الأسئلة العامة

نرى كثيراً من الناس بعد صلاة العيد , يمشون , ولا يحضرون الخطبة , ويقولون : في هذا رخصة , فهل هذا صحيح؟

السؤال : نرى كثيراً من الناس بعد صلاة العيد , يمشون , ولا يحضرون الخطبة , ويقولون : في هذا رخصة , فهل هذا صحيح؟

الجواب : ذهب جملة من العلماء – وهم الجمهور – إلى أن خطبة العيد سنة , وهذا فرع عن قولهم : إن صلاة العيد سنة , وليست واجبة , وقد ترجح أن صلاة العيد واجبة , كما سبق , واستدلوا أيضًا بحديث عطاء عن عبد الله بن السائب أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – صلى العيد , وقال : ” من أحب أن ينصرف ؛ فلينصرف , ومن أحب أن يقيم للخطبة ؛ فليقم ” أخرجه النسائي (1571) وأبو داود (1155) وغيرهما ,

وقد اخْتُلِفَ في هذا الحديث , والصحيح أنه من مرسل عطاء , وقد صرح بذلك جماعة من فحول أئمة الحديث : كالنسائي , وأبي داود , وغيرهما , والمرسل لا يُحتجُ به .

 

وأما حديث ابن عباس , قال : شهدنا مع رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فطرًا أو أضحى , فلما صلى قال : ” قد أصبتم خيرًا , فمن أحب أن يقعد ؛ فليقعد, ومن أحب أن ينصرف ؛ فلينصرف “ أخرجه الكتاني في ” مسلسل العيدين ” برقم (3) من طريق مجاهيل , ومن رُمِي بوضع الحديث .

وقد قال الكاساني – مستدلاً على سنية الخطبة- : “إن الخطبة ليست بشرط ؛ لأنها تؤدى بعد الصلاة , وشرط الشيء يكون سابقًا عليه , أو مقارنًا له …” اهـ

لكن سئل أحمد عن حضور الخطبة يوم العيد ؟ فقال : ” ينتظر حتى يفرغ الإمام من الخطبة ” , فقيل له : إن عطاء يقول : ” لا عليه ألا ينتظر “, قال : ” لا أذهب إلى ما قال عطاء , أرأيت لو ذهب الناس كلهم , على من كان يخطب الإمام ؟” اهـ من ” سؤالات ابن هانئ ” (1/95-96) برقم (481) .

ومنع مالك – رحمه الله – من انصراف النساء والعبيد يتعجلون لحاجات ساداتهم , ولمصلحة بيوتهم , فقال : ” لا أرى أن ينصرفوا إلا بانصراف الإمام ” اهـ من “المدونة” (1/155) وبنحوه في “المنتقى” (1/322) ونصره الباجي وأيده .

وذكر شيخنا ابن عثيمين – حفظه الله – في ” الشرح الممتع ” (5/200-201) رادًّا على من استدل بعدم حضورها على عدم وجوبها : أن هذا التعليل عليل في الواقع ؛ لأنه لا يلزم من عدم وجوب حضورها عدم وجوبها , فقد يكـون النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أذن للناس بالانصراف , وهي واجبة عليه , فيخطب في من بقي اهـ ملخصًا .

قلت : هذا لو ثبت الإذن في ذلك , ولكنه لم يثبت ؛ وقال – حفظه الله – : ثم إن الغالب – ولاسيما في عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم –   أنه لا ينصرف أحد إلا من ضرورة , ولهذا لو قال أحد بوجوب الخطبة أو الخطبتين لكان قولاً متوجهًا , ولأن الناس الآن في اجتماع كبير لا ينبغي أن ينصرفوا من غير موعظة وتذكير ” . اهـ

هذا , وإذا نظرنا إلى المفاسد التي تكون بسبب الانصراف وترك الخطبة , في نفس الإمام والحاضرين ؛ لتوجه القول بالمنع من الانصراف , إلا أنه يعكر على هذا انصراف الصحابة في زمن بني أمية بعد الصلاة , فلو كانت واجبة ما انصرفوا , وقد يقال : هذا لأن الخطبة كان فيها سب لآل البيت , وهذا منكر عظيم , يجب إنكاره أو ترك المكان , فلعلهم رأوا أن الإنكار أعظم مفسدة فتركوا المكان , وليس كذلك إذا كان الخطيب قائمًا بالسنة في خطبته , والله أعلم .

وقد صح عن عطاء , والحسن , وأبي إسحاق كراهية الكلام حال الخطبـة , والله تعالى أعلم .

( فوائد ) :

الأولى : إن كان الخطيب لا يُسْمِع الناسَ كُلَّهم , أو جاء بعضهم متأخرًا , فإن أمكنه أن يسمعهم فحسن , لأن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لما رأى أنه لم يُسْمِع النساء , ذهب إليهن , فذَكَّرهن , ووعظهن .

الثانية : في حديث أم عطية : ” … فيكبرن بتكبيرهم , ويدعين بدعائهم” . قال ابن رجب : ” … وفيه أيضًا ما يدل على أن إظهار الدعاء مشروع في ذلك اليوم , ولعل إظهار الدعاء حيث كان النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – يدعو في خطبته , ويؤَمِّن الناس على دعائه ” اهـ.

الثالثة : فإن جاء والخطيب يخطب , فإن كانت الصلاة في المصلى -وهي السنة – فالأولى الاستماع ثم القضاء ؛ لأن استماع الخطبة من كمال متابعة الإمام في هذا اليوم , إلا إذا كانت الخطبة متأخرة , وسَيُفَوِّتُ الاستماعُ الصلاةَ في وقتها , وأما إن كانت الصلاة في المسجد فيصلي العيد – وصلاة العيد تجزئه عن تحية المسجد – ثم يستمع . انظر ” فتح الباري ” لابن رجب (9/80-81) و” الحاوي ” للماوردي (2/497-498) و” المجموع ” للنووي (5/24).

الرابعة : الخطيب في خطبة العيد يُذَكِّرُ المسلمين بما ينفعهم , وبما يحتاجون إليه , وقد اشتهر عند كثير من العلماء , أنه في خطبة الفطر يَذْكُر لهم أحكام زكاة الفطر, وفي خطبة الأضحى يَذْكُر لهم أحكام الأضاحي, وقد تعقب شيخنا ابن عثيمين – حفظه الله – في ” الشرح الممتع ” (5/196-197) صنيعهم في الفطر , بأن البيان جاء متأخرًا عن وقت الحاجة , والظاهر أن هذا يرجع إلى حال الناس وحاجتهم , ولا بأس بالكلام على أحكام زكاة الفطر – إن كان له حاجة – فإن الناس يتعلمون لوقت آخر , والله أعلم .

الخامسة : في بعض البلدان يتحلق الناس حول الخطيب , والسنة ليست كذلك ؛ لأن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لما فرغ من الصلاة ؛ استقبل الناس , وهم على صفوفهم , كما في حديث أبي سعيد عند مسلم برقم (2050) .

للتواصل معنا