الأسئلة العامة

هل تجب زكـاة الفطـر على أهـل البوادي , وعلى الجنين , وعلى المجنون الذي له مال ؟

السؤال  : هل تجب زكـاة الفطـر على أهـل البوادي , وعلى الجنين , وعلى المجنون الذي له مال ؟

الجواب : قال ابن عبدالبر في “التمهيد” (14/330): ” وأجمعوا أن الأعراب وأهل البادية في زكاة الفطر كأهل الحضر سواء , إلا الليث بن سعد , فإنه قال : ليس على أهل العمود أصحاب المظال والخصوص زكاة الفطر , وهذا مما انفرد به من بين هؤلاء الفقهاء , إلا أنه قد روي مثل قوله عن عطاء والزهري وربيعة “.

قال أبو عمر : ” هؤلاء في الصيام كسائر المسلمين , فكذلك يجب أن يكونوا في زكاة الفطر كسائر المسلمين “. اهـ قوله : “الخصوص” جمع “خُص” وهو بيت من شجر أو قصب , انظر “اللسان” (7/26) .

وفي “الاستذكار” (9/344) : ” وقال مالك : تجب زكاة الفطر على أهل البادية , كما تجب على القرى , وذلك أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس : على كل حر , أو عبد , ذكر , أو أنثى من المسلمين “.

قال أبو عمر : ” قول مالك عليه جمهور الفقهاء , وممن قال بذلك : الثوري , والشافعي , والأوزاعي , وأبو حنيفة , وأصحابهم…” ثم ذكر قول الليث , ثم قال : ” قول الليث ضعيف ؛ لأن أهل البادية في الصيام والصلاة كأهل الحضر , وكذلك هم في صدقة الفطر . اهـ .

وقول عطاء في “مصنف ابن أبي شيبة” (2/418) – بسند صحيح إن شاء الله – وهناك أقوال في إيجابها على أهل البوادي , ارجع إليها إن شئت .

فالصحيح : ما ذهب إليه الجمهور لعموم الأدلة , ولا دليل على التخصيص , والله أعلم .

وأما زكاة الفطر عن الجنين : فقد قال ابن المنذر في “الإجماع” ص(36) برقم (110) : ” وأجمعوا على أن لا زكاة على الجنين في بطن أمه ” . اهـ

إلا أن ابن حزم قال في “المحلى” (6/118) : ” زكاة الفطر من رمضان واجب على كل مسلم : كبير أو صغير ، ذكر أو أنثى ، حرٍّ أو عبد ، وإن كان من ذكرنا جنينًا في بطن أمه…” الخ .

وقال في (6/132) : ” وأما الحمل فإن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أوجبها على كل صغير أو كبير ، والجنين يقع عليه اسم “صغير” فإن أكمل مائة وعشرين يومًا في بطن أمه قبل انصداع الفجر من ليلة الفطر ؛ وجب أن تُؤدَّى عنه صدقة الفطر… ثم ذكر حديث ابن مسعود مرفوعًا : ” إنَّ خَلْقَ أحدِكم يُجمع في بطن أمه أربعين يومًا , ثم يكون علقة مثل ذلك , ثم يكون مضغة مثل ذلك , ثم يبعث الله إليه مَلَكَاً ؛ فيؤمر بأربع كلمات : رزقه , وعمله , وأجله , ثم يكتب : شقي أو سعيد , ثم ينفخ فيه الروح ” ثم قال : هو قبل ما ذكرنا موات ؛ فلا حكم على ميت ، فإما إذا كان حيًّا كما أخبر رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فكل حكم وجب على الصغير فهو واجب عليه “. اهـ

وذكر بعض الآثار عن عثمان وغيره بإخراج زكاة الفطر عن الجنين , سيأتي الكلام عليها – إن شاء الله تعالى – .

