الأسئلة العامة

أين يضع المصلي يديه حال القيام ، هل يضعهما على صدره ، أم على سرته ، أم بين ذلك ، أم تحت السرة

السؤال : أين يضع المصلي يديه حال القيام ، هل يضعهما على صدره ، أم على سرته ، أم بين ذلك ، أم تحت السرة ؟

الجواب : للعلماء في ذلك أقوال كثيرة ، كما ورد في السؤال : انظر ” المغني ” (1/515) و” الأوسط ” لابن المنذر (3/93-94) و” المجموع ” (3/313) و” مختصر اختلاف العلماء ” للطحاوي (1/202) و” التمهيد ” لابن عبدالبر (20/75) و” نيل الأوطار ” (2/191-192).

واستدل من قال بوضعهما على السرة أو تحت السرة بحديث علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال : ” السنة – أو من سنة الصلاة – وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة – أو تحت السرر – ” أخرجه أبو داود (756) وغيره ، وسنده ضعيف ، لضعف عبدالرحمن بن إسحاق الواسطي أبي شيبة ، وشيخه زياد بن زيد السوائي مجهول ، وقد نقل النووي الاتفاق على تضعيف هذا الحديث ، كما في ” المجموع ” (3/313) و ” شرح مسلم ” (4/115) وغيرهما .

ومع ضعف عبدالرحمن بن إسحاق ؛ فقد اضطرب في الحديث ، ورواه بوجوه أخرى ، وهذا مما يستدل به على وهم الضعيف في حديث بعينه .

واستدلوا أيضًا برواية في حديث وائل بن حجر ، من طريق حجاج بن نصير عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن حجر أبي العنبس عن علقمة عن وائل ، وفيه ” أنه صلى خلف النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فجعل يديه على بطنه ” اهـ . بمعناه ، انظر ” مسند أحمد ” (4/316) و” المعجم الكبير ” للطبراني (22/110).

فرواية أحمد فيها حجاج بن نصير ، وهو ممن يقبل التلقين ، وقد خالف أصحاب شعبة بهذه الزيادة ، فهي رواية منكرة من هذا الطريق ، وأبو العنبس رواه عن وائل عند الطبراني ، وقد خالف فيها أصحاب وائل ، ومنهم أهل بيت وائل ، وأبو العنبس نفسه قد اختلف عليه ، فهي زيادة لا يحتج بها .

واستدلوا بعدة آثار عن الصحابة والتابعين ، وقد تأملت هذه الآثار ؛ فلم يصح منها شيء ، إلا عن أبي مجلز ، وقد صحح البيهقي عنه القول بوضعهما فوق السرة ، ولا أعلم له دليلاً على ذلك .

وقد أشار ابن عبد البر إلى عدم صحة ذلك عن الصحابة والتابعين ، انظر ” التمهيد ” (20/75).

واستدل من قال بوضعهما على الصدر بأدلة ، وهي :

1- حديث وائل بن حجر ، وله طريقان :

(أ) أخرجه ابن خزيمة برقم (479) من طريق مؤمل بن إسماعيل عن سفيان بن عاصم بن كليب عن أبيه وائل ، وفيه : ” ووضعهما على صدره ” .

ومُؤَمَّل بن إسماعيل لا يحتج به ، وقد خالف كبار الحفاظ من أصحاب سفيان ، مثل : الفريابي ، وعبدالرزاق ، وأبي الأحوص ، والحميدي ، وأبي نعيم ، وغيرهم ، فهي رواية منكرة لا يستشهد بها .

(ب) ومن طريق محمد بن حجر الحضرمي ، ثنا سعيد بن عبدالجبار بن وائل عن أبيه عن أمه عن وائل ، قال : ” حضرت رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – حين نهض إلى المسجد ، فدخل المحراب ، ثم رفع يديه بالتكبير ، ثم وضع يمينه على يُسراه على صدره ” أخرجه ابن عدي في ” الكامل ” (6/2166) وغيره .

