الأسئلة العامة

متى يُخْرِج المسلم زكاة الفطر ؟ وما هو آخر وقت لإخراجها ؟

السؤال: متى يُخْرِج المسلم زكاة الفطر ؟ وما هو آخر وقت لإخراجها ؟

الجواب : قال ابن العراقي في “طرح التثريب” (4/64) : والمشهور من مذاهب العلماء جواز تقديمها قبل الفطر , لكن اختلفوا في مقدار التقديم , فاقتصر أكثر الحنابلة على المذكور في حديث ابن عمر , وقالوا : لا يجوز تقديمها بأكثر من يومين , وعند المالكية في تقديمها بيوم إلى ثلاثة قولان , وقال بعض الحنابلة يجوز تعجيلها من بعد نصف الشهر … وقال الشافعي : يجوز من أول شهر رمضان , واشتهر عن الحنفية جواز تعجيلها من غير تفصيل , وذكر أبو الحسن الكرخي جوازها يوماً أو يومين , وروى الحسن بن زياد عن أبي حنفية أنه قال : يجوز تعجيلها سنة وسنتين , وروى هشام عن الحسن بن زياد أنه لا يجوز تعجيلها … وذكر عن الشافعي قولين :

أحدهما : يجوز تعجيلها من بعد طلوع الفجر الأول من رمضان وبعده إلى آخر الشهر … والثاني : يجوز في جميع السنة …” اهـ .

واستدل الحنفية ومن قال بالتعجيل سنة أو سنتين بأنها زكاة , ويجوز تعجيل الزكاة , كما قدمها العباس عم النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – كما أخرجه مسلم (983) .

قالوا : وبالقياس على الديون الواجبة لآجال محددة , فإنه يجوز تعجيلها قبل وقتها , انظر “الاستذكار” (9/ 368) .

وحجة الشافعي في التقديم أول رمضان ما ذكره الشيرازي ، كما في “المجموع” (6/126) : ” ويجوز تقديم الفطرة من أول رمضان ؛ لأنها تجب بسببين : بصوم رمضان , والفطر منه , فإذا وجد أحدهما ؛ جاز تقديمها على الآخر , كزكاة المال قبل الحول والنصاب “. اهـ

وحجة من قال بالتعجيل قبل الفطر بيوم أو يومين , ما جاء في “صحيح البخاري” برقم (1511) من حديث ابن عمر , وفيه : ” …وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين “.

قال الإمام أحمد -مقويًّا لهذا القول – : كان ابن عمر يخرجها قبل الفطر بيوم أو يومين وهو الذي روى الحديث . اهـ من “سؤالات أبي داود” ص (85) وكأنه يقول : وراوي الحديث أدرى بمَرْويِّه من غيره. قال ابن العراقي مقوياً لهذا أيضًا , وأنه الضابط الشرعي: ” فإن قلتَ : لا حجة فيما ذكر ابن عمر لأنه موقوف . قلتُ : بل هو مرفوع حكمًا لما تقرر في علمَي الحديث والأصول أن قول الصحابي : كنا نفعل كذا وكذا , حكمه الرفع , وإن لم يقيد ذلك بعصر النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – على المرجَّح المختار , والله أعلم “. اهـ

وقد ذهب ابن حزم إلى أنه لا يجوز إخراجها قبل طلوع الفجر من يوم الفطر , واستدل بما سبق من حديث ابن عمر , وفيه : ” وأُمِرَ بها أن تُؤَدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة ” متفق عليه , قال : ” فهذا وقت أدائها بالنص ، وخروجهم إليها إنما هو لإدراكها , قال : ووقت صلاة الفطر هو وقت جواز الصلاة بابيضاض الشمس يومئذٍ , فإذا تم الخروج إلى صلاة الفطر بدخول وقت دخولهم في الصلاة , فقد خرج وقتها “. اهـ.

