الأسئلة العامة

السؤال: هل يجوز أن نصوم يوم السبت نافلة أم لا ؟

السؤال: هل يجوز أن نصوم يوم السبت نافلة أم لا ؟

الجواب : صح من حديث عبد الله بن بُسْر المازني عن أخته الصَّمَّاء بنت بسر أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال : ” لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِض عليكم , وإن لم يجد أحدكم إلا عود عنب , أو لحاء شجرة فليمضغه ” وفي رواية : ” فليفطر عليه ” وهذا الحديث قد اختلف فيه أهل العلم , فمنهم من طحنه وكذّبه , ومنهم من أعله بالاضطراب , ومنهم من استشكله مع غيره من الأحاديث , والذين صححوه : منهم من جمع بين الاختلاف الواقع في رواياته , ومنهم من رجح بين وجوه الاختلاف , وقد يسر الله U لي كتابة جزء في هذا الباب , وانفصلتُ فيه بتصحيح الحديث من هذا الطرق التي صدَّرْتُ بها الجواب , وأجبت على من ضعَّف هذا الحديث بما لا يتسع له هذا المقام , فليرجع إليه .


 

لكن هل يلزم من صحة هذا الحديث تحريم صيام يوم السبت نافلة ؟

الجواب : لا يلزم ذلك , ولهذا أدلة كثيرة , وأَخْذٌ وَرَدٌّ بين أهل العلم في هذا العصر , تناولته في الجزء الخاص بهذه المسألة , وهاأنذا أشير إلى خلاصته هنا , وأحيل من أراد التوسع في المسألة أن يرجع إلى ما كتبته , وما كتبه غيري من أهل العلم .

ويهمني هنا أن أقول : قد وردت أحاديث تدل على جواز صيام يوم السبت إذا ضُمَّ إليه غيره , فمن ذلك :

(1) حديث أبي هريرة : أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال : ” لا يصوم أحدكم يوم الجمعة منفردًا إلا أن يصوم قبله , أو بعده . ” رواه البخاري (1985) ومسلم (1144) .

(2) وحديث جويرية أم المؤمنين رضي الله عنها , أن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – دخل عليها يوم الجمعة , وهي صائمة , فقال : ” أصمتِ أمس ؟ ” قالت : لا , قال : ” تريدين أن تصومي غدًا ؟ ” قالت : لا , قال : ” فأفطري . ” أخرجه البخاري ( 1986) .

قال أهل العلم : فهذان الحديثان يدلان على جواز صيام يوم السبت ما لم يكن منفردًا , وقوَّوْا ذلك بأنه قد ثبت عن عائشة – رضي الله عنها – أنها كانت تصوم ثلاثة أيام من الشهر , ففي شهرٍ تصوم السبت والأحد والاثنين , وفي شهرٍ تصوم الثلاثاء والأربعاء والخميس .

قالوا : فهذا إقرار النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لأم المؤمنين جويرية بصيام السبت مع الجمعة نافلة , وهذا فهم أم المؤمنين عائشة بجواز صيام السبت نافلة , فهذا يخصص عموم النهي المأخوذ من حديث الصماء , قالوا : والنهي عن صيام السبت في حديث الصماء قد جرى عليه تخصيصان : الأول : تخصيص متصل في الحديث , وهو جواز صيام الفرض في السبت ,والثاني : تخصيص منفصل , وهو جواز صيام السبت نافلة إذا ضم إليه غيره , والجمع في مثل هذا مقدم على الترجيح , لأن الجمع إعمال للدليلين , وهو مقدم على الترجيح الذي هو إهمال لأحدهما .

قالوا : ومما يزيد ذلك وضوحًا أن الجمعة – وهي أشهر في النهي عن تخصيص يومها بصيام من يوم السبت – قد جاء جواز صوم يومها في “صحيح مسلم” (1144) عن أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال :” لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي , ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام , إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم .” فإذا كان بين الجمعة – والنهي عن صومه عند العلماء أشهر وأثبت – قد خُصص , فمن باب أولى النهي عن صوم يوم السبت , وبنحو ذلك : النهي عن صوم يوم الشك , فقد قال رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – : ” لا تَقَدَّمُوا رمضان بصيام يوم أو يومين , إلا أن يكون يوم صوم أحدكم فليصمه . ” أخرجه البخاري ( 1914) ومسلم (1082) من حديث أبي هريرة .

