الأسئلة العامة

هل يجوز إخراج القيمة في زكاة الفطر ؟

السؤال: هل يجوز إخراج القيمة في زكاة الفطر ؟

الجواب : ذهب جمهور أهل العلم إلى عدم الجواز , وسئـل أحمد فقال : أخاف أن لا يجزئه , خلاف سنه رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – كما في ” سؤالات أبي داود ” ص(85) وبنحوه في “سؤالات ابنه عبدالله” ص(171) وقال أبو طالب : ” قال لي أحمد : لايعطى قيمته , قيل له : قوم يقولون : عمر بن عبدالعزيز كان يأخذ بالقيمة ؟ قال : يَدَعُون قول رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ويقولون : قال فلان ؟ قال ابن عمر : ” فرض رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ” وقال الله تعالى : ]أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [وقال قوم يردون السنة : قال فلان , قال فلان ؟” اهـ . من “المغني” (2/661) قال في “المغني” : ” وظاهر مذهبه أنه لا يجزئه إخراج القيمة في شيء من الزكوات , وبه قال مالك والشافعي…” اهـ (2/661-662) .

فظاهر من كلام الإمام أحمد – رحمه الله – أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فرضها صاعًا من تمر , أو صاعًا من شعير … الخ ، فمن أخرجها دراهم ودنانير ؛ فقد خالف ما فرض رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وقال الماوردي في “الحاوي الكبير” (3/383) : “…ولأن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – نص على قدر متفق في أجناس مختلفة , فسوّى بين قدرها مع اختلاف أجناسها وقِيَمها , فدل على أن الاعتبار بقدر المنصوص عليه دون قيمته , ولأنه لو جاز اعتبار القيمة فيه ؛ لوجب إذا كان قيمة صاع من زبيب ضروع – وهو الزبيب الكبار- أضعاف حنطة , فأخرج من الزبيب نصف صاع , قيمته من الحنطة صاع ؛ أن يجزئه , فلما أجمعوا على أنه لا يجزئه – وإن كان بقيمة المنصوص عليه – دل على أنه لا يجوز إخراج القيمة دون المنصوص عليه ” . اهـ

وقد أطال المقدسي في “المغني” (2/663-664) في تقرير ذلك , وخلاصته : التمسك بظاهر الأحاديث , وأن العدول إلى القيمة ترك للمفرض الوارد بيانًا لمجمل قوله تعالى : ]وَآتُوا الزَّكَاةَ[ ولأن الرسول – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لما فرض زكاة خمس وعشرين من الإبل , قال : بنت مخاض , فإن لم تكن ؛ فابن لبون ذكر , ولم يذكر المالية أو القيمة , ولأن الزكاة وجبت لدفع حاجة الفقير ، وشكرًا لنعمة المال , والحاجات متنوعة , فينبغي أن يتنوع الواجب , ليصل إلى الفقير من كل نوع ما تندفع به حاجته , ويحصل شكر النعمة بالمواساة من جنس ما أنعم الله عليه به , ولأن مُخْرِج القيمة قد عدل عن النصوص ؛ فلم يجزئه, كما لو أخرج الرديء مكان الجيّد … اهـ ملخصًا .

وأشار الحافظ إلى نحو كلام الماوردي السابق , ثم قال : “…لكن يلزم على قولهم أن تعتبر القيمة في كل زمان , فيختلف الحال ولا ينضبط , وربما لزم في بعض الأحيان إخراج آصع من حنطة …” اهـ من “الفتح” (3/374) وقد سبقهما جميعًا إلى ذلك ابن خزيمة , كما في بعض تراجمه في “صحيحه” (4/86) .

واستدل ابن حزم بوجه آخر , فقال : …ولا تجزئ قيمة أصلاً ؛ لأن كل ذلك غير ما فرض رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – والقيمة في حقوق الناس لا تجوز إلا بتراضٍ منهما , وليس للزكاة مالكٌ بعينه , فيجوز رضاه أو إبراؤه ” . اهـ “المحلى” (6/137) .

وقال شيخ الإسلام – كما في “مجموع الفتاوى” (25/82) – : ” والأظهر في هذا : أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه ” ثم قال : ” ولأنه متى جُوِّز إخراج القيمة مطلقًا ؛ فقد يعدل المالك إلى أنواع رديئة , وقد يقع في التقويم ضرر , ولأن الزكاة مبناها على المواساة, وهذا معتبر في قدر المال وجنسه ” . اهـ ملخص ما يُستدل به لمذهب الجمهور .

وذهب أبو حنفية والثوري وغيرهما إلى جواز العدول عن الصاع إلى قيمته , وأنه لا فرق بين القيمة والعين , بل ذهب بعض الحنيفية إلى أن القيمة أفضل . وملخص ما استُدل به على هذا القول : قوله تعالى : ]خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً[ وأن المال هو الأصل , ولا شك أن المال كل ما يُتَمَوَّل وليس خاصًّا بالدرهم والدينار , واستدل بأن معاوية – رضي الله عنه – قال : ” أرى مدًّا من السمراء يعدل مُدَّين ” أخرجه البخاري برقم (1508) ومسلم برقم (985) وفيه : ” إني أرى أن مُدَّين من سمراء الشام تعدل صاعًا من تمر , فأخذ الناس بذلك ” .

