنهج البناء لا الهدم – كما حصل لك مؤخرًا- لما أجبْت عليه بشيء من ذلك، فاعرف يا هذا جوابي الفصيح عن سؤالك الصريح.

ب- قوله: “وكنتَ صامتًا …” الخ، متى صَمَتُّ عن قول حقّ، وإلا فالصمت ليس معيبًا مطلقًا؟ فإن كان المراد: عدم ردِّي عليك؛ فلم أعرف شيئًا عنك أجد المصلحة في كتابة رد عليك فيه، وإن كان المراد الرد على ربيع، فربيع وأصحابه قد رددتُ عليهم سنوات طوالا، حتى كنتَ أنت يا سليم ومن معك في اجتماعنا في مكة تناشدونني الكف عن الرد، وأنه يكفي ما قد سبق من ردود، وأنها قد كشفتْ حقيقة الرجل، بما لا يحتاج إلى زيادة على ذلك، فمتى صَمَتُّ يا هذا؟! وأنت عندما كنتَ تُؤْذَى بسببي – حسب قولك- فإن كان موقفك معي مجاملة، فهذه عقوبة لك من الله على تركك الحق، وتعلقك بالرجال، وإن كان موقفك معي عن قناعة بأنني على الحق؛ فلماذا تمُنُّ عليّ بموقفك هذا، وأنت ما وقفت إلا حيث تملي عليك عقيدتك؟ هل من أوذي من المسلمين بسبب رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كانوا يمنون عليه بذلك؟ وأما الذين منُّوا بإسلامهم – ولا أراك منهم إن شاء الله تعالى- فأنت تعرفهم: [يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ] {الحجرات:17} .

ج- أريد أن يتأمل القارئ التناقض الذي في قول أخينا سليم: “ولذلك أرجو صادقًا، وأتمنى مخلصًا مرة أخرى: أن لا تكون وقفاتك رأس حربة تعيق مشروع الإصلاح، وصَدًى لآخرين لا ينعقون إلا بالفرقة والاختلاف … وأنا لا أشك في نيتك، ولكن أنبهك وأحذرك” فتأمل قوله: ” وأنا لا أشك في نيتك” ثم تأمل قوله بعد أن قال: “كيف يخفى عليك أن من أراد الإصلاح يجوز له الكذب في سبيل ذلك” ثم قال: “لكن حب الانتقام، وتصفية الحسابات؛ قد تُعمي البصر عن هذه الحقائق الإيمانية، وتُغْلِق العقل عن هذه الحقائق المنهجية” ففي الكلمة الأولى يبرئني، وفي الثانية يشير إلى اتهام نيتي، ولا أدري من الذي عمي بصره، وانغلق عقله في هذا الموضع؟!!

وأما من وضعْتهم في أهداب العيون فهم أدرى بما يقولون، وأنا لا أخوض في ذلك، لا لك ولا عليك إلا عند الحاجة الشرعية!! أما فيما نحن بصدده؛ فهم أهدى منك سبيلاً وأقوم قيلا، ولا أزكي على الله أحدًا.

5- قوله في (ص2-3/الفقرة 5): “قولك -هداني الله وإياك للحق-: “إن كان المقصود في ذلك الشيخ ربيع وحزبه والحجوري وأشباهه، وهؤلاء الذين رأينا ارتماء الشيخ سليم في أحضانهم مؤخراً بل رأينا هرولته وراءهم وحرصه على كسب ثقتهم بما لا يليق به”.

اعلم يا رعاك الله: أنني عندما قرأتُ هذه الكلمات أشفقتُ عليك(!) فهذه الكلمات سمعتها ممن تعرفهم، ولستُ بحاجة إلى ذكرهم . . فهل هذا توارد أفكار أم تواصي بالباطل؟!

وتعجَّبْتُ كيف زل لسانك بمثل الكلمات؟ وكيف نبا قلمك بها على هاتيك الورقات؟.. لأنها مخالفة للواقع، وفيها مجازفة في الدافع؛ ولذلك؛ فهي لا تليق بك من وجوه:

أ‌- إن الشيخ ربيعاً -وفقه الله- والشيخ يحيى -سلمه الله- هم من إخواننا الذين لم يغيروا أو يبدلوا أو يتلونوا -وإن حصلت بينهم جفوة بسبب بطانة السوء، والأيدي الخفية التي تمكر بالدعوة([1])– والذين شابت رؤوسنا ونحن (وإياهم) في هذه الدعوة المباركة منذ عقود؛ فإن كُنتُ ارتميتُ في أحضانهم؛ فهذا الارتماء منذ ثلاثين سنة، وعلى نظر مشايخي ومشايخك الألباني ومقبل -رحمهما الله- . . أليس كذلك؟ فإن كان كذلك؛ فَلِمَ يعاب عليَّ ذلك وأنت نفسك -وقتئذٍ- كنت مرتمياً بين أحضانهم . . وإن لم يكن كذلك فقولك مخالف للوقائع مجازف للدافع.

ب‌- إن الشيخ ربيعاً -وفقه الله- والشيخ يحيى -سلمه الله- هم من السلفيين وأهل السنة بإقرارك واعترافك.

