قال بعضهم: ((ومِنْ تناقُضِ هؤلاء العلماء – أيضًا–: أنهم كانوا يَدْعُون – هم والمسلمون – على أعداء الإسلام والمسلمين، ويسألون الله أن يذل الشرك والمشركين، وأن يُهلك اليهود ومَنْ وراءهم، فلما وقع شيء من ذلك بأمريكا؛ استنكروا، وأصدروا الفتاوى التي تشجب وتستنكر هذا الفعل، وحَذَّروا من هذا المنهج!! مع أن هذا الفعل جزء من استجابة الله – عز وجل – لدعائهم ودعاء المسلمين، فهل بعد هذا من تناقض ))؟!
والجواب: أن الدعاء على الكفار الذين يصدون عن سبيل الله، ويقاتلون المسلمين، ويخرجونهم من ديارهم، ويُظاهرون على إخراجهم؛ أمر مشروع، فإن كان المسلمون أقوياء؛ جمعوا بين الدعاء والمواجهة للدفاع عن دينهم وعِرضهم وأرضهم التي يعبدون الله عليها، وإن كان المسلمون ضعفاء؛ اكتفوا بالدعاء، لأنه الميسور لهم، ولأن غيره من الأساليب المخالفة سيضر أكثر وأكثر.
ويريدون بدعائهم – والحال هذه – أن الله عز وجل يُنـزل بِعَدُوِّهِمْ ما يشفي صدور قومٍ مؤمنين، ويُذْهب غيظ قلوبهم، أو أن الله عز وجل يَمُنُّ على المسلمين بقوة وبأس، ليدفعوا بذلك عن أنفسهم ودينهم، فإن يسر الله عز وجل لهم بذلك؛ فرح المؤمنون بنصر الله عز وجل، دون أن يجروا على أنفسهم شرًّا، أما أن يتعجل بعض المسلمين، ويقوموا بأمور تجرّ على المسلمين ويلاتٍ وفتنًا، فإذا أنكر عليهم العلماء؛ قالوا: هذا تناقض، لماذا تحزنون من استجابة الله دعاءكم ؟! إن هذا لشيء عُجَاب!!
وإذا نظرنا في هديه– صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في هذا الباب العظيم ورأينا ما عليه علماؤنا؛ لرأينا علماءنا متَّبعين لهديه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: فقد دعا رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على قريش ، فقال : ((اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش)) لأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأُبيّ بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، قال ابن مسعود: ((فلقد رأيتهم في قليب بدر قتلى))([1]) وذلك عند ما وضعوا على رأسه الشريفة السَّلى، ومع ذلك لما استؤذن في قتالهم؛ قال ((لقد أُمِرْت بالعفو)) كما في ((سنن النسائي)) بسند صحيح، ولما بويع النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يوم بيعة العقبة الثانية؛ قال له العباس بن عبادة بن نضلة: والذي بعثك بالحق، لئن شئت لنمِيلَنَّ على أهل مِنى غدًا بأسيافنا، فقال الرسول– صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لم أُومَر بذلك))([2]).
فليس كل من شُرِع لنا أن ندعوا عليه؛ يَشْرُع لنا أن نواجهه بالسلاح في كل الأحوال، فقد لا نستطيع ذلك – كما هو حاصل الآن – والإنكار على المتعجلين في هذا الباب؛ ليس تناقضًا ولا اضطرابًا!!
وقد أُخْبِرْتُ بما جرى من بعض المخالفين، عندما صوَّر صورة((كاريكاتيرية)) وفيها أحد كبار أهل العلم – وقد كُفَّ بصره – صوَّره بصورة أعمى يقوده رئيس أمريكا!! فتبًّا للغلو، وسُحْقًا، وبُعْدًا لحال أفضى بأهله إلى أن يكون هذا قَدْر العلماء الكبار عندهم!!
فأين أنتم يا أمة الإسلام، إذا كان من أبنائكم من يُصَوِّر كبار علماء هذه الأمة بهذه الصورة المشينة، وبهذه الحالة المهينة ؟! وهل تفلح أمة يسبُّ حدثاؤها علماءَها ؟!
([1]) أخرجه البخاري برقم (2934)، ومسلم بنحوه برقم (1794).
([2]) أخرجه أحمد (1579) وسنده حسن.