الأسئلة العامة

متى تجب زكاة الفطر ؟ هل تجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان , أم بطلوع فجر يوم الفطر ؟

السؤال  : متى تجب زكاة الفطر ؟ هل تجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان , أم بطلوع فجر يوم الفطر ؟

الجواب : ذكر ابن العراقي – رحمهما الله – في “طرح التثريب” (4/49) أن الأقوال في ذلك سبعة , وأشهر هذه الأقوال القولان الواردان في السؤال , قال ابن عبدالبر في “الاستذكار” (9/351-353) : ” وأما قوله: ” فرض رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- زكاة الفطر من رمضان على الناس ” فقد اختلف العلماء في الحين والوقت الذي يلزم لمن أدركه زكاة الفطر : فقال – يعني مالكًا – في رواية ابن القاسم وابن وهب وغيرهما عنه : تجب بطلوع الفجر من يوم الفطر , وروى أشهب عن مالك : أن الزكاة تجب بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان , وهي ليلة الفطر , وقال مالك : إذا مات العبد ليلة الفطر قبل طلوع الفجر ؛ فعلى المولى صدقة الفطر عنه ؛ لأنه قد كان أدركه وقت وجوبها حيًّا , ومعلوم أن ليلة الفطر ليست من رمضان

, فمن وُلد فيها من الأحرار والعبيد , ومُلك فيها من العبيد ؛ فإنه لم يُولد ولم يُملَك في رمضان , وإنما وقع ذلك في شوال , وزكاة الفطر إنما هي لرمضان لا لشوال , وبهذا قال الشافعي وأصحابه , إلا أن أصحابه في المسألة على قولين , على أن قوله ببغداد كان : أنها تجب بطلوع الفجر على كل مسلم أدركه ذلك الوقت حيًّا , وأما أبو حنيفة وأصحابه , فقولهم في ذلك ؛ كما رواه ابن القاسم عن مالك: بطلوع الفجر تجب زكاة الفطر, وهو قول أبي ثور … ” اهـ .

 

وقد استدل من قال بأن أول وقت الوجوب طلوع الفجر الثاني من يوم عيد الفطر , بحديث ابن عمر , قال : فرض رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – زكاة الفطر , وقال : ” أغنوهم في هذا اليوم ” أخرجه الدارقطني وغيره , وهو حديث ضعيف من أجل أبي معشر المديني , واستدلوا به على أن الزكاة في يوم الفطر , وأوله طلوع الفجر الثاني, وروي بمعناه من حديث عائشة غير أنه من طريق الواقدي , وهو متروك, ولو صَحَّ ؛ فقد أجاب عنه الماوردي في “الحاوي الكبير” (3/362) من وجهين :

أحدهما : أن إغناءهم بدفعها لهم لا بوجوبها لهم , وهي تُدْفَع إليهم في اليوم لا في الليل , وتجب لهم في الليل لا في اليوم .

والثاني : أن أمره بإغنائهم عن الطلب فيه لا يدل على وجوبها أو دفعها فيه , وإنما يدل على وجوب إغنائهم عن الطلب , وهو يستغنون فيه عن الطلب بما يُدفع إليهم من الليل . اهـ .

واستدلوا أيضاً بحديث ابن عمر عند البخاري برقم (1503) ومسلم برقم (984) قال : ” فرض رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – زكاة الفطر صاعًا من تمر , أو صاعًا من شعير على العبد والحر , والذكر والأنثى , والصغير والكبير من المسلمين , وأمر بها أن تُؤَدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة ” .

ولا يخفي عليك أن وقت الأمر بالإخراج لا يلزم منه بداية وقت الوجوب , وأيضًا لو سلمنا بذلك ؛ فإن الإخراج يمتد أيضًا إلى ما بعد طلوع شمس يوم الفطر , والدعوى أن بداية الوجوب طلوع الفجر الثاني , فظهر الفرق بين الدليل والدعوى .

واستدلوا بأن ليلة الفطر ليست ظرفًا للصيام , فتعين أن المراد بالفطر يوم الفطر لا ليلته , وقد أجاب عن ذلك ابن عبدالبر في “الاستذكار” (9/353) فقال : ” ومن قال بهذا لم يعتبر ليلة الفطر , لأن ليلة الفطر ليست بموضع صيام يُراعى ويُعتبر , وهو قول من لم يُمعِن النظر , لأن يوم الفطر ليس بموضع صيام , فأحرى ألا يُراعى ” . اهـ

واستدل من قال بأن بداية الوجوب بغروب شمس آخر يوم من رمضان , ببعض الروايات عند مسلم من حديث ابن عمر قال : ” فرض رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – زكاة الفطر من رمضان ” وفي رواية : ” فرض النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – صدقة رمضان ” مما يدل على أن أول وقت الوجوب آخر رمضان وأول شوال.