قالوا : ومما يزيد ذلك وضوحًا , أننا لا نعرف من علماء الأمة – سواء الذين أخرجوا الحديث , أو الذين تكلموا على فقه الباب – من قال بحرمة صيام يوم السبت مطلقًا , أي : سواء كان مقرونًا بغيره أو منفردًا , إلا ما حكاه الطحاوي في “شرح معاني الآثار” (2/ 80) أن جماعة كرهوا صوم يوم السبت تطوعًا , فمن هم هؤلاء الجماعة ؟ وما هي مكانتهم بين علماء الأمة ؟ هذا ما لا سبيل لنا إليه من خلال نص الإمام الطحاوي – رحمه الله – أضف إلى ذلك أن عبارته – رحمه الله – ليست صريحة في إطلاق التحريم , وإذا كنا نفهم الكتاب والسنة بفهم السلف ؛ فلا أعلم عالمًا بعينه من السلف قال بالتحريم المطلق .

فهذا النص النبوي , وهذا عمل عائشة , وهذا القياس على يوم الجمعة ويوم الشك , وهذا قول علماء الأمة , أليس ذلك كافيا في القول بجواز صيام يوم السبت إذا ضُمَّ إليه غيره ؟ أو كان صيامه قد وافق عادة للمرء في الصيام ؟ فإن قيل : إن عبد الله بن بُسْر الصحابي أفتى بذلك , فقال : ” صيام يوم السبت لا لك ولا عليك . ” , فالجواب أنه لم يصح إليه , لإبهام في سنده , وفيه مخالفة للحديث الذي روته الصماء , فالحديث ظاهره التحريم , بخلاف هذا الأثر , ولو سَلِمَ من هذا كله ؛ فليس بظاهر في التحريم المطلق , فيمكن حمله على ما سبق , كما فعلنا في الحديث النبوي من باب أولى .

فإن قيل : مجرد رواية الصحابي للنهي دليل على أخذه به , فالجواب : أن هناك فرقًا بين الرواية والرأي , ولو أخذنا بذلك ؛ لزمنا أن كل من روى حديثًا في مسألة خلافية , وأخذ فيها برأي مهجور أن يقال :له سلف , وهم رواة الحديث ورجال سنده !! ولم أعلم أحدًا يُعوِّل على هذا .

ولا يليق قياس يوم السبت بيوم العيد – فضلاً عن جَعْل النهي فيه آكد من النهي في العيد , لمزيد التأكيد في النهي كما في حديث الصماء – ولا بأيام التشريق , ويقال : إذا كنتم تَرَوْنَ جواز صيام يوم الجمعة إذا صِيم معه السبت , فهل تقولون بذلك إذا كان عرفة يوم جمعة , ويكون السبت يوم الأضحى ؟ فتجيزون صيام الأضحى وبنحوه في أيام التشريق ؟

فالجواب أن جَعْلَ يوم السبت بمنـزلة يوم العيد , بمعنى أننا إن أجزنا الصيام في أحدهما ؛ لزمنا أن نجيزه في الآخر غير لازم , للفارق الواضح , حيث إن النص في العيد والتشريق لم يُخصص ,بخلاف السبت الذي وقع فيه التخصيص في موضعين : أحدهما متصل , والآخر منفصل , وأما يوم العيد وأيام التشريق , فلا يجوز أن يصوم فيها المرء ولو صيام فرض , كقضاء لرمضان أو نذر أو كفارة , بخلاف السبت , فيجوز ذلك بالنص : ” إلا فيما افْتُرِض عليكم . ” والإجماع ثابت في النهي عن صيام العيد بخلاف السبت , فلا أعلم من قال بحرمته مطلقًا – مع بحثي عن ذلك – والقول بأن الحاظر مقدم على المبيح ؛ سابق لأوانه هنا ؛ وحيث إن هذا القول نَلْجَأ إليه عند عدم التمكن من الجمع , فنلجأ إلى الترجيح , والجمع ممكن -ولله الحمد- وصنيع السلف الذين فصَّلوا في صيام السبت , يدل على أن القول بتقديم الحاظر على المبيح , موضعه إذا ما تعذّر الجمع , والأمر -هنا- ليس كذلك .

