الأسئلة العامة

رجل ذبح أضحيته , ولم يسمِّ على الذبيحة , فهل يجوز الأكل منها أم لا؟

السؤال  : رجل ذبح أضحيته , ولم يسمِّ على الذبيحة , فهل يجوز الأكل منها أم لا؟

الجواب : للعلماء في متروك التسمية أقوال كثيرة , أشهرها هذه المذاهب :

فذهب الشافعية إلى أن التسمية سنة على الذبيحة والصيد , سواء كان الصيد بإرسال كلب مُعَلَّم ، أو برمي سهم ، انظر ” المجموع ” .

وذهب أبو حنيفة وأحمد – في رواية – إلى أن التسمية شرط للإباحة مع الذِّكْر دون النسيان , وعزاه النووي في ” المجموع ” (8/411) إلى جماهير العلماء , وهو أصح القولين عن مالك .

ولأحمد قول آخر : أن التسمية شرط للإباحة مطلقًا على الصيد , وشرط مع الذِّكْر على الذبيحة ، انظر ” المسائل الفقهية ” للقاضي أبي يعلى (3/12-13) .

وذهب ابن سيرين ، وأبو ثور ، وداود إلى أن التسمية شرط للإباحة مطلقًا مع الذِّكْر والنسيان , على الذبيحة أو الصيد، انظر ” المجموع ” (8/411) و” الاستذكار ” (15/220) .

وعَدَّة بعضهم خروجًا عما عليه الجماعة , انظر ” الاستذكار ” (15/220) , و” فتح الباري ” (9/624) .

واستدل الشافعية بأدلة أشهرها :

(1) قول الله عز وجل : ]حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ[ فاستثنى الله فقال : ]إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ [ والذكاة لغة : الشق والفتح , وقد وُجِدا – مع ترك التسمية – انظر ” المجموع ” (8/411) وزاد الماوردي ، فقال : ” التسمية قول , والتذكية فعل , فافترقا ” . اهـ من ” الحاوي ” (5/11) .

(2) قول تعالى : ]وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ [ فأباح الله ذبائحهم , ولم يشترط التسمية , وهم في الغالب لا يُسَمُّون . اهـ من ” الحاوي “(15/11) .

بل زاد ابن عبدالبر في ” الاستذكار ” (15/217-218) فذكر أنهم أجمعوا على أن ذبيحة الكتابي تؤكل , وإن لم يسم الله عليها , إذا لم يسم غير الله عليها , قال : ” وأجمعوا على أن المجوسي والوثني لو سمى الله لم تؤكل ذبيحته ” , قال : ” وفي ذلك بيان أن ذبيحة المسلم حلال على كل حال ؛ لأنه ذبح بدينه ” . اهـ

(3) قوله تعالى : ]قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ[ قالوا : ولم يذكر فيها متروك التسمية .

وتُعُقِّبَ بأن محرمات أخرى أضيفت إلى هذه الآية , كالخمر المجمع على حرمتها ، انظر ” تفسير القرطبي ” (7/116-118) و” تفسير ابن كثير ” (3/429) .

(4) حديث عائشة عند البخاري برقم (2057) وغيره : أن قومًا قالوا : يا رسول الله , إن قومًا يأتوننا باللحم , لا ندري أَذُكِرَ اسم الله عليه أم لا؟ فقال – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – : ” سَمُّوا وَكُلُوا “.

واستدل من جعل التسمية شرطًا في الإباحة مطلقًا بأدلة , منها :

(1) قول الله عز وجل : ]وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [ قال ابن حزم : ” فعمَّ تعالى , ولم يخص ” . اهـ من “المحلى” (7/412) .

(2) واستدلوا بحديث عدي بن حاتم عند البخاري برقم (175) ومسلم برقم (1929) قال : قلت : يا رسول الله , إني أُرْسِل الكلاب المعلَّمة , فيُمْسِكْن علي , وأذكر اسم الله عليها , فقال – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – : ” إذا أَرْسَلْتَ كلبك المعلَّم , وذَكَرْتَ اسم الله عليه ؛ فُكلْ “ قلت : وإن قَتَلْنَ ؟ قال : ” وإن قتلن , ما لم يشاركها كلب ليس معها … الحديث .

وحديث أبي ثعلبة الخشني عند البخاري برقم (5478) ومسلم (1930) قال : أتيتُ رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم –  فقلت : يا رسول الله , إنا بأرض قوم من أهل الكتاب , نأكل في آنيتهم , وأرض صيد أصيد بقوسي , وأصيد بكلبي المعلَّم , أو بكلبي الذي ليس بمعلم , فأخبرني ما الذي يحل لنا من ذلك ؟ قال – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – :  ” أما ما ذكرتَ أنكم بأرض قوم من أهل الكتاب , تأكلون في آنيتهم , فإن وجدتم غير آنيتهم ؛ فلا تأكلوا فيها , وإن لم تجدوا ؛ فاغسلوها , وكُلوا فيها , وأما ما ذكرت أنك بأرض صيد , فما أصبت بقوسك ؛ فاذكر اسم الله ، ثم كُلْ , وما أصبت بكلبك المعلم فاذكر اسم الله ، ثم كُلْ , وما أصبت بكلبك الذي ليس بمعلم , فأدركت ذَكَاتَه ؛ فَكُلْ “.

