الأسئلة العامة

سمعنا بعض طلبة العلم يقول : لم يثبت دليل باستحباب الغسل يوم العيد ، فهل هذا القول صحيح أم لا؟ ومتى يكون الغسل ؟

السؤال: سمعنا بعض طلبة العلم يقول : لم يثبت دليل باستحباب الغسل يوم العيد ، فهل هذا القول صحيح أم لا؟ ومتى يكون الغسل ؟

الجواب : الغسل يوم العيد ثابت أثرًا ونظرًا :

فمن جهة الأثر:

فقد صح عن ابن عمر أنه كان يغتسل للعيد قبل أن يغدو إلى المصلى , أخرجه مالك في “الموطأ” (ص143) برقم (428) عن نافع عنه ، وهذا من أصح الأسانيد إلى ابن عمر ، وقد جاءت عنه رواية بترك الغسل والتجمل ، واستنكرها وتعجب منها ابن عبدالبر

، كما في “الاستذكار” (7/11/9436) وحملها ابن رجب في “فتح الباري” (8/948) على ما إذا كان t معتكفًا ، وثبت بسند حسن عن ابن المسيب أنه قال : سنة الفطر ثلاث : المشي إلى الصلاة ، و الأكل قبل الخروج , والاغتسال . أخرجه الفريابي في ” أحكام العيدين ” برقم (18).

 

وهل قوله ” من السنة ” يكون المراد منه سنة الصحابة ، أو يكون له حكم الرفع مع إرساله ؟

الراجح الثاني ، وعلى الحالين فهو مما يقوي ما نحن فيه ، و حديث ابن عباس أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ” كان يغتسل يوم الفطر و يوم الأضحى ” وفيه ضعيفان .

وقد سئل علي بن أبي طالب عن الغسل ، قيل : اغتسل كل يوم إن شئت ؟ قال : لا ، بل الغسل الذي هو الغسل : يوم الجمعة ، ويوم عرفة ، ويوم الأضحى ، ويوم الفطر . أخرجه الشافعي ، كما في ” المسند ” (1/118-119/114) ومسدد في ” مسنده ” وغيرهما ، وسنده حسن.

فهذا الأثر يشم منه رائحة التوقيف ؛ لقوله t : بل الغسل الذي هو الغسل …  مع آثار صحيحة عن جماعة من التابعين : كالحسن , وابن سيرين وغيرهما ، كل هذا يورث في النفس قوة سنية الاغتسال ، بل ادعى ابن عبدالبر في “الاستذكار” (7/11) اتفاق الفقهاء على أن الغسل للعيدين حسن لمن فعله , وادعى ابن رشد في ” بداية المجتهد ” (1/505) إجماع العلماء على استحسان الغسل لصلاة العيدين، وقال النووي في “المجموع” (1/7) : ” قال الشافعي والأصحاب : يستحب الغسل للعيدين ، وهذا لا خلاف فيه ، والمعتمد فيه أثر ابن عمر , والقياس على الجمعة ” اهـ .

نعم ، قال البزار : لا أحفظ في الاغتسال في العيدين حديثًا صحيحًا . اهـ من ” التلخيص الحبير ” (2/162) ، والأمر كما قال في آحادها ، أما في المجموع فالغسل ثابت .

هذا من ناحية الأثر ، أما من جهة النظر : فقد ثبت التجمل يوم العيد باللباس الحسن ، كما في ” صحيح البخاري ” برقم (948) و ” صحيح مسلم ” برقم (2068) من حديث ابن عمر , قال : أخذ عمر جبة من استبرق تباع في السوق ، فأتى بها رسول الله e ، فقال : يا رسول الله ، ابتع هذه ، تجمل بها للعيد والوفود ، فقال رسول الله e : ” إنما هذه لباس من لا خلاق له… ” قال ابن رجب في “فتح الباري” (8/413) : ” وقد دل هذا الحديث على التجمل للعيد ، وأنَّه كان معتادًا بينهم ” اهـ . وقال صاحب “المغني” (2/228) : ” وهذا يدل على أن التجمل عندهم في هذه المواضع – يعني الجمعة , والعيد , واستقبال الوفود – كان مشهورًا…” اهـ .

فالرسول e لم ينكر أصل التجمل للعيد والوفود ؛ إنما أنكر نوع الجبة .

وإذا كان ذلك كذلك ؛ فالغسل من لوازم التجمل أو مكملاته ، فلا يُترك، وإن لآسف من صنيع بعض طلبة العلم المولعين بالغرائب من المسائل ، دون روية وتأمل ؛ فاللهم عفوًا .

ويستحب لهذا اليوم التطيب والتجمل بلبس أحسن الثياب ، وقد قال ابن إسحاق : قلت لنافع : كيف كان ابن عمر يصنع يوم العيد ؟ قال : كان يشهد صلاة الفجر مع الإمام ، ثم يرجع إلى بيته ، فيغتسل غسله من الجنابة ، ويلبس أحسن ثيابه ، ويتطيب بأطيب ما عنده ، ثم يرجع حتى يأتي المصلى ، فيجلس فيه حتى يأتي الإمام ، فإذا جاء الإمام صلى معه ، ثم يرجع فيدخل مسجد النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فيصلي فيه ركعتين ، ثم يأتي بيته . أخرجه الحارث في ” مسنده ” كما في ” بغية الباحث ” (1/323) رقم (207) وقد رواه عن نافع جماعة مختصرًا ، لكن حسن هذا السياق وتمامه يدلان على أن ابن إسحاق حفظه وأقامه ، والله أعلم .

وقد ذكر النووي – رحمه الله – عن أصحابه أنهم قالوا : أفضل ألوان الثياب البياض ، ويستدل لذلك بحديث ابن عباس عن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم –   أنه قال : ” عليكم بالبياض من الثياب ، ليلبسها أحياؤكم ، وكَفِّنوا فيها موتاكم ؛ فإنها من خير ثيابكم ” ، وحديث سمرة بن جندب عن رسول الله e أنه قال : ” البسوا البياض من الثياب ؛ فإنها أطهر وأطيب ، وكفنوا فيها موتاكم ” وقد صححه شيخنا الألباني  – حفظه الله – في ” أحكام الجنائز ” ص (62) فقرة (41) وكذا في ” مختصر الشمائل المحمدية ” برقم (55-56) .

وإذا ثبت الغسل للعيدين ؛ فاعلم أنهم قد اختلفوا في وقت الغسل ، هل هو قبل الفجر ، أم بعده ؟ فالأولى أن يكون بعد فجر يوم العيد ، ولا بأس إن كان قبل الفجر ، واستدل من أجازه قبل الفجر بضيق الوقت ، والحاجة إلى التبكير إلى المصلى ، بخلاف الجمعة فإنها بعد الزوال ، فالوقت واسع .

واستدل من قال بالغسل بعد الفجر ؛ بأنه غسل ليوم العيد ، فلا يكون إلا بعد طلوع فجره ، كي لا يكون هناك بُعْدٌ بينه وبين الصلاة…

فمن كان الوقت يضيق عليه لسبب ما ؛ اغتسل قبل الفجر ، وإلا فالأولى بعد الفجر ، انظر ” المنتقى ” للباجي (1/316) و”المعونة” للبغدادي (1/321) و”المجموع” للنووي (5/7) و”الحاوي” للماوردي (2/483) والله أعلم .

للتواصل معنا