ولا يخفى أن قوله ” قبل خروج الناس إلى الصلاة ” لا يلزم منه تحديد ذلك بطلوع الفجر ، قال الشوكاني في “النيل” (4/193): ” ولكنها – أي الرواية – لم تقَيد القَبْلِيَّة بكونها في يوم الفطر ” اهـ.

واستدل من منع من التقديم للزكاة مطلقًا بالقياس على الصلاة وأنها لا تجوز قبل الوقت , وفيه نظر لفهم الصحابة وتقديمهم لزكاة الفطر قبل وقت وجوبها كما سبق . ويدل على ذلك أن المقصود من الزكاة إدخال السرور على المساكين , وهذا أمر معقول المعنى , فإذا كان الوقت المستحب – وهو ما بين طلوع فجر يوم الفطر إلى صلاة الإمام يوم العيد – لا يسع إخراج الزكاة للمساكين , فتقديمها كما قدم الصحابة أمر جائز , والله أعلم .

وقد استدل من قال بجواز التعجيل بما أخرجه البخاري في كتاب الوكالة برقم (2311) – ومنهم مَنْ عَدَّهُ معلقًا – من حديث أبي هريرة قال : وكَّلني رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – بحفظ زكاة رمضان , فأتاني آتٍ ، فجعل يحثو من الطعام , فَأَخَذْتُه , وقلت : والله لأرفعنك إلى رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – , قال : إني محتاج , وعلي عيال , ولي حاجة شديدة , قال : فخليت عنه , فأصبحت , فقال : النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – : ” يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة ؟ ” قال : قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً , فرحمته , فخليت سبيله , قال : ” أما إنه قد كذبك , وسيعود ” فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – إنه سيعود , فرصدته , فجعل يحثو من الطعام , فأخذته, فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – , قال : دعني , فإني محتاج , وعلي عيال , ولا أعود , فرحمته , فخليت سبيله . فأصبحت , فقال لي رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – :
يا أبا هريرة , ما فعل أسيرك ؟ ” قال : قلت : يا رسول الله , شكا حاجة شديدة وعيالاً , فرحمته , فخليت سبيله , قال :” أما إنه كذبك , وسيعود ” فرصدته الثالثة , فجعل يحثو من الطعام , فأخذته , فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وهذا آخر ثلاث مرات , إنك تزعم لا تعود ثم تعود , قال : دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها , قلت : ما هن ؟ قال : إذا أويت إلى فراشك ؛ فاقرأ آية الكرسي :
]اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ[ حتى تختم الآية , فإنك لن يزال عليك من الله حافظ , ولا يقربنك شيطان حتى تصبح , فخليت سبيله , فأصبحـت , فقال لي رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – : ” ما فعل أسيرك البارحة ؟ ” قال : قلت : يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها , فخليت سبيله , قال : ” وما هي ؟ ” قلت : قال لي : إذا أويت إلى فراشك ؛ فاقرأ آية الكرسي , من أولها حتى تختم الآية ]اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ [ وقال لي : لن يزال عليك من الله حافظ, ولا يقربك شيطان حتى تصبح -وكانوا أحرص شيء على الخير- فقال النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – : ” أما إنه قد صَدَقَكَ , وهو كذوب , تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليالٍ يا أبا هريرة ؟ ” قال : لا , قال : ” ذاك الشيطان ” .

