الأسئلة الحديثية

كيف يتم معرفة ضبط الصدر ؟

كيــــف يتـــم معـــرفـــة ضبـــط الـصـــدر ؟

يـعـــرف العلــــماء ذلك بأمـــــور :

1 – استفاضة ضبط الراوي بين الأئمة، وهذه الصورة هي أعلى الصور في هذا الباب .
2 –  تزكية بعض أئمة الجرح والتعديل للراوي بأنه يحفظ حديثه ويتقنه .
3 – سَبْر روايات الراوي، ومقارنتها بروايات غيره من الثقات ؛ لينظر

هل يوافقهم أم يخالفهم ؟ ويُحْكَم على حديثه بعد ذلك بما يستحق ، كما قال ابن معين : قال لي إسماعيل بن علية يومًا : كيف حديثي ؟ قلت : أنت مستقيم الحديث ، فقال لي : وكيف علمتم ذاك ؟ قلت له عارَضْنا بها أحاديث الناس ، فرأيناها مستقيمة ، فقال : الحمد لله . . . اهـ .

 

4  -إذا نصُّوا على أن الراوي ثقة ، وليس له كتاب ، فهذا يدل على أنه يحفظ حديثه في صدره .

5-ومن ذلك قول الراوي عن نفسه :” ما كتبت سوداء في بيضاء ” أو ” ما يضُرُّني أن تُحْرَق كتبي” ونحو ذلك مما يدل على إتقانه لحديثه .

6-باختبار الراوي، وللاختبار صور ، منها :

أ – أن يأتي إليه أحد أئمة الجرح والتعديل، فيسأله عن بعض الأحاديث ، فيحدثه بها على وجه ما ، ثم يأتي إليه بعد زمن، فيسأله عن الأحاديث نفسها ، فإن أتى بها كما سمعها منه في المرة الأولى ؛ علم أن الرجل ضابط لحديثه، ومتقن له ، أما إذا خَلَّط فيها، وقَدَّم وأَخَّر؛ عَرَفَ أنه ليس كذلك ، وتكلم فيه على قدر خطئه ونوعه، فإن كانت هذه الأخطاء يسيرة عددا ونوعا؛ احتملوها له إذا كان مكثرا، وإلا طُعِن فيه.

ومسألة كثرة الخطأ وقلته مسألة نسبية ، ترجع إلى كثرة حديث الراوي وقلته ، فمن كان مكثرًا من أحاديثه الصحيحة، وأخطأ في أحاديث قليلة ؛ احْتُمِل له ذلك الخطأ ، كمن كان عنده عشرة آلاف حديث – مثلاً – وأخطأ في عشرين حديثًا منها ، وهذا بخلاف من لم يكن عنده إلا حديث واحد – مثلا – وأخطأ فيه، فمثل هذا يكون متروكا، أو كمن عنده عشرة أحاديث، وأخطأ في خمسة منها ؛ فهذا يطعن فيه مع أن الخطأ في عشرين حديثًا ،أو خمسين حديثًا، لا يضر من كان مكثرًا، واسع العلم والحصيلة .

إلا أن النظر لا يقتصر على مسألة القلة والكثرة فقط، بل يُراعَى في ذلك أيضاً نوع الخطأ: فقد يكون الخطأ قليلاً، إلا أنه فاحش، فيذهب بحديث الراوي، كما جاء عن الدارقطني أنه قال في الربيع بن يحيى بن مقسم : حَدَّث عن الثوري عن ابن المنكدر عن جابر ، قال : جَمَع النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم – بين الصلاتين ، ثم قال : وهذا حديث ليس لابن المنكدر فيه ناقة ولاجمل ، وهذا يُسقط مائة ألف حديث ” وقال أبو حاتم في “العلل ” : ” هذا باطل عن الثوري ” اهـ (1) .

ب – وهناك صورة أخرى لاختبار الرواة لمعرفة ضبطهم ، وهي أن يُدْخِل الإمام منهم في حديث الراوي ما ليس منه، ثم يقرأ عليه ذلك كله ،موهمًا أن الجميع حديثه، فإن أقره وقبله ، مع ما أُدخل فيه؛ طعن في ضبطه ، وإن ميز حديثه من غيره؛ علم أن الرجل ضابط، ومثال ذلك : ما حصل من يحيى بن معين مع أبي نعيم الفضل بن دكين الكوفي (2) ولعل لذلك صلة بالتلقين الآتي في الصورة الثالثة .

ج – ومن صور الاختبار – أيضًا – أن يلقن الإمام منهم الراوي بقصد اختباره شيئا في السند أو في المتن ، لينظر هل سيعرف ويميز؛ فيرد ما لُقِّنَه، أو لا يميز؛ فيقبل ما أُدخل عليه ،فإن ميز؛ فهو ضابط، وإلا فغير ضابط .

ومن قبول التلقين : أن يسأل الإمامُ أحدَ الرواة عن مجموعة من الأحاديث ، أي هل حدثك فلان بكذا وكذا ، وليس ذلك من حديثه ، فإن أجابه بنعَم ؛ عَرف ضعفه وغفلته ، ويُعبِّر علماء الجرح والتعديل عن الراوي الضعيف في مثل ذلك بقولهم : ” فلان يُجيب عن كل ما يُسْأل عنه ” والله أعلم.

د – إغراب إمام من الأئمة على الراوي بالحديث، فيقلب سنده، أو متنه، أو يركب سند حديث على متن حديث آخر، أو العكس ، ليعرف ضبط الراوي من عدمه أو قلته ، ويحكم عليه بما يستحق حسب حِذْقه، وفطنته، وضبطه ، أو غفلته، وعدم فهمه ، وهذا يفعله الشيوخ مع تلاميذهم لمعرفة نباهتهم وتيقظهم ، والعكس ، كما جرى من حماد بن سلمة مع ثابت البناني (1) .


————————————–

(2)انظر ” سؤالات ابن محرز ” ( 2 / 39 ) اهـ نقلاً عن ” الإرشادات ” ( ص 21 ) للشيخ طارق عوض الله – حفظه الله – .

(1) انظر ” تهذيب التهذيب ” ( 2 / 227 ) .

(2) انظر ” تاريخ بغداد ” ( 3 / 353 ) ترجمة أبي نعيم .

(1) انظر ” الجرح والتعديل ” ( 2 / 449 ) .

للتواصل معنا