الأسئلة العامة

هل الأضحية واجبة على أهل كل بيت , أم أنها سنة ؟

السؤال: هل الأضحية واجبة على أهل كل بيت , أم أنها سنة ؟

الجواب : اختلف أهل العلم في ذلك , وجمهور العلماء على أنها سنة ليست حَتْمًا على الناس , وممن قال بذلك أبو بكر الصديق , وعمر الفاروق , وبلال , وأبو مسعود البدري – رضي الله عنهم – وسويد بن غَفَلة , والأسود , وعطاء , ومالك , والشافعي , وأحمد , وإسحاق , وأبو ثور , وابن المنذر وغيرهم انظر ” الأم ” (2/345) و”المغني” (11/94).

وذهب ربيعة , والثوري , والأوزاعي , والليث , وأبو حنيفة , وغيرهم إلى الوجوب , وظاهر كلام الحنفية أنها واجبة على المقيم دون المسافر , وعزاه الماوردي في ” الحاوي ” (15/71) إلى أبي حنفية .

واستدل الجمهور بأدلة , منها :

1- أن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ضحى بكبشين أملحين, أحدهما عنه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وعن أهل بيته, والآخر عن أمته , وقد ورد هذا من حديث جابر وغيره في “السنن” و”صحيح ابن خزيمة” و”مستدرك الحاكم” و”مسند أحمد” وغيرهم , وهو حديث صحيح بمجموع طرقه.

ووجه الشاهد من هذا الحديث : ما قاله الزركشي في شرحه على ” متن الخرقي ” (8/683) فقد قال : فمن لم يضح منا ؛ فقد كفاه تضحية النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وناهيك بها أضحية ” اهـ .

2- حديث أم سلمة أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال : ” إذا دخلت العشر , وأراد أحدكم أن يضحي ؛ فلا يمس من شعره وبَشَرِه شيئا ” أخرجه مسلم برقم (1977) وغيره .

قالوا : ” علق النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – التضحية على الإرادة , والواجب لا يعلق على الإرادة . اهـ من ” المغني ” (11/49) و” التحقيق ” لابن الجوزي (2/160) وغيرهما . وأجاب الموجبون للأضحية على هذا : بأن المراد بالإرادة ما هو ضد النسيان , لا مجرد التخيير , لأن التخيير يقع في المباح – أي والجمهور يقولون بالاستحباب, لا بمجرد الإباحة – اهـ من كلام الزيلعي في ” تبيين الحقائق ” (6/3) .

وانتصر لهذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – كما في
” مجموع الفتاوى ” (23/162-164) واستدل بقوله تعالى
] لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ [ قال : ومشيئة الاستقامة واجبة , واستدل بقوله تعالى : ] إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ[ الآية قالوا : والمراد أي إذا أردتم القيام للصلاة , والصلاة واجبة , ولا يخير المسلم في القيام إليها … إلى آخر ما قاله – رحمه الله – .

وكذلك حديث : ” من أراد منكم الجمعة ؛ فليغسل ” والجمعة واجبة.

والجواب على هذا كله : أن الأصل فيما عُلِّق على إرادة المسلم أنه ليس بواجب , إلا إن دل دليل على الوجوب فيعمل به في موضعه , ولا دليل على وجوب الأضحية – عند الجمهور – فصح أن تعلق الأضحية بإرادة المضحي دليل على الاستحباب , والله أعلم .

3- واستدلوا أيضا بما صح عن أبي سريحة الغفاري – واسمه حذيفة بن أسيد – قال : أدركت أبا بكر وعمر , أو رأيت أبا بكر وعمر كانا لا يضحيان ؛ كراهية أن يُقْتَدَى بهما .

وقد صحح هذا الأثر شيخنا الألباني – حفظه الله – في ” الإرواء ” (4/ 354) برقم (1139) وصححه الحافظ في ” التلخيص ” (4/ 265) برقم (2410) عن أبي مسعود البدري , وأثر أبي مسعود عند عبدالرزاق برقم (8148 , 8149 ) وعند البيهقي (9/ 265) أنه قال : ” لقد هممت أن أدع الأضحية , وإني لمن أيسركم بها ؛ مخافة أن يُحْسَب أنها حتم , أو واجب . وسنده صحيح , ولم يصح أثر ابن عمر أنها سنة ومعروف , كذلك لم يصح أثر ابن عباس أنه أرسل رجلا يشتري له لحمًا بدرهمين , قال: قل: هذه أضحية ابن عباس, إنما صح عن بلال أنه قال : ما أبالي لو ضحيت بديك … الأثر عند عبدالرزاق برقم (8156) .

