سؤال: ما الراجح في صلاة التسبيح من الناحية الحديثية الصحة أم الضعف؟ وبارك الله في شيخنا المفضال.
الجواب: اختُلف في صحة حديث صلاة التسابيح أو صلاة التسبيح اختلافًا كثيرا متفاوتا تفاوتا كبيرا، فهناك من يرى أن حديثها موضوع وكذب وباطل، وهناك من يرى أن حديثها ضعيف سندا، منكر متنًا، وهناك من يرى أن حديثها حسن أو صحيح بمجموع طرقه، ولم يتيسر لي البحث الحديثي المستقل، لأفصل في ذلك، لكن هناك قواعد عامة لابدّ من مراعاتها، ومن ذلك: أن الهيئة الواردة في هذه الأحاديث على اضطرابها فيها غرابة، فهي أربع ركعات في كل ركعة خمسٌ وسبعون تسبيحة، فمجموعها ثلاثمائة تسبيحة: بعد القيام والقراءة خمسة عشر تسبيحة، وبعد تسبيحات الركوع عشر، وبعد الرفع من الركوع والفراغ من الحمد عشر، وبعد تسبيحات السجدة الأولى عشر، وبعد دعاء الجلوس بين السجدتين عشر، وبعد تسبيحات السجدة الثانية عشر، وبعد الرفع من السجدة الثانية عشر، مع اختلاف في هذه الهيئة في بعض الروايات، ونحن عندما ننظر في صحة حديث نسلك منهج كبار الأئمة الذين ينظرون فيه رواية ودراية، فلا ينظرون فقط في الحديث من ناحية الإسناد، بل ينظرون في الحديث من زاويتي الإسناد والمتن، وهذا المراد بالرواية والدراية، فقد يصح الإسناد، لكن يكون في المتن نكارة، لمخالفته أحاديث أخرى، فيتكلم الأئمة في الحديث وإن كان الحديث قد أخرجه أحد الصحيحين، كالحديث الذي في صحيح مسلم، والذي يدل على أن الله خلق السموات والأرض في سبعة أيام، والقرآن صريح بأن هذا في ستة أيام، والحديث إذا كان في متنه غرابة، فلا تطمئن النفس إلى تقويته بمجرد أن طرقه لم يشتد ضعفها، فالهيئة الغريبة نقبلها إذا ثبتت بأسانيد لا مطعن فيها، وكانت كالشمس وضوحًا، وهذا هو الفارق بين قبول من قَبِل صلاة الكسوف على اختلاف في هيئتها، لثبوتها في الصحيحين وغيرهما، ولاشتهارها في الأمة دون نكير، وفزع المصلين لصلاتها إذا حصل كسوف في الشمس أو في القمر، حتى اشتهر علم ذلك بين الأمة على اختلاف طبقاتها، فلا إشكال في ذلك عند العلماء والعوام، بخلاف صلاة التسابيح التي لا يكاد يُنقل عن أحد من الأئمة عملها، وحثَّ الناس عليها، إلا القليل كما يُذكر أن عبدالله بن المبارك رحمه الله قد صلاها، وإن كان هناك من يرى أنه لم يستحسنها أحد من أئمة الإسلام.
ومن الزوايا التي يُنظر في الأحاديث من خلالها: ما تحمله هذه الأحاديث من نوافل أو قربات، فإذا كان الثواب المترتب على ذلك عظيمًا، لم يرد مثله فيما هو أشهر من هذه الأحاديث من النوافل، فمن أهل العلم من يُعلّ الحديث بذلك، وأيضًا فمن أهل العلم من يعلُّ الحديث إذا كان فيه ثواب عظيم، ولم يشتهر العمل به في الأمة، لأن الأمة حريصة على العمل بكل ما صح عن نبيها صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويُستبعد أن الأمة أو أكثر أئمتها وعلمائها وعُبّادها لا يُنقل عنهم العمل بحديث يتضمن الأجر العظيم والثواب الجزيل لمن عمل بما فيه، فإذا لم ينقل عملها، ويشتهر ذلك في الأمة، فمن أهل العلم من يعل الأحاديث بذلك، وإن كان إسنادها ليس بالواهي جدا، وروي من وجه آخر قد يشتد به الحديث المتجرد عن هذه القرائن.
ثم إن المرء ليعجب من حرص كثير من الناس على السؤال عن الأمور الغريبة التي في ثبوتها نزاع مشهور، وقد تكون إلى الضعف أقرب منها إلى الثبوت، مع إعراض كثير من الناس عن سنن مؤكدة وراتبة، مع أنه كلما كانت السنة أصحّ سندا، وأشهر عملا في الأمة، كانت –في الجملة- أكثر اجرًا من السنن الخفية التي لا يكاد يعلم بها كثير من العلماء، فضلا عمن دونهم، والله أعلم.