شبهات والرد عليها

واستدل بعضهم على أن الخروج على الحاكم الجائر – لا العدل – جائز بما رُوِي عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – أنه قال – وقد ذكر الخوارج -: ((إن خالفوا إمامًا عادلا؛ فقاتلوهم، وإن خالفوا إمامًا جائرًا؛ فلا تقاتلوهم؛ فإن لهم مقالًا)).

واستدل بعضهم على أن الخروج على الحاكم الجائر لا العدل جائز بما رُوِي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه  – أنه قال وقد ذكر الخوارج : ((إن خالفوا إمامًا عادلا؛ فقاتلوهم، وإن خالفوا إمامًا جائرًا؛ فلا تقاتلوهم؛ فإن لهم مقالًا)).

والجواب على ذلك من وجوه إن شاء  الله تعالى –:

الأول: أن سند هذه المقالة لا يصح إلى علي، فقد أخرجها ابن أبي شيبة في ((المصنف))([1]): عن وكيع حدثنا الأعمش عن عَمْرو بن مرة عن عبدالله بن الحارث عن رجل من بني نضر بن معاوية، قال: كنا عند علي، فذكروا أهل النهر ([2])، فَسَبَّهم رجل، فقال علي: ((لا تسبّوهم، ولكن إن خرجوا على إمام عادل؛ فقاتلوهم، وإن خرجوا على إمام جائر؛ فلا تقاتلوهم؛ فإن لهم بذلك مقالا )).اهـ.

وهذا سند ضعيف من أجل الرجل المبهم، الذي لم يُعرف اسمه، فضلا عن حاله.

وقد قال الحافظ في ((الفتح))([3]): وقد أخرج الطبري بسند صحيح، عن عبد الله بن الحارث عن رجل من بني نضر عن علي… فذكره، وليس في هذا تصحيح للأثر، إنما هو تصحيح إلى عبد الله بن الحارث فقط، ثم إن الرجل المبهم لازال الإعلال به قائما؛ لأنه فوق ابن الحارث في السند، فالأثر ضعيف سندًا.

الثاني: أن هذا الأثر لو سلمنا بصحته جدلا فهو مصادم للأدلة الدالة على قتال الخوارج، دون النظر إلى هذا التفصيل، وهي أدلة صحيحة صريحة في ذلك.

ثم كيف يكون للخوارج مقالٌ بسبب جور الإمام، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد أمر بالصبر على جور الأئمة، وإن ضرب أحدهم ظهور الرعية، وأخذ أموالهم… إلى غير ذلك من الأدلة في هذا الباب ؟! فهذا الأثر على ضعف سنده منكر من ناحية المتن.

الثالث: قد أجمع السلف بعد خلاف سابق على الصبر على جور الأئمة، وعَدُّوا من خرج على الإمام وإن كان ظالمًَا من المبتدعة أهل الأهواء، وجعلوا الصبر على من هذا حاله أصلا من أصول السنة، فهذا يدل على نكارة فاحشة في هذا الأثر.

الرابع: ثم كيف ينهى علي عن سب الخوارج، وقد قال فيهم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مالم يقله في فرقة أخرى ؟! فوصفهم بأنهم كلاب أهل النار، وحرّض على قتلهم وقتالهم، وأنهم شر قتلى تحت أديم السماء، وأن خير قتيل من قتلوه، وأنه لو أدركهم؛ لقتلهم قتل عاد وإرم، وأنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية… الخ.

فهل ينهى أمير المؤمنين علي عن سبهم، وهم بهذه المنـزلة القبيحة، وقد كشف سترهم من هو أولى وأفضل من علي ؟! كل هذا يزيد الأثر نكارة!!.

الخامس: لقد استقر عند الأئمة: أن من غلب على الإمارة بشوكته، وسُمِّي أميرًا للمؤمنين؛ فإنه لا يجوز الخروج عليه، ويجب السمع والطاعة له في المعروف، وأن من خرج عليه كائنًا من كان؛ فإنه يُقاتَلُ، وهذا الأثر ينهى عن قتاله، ويتضمن عدم الطاعة للأمير وخِذلانه إذا دعا إلى قتال من خرج عليه!! وهذا كله يدل على بطلان هذا الأثر.

فهل تُترك هذه الأصول الراسخة لرواية ذاك المبهم، الذي لا نعرف عينه فضلا عن حاله؟!

وعلى كل حال: فيقال لمن يحتج بهذا الأثر وأشباهه: ثَبِّت العرش، ثم انقش، والله المستعان!!



([1]) (15/320/ برقم 19762) ط/ الدار السلفية.

([2]) كذا، ولعله: ((النِّهْروان)).

([3]) ( 12/301) ك/ استتابة المرتدين، ب / من ترك قتال الخوارج للتألف.

للتواصل معنا