الأسئلة العامة

سمعنا أن أجناس زكاة الفطر ، نخرج منها صاعًا صاعًا ، إلا القمح فنخرج منه نصف صاع

السؤال : سمعنا أن أجناس زكاة الفطر ، نخرج منها صاعًا صاعًا ، إلا القمح فنخرج منه نصف صاع – أي مُدَّين – فهل صح هذا عن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم –  ؟

الجواب : روي في أحاديث كثيرة أن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم –  فرض زكاة الفطر صاعًا من تمر ، أو صاعًا من شعير ، أو نصف صاع من قمح أو بر ، لكن هذه الأحاديث المرفوعة لا تصح من جهة الإسناد ، ولا من جهة المتن

، لأن المعروف في “الصحيحين” وغيرهما أن إخراج الحنطة – أي القمح – في زكاة الفطر كان بعد رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – كما قال ابن عمر – رضي الله عنهما – : أمر رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم –  بزكاة الفطر صاعًا من تمر ، أو صاعًا من شعير ، فجعل الناس عَدْلَه مُدَّين من حنطة .

 

وعند ابن خزيمة (2406) زيادة ” ولم تكن الحنطة ” وسندها ظاهره الحسن على مخالفة فيه بذكر الزبيب ، ومن حديث أبي سعيد الخدري في “الصحيحين” -واللفظ لمسلم – : كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – زكاة الفطر عن كل صغير أو كبير , حر أو مملوك ، صاعًا من طعام , أو صاعًا من أقط ، أو صاعًا من شعير ، أو صاعًـا من تمر ، أو صاعًا من زبيب ، فلم نزل نخرجه حتى قدم علينا معاوية بن أبي سفيان حاجًّا أو معتمرًا ، فكلم الناس على المنبر ، فكان فيما كلم به الناس ، أنه قال : إني أرى مُدَّين من سمراء الشام تعدل صاعًا من تمر فأخذ الناس بذلك ، فأما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه أبدًا ما عشت .

والأحاديث الواردة في القمح بصاع أو بنصف صاع لا تصح ، ولا يلزم من قول أبي سعيد : ” فأما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه أبدًا ما عشت ” أنه كان يخرج صاع حنطة ، فإن الحنطة لم تكن في صدقة الفطر إلا بعد النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – خلافًا لما ذهب إليه الخطابي ، وانظر ” الفتح ” (3/373) وقد قال أبو سعيد نفسه : كنا نخرج زكاة الفطر ورسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم –  فينا ، عن كل صغير وكبير ، حر ومملوك ، من ثلاثة أصناف : صاعًا من تمر ، أو صاعًا من أقط ، أو صاعًا من شعير ، فلم نزل نخرجه كذلك حتى كان معاوية ، فرأى أن مُدَّين من بُرٍّ تَعْدِل صاعًا. أخرجه مسلم (985) ولعله لم يذكر الزبيب لقلته ، كما في “الفتح” (3/373) لأنه جاء ذكره مصرحًا به في “صحيح البخاري” برقم (1510) حيث قال أبو سعيد : كنا نخرج في عهد النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم –  صاعًا من طعام ، قال أبو سعيد : وكان طعامنا الشعير , والزبيب , والأقط , والتمر .

وأما الإجماع الذي ادعاه ابن المنذر في “الإقناع” (1/183) والطحاوي في “شرح المعاني” (2/47) وفي “المشكل” (9/31، 44) أن الصحابة ومن معهم أجمعوا على إخراج نصف صاع من القمح ، فمنقوض بما قاله أبو سعيد ، وما احتج به الطحاوي من طريق الحسن عن أبي سعيد أنه كان يرى نصف صاع من قمح ؛ فلا يصح سنده ، وما حمله على أنه يخرج صاعًا ؛ النصف منه زكاة والنصف الآخر نافلة ؛ لا دليل عليه ، وخطَّأه بعض العلماء في ذلك ، وانظر “المشكل” (9/25-27) وأقوى ما يستدل به لمن قال مدين من قمح : حديث أسماء ، لكن فيه علة خفية ، تكلمت عليها في غير هذا الموضع .

نعم ، قد ثبت كما في حديث أبي سعيد وابن عمر أن أكثر الناس أخذوا بهذا الاجتهاد ، وجعلوا مُدَّين من القمح تعدل صاعًا من تمر ، أو صاعًا من شعير ، وهم أكثر السلف زمن معاوية ، وقد جاء عن بعضهم أنه صاع من حنطة ، وصاع من بقية الأجناس ، فمن أخذ بفتوى أكثر السلف في زمن معاوية ؛ قال بإجزاء نصف صاع من حنطة عن الإنسان في زكاة الفطر ، ومن نظر إلى أن التقويم يختلف باختلاف الأسعار والأزمنة ، فيلزم على ذلك إخراج آصع من الحنطة عند سقوط سعرها ، وكذلك لو نظر إلى أن الأجناس مختلفة في قيمتها ، ومع ذلك يَخْرج من كل منها صاع صاع ، فمن نظر إلى ذلك مع الاختلاف بين السلف – وإن كان الأكثر على النصف – قال : الأحوط إخراج صاع من حنطة ، ولعل هذا هو الذي تميل إليه النفس ، لاسيما في هذا الزمان الذي ترى فيه صاع التمر أو الزبيب قيمته أضعاف صاع البر ، والعلم عند الله تعالى .