واستدل من قال بالوجوب بأدلة , منها :

1 – حديث أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – نهى عن العتيرة – وكانت ذبيحة يذبحونها في رجب – فنهاهم عنها , وأمرهم بالأضحية .

أخرجه البزار – كما في ” كشف الأستار ” (2/60) برقم (1204) – ولكنه حديث ضعيف , بل الأمر بالأضحية فيه منكر .

2 – حديث أبي هريرة مرفوعا : ” من كان له سعة , ولم يضح ؛ لا يقربن مصلانا ” أخرجه ابن ماجه (2/4401) برقم (3123) وغيره , والصحيح فيه الوقف على أبي هريرة , كما قال غير واحد من أهل العلم, ولا يقال : هذا لا مجال فيه للرأي ؛ لأن احتمال الاجتهاد وارد فيه , وقد قال ابن الجوزي في ” التحقيق ” (2/161) : ” ثم إنه لا يدل على الوجوب , كما قال – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – : ” من أكل الثوم ؛ فلا يقرب مصلانا ” اهـ وبنحوه قال الماوردي في ” الحاوي ” (15/73) .

3 – حديث جندب بن عبد الله بن سفيان , وفيه : ” من ذبح قبل أن يصلي ؛ فليذبح أخرى مكانها , ومن لم يذبح ؛ فليذبح باسم الله ” أخرجه البخاري برقم (5562) ومسلم برقم (1960) ومحل الشاهد : الأمر بالإعادة , وصيغة الأمر ” فليذبح ” الدالة على الوجوب , والظاهر أن الأمر بالإعادة لمن أراد ثواب الأضحية الشرعية , لا وجوب الأضحية أصلا , كما يقال لمن أراد أن يصلي نافلة , أو يصوم تطوعا : افعل كذا, أي: وإلا فلا تكون مصليا أو صائما – وإن كانت الصلاة نافلة , أو كان الصيام تطوعا – وانظر نحو ذلك في ” التحقيق ” لابن الجوزي (2/161) و” المفهم ” للقرطبي (5/352) وبنحو الجواب على حديث جندب يكون الجواب على حديث البراء في قصة خاله أبي بردة بن نيار ، في أمره بإعادة الذبح بدل الشاة التي ذبحها قبل الصلاة ، وكذا يكون الجواب على من استدل بحديث أم سلمة في لزوم ترك قص الشعر والأظافر , وانظر ما قاله أبو محمد ابن حزم – رحمه الله – في ” المحلى ” (7/356) .

4 – حديث علي أن الرسول – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال : ” نسخ ذبحُ الأضحى كلَّ ذبح كان قبله , وصومُ رمضان كلَّ صوم , والغسلُ من الجنابة كلَّ غسل , والزكاةُ كلَّ صدقة ” أخرجه الدار قطني (4/278 , 281) وغيره , وهو حديث ضعيف جدًّا , وقال النووي في ” المجموع ” (8/386) : “وهو ضعيف , واتفق الحفاظ على ضعفه ” اهـ .

5- قوله تعالى : ] فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [ وقد حملها الكاساني في ” بدائع الصنائع” (5/ 93) على الأضحية , إلا أن للعلماء في معنى النحر أقوالا , والاستدلال بها على الأضحية ليس بمتعين , انظر ” شرح الزركشي ” (4/292) و” المحلى ” (7/357) و” المفهم ” للقرطبي (5/350) و” الحاوي ” للماوردي (15/70) .

وبنحو هذا قوله تعالى : ] قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ [ وقد استدل به شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في ” مجموع الفتاوى ” (23/162-163) – وأطال في ذلك , لكن ذلك ليس بمتعين في الأضاحي , وإلا لقلنا : إن كل ذبح في الإسلام واجب !!

6 – واستدلوا بكون الرسول – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد ضحى , والله تعالى يقول : ] لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [ وبكون الأضحية من ملة إبراهيم – عليه السلام – وقد أمرنا باتباعها , وهذا دليل مشترك, وقد قال القرطبي في ” المفهم ” (5/352): ” ونسألهم : هل كانت الأضحية واجبة في شرعه – أي شرع إبراهيم عليه السلام – أم سنة ؟ وليس هناك ما يدل على شيء من ذلك …” اهـ وأما الاستدلال بتضحية النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فلا دليل في الفعل على الوجوب , والله أعلم .

هذا ملخص أدلة الفريقين , وقول من يرى أنها سنة مؤكدة أولى , لاسيما وهو فهم من سمينا من الصحابة – رضي الله عنهم – وإذا كان الدليل ظاهر الدلالة , وقد قال به أمثال هؤلاء ؛ فعض عليه بالنواجذ , والعلم عند الله تعالى .