وقد اعترض على ذلك ابن دقيق العيد كما في “الإحكام شرح العمدة” فقال : ” وقوله : “رمضان” وفي رواية أخرى “من رمضان” قد يتعلق به من يرى أن وقت الوجوب غروب الشمس من ليلة العيد , وقد يتعلق به من يرى أن وقت الوجوب غروب الشمس من ليلة العيد , وكلا الاستدلالين ضعيف؛ لأن إضافتها إلى الفطر من رمضان لا يستلزم أنه وقت الوجوب, بل يقتضي إضافة هذه الزكاة إلى الفطر من رمضان , فيقال حينئذٍ بالوجوب , لظاهر لفظة ” فرض ” ويؤخذ وقت الوجوب من أمر آخر “. اهـ من “العمدة” (3/315) .

قال ابن العراقي متعقبًا عليه في “طرح التثريب” (4/48) : ” قلت : لا معنى لإضافتها للفطر إلا أنه وقت الوجوب , وقال ابن العربي : إضافتها للتعريف , وقال قوم : إلى سبب وجوبها , وأنا أقول : إلى وقت وجوبها , وسبب وجوبها ما يجرِي في الصوم من اللغو ” ثم استدل على ذلك بما في “سنن أبي داود” عن ابن عباس قال : ” فرض رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – زكاة الفطر طهرة للصائم أو الصيام من اللغو و الرفث , وطعمة المساكين , من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة , ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات ” … اهـ واستضعف ذلك الصنعاني في العمدة” (3/315) ولم يذكر دليلاً على قوله .

وعزا ابن العراقي القول الثاني – وهو أن بداية الوجوب غروب آخر شمس في رمضان – إلى الشافعي في الجديد , وأحمد , وإحدى الروايتين عن مالك , والظاهر أن هذا المشهور عن أحمد في المذهب , وإلا فقد قال بالقول الأول أيضًا , وجزم بالقول الأول أبو حنيفة , وابن المنذر في
“الإقناع” (1/182) وابن حزم وهو رواية عن الشافعي ومالك .

قال ابن رشد في “بداية المجتهد” (2/136) : وسبب اختلافهم : هل هي عبادة متعلقة بيوم العيد أو بخروج شهر رمضان , لأن ليلة العيد ليست من شهر رمضان ” اهـ.

والذي يترجح عندي: قول الشافعي في الجديد ، بأن أول وقت للوجوب غروب شمس آخر يوم من رمضان ؛ لأن ليلة العيد لها حكم يوم العيد في هذا الموضع ، وليس هناك دليل ظاهر بتخصيص الوجوب بيوم العيد ، وكون ليلة العيد ليست محلاًّ للصيام ؛ فكذا ليالي رمضان ليست محلاً للصيام , إلا أن هناك فرقًا , وهو : أن الليلة العيد ليست ظرفًا لتبييت نية الصيام بخلاف ليالي رمضان , فكانت ليلة العيد بداية الفطر الحقيقي ليلاً ونهارًا , هذا وقد أطال الماوردي في “الحاوي الكبير” في الرد على أقيسة الحنفية ونحو ذلك , بما لا يلزم نقله هنا , والله أعلم .

(تنبيه) : الفائدة من هذا الخلاف تظهر فيمن وُلد قبل الغروب , ومات قبل الفجر , أو فيمن اشترى عبدًا قبل الغروب , ومات قبل الفجر , أو باعه , وفيمن عقد على امرأة قبل الغروب , وطلقها , أو ماتت قبل الفجر , فعلى القول الراجح تلزم زكاة الفطر عن هؤلاء ؛ لأنهم أدركوا وقت الوجوب, وعلى القول المرجوح لا تلزم, وقال المرداوي في “الإنصاف” (3/177) : ” لا يسقط وجوب الفطرة بعد وجوبها بموت ولا غيره بلا نزاع أعلمه , ولو كان معسرًا وقت الوجوب , ثم أيْسَر ؛ لم تجب الفطرة , على الصحيح من المذهب – يعني المذهب الحنبلي – وعليه الأصحاب …” اهـ.

للتواصل معنا