الأسئلة العامة

بعض الناس يصيبه كَسْرٌ ، فيضع عليه جبيرة , أو يصيبه جرح

السؤال: بعض الناس يصيبه كَسْرٌ ، فيضع عليه جبيرة , أو يصيبه جرح ، فيعصب عليه عصابة, أو يمسح على ذلك, أو يضع عليه لصوقًا, فإذا أراد أن يتوضأ أو يغتسل , فماذا يصنع ؟ هل ينـزع الجبيرة واللصوق , أم يمسح على ذلك , أم يتيمم ؟ ما هو الصواب من هذا كله ؟

الجواب : اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال : منها قولان مهجوران مردودان , وهما قول من قال : عليه أن يجمع بين غسل الصحيح , والتيمم للجريح , والمسح على الجبيرة أو العصابة , ووجه رِّه : أن الله – عزّ وجلّ – ما أوجب الجمع بين طهورين .

والقول الآخر قول من قال : ليس عليه غسل ولا مسح ولا تيمم , لأن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها , وقد عجز عن الغسل , ولا تيمم مع وجود الماء , فرُفع عنه التكليف , وفساد هذا القول ظاهر ؛ لمخالفة الأدلة التي يأتي ذكرها , – إن شاء الله تعالى – .

وهناك أقوال أخرى لها حظ من الوجاهة والقبول فمن ذلك :

 

1– أن عليه التيمم فقط : وذلك لحديث ابن عباس أن رجلاً أجنب في شتاء , فسأل ، فأُمِر بالغسل , فاغتسل ، فمات ,فذُكر ذلك للنبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فقال : ” ما لهم قتلوه , قتلهم الله – ثلاثًا – قد جعل الله الصعيد أو التيمم طهورًا ” .

أخرجه ابن خزيمه , وابن حبان , والحاكم , وابن الجارود , وغيرهم , وسنده عندي حسن , وقد تكلمت عليه بتوسع في تحقيق لـ ” الداء والدواء ” المسمَّى ” كشف الغطاء بتحقيق أحاديث وآثار الداء والدواء ” برقم (2) , وأجبت هناك على من أعلّه .

2- قول آخر : أن عليه أن يغتسل أو يتوضأ في سائر مواضع الغسل والوضوء , ويمسح العصابة , وكذلك ما حول العصابة , ولا يجمع مع ذلك التيمم ، كما مر في القول الأول المردود ، وهذا القول الثاني قد ثبت عن ابن عمر ، كما عنـد عبدالرزاق (1/ 160) وابن أبي شيبـة (1/126) والبيهقي (1/228) وهو بنحوه قول أكثر أهل العلم , كما نقله المنذري في ” الأوسط ” (2/25) .

3- قول ثالث : أن عليه أن يغسل سائر جسده , ويترك موضع الجرح أو الجبيرة بدون غسل أو مسح , لأن الله ما كلفه إلا ما يستطيع , وعند أهل هذا القول أنه لم يصح حديث في المسح على الجبيرة ولا التيمم , وهو كما قالوا في الأول دون الثاني ؛ لما سبق من حديث ابن عباس .

وانظر تضعيف أحاديث المسح على الجبيرة في ” تمام المنة ” لشيخنا الألباني – حفظه الله – ص ( 133-135) .

ولمن أخذ بالقول الأول من هذه الأقوال الثلاثة أن يقول : إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل , وإذا جاء الخبر عن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فلا نلتفت إلى غيره , وحديث رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وإرشاده إياهم إلى التيمم كافٍ في موضع النـزاع , وغير هذا القول لا يستند إلى دليل مثل هذا الدليل .

ولمن أخذ بالقول الثاني أ ن يقول : هذا قول ابن عمر , ولا نعلم له مخالفًا من الصحابة , كما هو في ” المغني ” (1/279) وكذلك فهو قول أكثر أهل العلم , ولم ينكر المسح على الجبيرة إلا الشعبي , وقول للشافعي , وما روي عن ابن سيرين , وأهل الظاهر .

وأيضًا من جهة النظر : ” فإن المسح على الخفين أولى من التيمم , لأنه طهارة بالماء فيما يغطي موضع الغسل , وذلك مسح بالتراب في عضوين آخرين , فكان هذا البدل أقرب إلى الأصل من التيمم , ولهذا لو كان جريحًا , وأمكنه مسح الجراح بالماء دون الغسل ؛ فهل يمسح بالماء أو التيمم ؟ فيه قولان , هما روايتان عن أحمد , ومسحهما بالماء أصح , لأنه إذا جاز مسح الجبيرة ومسح الخف , وكان ذلك أولى من التيمم ؛ فلأن يكون مسح العضو بالماء أولى من التيمم بطريق الأولى ” . اهـ . من كلام شيخ الإسـلام في ” مجموع الفتاوى ” (21/ 178) وبنحوه (21/181-182) .

والنفس تميل إلى قول من قال بالتيمم ؛ لثبوت الدليل بذلك , لكني أهاب أن أرد قول ابن عمر والفقهاء , لاسيما وأننا نفهم الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح , فلا يُستبعد أن يكون هناك طريقان في ذلك , وقد يقال : إن الجروح تختلف , فمنها ما يتضرر الجسد معه بالماء ؛ فهذا يكون فيه التيمم وعلي يُحمل حديث ابن عباس , ومنها جروح لا تضرر بقية الجسد معها بالماء ، فهذه يكون فيها الغسل أو الوضوء مع المسح , وتكون الجبيرة بمنـزلة الجلد , لأن في نزعها مشقة , وإذا كان المسح على الخفين جائزًا مع سهولة نزعهما ؛ فكيف بالجبيرة التي يشق نزعها وإبعادها ؟ فمن أخذ بالتيمم فقط ؛ فالدليل في صفه , ومن أخذ بالمسح ومع الغسل أو الوضوء ؛ فأرجو أن يكون قد تم طهوره لقول عامة أهل العلم به ، والله أعلم . اهـ . 

للتواصل معنا