الأسئلة العامة

رجل خيّر امرأته ؛ فقال لها : إن كنت تريدين الحياة معي فأخبريني.. هل يتعبر طلاق

السؤال: رجل خيّر امرأته ؛ فقال لها : إن كنت تريدين الحياة معي فأخبريني , وإن كنت لا تريدين العيش معي فأخبريني , فقالت : أنا لا أريد معك , فسأل بعضَ العلماء , فقال له : هذا طلاق , والبعض الآخر قال له : ليس هذا بطلاق , فما هو الصواب في ذلك ؟

الجواب : مسألة تخيير الرجل زوجته ؛ كأن يقول لها : اختاريني أو اختاري نَفْسَك , أو أمرك بيدك , ونحو ذلك ؛ مما اختلفت فيها كلمة أهل العلم, فمنهم من عدّ ذلك توكيلاً، ومنهم من عده تمليكاً , ومنهم من قال : إن خَيَّرَها فاختارته كانت طلقة رجعية , فإن اختارت نفسها ؛ كانت طلقة بائنة , ومنهم من يراها ثلاث طلقات بائنة , ومنهم من يقول : وإن اختارت زوجها ؛ فهي بائنة , وهو خاطب من الخطّاب إن كانت محلاًّ للزواج به , ومنهم من لم يعدها شيئًا, إلى غير ذلك من الأقوال.

والأصل في هذا : أنه لما نزل قول الله U : ]يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنت تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحًا جميلاً . وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً[ [الأحزاب: 28-29] فقالت عائشة – رضي الله عنها – : خيرنا رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فاخترناه , فلم يعُدَّه طلاقًا , أخرجه البخاري ومسلم .

 

وفي رواية لمسلم : أن عائشة قالت : لما أُمِر رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – بتخيير أزواجه بدأ بي , فقال : ” إني ذاكر لك أمرًا , فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أَبَويك ” قالت : قد علم أن أبوَيَّ لم يكونا ليأمراني بفراقه , قالت : ثم قال : ” إن الله – عز وجل – قال : ]يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها ..[ الآيتين , قالت : في أي هذا أستأمر أبوي ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة , قالت : ثم فعل أزواجُ رسولِ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم – مثل ما فعلت .

وفي رواية لمسلم : قد خيـرنا رسـول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أفكان طلاقاً ؟ وفي رواية لهما : فلم يعدها علينا شيئًا .

فمن قال : إن اختارت زوجها كانت طلقة رجعية ؛ فقد خالف هذا الحديث الصحيح الصريح , ومن قال : إن اختارت نفسها كانت طلقة رجعية ؛ أخذه من مفهوم قول عائشة : فاخترناه ، فلم يعدها طلاقًا . ومفهومه : أننا إن اخترنا أنفسنا عَدَّهُ طلاقًا , ومن قال : إن اختارت نفسها فطلقة بائنة ؛ أو ثلاث بائنة ؛ فباعتبار أنه رفع سلطانه عنها , وملكها نفسها ؛ فلو كان يملك الرجعة لأضر ذلك بها , فكأنه خيرها بين شيئين فاختارت غيرهما , ومن قال : إن هذا التخيير ليس فيه طلاق – وإن اختارت نفسها – فباعتبار أن المرأة لا تملك الطلاق , إنما هو للرجل .

والحق يقال : إن في المسألة اختلافًا كثيرًا بين أهل العلم , والذي يترجح : أن في المسألة تفصيلاً , ويفرق بين ما إذا كان الزوج ينوي بالتخيير الطلاق أم لا ؟ فإذا نوى بالتخيير الطلاق , واختارت نفسها بنية الطلاق منها أيضًا ؛ فهذا يعَدُّ طلاقًا رجعيًا , وإن لم ينوِ الطلاق , أو نوى ؛ وهي لم تنوِ الطلاق ؛ فلا يعد طلاقًا وإن اختارت نفسها , لأن الأعمال بالنيات , والتخيير من كنايات الطلاق التي تفتقر إلى نية , كما قال الشافعي وأحمد وغيرهما , وظاهر الآية يدل على أن الرسول – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – خيّر أزواجه – رضي الله عنهن – فإن اخترن الحياة الدنيا وزينتها فإنه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – سيطلقهن, كما في قوله تعالى : ]فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحًا جميلاً[ فظاهره أن إيقاع الطلاق يكون بعد الاختيار , لا أن الاختيار في نفسه يكون طلاقًا .