واستدلوا بحديث رافع بن خديج عند البخاري برقم (5498) ومسلم (1968) وفيه : “.. ما أَنْهَرَ الدَّمَ , وذُكِرَ اسمُ الله عليه ؛ فَكُلْ “.

واستدل من فرق بين متروك التسمية عمدًا وبين متروك التسمية نسيانًا – وهم الجمهور – : بالأدلة التي استدل بها الشافعية , وحملوها على النسيان , وزادوا فاستدلوا بقوله تعالى : ]رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [ وفي ” صحيح مسلم ” من حديث أبي هريرة وابن عباس برقم (125 , 126) قال الله تعالى :  ” قد فعلت ” .

واستدلوا أيضًا بحديث ابن عباس وغيره أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال : ” إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان , وما استكرهوا عليه وهو حديث قوي في الجملة .

واستدلوا بقول ابن عباس : ” إن في المسلم اسم الله , فإذا نسي أحدكم أن يسمي على الذبيحة ؛ فَلْيُسَمِّ , وليأكل أخرجه عبدالرزاق (8548) وغيره , وزاد عبدالرزاق : ” وإن ذبح المجوسي , وذَكَرَ اسم الله ؛ فلا تأكل ” وهو موقوف , ويقويه مرسل الصلت السدوسي :  ” ذبيحة المسلم حلال , ذُكِرَ اسم الله أو لم يُذْكَر , إنه إن ذَكَرَ لم يذكر إلا اسم الله ” أخرجه أبو داود في ” المراسيل ” برقم (378) ورجاله ثقات , إلا أن الصلت فيه جهالة , ويقويه مرسل راشد بن سعد , أخرجه الحارث في مسنده , كما في ” المطالب العالية ” (3/40) برقم (2344) : ” ذبيحة المسلم حلال , وإن لم يُسَمِّ , ما لم يتعمد , والصيد كذلك ” ورجال سنده ثقات إلا الأحوص بن حكيم , فإن ضعيف , وزيادة الصيد هنا فيها نكارة.

والذي يظهر : لي صحة قول من فرق بين العمد والنسيان على الذبيحة, ومن أطلق اشتراط التسمية على الصيد , وذلك لوجوه :

(1) أنه مقتضى الجمع بين أدلة المذاهب السابقة , دون إهدار لبعضها.

(2) أن التفرقة بين العمد والنسيان قول ابن عباس , الذي خصه الرسول – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – بدعوة في فهم التأويل , والفقه في الدين – وقد كان – ومع ذلك لم يصح غيره عن غيره من الصحابة.

(3) أن موقوف ابن عباس يتقوى بمرسل الصلت , وراشد بن سعد , فيتقوى في النفس أن لهذا الحكم أصلاً مرفوعًا .

(4) أنه قول جماعة من التابعين : كعطاء , وطاووس , وأبي مالك غزوان العفاري , وإبراهيم النخعي , وعبد الرحمن بن أبي ليلى , وما صح عن ابن سيرين بخلاف هذا فليس بصريح في المنع .

(5) أنه قول جمهور العلماء , كالحنفية والمالكية , ورواية عن أحمد وغيرهم .

(6) أنه الموافق لتيسير الشريعة , وعند المخالف أن من ترك التسيمة –نسيانًا – على ذبيحة , واختلطت بآلاف غيرها قد سُمِّيَ عليها ، ولم تتميز ؛ تُرِكَ الجميع ؛ لأن الأصل في الذبائح الحرمة , حتى يثبت الحل , وفيه من العنت ما لا يخفى!!

(7) أما التفرقة بين الصيد والذبيحة , فلأن حديث عائشة في الذبائح التي تأتيهم ممن هو حديث عهد بإسلام , ولا يُدرى أسمَّوا , أم لا ؟ فهذا الحديث دليل على أن أمر التسمية على الذبيحة أخف من أمرها على الصيد , لأن الرسول – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال للسائل :  ” إنك سَمَّيْتَ على كلبك , ولم تُسَمِّ على الآخر ” ومع أن الصيد مشكوك فيه : هل هو من صيد الكلب الذي سَمَّى عليه صاحبه , أم أنه صيد الكلب الآخر , والكلب الآخر لا يُدرى هل سمى عليه صاحبه أم لا ؟

(8) أن القول بإطلاق الإباحة لمتروك التسمية فيه إهدار لأدلة المانعين, ولم يقل به أحد من الصحابة , بل عدَّ الزيلعي في ” تبيين الحقائق ” (5/287-288) الشافعي خارقًا للإجماع بذلك , وقد تُعقب الزيلعي في ذلك , ونسبة هذا القول إلى أحد من الصحابة ليس فيه التفات إلى حال الأسانيد التي رُويت عنهم بذلك .

(9) دليل من أطلق اشتراط التسمية للإباحة محتمل للتأويل , وإن كان هو الظاهر في آية : ] وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [ .

هذا ما ظهر لي , وعلى ذلك : فمن ترك التسمية عمداً أو استخفافًا بها فلا يُؤكل من ذبيحته , ومن تركها نسيانًا وذهولاً ؛ فلا بأس بالأكل منها , والله أعلم .

للتواصل معنا