فإن كانوا باعترافك أهل السنة ودعاة سلفية؛ فلم تنكر علي ارتمائي -إن صح- في أحضان أهل السنة . . وقد ارتميتَ -هداك الله- في أحضان أهل البدع . . فمدخلك ومخرجك عندما تزور السعودية مع السرورية (سعد! وخالد!! ومتعب!!! و!!!!!!! إلخ)، ونصرتك في اليمن للإخوان المسلمين؛ فمدحك لهم مُسَطَّرٌ في الجرائد والمجلات، حتى أصبحت محسوباً عليهم في المنشط والمكره، ولا يخفى عليك أن ولي الأمر في بلدكم قال مرة عندما قيل له: السلفيون يؤيدونك في الانتخابات . . مثل أبي الحسن، قال: أبو الحسن من الإخوان المسلمين، وليس سلفياً. ألم تسمع هذا؟” اهـ.

والجواب من وجوه:

أ- إن كان من عندك من الدعاة وطلاب العلم السلفيين قد وصفوك أيضًا بالارتماء في أحضان الغلاة؛ فهذا لاتحاد المنهج والقواعد بيننا وبينهم في هذه المسائل، ونسأل الله الثبات على الحق، فليس هذا من توارد الأفكار، ولا من التواصي بالباطل، وليس هذا كلامي معهم فقط، بل كلام من كنتَ تمدحهم وتثني عليهم أيضًا، والحقائق لا يختلف فيها العقلاء.

ب- قوله منكرًا كلماتي في وصفي له بالارتماء في أحضان ربيع والحجوري: “هذه مخالفة للواقع، وفيها مجازفة في الدافع” ثم دلل على قوله بما يؤيد كلامي، كما هو ظاهر من كلامه في الفقرة (أ،ب) من ملاحظاته، فأي مخالفة للواقع وأنت تفاخر بذلك، وإن كنت لا تسميه ارتماءً في أحضانهم؟! وسيظهر للعقلاء معنى ارتمائك في أحضانهم قريبًا، إن شاء الله.

ج- وصفه ربيعًا والحجوري بأنهما من إخوانه الذين لم يغيروا، ولم يبدّلوا، أو يتلونوا …الخ، فأقول: الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، وأدلة بطلان ما هم عليه في المسائل التي شاع فيها الخلاف أكثر من أن تُحصر، وليس هذا موضعها، فإن كانوا قد عجزوا عن إثبات أنهم على حق؛ فلو ساعدتهم، وألَّفْتَ مؤلفًا في مسائل الخلاف التي بيننا، لننظر بضاعتك في هذا المجال أيضًا، ونستفيد منها إن أصبْتَ، أو نوضِّح لك الصواب إن أخطأت؛ فهذا عمل حسن، وإلا فاتركوا الدعاوى العريضة الخاوية الخالية من الحق والحقيقة!!

وأيضًا: فأنت أيها المصْلح!! اعترفتَ مرارًا بتبديل ربيع لما كان عليه العلماء والأئمة، وإذا كان الحيّ لا تؤمن عليه الفتنة؛ وقد ثبت انحراف ربيع عما كان عليه العلماء، ولا ينفعه مدحك إياه بغير ما فيه، أما الحجوري فيا لله كم وصفْته يا سليم بأوصاف الذم، والآن لم يبدل ولم يتلون منذ ثلاثين سنة، مع أنه لم يكن شيئًا مذكورًا منذ هذه المدة التي تزعمها، وهو نفْسه لا يقر بأنه قبل ثلاثين سنة كان طالب علم، فضلاً عن عالم لم يبدِّل ولم يغير، وهكذا يكون الغلو!!

وكون مشايخنا مدحوا ربيعًا في وقت ما؛ فباعتبار ما ظهر لهم، ولا يمنع من وجود كلام آخر عنهم يذم طريقتهم، لاسيما كلام شيخنا مقبل – رحمه الله- وحتى لو لم يثبت ذلك؛ فمن علم حجة على من لم يعلم!!

د- قوله: “فإن كُنتُ ارتميتُ في أحضانهم؛ فهذا الارتماء منذ ثلاثين سنة، وعلى نظر مشايخي ومشايخك الألباني ومقبل -رحمهما الله- . . أليس كذلك؟ فإن كان كذلك فلم يُعَاب عليَّ ذلك، وأنت نفسك -وقتئذٍ- كنت مرتمياً بين أحضانهم . . وإن لم يكن كذلك؛ فقولك مخالف للوقائع مجازف للدافع”

قلتُ: لم أكن كذلك في حياة مشايخنا، ولا بعد وفاتهم – ولله الحمد- فلم أكن مقلدًا لربيع في التبديع لأهل السنة، نعم كنتُ أوافق ربيعًا في بعض الأحكام، التي أراه مصيبًا فيها، وأخالفه في الكثير منها، وكتابي “السراج الوهاج” سنة 1418هـ قد أيقن ربيع منذ اطلع عليه مخالفتي له، وصرح بذلك في ردة عليّ في رسالته “انتقاد عقدي ومنهجي على السراج الوهاج” أما أنت فأين كتاباتك التي تحارب فيها هذا الفكر الغالي من قبل ومن بعد؟ نعم، كنتَ تتكلم بلسانك في بعض المجالس بإنكار ما عليه ربيع في مسائل الخلاف، ثم تحولت تحولاً مفاجئًا مريبًا، وبالغتَ في مدح الحجوري الذي نحن في اليمن أعرف به منك ومن المئات من أمثالك، وبدَّعْتَ من هم أهدى سبيلاً وأقوم قيلا منك ومنه، فأين هذا التصرف من حالي، حتى تُسمي ما كنتُ عليه ارتماءً في أحضانهم؟! ثم منذ ثلاثين سنة لم يكن الحجوري يطلب العلم أصلا، حتى تقول هذا القول الذي يدل على جهلك بتاريخ الرجل وأطواره في هذه المدة، فالحجوري لم يُعرف بالطلب إلا في سنوات أخيرة قبل موت شيخنا مقبل – رحمه الله- سنة 1422هـ .