ومن قال : إن اختارت نفسها فهي طلقة بائنة أو ثلاث بائنة ؛ فدليله قوله تعالى : ]فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحًا جميلاً[ , قالوا : والتسريح لا يكون إلا مع البينونة , واستدل بقوله تعالى : ]الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان[ [البقرة: 229] فالتسريح بعد التطليقتين , ولا يكون إلا بائناً , وتعقب بأن جمع الثلاث طلاق بِدْعِي , وما كان الله ليأمر به رسوله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ولا كان رسوله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ليطلق به , وهو مخالف لما أنزله عليه ربه – سبحانه وتعالى – .

وأما من لم يعد التخيير شيئًا – وإن اختارت نفسها , وإن نوى الطلاق – فهذا مخالف لحديث : ” إنما الأعمال بالنيات ” وما في معناه, ومخالف أيضًا لآثار الصحابة كما صرح بذلك ابن القيم في ” زاد المعاد ” ( 5/173) حيث قال : ” ولولا هيبة أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لما عدلنا عن هذا القول – يعني عدم اعتبار التخيير طلاقًا – ولكن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وهم القدوة وإن اختلفوا في حكم التخيير؛ ففي ضمن اختلافِهم اتفاقُهم على اعتبار التخيير , وعدم إلغائه , ولا مفسدة في ذلك ” . ثم بيّن – رحمه الله – أن الزوج إن خيّرها , وملكها أمرها , فطلقت نفسها ؛ فليس ذلك من باب استقلالها بالطلاق .

والذي ينظر في حال الناس : يجد أن بعضهم قد يقول لزوجته هذا القول عند وجود خصومة بينهما, ولا ينوي به طلاقًا, وهي قد تقول : لا أريدك , ولا تعني بذلك أنها تطلق نفسها , بل قد تختار أن تبقى مع أولادها في بيت خاص بهم , وتبتعد عن زوجها ليستريح الجميع من الخصومات , فإجراء الطلاق على الناس بذلك مع الجهل , وعدم نية من الزوجين الطلاق , مما يخالف قواعد الشرع الشريف , وإذا كان الله U قد عفا عمن قال : ” اللهم ! أنت عبدي وأنا ر بك ” , أخطأ من شدة الفرح , أخرجه مسلم من حديث أنس بهذا اللفظ , فإذا كان الله U قد عامله بنيته ؛ فكيف لا يعامل صاحب هذه المقالة بنيته ؟!

فتلخص من المذاهب أنها – مع كثرتها – ترجع إلى ثلاثة أقوال في مسألة اختيار المرأة نفسها :

الأول : من يُوقِعُ الطلاق بمجرد التخيير , سواء كان رجعيًا أو بائنًا , وإن لم ينوِ الزوج به الطلاق .

الثاني : من لم يرَ التخيير شيئًا , وإن نوى الزوج به الطلاق .

الثالث : التفصيل بين من خيّر ناويًا الطلاق ، فاختارت المرأة نفسها ناوية الطلاق ؛ فهو طلاق – وهذا مذهب الشافعي وأحمد – وبين من لم ينوِ الطلاق لا هو ولا زوجته , أو أحدهما ؛ فليس بطلاق , وهذا هو الراجح الذي يناسب القواعد , وكذلك يناسب ظاهر الآية . والعلم عند الله – تعالى – .

للتواصل معنا