شبهات والرد عليها

قد يقول قائل: نحن نقتل هؤلاء المعاهَدين عندما رأيناهم ينقضون العهد، وذلك بدعوتهم إلى دينهم بين المسلمين، حتى ارتد بعض المسلمين، وبتجسسهم على بلاد الإسلام، ولأنهم من بلاد محاربة،

قد يقول قائل: نحن نقتل هؤلاء المعاهَدين عندما رأيناهم ينقضون العهد، وذلك بدعوتهم إلى دينهم بين المسلمين، حتى ارتد بعض المسلمين، وبتجسسهم على بلاد الإسلام، ولأنهم من بلاد محاربة، وإن كان بعضهم لم يباشر حرب المسلمين بنفسه، فمن كان كذلك؛ فلا عهد له ولا أمان، ومن كان كذلك؛ قتلناه، لاسيما ونحن لم نر الحاكم في بلادنا يقيم الحد عليه، وفي هذا مصلحة للإسلام والمسلمين، ولا تتوقف إقامة الحدود على الحاكم، بل يجوز ذلك لآحاد الرعية.

قلت: الكلام معكم هنا في أمرين: 

الأول: من الذي يقيم الحدود ؟ هل هو الحاكم، أم أن الأمر موكول لمن قام به من آحاد الرعية ؟!

الثاني: إذا لم يُقِم الإمام الحدود، فهل يقيمها غيره من الرعية دون تفصيل أم لا ؟

أما عن الأمر الأول:

فالذي يذكره أهل السنة: أن هذا حق للإمام لا غير، ولا يجوز لأحد أن ينازعه فيه، فقد قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى –: ((وقسْمة الفئ، وإقامة الحدود؛ إلى الأئمة ماضٍ، ليس لأحد أن يطعن عليهم، ولا ينازعهم))([1]) .اهـ.

وبمثل ذلك قال ابن المديني ([2]) فقد قال رحمه الله تعالى –: ((وقسمة الفيء، وإقامة الحدود؛ إلى الأئمة ماض، ليس لأحد أن يطعن عليهم،  ولا ينازعهم ))([3]).اهـ. 

وذكر اللالكائي عن ابن المديني دفاع الرجل عن نفسه إذا اعتدى عليه الخوارج واللصوص، ثم قال: ((وجميع الآثار إنما تأمر بقتاله، ولم تأمر بقتله، ولا يقيم عليه الحد، ولكنه إلى من ولاه الله أمره، فيكون هو يحكم فيه )).اهـ.  من كلام ابن المديني رحمه الله تعالى –.

وقد صرح بالإجماع القاضي العلامة الشوكاني رحمه الله – فقد قال:

((... ولكن يمكن الاستدلال على كون ذلك إلى الإمام، بما تواتر إلينا من أنه لم يُقَمْ حَدٌ في زمنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم – إلا في حضرته وبأمره، وكذلك زمن الخلفاء الراشدين، ومَنْ بعدهم في جميع الأقطار والأعصار، والإطباق على ذلك قَرْنًا بعد قَرْن، وعصْرًا بعد عصر؛ يدل على أن أمْر ذلك إلى الإمام، مهما كان في الزمان إمام، أو سلطان من سلاطين الإسلام، فإن لم يكن، أو كان ولم يُقِمْ حدود الله؛ توجَّه الوجوب على المسلمين، وكان ذلك فرض كفاية، لا يسقط عن أحدٍ منهم إلا بَعْدَ فِعْله، بقاءً على أصل خطابات المتوجهة إليهم... ))([4]) .اهـ. وقد سبق من كلام شيخ الإسلام أن رَدَّ إقامة الحد إلى غير الإمام مقيَّدٌ بشروط، ينْدُر جدًّا توافرها، والله أعلم.

ومن نظر في كتب الفقه([5])؛ وجد كلام العلماء لا يخرج عن نحو ذلك فيما أعلم، إلا في حالة السيد مع عبده أو أمته؛ ففي ذلك تفاصيل، لسنا بحاجة إليها في هذا المقام.