ثم لو صحَّ أنني كنتُ مخطئًا بارتمائي في أحضان ربيع؛ فهل يسوغ لك أن تحتج بذلك، وتبقى على هذا الارتماء؟! أين تحكيم الأدلة وقواعد العلم؟ أين: الحق أحق أن يُتبع؟ أين: سأتمسك بهذا الحق حتى تنفرد سالفتي؟ أين دعواك أنك تخالف ربيعًا فيما هو أكثر مما نخالفه فيه؟ …. أين …. وأين ….؟!!

هـ- كون ربيع من جملة السلفيين بإقراري، فهذا مما أُمدح عليه، حيث أنه قال فيّ ما قال، ولم أعامله بهوى، بل حكمتُ فيه بالعدل، فهل كل من كان من أهل السنة ترتمي في أحضانه؟ وتهرول وراءه؟ فلماذا لا تفعل هذا مع إخوانك السلفيين الذين هم عندك؟ وهم أكثر منك علمًا، وأغزر مادة، وأكثر نفعًا، وأبْعد صيتًا منك ومن الحجوري وأمثاله؟! فليس كل من كان سلفيًّا يستحق هذا يا أخانا، فالمسلمون درجات، والسلفيون مراتب، وهناك من اقترابك منه ينفعك في دينك ويرفع في درجاتك، ومنهم من ليس كذلك، ولو فعلْتَ هذا عن أدلة أبرزتَها، أو تحسُّن في أحوالهم؛ لكنت محمودًا بذلك، لكن الله أعلم ماذا وراء هذه الهرولة، وذاك الانخراط، وذلك التحوُّل المفاجئ المريب؟!

و- أما قوله: “وقد ارتميت -هداك الله- في أحضان أهل البدع . . فمدخلك ومخرجك عندما تزور السعودية مع السرورية (سعد! وخالد!! ومتعب!!! و!!!!!!! إلخ ونصرتك في اليمن للإخوان المسلمين؛ فمدحك لهم مُسَطَّرٌ في الجرائد والمجلات، حتى أصبحتَ محسوباً عليهم في المنشط والمكره” اهـ.

قلتُ: وصْفك هؤلاء الأفاضل بأنهم من أهل البدع، يدل على أنك قد ابتليت بالغلو والجفاء، كما يدل على عدم إنصافك في أخذ الكلام فيهم من سادتك الغلاة، وإلا فلو سلمنا بأنك تعرف الشيخ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد – وأرجّح أنه المراد بقولك سعد- وأنك جلست معه مجلسًا أو أكثر، فهل هذا كاف في هذا الحكم عليه، وعلماء العصر الكبار – الأحياء والأموات- يثنون عليه خيرًا؟ ولا يلزم من ذلك إقراره في كل ما يقول، وهذا شأن أهل العلم جميعًا، وإذا سلمنا بأنك تعرف سعدًا؛ فهل تعرف خالدًا، ومتعبًا؟ أم أنك سمعت من أساتذتك الغلاة أنهم من أهل البدع؟ على أن أستاذك ربيعًا يمدح خالدًا وهو الشيخ خالد الشريمي ويثني عليه جدًّا – حسب علمي إلا أن يكون قد تحول هو أيضًا- لكن هكذا الخبْط والخلط: تتكلم فيمن لا تعرف، ولا تعرف أن أساتذتك يثنون عليه خيرًا، وليس هذا بغريب على هذه المدرسة!! ثم ماذا تعرف عن الشيخ متعب الطيار، ذاك الرجل الذي أوقف نفسه لدعوة التوحيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان أحدَ رُسُل سماحة الشيخ ابن باز – رحمه الله- إلى المشارق والمغارب، وهو ومن ذكرتَهم من المنافحين عن شيخنا الألباني – رحمه الله- بالحق والإنصاف، لكن يظهر أن من تجهلونه؛ فهو حزبي مبتدع!! ثم ما هي البدعة التي عند هؤلاء؟ ثم أليس من يلازم الرجل أعرف به ممن لم يلازمه؟ ثم لو سلمنا بأن هؤلاء وقعوا في بدعة؛ فهل نصحتهم نصحًا يزيل شبهتهم، ويقطع عذرهم، حتى تُنـزل عليهم هذا الحكم الجائر؟ ألا تعلم أن هؤلاء في دعوتهم للتوحيد، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، واهتمامهم بالدعوة والدعاة في جميع أنحاء العالم؛ قد بلغ نفعهم بما أرجو أنك والمئات من حزبك لم تبلغوا درجتهم؟! ألا تعلم أن هؤلاء لو ائتمنوا على بيوت مال المسلمين، لكانوا عليها أمناء، ولم تفُحْ عليهم أي رائحة في ذلك، مع كونهم في هذا المجال منذ عقود من الزمان، والله أعلم – ثم من جالسهم- بحالهم في بيوتهم وأولادهم؟ ومع ذلك فلا يلزم من ذلك موافقتي – الآن- على ما يُنْسَب إليك!! يا أخانا سليم أسلم الناس من لسانك تسْلم، وإلا فلن ينفعك الندم، ومن كان بيته من زجاج، فلا يرمي الناس بالحجارة!!

