الأسئلة الحديثية

متى تضر الراويَ روايتُه للغرائب؟

متى تضر الراويَ روايتُه للغرائب؟

 يُنظر إلى راويها: فإن كان من الثقات المشهورين بالرحلة فلا تضره؛ لأنَّه من المعلوم أنَّ من رحل فسيقف على ما لم يقف عليه غيره، إمّا لحب المشايخ إياه، وإما لسماعه من مشايخ لم يسمع منهم غيره.

هذا مع أنَّ العلماء كرهوا تتبع الغرائب؛ لأنَّ الرجل يتهم بسببها، وتُساء به الظنون، ويَفتح الباب للنقاد أو لأقرانه أن يتكلّموا فيه، فقبح الله الشره، وما يفرح بالغرائب إلا من لم يعرف حقيقة هذا العلم(1).

ورحم الله ابن المبارك حيث قال: العلم ما جاء من هنا وههنا وههنا، أي: ما كان مشهوراً ينقله الثقات والمعروفون(2)، ولذلك فإنَّ الغرائب تضر الراوي بشروط ذكرها ذهبي هذا العصر الشيخ المعلمي اليماني – رحمه الله تعالى – وخلاصة ما ذكر: أنَّ الراوي إذا روى منكراً، وكثر ذلك في حديثه، أو فحش، ولم يكن معروفاً بالرحلة، فيتهم، ويقال: أنت لم ترحل، فنم أين جاءتك الغرائب التي ليست عند محدثي بلدك؟!! ويتهم بسرقتها، وأنَّه قد وثب عليها من حديث غيره، وادعاها لنفسه،والله المستعان(3).

ولذلك قيل في أحدهم: كان أقلَّنا طلباً وأكثرنا غرائب، وتُكُلِّم في خليفة بن خياط وقيل: في دار خليفة شجر ينبت الحديث، وإن كان خليفة أعلى وأجل من ذلك(4)، لكن هكذا يجر الشره وتشبع الرجل بما لم يعط، على صاحبه شراً، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

 

حواشي


قال عمرو بن خالد: سمعت زهير بن معاوية يقول لعيسى بن يونس: ينبغي للرجل أن يتوقى رواية غريب الحديث، فإني أعرف رجلاً كان يصلي في اليوم مائتي ركعة ما أفسده عند الناس إلا رواية غريب الحديث.

وذكر مسلم في «مقدمة كتابه» من طريق حماد بن زيد أن أيوب قال لرجل: لزمت عمراً؟ قال: نعم، إنّه يجيئنا باشياً غرائب، قال: يقول له أيوب: إنّما نفرّ أو نفرق من تلك الغرائب، وقال أحمد: شر الحديث الغرائب التي لا يعمل بها ولا يعتمد عليها. اهـ من «شرح العلل» (ص:234-235).

خرجه البيهقي رحمه الله من طريق الترمذي عن أحمد بن عبده، عن ابن وهب، عنه، قال: ليس من العلم ما لا يعرف إنَّما العلم ما عرف وتواطأت عليه الألسن، من «المصدر السابق».

3 انظر «التنكيل» (ص:293-294) فقد قال رحمه الله -: وكثرة الغرائب إنَّما تضر الراوي في أحد حالين:

الأولى: أن تكون مع غرابتها منكرة عن شيوخ ثقات بأسانيد جيدة.

الثانية: أن يكون مع كثرة غرائبه غير معروف بكثرة الطلب.

ففي الحالة الأولى تكون تبعة النكارة على الروي نفسه لظهور براءة من فوقه منها، وفي الحالة الثانية يقال: من أين له هذه الغرائب الكثيرة مع قلة طلبه! فيتهم بسرقة الحديث كما قال ابن نمير في أبي هشام الرافعي: كان أضعفنا طلباً وأكثرنا غرائب. اهـ.

4 في «تهذيب التهذيب» (3/935) ترجمة خليفة بن خياط: «المقلب بشبابه» قال فيه ابن المديني في دار عبدالرحمن بن عمرو بن جبلة وشباب بن خياط شجر يحمل الحديث. اهـ.

للتواصل معنا