أضف إلى ذلك أن النهي عن صيام يوم السبت عموم , وهو النهي عن صيام النافلة في السبت سواء كان مقرونًا بغيره أو منفردًا , وخُصَّ هذا العموم بحديث أبي هريرة وجويرية وغيرهما , والخاص مقدم على العام , كما هو مقرر , وفيه عموم آخر : وهو النهي عن صوم السبت منفردًا سواء كان عادة للصائم أم لا , وخُصَّ ما كان عادة بالأدلة التي ذكرتها في الجزء الخاص بهذه المسألة :

فمن ذلك حديث عبد الله بن عمرو المتفق عليه , في إلحاحه على النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أن يُرخّص له في صيام الدهر , والنبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – يحثه على التخفيف , حتى دلَّه على صيام داود – عليه السلام – وهو أن يصوم يومًا , ويفطر يومًا , ولم يخص له النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – يوم السبت بالمنع من الصيام , وتأخير البيان عن وقت الحاجة – لا الخطاب – لا يجوز , ولا شك أن هذا الموضع موضع حاجة عبد الله بن عمرو –رضي الله عنهما – لمعرفة كيفية الصيام الذي يتقرّب به إلى الله عز وجلّ لاسيما وهو يراجع النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في الترخيص له بتكثير الصيام .

ولا يُرَدُّ على ذلك بيوم العيد , لما سبق من فروق جليّة بين العيد والسبت , وعندما قّدمنا تحريم صيام العيد إذا وافق عادة , فليس ذلك – هنا – من باب تقديم الحاظر على المبيح , ولكنه من باب تقديم الخاص على العام , أو من باب استثناء الأقل من الأكثر , حيث إن فضيلة صيام الاثنين والخميس , أو صيام يوم بعد يوم , كل ذلك أكثر في الأيام من أيام العيد أو التشريق.

فإن قيل : نُسَلِّم بصيام السبت إذا سبقه يوم جمعة – للنص في ذلك – لا ما إذا ما تبعه يوم الأحد , أي أننا نسلم بالقِران القبلي لا البعدي.

فالجواب : أن هذا القول كادت نفسي تميل إليه أثناء دراستي للمسألة , لولا أمران :

أحدهما : أن المعنى الذي فهمناه من صيام السبت مع الجمعة , هو جواز القِران لا الانفراد , فهذا المعنى موجود أيضًا فيما إذا ضُمَّ إلى السبت الأحد .

الثاني : أني لا أعلم أحدًا من السلف فصّل بهذا , من أجل أن أقول بقوله , وقد قال الإمام أحمد: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام , ونحن ندين الله بفهم الكتاب والسنة على ضوء فهم السلف الصالح , فمن أجل هذا وذاك ترجّح عندي جواز القران القبلي والبعدي, والله أعلم .

فإن قيل : القول بالجواز عند القران شبه استدراك على النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – الذي لم يستثن من النهي إلا الفرض , بقوله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – : ” إلا فيما افتُرِض عليكم “.

فالجواب : أن الجمع بين الدليلين يلزم منه مثل هذا , كما في تخصيص العام ، وتقييد المطلق , فلا غرابة في ذلك ، والله أعلم .

وليس هذا الجمع من عندي , إنما هو جمع من علمتُ من أهل العلم , وإذا كان هذا قول السلف من الصحابة ومن بعدهم ؛ فلماذا لا تطمئن إليه النفس ؟!

هذا وإني لأعلم أن من مشايخي – الذين أستصغر نفسي أمامهم – قد رجّحوا خلاف هذا , لكن هكذا تعلمنا منهم التجرد للأدلة – جزاهم الله عنا خيرًا – ونحن عالة عليهم – وإن خالفناهم في بعض المواضـع , فكيف عند الموافقة – وعدم القول بما قاله أحد العلماء الأتقياء , لا يُنْزِل من مكانته في النفس ، كما هو معلوم.

فإن كان ما انتهيتُ إليه صوابًا ؛ فهذا من فضل الله U عليَّ ورحمته بي , وإن كانت الأخرى , فأسأل الله U أن يستر عورتي , ويقيل عثرتي , إنه جواد كريم بر رحيم .

للتواصل معنا