وأما الإخوان المسلمون: فإن كان المقام مقام تصنيفهم: هل هم من أهل السنة أم لا؟ فأنا أقول: إنهم من أهل السنة – في الجملة- وأما آحادهم فكل يُحكم عليه بما يستحق، وحكمي عليهم بأنهم من أهل السنة باعتبار انتمائهم وانتسابهم، فلا ينتسبون بكلام صريح إلى فرقة غير فرقة أهل السنة، أما أفعالهم فإنكاري كثيرًا منها موجود في كتبي ومجالسي، ومن يعرفني، ولم يتلوث بأفكار ربيع وأحكامه؛ فسيعرف هذه الحقيقة عني.

نعم الإخوان يختلفون من بلد إلى بلد، ففي بلد يُوجد فيهم صالحون، أهل توحيد، وعقيدة صحيحة، وفي بلد يكثر فيهم الخلل العقائدي، وفي بلد يتعاونون بصدْق أو بدهاء مع غيرهم، وفي أخرى يتعاونون مع أهل الباطل، وربما مع الحكومات النصرانية على بعض أهل السنة الذين يخالفونهم، وفي بلد يوجد فيهم من يهتم بالعلم، وفي أخرى يكثر فيهم من يستهزئ بالعلم وأهله، إلا أن هناك أمورًا ظاهرة في البلدان عنهم، منها: التهييج على ولاة الأمور، ومنها التزهيد في كبار العلماء، والولاء والبراء على الحزبية التي أحدثوها، وتمييع الولاء العقائدي – عمليًّا– وإن كانوا نظريًّا يُسلِّمون به، وربما سهل عليهم وضع أيديهم في أيدي الفرق العلمانية فضلاً عن غيرها، ويصعب عليهم أن يضعوا أيديهم في أيدي أهل السنة إلا على رؤيتهم هم … إلى غير ذلك من مسائل قد شاع وذاع نقضي لها بالأدلة النقلية والعقلية والواقعية والتاريخية، لا بالسباب والشتائم والظلم والبغي، ومع هذا كله فالعاقل يستطيع أن يوجد معهم ومع غيرهم نقاط اتفاق معينة لنصرة الحق في بعض المواقف، وفي بعض الأزمنة والأمكنة، فإن أمكن ذلك معهم أو مع غيرهم فما المانع من ذلك، والأدلة كثيرة على هذا، وقد ذكرتُ بعضها في “الدفاع عن أهل الاتباع”؟ وإلا فلابد من النظر في كل بلد وزمن بما يليق بظروف أهل الحق قوة وضعفًا، ونفعًا وضررًا عند الإنكار لمنكرهم أو منكر غيرهم، ولا يفوتني التنبيه على أنه يوجد عند أهل السنة من الأخطاء أيضًا، وربما يبلغ بآحادهم من الوقوع في الحزبية الضيقة، والأخلاق السيئة ما لم يبلغه بعض من هو في هذه الجماعات، ومع ذلك لم نعلن منابذتهم بالكلية، وأيدينا ممدودة لكل من يمد يده للتعاون على البر والتقوى، ولا يخفى عليك موقف رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من حلف الفضول، وقد كان أهله مشركين، لا مسلمين حزبيين!!

ولا يخفى عليك يا أخانا سليم – سلمك الله ووفقك- أن قولي هذا موافق لقول شيخنا الألباني رحمه الله، الذي سألتُه وأظنك كنتَ حاضرًا في مكتبته رحمه الله بمدينة عَمَّان – سلمها الله وجميع بلاد المسلمين من الفتن- فأفاد أن هناك من يحاول أن ينتزع منه الفتوى بإخراجهم من أهل السنة منذ أربعين سنة، وأنه لم يقل يومًا بذلك، وانظر فتاوى اللجنة الدائمة بتوقيع سماحة الشيخ ابن باز والشيخ عبدالرزاق عفيفي وأعضاء اللجنة، وكل هذا في “الدفاع عن أهل الاتباع”، فهل مخالفتك ومخالفة ربيع في هذا تجعلني ممن يرتمي في أحضان أهل البدع؟ ثم إني أنصرهم وغيرهم حسب استطاعتي – بما ينفع الإسلام حالاً أو مآلاً- ضد من هم أشد منهم ضررًا على الإسلام كالرافضة، وهم يختلفون من بلد إلى بلد آخر، كما أشرتُ إلى ذلك، والأحكام في التعاون وغيره تختلف بحسب ما يعود على الإسلام بالمصلحة المتيقنة أو الراجحة.

