شبهات والرد عليها

فإن قيل: لقد أكثرتَ من قولك: لابد من الرجوع في النوازل إلى أهل العلم الراسخين، ولا عبرة بقول الشباب المتحمسين!! ونحن لا نُسَلِّم بأن ابن باز، وابن عثيمين، والألباني، والفوزان، ومن كان على شاكلتهم من جملة العلماء أصلًا، فلا نرجع إليهم فيما هو دون هذه المسا


فإن قيل
: لقد أكثرتَ من قولك: لابد من الرجوع في النوازل إلى أهل العلم الراسخين، ولا عبرة بقول الشباب المتحمسين!! ونحن لا نُسَلِّم بأن ابن باز، وابن عثيمين، والألباني، والفوزان، ومن كان على شاكلتهم من جملة العلماء أصلًا، فلا نرجع إليهم فيما هو دون هذه المسائل التي تتصل بفقه الواقع، فكيف بهذه النوازل العامة ؟! على أن طَعْننا فيهم ليس طعنًا في العلماء أصلًا!!

فالجواب: هذه هي الفتنة في الدين!! فالخوارج لم يرضوا بعدالة ولا عِلْم الصحابة، فَضَلُّوا وأضلوا، وفي هذا العصر نجد شبابًا خالفوا العلماء، وطعنوا فيهم، بل كفَّروهم، فَضَلُّوا وأضلوا، ومنهم مَنْ وُفِّق للتوبة، فنسأل الله أن يثبتنا وإياهم على الحق، ويغفر لنا ولهم الذنوب.

هذا، وسأورد إن شاء الله تعالى – على هؤلاء الشباب المنكرين مكانَةَ علمائنا حُجَّةً تُلزمهم بأن هؤلاء المذكورين من علمائنا ومن جرى مجراهم هم العلماء، وهم المرجع في النوازل، وذلك: أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة عام من يجدد لها دينها ))([1]).

وقد جرى صنيع السلف في عَدِّ المجددين في كل قرن باعتبار رأس المئة الهجرية، فَعَدُّوا عمر بن عبد العزيز في المئة الأولى، والشافعي في المئة الثانية.

المهم أن المعتمد رأس المئة الهجرية، فنحن جميعًا قد عاصرنا رأس القرن الخامس عشر الهجري، وذلك بنهاية سنة 1400هـ وبداية سنة 1401هـ.

فإن قلتم: لم يوجد على رأس المئة الخامسة عشر هذه مجدد؛ كَذَّبتم خبر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في قوله: ((… على رأس كل مئة عام))!!

وإن قلتم: هناك مجدد أو مجددون على رأس المئة الخامسة عشر، لكننا لا نعرفهم.

فالجواب: كيف يكون المجدد مجهولًا غير معروف ؟ وكيف يجدد وهو على هذا الحال ؟! فإذا كنتم تعدُّون أنفسكم من خواص الأمة، أو أنكم خواص الخواص!! وأنتم لا تعرفون المجدِّد لدينكم في زمانكم؛ فما ظنكم بالعامة ؟!

وقد قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى – في معرض رده على الروافض الذين يرون أن حجة الله قائمة بمهديِّهم!!: ((وحُجج الله لا تقوم بخَفِىٍّ مستور، لا يقع العالم له على خَبَرٍ، ولا ينتفعون به في شيء أصلا، فلا جاهل يتعلم منه، ولا ضالٌّ يهتدي به، ولا خائف يأمَن به، ولا ذليل يتعزَّر به، فأي حجة لله قامت بمن لا يُرى له شخص، ولا يُسمع منه كلمة، ولا يُعْلَم له مكان…)) إلى أن قال:

((المستجير بعمرو عند كربته    كالمستجير من الرمضاء بالنار))([2]).اهـ.

فتأمل كيف يؤدي الباطل بأهله إلى مشابهة أضل الفرق في المقالات الباطلة!!