وهذا سند مسلسل بالعلل : فمحمد بن حُجر ضعيف ، وكذا شيخه سعيد ، وعبدالجبار قيل : إنه لم يسمع من أمه ، وأمه مجهولة ، ففي النفس شيء من الاستشهاد مثل هذا السند أيضًا .

2- حديث الهُلْب الطائي ، واسمه يزيد بن قنافة :

من طريق سماك عن قبيصة بن هُلب عن أبيه ، قال : ” رأيت النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ينصرف عن يمينه وعن يساره ، ورأيته يضع هذه على صدره ” أخرجه أحمد (5/226).

وهو حديث إلى النكارة أقرب ، فقد اختلف فيه على سفيان ، فرَوَى الوضع على الصدر يحيى بن سعيد ، ولم يروه وكيع ، وقد توبع سفيان – كما في رواية وكيع عنه على عدم ذكر الوضع – من زائدة ، وشعبة ، وشريك ، وأبي الأحوص ، وغيرهم ، والعهدة في هذا الاختلاف على قبيصة بن الهُلْب ، فإنه ممن لا يحتج به ، ولا حاجة إلى البحث في حفظ القطان أو وهمه ، وهو جبل في الحفظ ، لأن العهدة في هذا الاضطراب على قبيصة ، والله أعلم .

3- واستدلوا أيضًا بمرسل طاووس : وقد أخرجه أبو داود برقم (759) من طريق سليمان بن موسى عن طاووس ، قال : ” كان رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – يضع يده اليمنى على يده اليسرى ، ثم يشد بينهما على صدره ، وهو في الصلاة ” . وعندي أن سليمان بن موسى فيه لين – وإن مدحوه في الفقه – لأن من جرحه في الحديث أكثر وأفهم بهذا الشأن ممن أطلق فيه التوثيق ، ويمكن حمل إطلاق توثيقه على روايته عن الزهري ومكحول ، لقول ابن معين وغيره ، وعلى هذا ؛ فهذا مرسل فيه علة أخرى غير الإرسال ، والله أعلم .

واستدلوا بأثر علي – رضي الله عنه – في تفسير قول الله عز وجل : ((فصل لربك وانحر )) قال : ” وضع يده اليمنى على ساعده اليسرى ، ثم وضعهما على صدره ” أخرجه البخاري في ” التاريخ الكبير ” (6/437) وفيه اختلاف على عليّ ، وقد خولف في هذا التفسير – لو افترضنا صحته عنه – وبنحو ذلك أثر الشعبي عند الطبري (15/325) وفيه محمد بن حميد الرازي ، وهو متهم .

هذا محصل ما استدل به من قال بالوضع على الصدر ، وفي النفس من ذلك شيء من الناحية الحديثية ، إلا أن هذا القول أولى من غيره عندي – على ما فيه – لأن أسانيد أدلته أفضل من أسانيد أدلة الأقوال الأخرى ، وقد يتقوى بحديث سهل بن سعد الساعدي عند البخاري : ” كان الناس يُؤْمَرُون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة ” فالظاهر أن وضع اليد اليمنى على كل الذراع اليسرى ، يكون قريبًا من الوضع على الصدر ، وهذا الذي ذهب إليه شيخنا محمد بن صالح العثيمين – حفظه الله – كما في ” الشرح الممتع ” (3/46) ومع ذك فليس هذا بمتعين ، والذي أنصح به أن لا يُنكر أحد على أحد في ذلك للخلاف السابق ، إنما يكتفى ببيان ما يترجح عنده دون تهاجر أو تدابر .

(تنبيه) : بعض الناس يضعهما على جنبه الأيسر بحجة أنه جانب القلب ، وهذا خلاف السنة الواردة في حديث سهل بن سعد ، وهذه الهيئة قريبة من الاختصار المنهي عنه في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة : ” أن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – نهى أن يصلي الرجل مختصرًا ” وفي هذه الهيئة إجحاف لعدم التوسط في البدن اهـ بمعناه من كلام شيخنا ابن عثيمين – حفظه الله – في ” الشرح الممتع ”  (3/47).