وكونك تقول: “حتى أصبحتَ محسوبًا عليهم في المنشط والمكره” فالسؤال: مَن هم الذين يحسبونني كذلك؟ أهم زمرة ربيع، وأنت منهم؟ أم غيرهم، وما حجة هذا الغير؟ هذه زخارف الغلاة التي يحشرون بها من أرادوا حيث أرادوا، ولكن الحق أبلج لا تزيغ سبيله يا أخانا سليم!!

ومما يدلك على اتباعي هذا المنهج الرشيد مع المخالفين؛ أنني في رسالتي الأولى صرحتُ باستعدادي للتعاون مع ربيع وأتباعه بما يكون فيه المصلحة للإسلام وأهله، هذا مع أن ربيعًا قال فيّ ما لم يقله في الدجال الأكبر، فالأمر منهج مطرد، لا هوى يُتبع، ثم ما هو كلامي المخالف للحق في الصحف أو غيرها في حق الإخوان أو غيرهم؟ من كان عنده شيء من ذلك فليكتبه كاملاً غير مبتور، فإن كان خطأ فأعلن تراجعي عنه، وإن كان حقًّا دافعتُ عنه بالحق، والحق أحق أن يتبع.

ز- ثم أتى أخونا سليم بما يُضحك الثكلى!! فقال: “ولا يخفى عليك أن ولي أمر بلدكم … الخ!!”.

وهذا يدل على أن معلوماتك – أخي العزيز- مأخوذة من مصادر مشوهة، فالرئيس اليمني لم يعبِّر بهذا التعبير، وإذا كنتَ ستقبل جرحه وتعديله فآتيك من كلامه المسجل بصوته في عدة لقاءات بمدحه لأبي الحسن، وأنه السلفي المعتدل ..الخ، فهل أنت تسوق هذا الكلام محتجًّا به؟ وبذلك نضيف الرئيس اليمني إلى قائمة أئمة الجرح والتعديل؟ وإذا كان كذلك: أهو على منهج ربيع أيضًا؟!! أم أن كلامك هذا مجرد تهويش؟! أنتم لا تقبلون الجرح في أصحابكم من أهل العلم، ومن هم معكم في بلد واحد، وتقبلون الجرح في خصومكم من السياسيين؟! أي هوّة سحيقة وصلْتَ إلى قعرها يا أخانا سليم؟!

6- قوله في (ص4): ” ث‌- سليم يا أبا الحسن لا يهرول وراء أحد . . وليس عنده مطمع عند أحد .. وهؤلاء الذين تزعم أني أهرول وراءهم ليس عندهم دنيا أصيبها، أو (منصب) أتبوؤه، ولو كانت الهرولة وراء مطمع أو نيل ثقة؛ لهرولت وراء أصحاب الأموال(!) وزكيت أصحاب الفضائيات(!!) وتلقيت تعليماتي من رجال الأعمال(!!!) وتواصلت مع دعاة الصحوة(!!!!)

ولو أردتُ يا أبا الحسن ذلك لما وصَلَتْ لغيري منذ خمس وعشرين سنة . . ولكني هرولت منذ بواكير الصبا وراء الدعوة، وحرصْتُ على جمع كلمة السلفيين منذ نعومة أظفاري، فإني بحمد الله طيلة ما مضى من عمري لم أتلوث بالأهواء، سواء أكانت تكفيرية، أم إخوانية، أم تبليغية . . إلخ، وأسأل الله أن يحفظني فيما بقي، ومن أجل ذلك فهأنذا أجعل نفسي ووقتي في سبيلها ﴿وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ[البقرة: 220].”

الجواب: لم أتهمك – في هذا الموضع- بشيء من أمور الدنيا، لأنني لا أشهد إلا بما أعلم، وإن كان عند غيري حجة؛ فمن علم حجة على من لم يعلم، ولسْتُ في مقام تحقيق الحق في ذلك في هذا المقام، إنما ذكرتك بالهرولة وراءهم في تبديع أهل السنة، وتفريق كلمتهم، وانتقالك من قول إلى نقيضه بدون حجة تبرزها، أو تحسُّن في طريقة الغلاة، الذين كنتَ تصرخ بانحرافهم وزيغهم!! وأما حِرْصُك على جَمْع كلمة السلفيين؛ فهذا ما لم يظهر على الساحة، ولازلتَ في صراع مع من حولك، مرة بتهمة سرقة كتاب، ومرة بتهمة أخرى، والله يعلم المفسد من المصلح!! ولم يبق معك إلا بقية قليلة من إخوانك، وها أنت اختلفْت معهم، فما هي هذه الجهود التي تدعيها الآن؟! نعم قد يكون لك ولغيرك جهود في ذلك، لكن لا يقال: أنك حرصت على ذلك منذ نعومة أظفارك، أو بواكير عمرك وإني لأسأل الله أن يوفقك لذلك، أولاً بصلاح حالك، ثم بتوفيقك في إصلاح غيرك، وقد جعل الله لكل شيء قدرًا، فلا وكس ولا شطط!!