وقد تعقب الحافظ العراقيُّ ابنَ حزم فيما ذهب إليه , مُقَوِّياً كلام أهل العلم بعدم وجوب زكاة الفطر على الجنين , ونقل ذلك عنه ابنه في “طرح التثريب” (4/60–61) فقال ابن العراقي -رحمهما الله تعالى- : قال والدي – رحمه الله – في “شرح الترمذي” : واستدلاله بما استدل به على وجوب زكاة الفطر على الجنين في بطن أمه في غاية العجب , وأما قوله : ” على الصغير والكبير ” فلا يفهم عاقل منه إلا الموجودين في الدنيا , أما المعدوم فلا نعلم أحدًا أوجب عليه , وأما حديث ابن مسعود فلا يطلع على ما في الرحم إلا الله ؛ كما قال : ]وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ[ وربما يُظَنُّ حَمْلُها وليس بحمل , وقد قال إمام الحرمين : لا خلاف أن الحمل لا يعلم , وإنما الخلاف في أنه يعامل معاملة المعلوم, بمعنى أنه يؤخّر له ميراث لاحتمال وجوده , ولم يختلف العلماء في أن الحمل لا يملك شيئًا في بطن أمه , ولا يحكم على المعدوم حتى يظهر وجوده…” اهـ .

قلت : ويدل على ذلك أن الجنين لو مات في بطن أمه – بعدما نُفِخَتْ فيه الروح – ونـزل ميتًا فإنه لا يرث , بخلاف الصغير الموجود إذا تأخر موته عن موت مورِّثه ولو لحظة ؛ فإنه يرثه , والله أعلم .

وقد استدل ابن حزم بما رواه أحمد – كما في “سؤالات عبدالله” ص(170) برقم (644) وابن أبي شيبة (2/432/10737) – قال أحمد : ثنا ( معتمر ) بن سليمان التيمي عن حميد ( عن ) بكر وهو ابن عبدالله المزني وقتادة أن عثمان كان يعطي صدقة الفطر عن الصغير والكبير والحمل . وهذا سند منقطع : فإن بكرًا وقتادة لم يسمعا من عثمان , وفي النفس شيء في مثل هذا الموضع من الاستشهاد برواية بكر لرواية قتادة , لاحتمال اتحاد المخرج ، وعند ابن أبي شيبة من رواية حميد عن عثمان ، بدون ذكر بكر وقتادة ، وانظر “الإرواء” برقم (841) وأعله بذلك العراقي في الموضع السابق, واستدل أيضًا بما أخرجه عبدالرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة , قال : كان يعجبهم أن يعطوا الفطر عن الصغير والكبير , حتى على الحَبَل في بطن أمه . اهـ (3/319/5788)

قال العراقي جوابًا على ذلك : ” وأما أثر أبي قلابة فَمَنِ الذين كان يعجبهم ذلك ! وهو لو سمى جمعًا من الصحابة ؛ لما كان ذلك حجة “. اهـ ويوضحه بقية كلامه , حيث قال : ” بل قول أبي قلابة : “كان يعجبهم” ظاهر في عدم وجوبه , ومن تبرع بصدقة عن حمل رجاء حفظه وسلامته ؛ فليس عليه فيه بأس…” ثم ذكر دعوى ابن المنذر الاتفاق قبل مخالفة ابن حزم .

وروى ابن أبي شيبة (2/432/10738) : ثنا عبدالوهاب الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة , قال : كانوا يعطون صدقة الفطر , حتى يعطوا عن الحبل . اهـ وسنده صحيح , وليس فيه دليل على الوجوب … والله أعلم .

واستدل أيضًا بما أخرجه عبدالرزاق (3/319/5790) عن مالك بن أنس عن رجل عن سليمان بن يسار , قال : سألته عن الحبل هل يزكى عنه ؟ قال : نعم , قلت: في سنده مبهم .

وقد روى عبدالرزاق عن ابن جريج , قال: قلت لعطاء: جنين ليس يتحرك في بطن أمه , أزكى عليه ؟ قال : لا , لأنك لا تدري أيَتِِمُّ أم لا ؟ أيخرج ميتًا أم حيًّا ؟ وهذا سند صحيح , وليس فيه دليل على قول عطاء بالوجوب , وانظر كلام العراقي الذي نقله عنه ابنه في “طرح التثريب” فقد تكلم على هذه المسألة بما يكفي ويشفي , والله أعلم .

وأما زكاة الفطر عن المجنون : فقد قال ابن حزم في “المحلى” (6/141) : ” والزكاة للفطر واجبة على المجنون إن كان له مال , لأنه ذكر أو أنثى , حر أو عبد, صغير أو كبير ” . اهـ قلت : ويؤيد ذلك وجوبها على الصغير الذي لا يعقل شيئًا , فما الفرق بينه وبين المجنون من جهة عدم تكليف كل منها ؟ والظاهر أن المجنون داخل في جملة من يمونه وليه , والله أعلم .

للتواصل معنا