قالوا : والناس هنا هم الصحابة , وقد نظروا إلى القيمة , وأجيب بأن أبا سعيد خالفه , كما أخرج مسلم عقب ما سبق : قال أبو سعيد : فأما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه أبدًا ما عشت . اهـ .

وذكر الحافظ أن ابن عمر – أيضًا – لم يوافق معاوية على ذلك , ثم قال : ” فلا إجماع في المسألة خلافا للطحاوي ” . ونقل عن النووي أنه قال : ” تمسك بقول معاوية من قال بالمدين من الحنطة , وفيه نظر ؛ لأنه فعل صحابي قد خالفه فيه أبو سعيد وغيره من الصحابة , ممن هو أطول صحبه منه , وأعلم بحال النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وقد صرح معاوية بأنه رأيٌ رآه , لا أنه سمعه من النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ” . اهـ من ” الفتح (3/374) .

ولا شك أن فهم الصحابة مقدم على فهم غيرهم , لكنهم اختلفوا , فيكون الترجيح حينئذٍ بالأدلة المرفوعة ، والله أعلم .

واستدلوا بأن معاذ بن جبل لما أرسله رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لأخذ صدقات أهل اليمن كان يأخذ الثياب والعروض مكان الحنظة والشعير , وكان يقول : ايتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم مكان الصدقة , فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة . ولكن هذا لا يصح , فقد أخرجه بهذا اللفظ يحيى بن آدم في “الخراج” ص(151) برقم (526) وبنحوه أخرجه ابن أبي شيبة (2/404) وعبدالرزاق (4/105) وكل هذا من طريق طاوس عن معاذ , ولم يسمع منه , كما قال ابن المديني , انظر ” جامع التحصيل ” ص (201) إلا أن السخاوي قال في ” فتح المغيث ” (1/163) أثناء كلامه على المرسل إذا احتفت به قرينة : ونحوه قول الشافعي – رحمه الله – في حديث طاوس عن معاذ : طاوس لم يلق معاذًا , لكنه عالم بأمر معاذ – وإن لم يلقه – لكثرة من لقيه ممن أخذ عن معاذ , وهذا لا أعلم من أحد فيه خلافًا , وتبعه – أي تبع الشافعي – البيهقي اهـ.

ويحتمل أن المراد من قوله : ” لا أعلم فيه خلافًا …الخ” أن المرسَل إذا احتف بقرينة احتج به ، لا خصوص رواية طاووس عن معاذ ، والله أعلم .

ولم يصح نحول هذا عن عمر وغيره من الصحابة , وانظر “تمام المنة” ص(379-380) . و”الخميس” بالسين المهملة : الثوب الذي طوله خمسة أذرع , كأنه يعني الصغير من الثياب… اهـ من “اللسان” (6/69-70) .

ومما استدلوا به : أن المقصود من الزكاة المواساة ، والأصل في ذلك مصلحة الفقير ونحوه , وإخراجها بالقيمة أكثر نفعًا للفقير , فينفقها في حاجته , بخلاف ما إذا أخذ من الأجناس المذكورة , فربما احتاج إلى نقلها من بلد إلى آخر , ويكلفه ذلك , وربما احتاج إلى بيعها بسعر أقل , وربما كان في بلد لا توجد فيه آلات لطحن الحبوب , كما هو موجود في المدن التي يشتري الناس فيها الخبز جاهزًا , ونحو ذلك , ولا شك أن هذا أمر له اعتباره بشرط أن لا ترد به السنة الثابتة عن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لأنه إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل .

واستدلوا بأن السبب في فرض الآصع من الأجناس المذكورة قلة النقود في ذلك الزمان , وفي هذا رد للسنة بلا مُسَوِّغ ، فلا اعتماد عليه .

وإذا كان الراجح مذهب الجمهور ؛ فينبغي أن يراعى ما ذكره شيخ الإسلام كما في “مجموع الفتاوى” (25/82-83) فقد رجح مذهب الجمهور – كما سبق – ثم قال : ” وأما إخراج القيمة للحاجة , أو المصلحة , أو العدل ؛ فلا بأس به , مثل أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بدارهم , فهنا إخراج عُشْر الدراهم يجزيه , ولا يكلف أن يشتري ثمرًا ، أو حنطة إذا كان قد ساوى الفقراء بنفسه , وقد نص أحمد على جواز ذلك , ومثل أن يجب عليه شاة في خمس من الإبل , وليس عنده من يبيعه شاة , فإخراج القيمة هنا كافٍ , ولا يكلف السفر إلى مدينة أخرى ليشتري شاة , ومثل أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة لكونها أنفع ؛ فيعطيهم إياها , أو يرى الساعي أنَّ أخذها أنفع للفقراء …” اهـ

وبنحو قوله : “أو يرى الساعي… الخ” أن يأمر ولي الأمر الناس بإخراجها بالقيمة , ليضعها هو أو عماله في مصرفها الشرعي بأقل كلفة , والله أعلم .

فتلخص من ذلك : أن الأصل في ذلك أنه لا يجوز العدول عن العين إلى القيمة إلا لحاجة , أو مصلحة راجحة , فإن استوت المصلحة ؛ فالتمسك بالنص هو الأولى , والعلم عند الله تعالى . 

للتواصل معنا