7- وقوله في (ص4): “ج‌- ولذلك يا أبا الحسن فالشيخ ربيع وإخوانه والشيخ يحيى وتلاميذه رَبْعِي ورَبْعُك وفئتي وفئتك من قبل ومن بعد -وستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً- وستدركون جميعاً إن لم تستوعبوا نصيحتي (الآن): أننا في هذه الدعوة المباركة لا يستغني بعضنا عن بعض . . ولكن أخشى أن يكون بعد فوات (الأوان)، فإن وقعت أخطاء منهم، أو حصلت مجازفات عندهم، أو بغوا عليك؛ فإن صبرك عليهم، ومناصحتك لهم، وحرصك على الإصلاح بينهم؛ خير لك مما أنت فيه الآن من الخصومة والفرقة وكثرة الردود التي لا تروي الغليل، ولا تشفي العليل؛ ولكنها قال وقيل؛ تُطْمِعُ أهل البدع بك، وتُشْمِتُ أعداء الدعوة بنا، ألا تذكر عندما قلتُ لك في بعض مواسم الحج، وقد نُقل أنك تذهب إلى بعض الحزبيين، فقلْتَ لي: عندنا مراكز تحتاج إلى دعم . . فقلتُ لك يومها: المراكز التي تُحْوِجُنا إلى أهل البدع لا خير فيها، وأفضل لنا أن تغلقها.” اهـ

والجواب من وجوه:

أ- أنا لا أنكر أن أي سني أو مسلم مهما خالفْتُهُ فإن له عليّ حقوقًا بقدْر ما عنده من الحق، وقد سبق أن مددت يدي للتعاون مع ربيع وحزبه وغيرهم حيثما كانوا في حدود نصرة الحق، ولو في جزئية يسيرة، بما لا يؤول على الإسلام بما هو أضر، إلا أنهم يعدون الاستجابة لذلك مروقًا من السلفية!! وردِّي على من خالف الحق منهم لا ينسيني ما أصابوا فيه الحق، ودفاعي عنهم في حدود ذلك، وحُبي لما عندهم من الحق لا يلزم منه قبول الباطل منهم أو من غيرهم، وأنا أيضًا ذاك الرجل الذي يعلم ويجهل، ويصيب ويخطئ، وجزى الله خيرًا من أخذ بيدي إلى الله، ونحن في مقام كلمة إصلاح أطلقْتَها، وهذه الكلمة لا تلقى عند هذا الصنف قبولا، فكيف إذا كنت منهم في غلوهم؟ فهل يُرجى لهذا قبول عند الآخرين أيضًا؟ فإذا نصحتُك بأن تسلك الطريق الصحيح لتحقق هدفك، وتختصر الوقت والجهد، وتزرع حيث تُرجى الثمرة، لا في القيعان التي لا تمسك ماءً ولا تُنْبت كلأ؛ غُصْت في النوايا، واتهمت الأبرياء؟!!

ب- الردود على الغلاة، والتي يصفها أخونا سليم بأنها لا تروي الغليل، ولا تشفي العليل، ولكنها قال وقيل؛يُرجع فيها إلى العلماء والقراء العقلاء، هل هي كذلك، أم أن سليمًا أعجبه السجع فقط؟ وهل كان سليم يمدح هذه الردود من قبل أم لا؟ وما الذي حمله على هذا السجْع الآن؟!

ج- قوله: “ألا تذكر عندما قلتُ لك في بعض مواسم الحج، وقد نُقل عنك أنك تذهب إلى بعض الحزبيين، فقلت لي: عندنا مراكز تحتاج إلى دعم، فقلت لك يومها: المراكز التي تحوجنا إلى أهل البدع لا خير فيها، وأفضل لنا أن نغلقها”.

والجواب: أنا والله الذي لا إله غيره لا أذكر هذا الحوار، وأستبعد – إن وقع هذا الحوار أو صدور هذا السؤال- أن يكون جوابي كذلك، فإن هذا جواب لا يجيب به إلا جاهل أو رقيع، إلا أنني أجيب هنا بأمور أذْكرها كثيرًا في مثل هذه المناسبة:

(1) وصْف الرجل بالحزبية هل يُسلَّم لسليم أو غيره بدون دليل؟ وهل سليم أعلم مني بمن أجالسه وأعرفه؟ وهل أترك علمي لجهل غيري؟

(2) سلمنا أنه حزبي: هل هو من المتعصبين للحزبية، أم هو ممن يبحث عن الحق، ولم يهتد إليه كاملاً بعد، وهل هو ممن ينتفع بالنصح والمجالسة أم لا؟

(3) سلمنا أنه من المتعصبين: فمن هو هذا الشخص الذي أصادقه وهو كذلك؟

(4) وإن كان من الباحثين عن الحق، فإما أن يشترط في دعمه شروطًا مخالفة للشرع أم لا، فإن كانت الأولى، فمن هو ذاك الرجل الذي قبلتُ منه دعمه على شروطه المخالفة؟ وإن كانت الثانية: فما المانع من ذلك؟ والشيخ مقبل نفسه يا سليم كان يقول: لو ساعدنا بوش – يعني الأب، وهو الرئيس الأمريكي الأسبق- بدون شرط؛ لقبلنا منه، فماذا أنت قائل؟! والحجوري وأمثاله لا تقوم مراكزهم إلا بدعم، وفيهم من لو سئلوا عنهم، أو سُئلتَ أنت عنهم؛ لقلتم: حزبيون!!