فإن قلتم: نقر بأن هناك مجددين.

فالسؤال: من هم هؤلاء المجددون، سمّوهم لنا، والواقع حَكَم بيننا وبينكم!!

فإن قلتم: هم ابن باز، والألباني، وابن عثيمين، وغيرهم من كبار  العلماء، الذين أدركهم ذلك التاريخ وهم أئمة، وعليهم تدور الفتوى، وتطير إليهم الرقاع من كل حَدَبٍ وصَوْب، ونُشِرَتْ كتبهم وفتاواهم في الآفاق، وتُرْجِمت كتبهم بلغات متعددة، فانتفع بهم المسلمون في كل قطر، وهم الذين تدور الفتوى الآن على طلابهم، أو طلاب طلبتهم، إن أقررتم بهذا؛ فقد أصبتم في هذا الإقرار.

وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى – ([3]): ((… ومن له في الأمة لسان صِدْق عام، بحيث يُثْنى عليه، ويُحْمد عليه في جماهير أجناس الأمة، فهؤلاء هم أئمة الهدى، ومصابيح الدُّجَى، وغلطهم قليل بالنسبة إلى صوابهم، وعامته من موارد الاجتهاد التي يُعذرون فيها، وهم الذين يتبعون العلم والعدل، فهم بُعَدَاء عن الجهل والظلم، وعن اتباع الظن وما تهوى الأنفس )).اهـ.

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى –: ((فقهاء الإسلام ومن دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام: الذين خُصُّوا باستنباط الأحكام، وعنوا بضبط قواعد الحلال من الحرام)).اهـ.

فإن سلمتم بهذا، وأقررتم بأن المذكورين ومن جرى مجراهم على رأس هذه المئة هم المجددون؛ حُجِجْتُم، لأنه يقال لكم: إذا كان هؤلاء مجددين للدين؛ فلماذا تخالفون منهج المجددين ؟! لاسيما في هذا الأمر الذي أجمعوا عليه تبعًا لسلف الأمة، وأخذًا بالنصوص النبوية؟!

وإن قلتم: لا، ليس هؤلاء مجددين؛ عجزتم أن تُسَمُّوا لنا مَنْ هو من مراجعكم وأئمتكم اليوم، أنه كان  بهذه المثابة العلمية التي ذكرتها سابقًا في نهاية سنة 1400هـ وبداية سنة 1401 هـ!! فإن أكثرهم كانوا طلابًا آنذاك، ومن كان منهم كبير السن آنذاك؛ فلم يشتهر بين الأمة بعلم، إنما عرفه من حوله فقط، فهل هذه صفة  المجدد، وهل هم يصدق عليهم ما ذكر شيخ الإسلام – قبل قليل – في صفة أئمة الهدى؟!

إذًا يلزمكم أحد أمور: إما أن تخالفوا الخبر النبوي، وتُعرُّوا هذا القرن من مجدد!! وفي هذا ما فيه!!

أو أن تَدَّعوا وجود مجدد مع كونه مجهولًا، والأمة كلها لا تعرفه بعينه فضلًا عن آثاره!!، وهذا أيضًا فيه ما فيه!!

وإما أن تسموا مجددًا لم تتوافر فيه صفات المجدد، كما سبق ذكرها، فيه ما فيه أيضًا!!        وإما أن تُسَلِّموا بأن سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى – ومن جرى مجراه من كبار الأئمة في المملكة وغيرها هم المجددون لهذا القرن، وهذا قولنا، ويلزمكم إذًا أن تسلكوا سبيلهم، وتَدَعوا عقوقكم إياهم، وإما أن تكابروا؛ فتسقط حجتكم!!



([1]) وهو حديث صحيح، أخرجه أبو داود برقم (4291) عن أبي هريرة، وانظر ((الصحيحة)) برقم (599).

([2]) ((مفتاح دار السعادة)) (1/452) ط. دار ابن عفان.

([3])((مجموع الفتاوى))(11/43).