السؤال : رجل اشترى كبشا بنية الأضحية , ثم ظهر له أن يبيعه , أو يذبحه , أو يستبدله بغيره , فهل يجوز له ذلك ؟
الجواب : اختلف أهل العلم فيما تتعين به الأضحية , فعند جمهور الشافعية والحنابلة : لا يكون تعيين الأضحية بمجرد الشراء مع نية الأضحية , بل لا بد من قول المضحي : هذه أضحية , أو لله علي هذه الأضحية , أو نحو ذلك . فإذا قال ذلك ؛ فلا يجوز له بيع أو ذبح الأضحية ، أو الانتفاع بها – على تفاصيل ستأتي إن شاء الله تعالى – انظر ” الأم ” للشافعي (2/349- 350 ) و” المغني ” (11/106) و” الإنصاف ” (4/88) و” شرح الزركشي ” (4/301) .
وذهب الحنفية والمالكية إلى أنها تصير أضحية بالنية والشراء , واحْتُجَّ لهم بقول الله U : ] لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ [ أي إخلاص القلوب بالنيات ، انظر ” الحاوي ” (15/100-101) وبحديث عمر المتفق عليه ” إنما الأعمال بالنيات , وإنما لكل امرئ ما نوى ” الحديث .
وأجيب عنهما : بأن المراد بالآية والحديث أن العمل الصالح لا يُقْبَل إلا بنية خالصة , لا أن مجرد النية مع الشراء يكون كافيا , والله أعلم .
واستدل أبو محمد المقدسي في ” المغني ” (11/106) والماوردي في “الحاوي” (15/100) بأن الشراء موجب للملك , وعلى قول الحنفية والمالكية يكون موجبا للملك , وفي الوقت نفسه يكون مزيلا للملك , والشيء لا يكون موجبا للملك ومزيلا له في الوقت نفسه .
قال الشافعية والحنابلة : إن إزالة الملك على وجه القربة , لا يكفي فيها مجرد النية مع الشراء , فمن اشترى عبدًا وهو ينوي عتقه , لا يكون حرًّا بمجرد النية مع الشراء , وكذلك من اشترى دارًا , وهو ينوي أن يوقفها , إلا بقوله: هذا حُرٌ , أو هذه وَقْفٌ .
وقد سبق أن الأضحية مستحبة , فلا تتعين إلا بقول صريح , ولو قال : هذه أضحية , ولا ينوي بهذا القول الإلزام , إنما يعني أنه يريد أن يجعلها أضحية , وإن رأى خلاف ذلك ؛ فلا شيء عليه إن نوى ذلك ، فلا تتعين الأضحية مع قوله : هذه أضحية , لكن لو نذرها وأوجبها على نفسه؛ فلا يجوز له بيعها ، أو ذبحها قبل وقت التضحية , ولا يجز صوفها أو نحوه , إلا إذا كان ذلك أنفع لها , كأن تخف بجزه ، أو تسمن , ولا يعطى الجازر أجرته من الأضحية , لما جاء في ” صحيح البخاري ” برقم (1707) و ” صحيح مسلم ” برقم (1317) من حديث علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال : أمرني رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أن أقوم على بُدْنِه , فأقسم جلالها – وهو ما يطرح على ظهر البعير من كساء ونحوه – وجلودها , وأمرني أن لا أعطي الجازر منها شيئا , وقال : ” نحن نعطيه من عندنا ” .
وعلى ذلك : فلا يبيع جلدها – إلا أن يتصدق به – أو يعمل منه الخف , والنعل , أو الدلو , أو السقاء , أو الغربال , ونحو ذلك , وله أن يعيره , وليس له أن يؤجره …” اهـ من ” المجموع ” للنووي (8/421) . وهذا كله لما قاله الشيرازي في ” المهذب ” : ” ولو جاز أخذ العوض عنه – أي ببيع أي شيء من الهدي والأضحية ؛ لجاز أن يعطي الجازر منه أجرته ، ولأنه إنما أخرج ذلك قربة ؛ فلا يجوز له أن يرجع إليه ، إلا ما رُخِّصَ فيه ، وهو الأكل ” اهـ من المجموع (8/419).
وأما حديث أبي هريرة : أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال : ” من باع جلد أضحيته ؛ فلا أضحية له ” فقد أخرجه الحاكم (2/ 389- 390) والبيهقي (9/ 294) وفي سنده عبد الله بن عياش القتباني , وهو صدوق يغلط , فلا يحتج به .
وأما لبن الأضحية : فإن كان قد نذر ذبح الأضحية وما في بطنها ؛ فلا يشرب من اللبن ، إلا ما زاد عن حاجة ولدها ، وإن لم يكن قد نذر ذلك ، إنما نذر الأضحية وحدها ؛ فله شرب اللبن ، وإن تضرر ولدها ، لأنه من جملة ماله ، ولم يخرج عن ملكه للمساكين .
وأما استبدال الأضحية : فقد سئل مالك عن ذلك ، فقال : ” لا يبدلها إلا بخير منها ” اهـ من ” المدونة ” (2/3).
وسئل أحمد عن استبدال الأضحية بخير منها , فقال : ” لا بأس ” اهـ من ” سؤالات عبدالله ” (ص266) برقم (987) .
واستُدِلَّ لِمَن قال بذلك بحديث جابر : أن رجلا جاء إلى رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وقال : يا رسول الله , إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس , قال : ” صل هاهنا ” – يعني في مكة , لأنها أفضل من بيت المقدس – فأعاد عليه , قال : ” صل هاهنا ” فأعاد عليه , قال : ” فشأنك إذن ” أخرجه أبو داود , والدارمي , وأحمد , وغيرهم , وقد صححه شيخنا الألباني – حفظه الله – في ” الإرواء ” (972) .
ومنع الشافعي من إبدالها , ولو بألف مثلها اهـ من ” الأم ” (2/349- 350) بحجة أنه أوجبها , فلا يجوز إبدالها .
والصواب : ما ذهب إليه الجمهور , إذا كان سيبدلها بخير منها ، أما إن كان سيبدلها بأقل منها فلا , وإن كان سيبدلها بمثلها , فلا فائدة فيه , ومن نوى بذلك حيلة فاسدة ؛ فالله عز وجل لا تخفى عليه خافية ، والله أعلم .
( فائدة ) : هذا في حكم الأضحية , أما الهدي فالراجح أنه يتعين بالنية , والتقليد , والإشعار , لأنهما فعلان دالان على التعيين ، والتقليد : هو أن يعلق النعال والثياب الخليقة في عنق البهيمة ، والإشعار : هو أن يشق سنام البعير حتى يخرج الدم , ويسيل على الشعر , فمن رأى ذلك عرف أنه مرسل لفقراء الحرم . انظر ” الشرح الممتع ” (7/506) لشيخنا محمد بن صالح العثيمين – حفظه الله – .