وقد حاول ابن حزم أن يرد على من استدل بهذا الحديث على جواز التعجيل , بأن هذه الليالي ليست من رمضان ولا من شوال , ولو كانت من شوال , فلغياب أهلها , انظر “المحلى” (6/143) وقد تعقبه ابن العراقي في “طرح التثريب” (4/64) فقال : ” وهذا باطل , فإن أهل الزكاة في ذلك العصر بتلك البلاد كثيرون , فقد كان الغالب عليهم ضيق العيش والاحتياج , وهذا الكلام الذي ذكره ابن حزم هنا ضعيف جدًّا , والمشهور من مذاهب العلماء جواز تقديمها قبل الفطر , لكن اختلفوا في مقدار التقديم “. اهـ واستدل به الحافظ في “الفتح” (3/376- 377) على جواز التعجيل , إلا أنه قال : ” وعكسه الجوزقي , فاستدل به على جواز تأخيرها عن يوم الفطر , وهو محتمل للأمرين ” . اهـ وكذا استدل به على التعجيل في (4/489) وفي النفس شيء من قول الجوزقي , والحديث إلى الاستدلال به على التعجيل أقرب منه إلى الاستدلال به على التأخير , فقد قال ابن العراقي: ” إنه لا يجوز تأخيرها – أي صدقة الفطر – عن أول شوال إلا عند من شذ ” . اهـ (4/ 64) وأما القول بالتعجيل فعليه أكثر أهل العلم .

والذي يترجح عندي في هذا الأمـر : أن الأفضل – لمن لا يشق عليه – إخراجها بعد صلاة الفجر , وقبل صلاة العيد , فإن قدمها بيوم أو يومين ؛ فجائز , وهو فعل الصحابة , ومنهم من عده مرفوعًا حكمًا , كما سبق , ولا ينبغي تقديمها عن ذلك إلا لحاجة , كأن يضيق هذا الوقت عن جمعها , وإيصالها للمساكين , فنحتاج إلى وقت أكثر , وحديث أبي هريرة إن حملناه على التعجيل – كما هو الأرجح – دليل على جواز التقديم على الأقل بثلاثة أيام , وما زاد عن ثلاثة أيام فلا أعرف نصًّا مرفوعًا صريحًا أو أثرًا موقوفًا صحيحًا يشهد له , والله أعلم .

فإن قيل : قد رجحت أن أول وقت وجوبها غروب شمس آخر يوم من رمضان , فكيف جوَّزت تقديمها عن سببها ؟ فقد أجاب عن ذلك شيخنا محمد بن صالح العثيمين – حفظه الله – في “الشرح الممتع” (6/169–170) وأن ذلك من باب الرخصة والتيسير , فارجع إليه .

وأما عن آخر الوقت لإخراج الزكاة , فالظاهر أنه صلاة العيد , لما ثبت عن ابن عباس ” أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فرض زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث , وطعمة للمساكين , ومن أداها قبل الصلاة ؛ فهي زكاة مقبولة , ومن أداها بعد الصلاة ؛ فهي صدقة من الصدقات ” أخرجه أبو داود وغيره , وسنده حسن , ولما سبق من حديث ابن عمر أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أمر أن تؤدى قبل خروج الناس للصلاة , وهو حديث متفق عليه , ومن أداها بعد الصلاة , سواء قبل غروب شمس يوم الفطر أو بعده ؛ فقد خالف أمر رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – , وأما قول ابن العراقي في “طرح التثريب” (4/63-64) : ” إن قوله ” أمر رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ” لا يلزم منه الوجوب ؛ فهو قول خلاف الظاهر المشهور , والصحابي عدل في فهمه , ونقله , وعلمه باللسان , فقوله مقدم على قول غيره , وقد مال الصنعاني في “العدة” (3/219- 220 ) إلى تحريم تأخيرها عن صلاة العيد , وصرح غير واحد من العلماء بأنه إن أخرها عن الصلاة يأثم ؛ لأنه ترك فرضًا ، وعليه القضاء , وهذا القول هو الذي نصره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم – رحمهما الله تعالى – انظر “زاد المعاد” (2/21) أما قول من قال بجواز إخراجها – أي زكاة الفطر – حتى قبل الغروب لشمس يوم الفطر , سواء كان بكراهة أو بدون كراهة كما في “الإنصاف” (3/178) و”المستوعب” للسامري (3/ 319) فقول لا دليل عليه , والله أعلم . 

للتواصل معنا