شبهات والرد عليها

واستدل بعضهم على جواز قتال ولاة الأمور، إذا أخذوا حق الرعية، بما جاء عند مسلم

واستدل بعضهم على جواز قتال ولاة الأمور، إذا أخذوا حق  الرعية، بما جاء عند مسلم([1]) من رواية سليمان الأحول أن ثابتًا مولى عمر بن عبد الرحمن أخبره أنه لما كان بين عبد الله بن عمرو وبين عنبسة ابن أبي سفيان ما كان؛ تيسَّروا للقتال، فركب خالد بن العاص إلى  عبد الله بن عمرو، فوعظه خالد، فقال عبد الله بن عمرو: أما علمتَ أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((من قُتل دون ماله؛ فهو شهيد ))؟!

قالوا: فعنبسة أمير لمعاوية على مكة والطائف، وكان قد أجرى عينًا من ماء ليسقي بها أرضًا، فدنا من حائط لآل عمرو بن العاص، فأراد أن يُخرجه، ليُجري العين منه إلى الأرض، فأقبل ابن عَمرو ومواليه  بالسلاح، وقالوا: والله لا يخرقون حائطنا، حتى لا يبقى منا أحد([2]).

والجواب من وجهين إن شاء  الله تعالى –:

الأول: أن هذا اجتهاد من عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما – لكنه يصادم كثيرًا من الأحاديث الدالة على الصبر على أمراء الجور، وإن ضرب أحدهم الظَّهر، وأخذ المال، وإن استأثر بالمال على الرعية، وإن لم يؤد إلى الرعية حقوقهم، وطلب منهم حقوقه، وقد سبق كل هذا مفصلًا .

ولا شك أن اجتهاد الصحابي إذا خالف الأحاديث النبوية؛ فلا  يؤخذ به .

الثاني: أن حديث: ((من قُتل دون ماله؛ فهو شهيد)) وما في  معناه؛ يُستثنى منه ما إذا كان المغتصِب هو السلطان، لأن الوقوف في وجهه بالسيف؛ مخالف لما سبق من أدلة الصبر على ظلمه، ومُفْضٍ إلى شَرٍّ عظيم، ولذا قال ابن المنذر رحمه الله تعالى –:

((والذي عليه أهل العلم: أن للرجل أن يدفع عما ذُكر يعني: ماله، أو نفسه، أو حريمه إذا أُريد ظلمًا بغير تفصيل، إلا أن كل من يُحْفَظ عنه من علماء الحديث، كالمجمعين على استثناء السلطان، للآثار الواردة بالأمر بالصبر على جوره، وترك القيام عليه)).([3]) .اهـ.  

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى – بعد ذكره بعض الأحاديث التي تأمر بالصبر على جور الولاة: ((فأمَرَ مع ذكره لظلمهم بالصبر، وإعطاء حقوقهم، وطلب المظلوم حقه من الله، ولم يأذن للمظلوم المبْغي عليه بقتال الباغي في مثل هذه الصور، التي يكون القتال فيها فتنة، كما أَذِن في دفع الصائل بالقتال، حيث قال:((من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون دينه؛ فهو شهيد)) فإن قتال اللصوص ليس قتال فتنة؛ إذ الناس كلهم أعوان على ذلك، فليس فيه ضرر عام على غير الظالم، بخلاف قتال ولاة الأمور؛ فإن فيه فتنة وشرًّا عامًّا أعظم من ظلمهم، فالمشروع فيه الصبر ))([4]).اهـ.

فهل بعد هذا كله؛ نصغي لهذه الشبهة، ونفتح باب الشر على  الأمة، ونسلك غير سبيل أهل الحديث، وهم الطائفة الناجية المنصورة ؟!



([1]) (2/343 مع النووي ) ك / الإيمان، ب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق… ط/ دار المعرفة

([2]) انظر ((فتح الباري)) (5/147) الحديث رقم (2480) ط/ الريان.

([3]) انظر ((فتح الباري)) (5/148) ط/ الريان.

([4]) ((الاستقامة)) (1/35-36).

أضف تعليق

انقر هنا لنشر

للتواصل معنا