(5) ثم قولك: المراكز التي تُحْوِجُنا إلى أهل البدع لا خير فيها، وأَفْضَلُ لنا أن نُغْلِقها” إطلاق لا يخلو من مجازفة وتهوُّر، ولابد من التفصيل السابق، ثم ما رأيك أنت يا شيخ سليم في “جمعية إحياء التراث” بالكويت؟! فأصحابك الغلاة يرونها حزبية، وأن أهلها أهل بدعة، وأنت كنتَ تقبل منها الدعم لمركز شيخنا الألباني، فلماذا لم تتعامل معها بكلامك هذا، وتغلق المركز؟ فإن قلتَ: أنا لا أرى رأي هؤلاء الأصحاب، والجمعية سنية – وهي عندي كذلك مع عدم اهتمامها بمراكزنا، وجزى الله القائمين عليها خيرا- فهكذا أنا لا أرى رأيك ورأي ربيع ومقلديه في كثير من الأشخاص والجمعيات، فكان ماذا؟! هل تُحلُّون لأنفسكم ما تحرمونه على غيركم؟!

8- ما ذكره أخونا سليم حول كلامي أن التنظير وحده لا يكفي، فذكر أنه لابد من الفكرة، ثم التنظير، ثم تفصيل وتأصيل، وعدّ تساؤلي عن أمور في رسالتي سابقًا لأوانه، وليس في وقته، ونسي أن الذي حملني على ذكر الأمور المعوِّقة للإصلاح في رسالتي: هو ما علمته عن صاحب الدعوة لجمع الكلمة نفسه، فإذا كان يُبَدِّع من ليس معه، ويوالي ويعادي على المسائل الاجتهادية، ويبدع بالشبهة والظن المرجوح، ويعده راجحًا أو يقينًا، ويتكلم في أناس أنفع منه للإسلام تقليدًا لغيره، أو بدون مراعاة استيفاء شروط وانتفاء موانع الحكم على المعين …الخ ما ذكرت له، فكيف يليق به أن يُصلح الآخرين قبل أن يصلح نفسه، فليس الأمر سابقًا لأوانه، ثم إنني لم أنكر التنظير بالمرة، إنما قلت في رسالتي: “فإن صلاح الأمم لا يكون بالأماني، ولا بالتنظير الذي لا يلامس الحقيقة” فإذا كان سليم من دعاة الفرقة والاختلاف، ونادى في الناس أن هلموا لجمع الكلمة، فقال له قائل: أي كلمة تدعوننا إليها: أهي كلمتك التي تفرق شمل أهل السنة؛ وقواعدك التي أوغرت الصدور، وفتاواك بالهجر، أم أنك تراجعت عن ذلك؟ فهل يقال له: تفصيلك هذا سابق لأوانه أو حَرْبة في وجه دعوة الإصلاح والائتلاف؟ فافهم يا أخانا الفرق بين الحالتين، والله الهادي إلى سواء السبيل.

9- قوله: “نحن نتعاون بالمنهج النبوي (تطاوعا ولا تختلفا) وليس على المنهج الإخواني (نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه)”.

قلت: وأنا وإخوانك كذلك أيضًا، وقد فَصَّلْتُ في مقالة الشيخ حسن البنا – رحمه الله- في “السراج الوهاج” وفي “سلسلة الفتاوى الشرعية” بما يُغني عن إعادته.

10- قوله في (ص5): “وأما أنا فالله يعلم أني أشتاق لرجوعك إلى دعوتك، فتصْبِر على غُربتها، وتثبت على لأوائها، ولا يضرك قلة الأنصار عليها، وتكون مفتاح خير، مغلاق شر، تصبر على أذى إخوانك، وتنصح لهم بالتي هي أحسن للتي هي أقوم، وتحرص على جمع الكلمة، ولَمِّ الشمل؛ فلا يطمع بنا أهل البدع؛ لأن ذلك من الفتن، ولا تشمت بنا الأعداء؛ لأن ذلك من البلاء” اهـ.

والجواب: أنا أتعاون بقدر استطاعتي مع المخالف فيما فيه مصلحة للإسلام، وذلك بتقدير أهل العلم، لا أهل الأهواء، لكن الأخ الذي يعد التعاون معك تمييعًا، ويرى أن من أصول دعوته هجرك، وهجر من لم يهجرك، أو من لم يبدعك، أو من توقف في تبديعك …الخ، فهذا قد أغلق الباب بينك وبينه، والإخْوة لم ينحصروا في هذا الصنف، فقد قيّض الله إخوانًا معتدلين منصفين، يتعاونون على البر والتقوى، وأهل علم وحلم، وأغنانا الله عن أهل الطيش والرعونة والتَشنُّج، ونفع الله بهؤلاء الإخوة بالتعاون معهم في طول البلاد وعرضها، ولا يلزم قلة الأنصار حتى يكون المرء على الحق،إنما العبرة بسلامة المنهج، فلو كثر أهل الحق؛ فهذا من فضل الله، وطَمَعُ أهل البدع في فلان أو غيره لا يلزم منه أنه على الباطل، فالشيطان يطمع في ابن آدم أن يغويه، وإن كان من عباد الله الصالحين، العبرة بالثبات على الهدى، لا أن فلانًا يطمع في فلان، إذًا فهو على الباطل!! هذه موازين خاسرة، وتجارة بائرة.

