شبهات والرد عليها

وقال بعض من يُعبِّئون الشباب هذه التعبئة المنحرفة: للأمة الحق في قتل أئمتهم إذا زاغوا عن الحق، واستدل بقول عمر: لوددت أني وإياكم في سفينة في لُجَّة البحر

وقال بعض من يُعبِّئون الشباب هذه التعبئة المنحرفة: للأمة الحق في قتل أئمتهم إذا زاغوا عن الحق، واستدل بقول عمر: لوددت أني وإياكم في سفينة في لُجَّة البحر، تذهب بنا شرقًا وغربًا، فلن يعجز أن يولوا رجلًا عليهم، فإن استقام؛ اتبعوه، وإن جنف؛ قتلوه، فقال طلحة: وما عليك لو قلت: ((وإن تعوج؛ عزلوه)) فقال عمر: ((لا،  القتل أنكل لمن بعده))!!

والجواب: أن هذه دعوة صريحة للخروج على الحكام بالقتل والقتال، وهذا مصادم لما عليه أهل السنة والجماعة، بل هو مذهب الخوارج وأهل البدع، وقد سبق تقرير ذلك مفصلا، فإلى الله المشتكى!!

ثم ما هو مقدار وحجْم هذا الزيغ والاعوجاج الذي يسوغ معه معاملة الأمير بهذه المعاملة المخالفة لمنهج السلف ؟

هل إذا وقع في معصية بينه وبين الله يُعامل بهذه المعاملة، أم إذا كانت المعصية متعدية إلى غيره ؟! كل هذا يحتمله هذا الأثر الباطل، ووضْع حَدٍّ لذلك بدون دليل؛ هو عين التحكم!!

ومع هذه النكارة الفاحشة في المتن: فالأثر لا يصح سنده؛ فقد أخرجه الطبري في ((تاريخ الأمم والملوك))(1) من طريق موسى بن عقبة، أن رهطًا أتوا عمر…  فذكره مطولا، وموسى لم يدرك زمن عمر، فهو أثر منقطع سندًا، منكر مَتْنًا!!

وإني لأعجب: كيف يتجرأ المرء على إيراد هذا القول الشنيع، وينشره في الآفاق قبل أن ينظر في سند هذا الأثر ؟! هل قائل ذلك لا يعرف كلام أهل السنة في هذا الباب ؟! وإن كان يعرف ذلك عنهم؛ فكيف يورد هذا الأثر الذي ينصر عقيدة الخوارج ومن نحا نحوهم، دون نظر دقيق في سنده، خشية أن يتعقبه أهل السنة، لاسيما وكثير منهم له باع طويل في الصناعة الحديثية؟ فإلى الله المشتكى، وعليه التكلان.

فإن قيل: قد روى ابن المبارك عن ابن عينية عن موسى بن أبي عيسى، قال: أتى عمر مشربة بن حارثة؛ فوجد محمد بن مسلمة، فقال: يا محمد، كيف ترانى ؟

قال: أراك كما أحب، وكما يحب من يحب لك الخير؛ قويًّا على جَمْع المال، عفيفًا عنه، عدلًا في قسمه، ولو مِلْتَ؛ عَدَّلْناك كما يُعَدَّل السهم في الثقاف.(2)

قال عمر: الحمد لله الذي جعلني في قوم إذا مِلْتُ عَدَّلوني!!

فالجواب: أن هذا سند لا يصح، فموسى لم يدرك عمر رضي الله عنه – وروايته عنه إلى الإعضال أقرب منها إلى الانقطاع، ومثل هذا لا يحتج به فيما هو دون الخروج على الأمير ذي الشوكة، فكيف يحتج به في الفتن التي تعم بها البلوى، والتي تموج موج البحار ؟!

ثم لو سلمنا بصحته: فهل هو صريح في التقويم بالسيف والخروج على الأمير ؟!

صدق من قال:

فهذا الحق ليس به خفاء       فدعْني مِنْ بُنَيَّات الطريق.

ومن قال:

الحق أبْلَجُ لا تزيغ سبيلُه      والحق يعرفه ذوو الألباب

ومن قال:

إنِ الحق لا يخفى على ذي بصيرة      وإن هو لم يُعْدَمْ خـلافَ معانِدِ



(1)  (4/213).

([2]) الثقاف: هي الحديدة التي تكون مع القوَّاس والرمَّاح، يُقَوِّم بها الشيء المعوج ، وانظر تعريفًا آخر في ((اللسان)) (9/20).