11- قوله في (ص5): “فيا أبا الحسن لا تنس الفضل بينك وبين إخوانك، أنسيت وأنت تدافع عن الشيخ ربيع -وفقه الله- والشيخ مقبل -رحمه الله- وتطلب من شيخنا الإمام الألباني -رحمه الله- أن يقول كلمة فيهما تردع خصومهم، وتقمع أعداءهم؛ فقال -رحمه الله-: لا يطعن فيهما إلا صاحب هوى، أو جاهل -أو نحو هذا-.

وإن بغوا عليك يا أبا الحسن كما زعمت فلم تعجلت بالقطيعة؟ ولِمَ لَمْ تثبت يوم الوقيعة، فلإنْ نكون ذنباً في الحق خير لنا من أن نكون رأساً في الباطل” اهـ.

والجواب من وجوه:

أ- أنا لم أنس الفضل – والفضل في ذلك لله وحده- لكن أنت يا سليم ومن معك نسيتم الفضل والمعروف، فبدّعْت إخوانك وأفتيت بهجرهم، فانصح نفسك بهذه النصائح!!وأما أصحابنا هنا في اليمن فالله الذي يعلم من الذي نسي الفضل، ومن الذي صبر واحتسب!! ويظهر أن رد البغي والباطل من أصحابك يكون في نظرك نسيانًا للمعروف!! وأما ظلمهم وجهلهم وتحريفهم فهو من الثبات على الهدى وعدم التلوّن والتغيّر، وصدق من قال:
وليس يصح في الأذهان شيء *** إذا احتاج النهار إلى دليل

ب- دفاعي عن الشيخ ربيع في الحق لازلت أدافع به، وردي عليه فيما أخطأ فيه لا يتناقض مع دفاعي عنه بالحق، وقد صرحتُ بذلك في مقدمة كتابي “الدفاع عن أهل الاتباع” فلستُ ممن يدافع عن شخص أو يذمه، ثم ينقلب رأسًا على عقب بلا معرفة لسبب ذلك.

ج- لازال أخونا سليم يشكك في بغي ربيع وأصحابه عليّ، فيقول: وإن بغوا عليك يا أبا الحسن كما زعمتَ فلم تعجلت بالقطيعة؟ ولِمَ لَمْ تثبت يوم الوقيعة؟

فهل هذا الحال حال من يطلق نداءً لجمع كلمة السلفيين، وهو الذي كان ينقل عن ربيع: إن لم يتكلم فلان في فلان فسأسقطه؟! هل هذا الحال يؤهل صاحبه لارتقاء هذا المرتقى، وهو نفسه لا يعدل في القضية؟ ثم قوله: “فلم تعجلتَ بالقطيعة؟” هل هذا كلام من يعرف الحقيقة، وقد بقيتُ أربعة أشهر لا أرد على ربيع، وقد أنزل ربيع فيَّ عدة رسائل منها: “القول الحسن في نصح أبي الحسن” ثم “جناية أبي الحسن على الأصول السلفية” ..الخ، وعند ذاك بدأتُ في الرد عليه في الأشرطة السبعة: “القول الأمين في صد العدوان المبين” ثم توالت الردود، وإذا كان محمد بن هادي المدخلي نفسه قد استنكر على ربيع واندهش لما ذكره في رسالته: “جناية أبي الحسن على الأصول السلفية” فكيف بالمصلح لسلفية هذا العصر يَعُدُّ ذلك زعمًا؟ وإذا كان سليم نفسه قد وقَّع بيان أهل الشام الذين أصدروه في أول الخلاف بيني وبين ربيع، وكان غالبه يرد على ربيع أقواله فيّ، فكيف اليوم يَعُدُّ ظلمَهُ لي زعمًا مني؟! ثم ما هو يوم الوقيعة الذي لم أثبت فيه يا سليم، وأنت من جملة من ناشدني إيقاف الرد على ربيع بعد أن أظهرت الردود حقيقة الرجل!! أم أنك رجل يعجبك السجع؟

ثم قوله: “فلأن نكون ذنبا في الحق خير لنا من أن نكون ذنبا في الباطل” فليخاطب نفسه وأصحابه الغلاة المقلدة بهذا، أما نحن فلا نشك في أمرنا، حيث أننا نستند إلى الأدلة المرضية، والقواعد السلفية، وليت سليمًا يطلع عليها مرة أخرى، فإن وجد فيها خطأ، فليصحح لأخيه، أو ليشنع عليه، كما هو شأن هذه المدرسة، فإن كان في كلام الأخ سليم حق قبلته وشكرته، وإلا رددته، وأقمت الحجة على رده، ونحن ولله الحمد نبحث عن إصابة الحق، لا عن موقع الرأس أو الذنب، [وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ]{البقرة:235} وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا


كتبه
أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني
دار الحديث بمأرب
1 /ذو القعدة /1432هـ

 

حـاشيـة:
([1]) دائمًا تُرحِّلون أزماتكم على كواهل غيركم، والأولى أن تقرُّوا بأن فساد منهجكم، وسوء طريقتكم، وهشاشة قواعدكم، وفشل تربيتكم هو الذي يفرز هذا التشظي، وهاتيك العداوات، ونعمت أخوّة الغير لكم، فإن لكم منهم كل حلوة، ولهم منكم كل مُرَّة!!

للتواصل معنا