واستُدِل لدعوى الإجماع بما قاله شمس الدين أبو الفرج المقدسي في  ((الشرح الكبير)): ((مسألة: ( ولا يجوز أن يقيم الحد إلا الإمام أو نائبه ) لأنه حق لله تعالى، ويفتقر إلى الاجتهاد، ولا يُؤْمَنُ مِنَ استيفائه الحيف))... ونقل عن أهل الرأي أنهم قالوا في منعهم إقامة السيد الحدَّ على عَبْدِهِ أو أمَتِهِ، ورَدِّ ذلك إلى الإمام، قالوا: ((… ولأن الحد لا يجب إلا ببينة أو إقرار، وتُعْتَبَر لذلك شروط: من عدالة الشهود، ومجيئهم  مجتمعين، أو في مجلس واحد، وذِكْرِ حقيقة الزِّنى، وغير ذلك من الشروط التي تحتاج إلى فقيه يعرفها، ويعرف الخلاف فيها، والصواب منها، وكذا الإقرار، فينبغي أن يُفَوَّض ذلك إلى الإمام أو نائبه، كحدِّ الأحرار... ))([6]).اهـ.

هذا؛ وكلام أحمد وابن المديني بخلاف ما عليه المخالفون، فإن قولهما: ((... وإقامة الحدود؛ إلى الأئمة ماضٍ)) دليل على أنه قد سار عليه من مضى من أهل العلم، وأن ذلك سبيل المؤمنين، كما صرح به الشوكاني، فمن نازعهم في ذلك؛ ففيه أمور:

أ ـــ مخالفة أصول أهل السنة والجماعة.

ب ـــ فتح باب الفتن مع ولاة الأمور كما لا يخفى .

ج ـــ فتح باب الفوضى بين المسلمين، لأن إقامة الحدود تفتقر إلى الاجتهاد، ولا يُؤْمَن عند استيفاء الحد من الحيف، فوجب تفويض ذلك إلى الإمام ([7]).

وإلا فهذا يفتح باب النـزاع، والمشاححةُ في ذلك مفضية إلى الفتنة، وربما أدى ذلك إلى إثارة النعرات الجاهلية، والثأر القَبَلي، والطائفي، والمذهبي، ونحو ذلك، أما الإمام فيفْرِض اجتهاده بالقوة، فَيُؤْمَن في حقه من هذه المفاسد، والله أعلم.

فإذا تقرر هذا: فهل أنتم حكام المسلمين اليوم، أونُوّابهم ؟! وما دليلكم عندما أجزتم لأنفسكم منازعة الأئمة في ذلك ؟! والسنة الماضية بين السلف: عدم المنازعة في هذا الأمر، فهل أنتم بهذا متبعون    للسلف ؟!

الأمر الثاني: إذا لم يُقم الإمام الحدود؛ فَيُنْظَر: هل يمكن إقامتها من أهل الحِسْبة، أو من قبل أهل العلم الكبار ونحوهم، دون أن تحدث مفسدة كبيرة فضلًا عن مفسدة راجحة أم لا ؟ فإن في الأمر تفصيلا، فإن أمكن القيام بذلك، وأمكن ردْع الظالم، ونصرة المظلوم، وسدّ أبواب الشر، بدون مفسدة مع الإمام أو الرعية كما سبق فهذا موافق لعمومات الأدلة، والقواعد الشرعية، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى – ([8]): ((وقول من قال: لا يقيم الحدود إلا السلطان ونوّابه؛ إذا كانوا قادرين فاعلين بالعدل، كما يقول الفقهاء: الأمر إلى الحاكم؛ إنما هو العادل القادر… وكذلك الأمير إذا كان مضيعًا للحدود، أو عاجزًا عنها؛ لم يجب تفويضها إليه مع إمكان إقامتها بدونه …)).

قال: ((والأصل أن هذه الواجبات تُقام على أحسن الوجوه، فمتى أمكن إقامتها من أمير؛ لم يُحْتج إلى اثنين، ومتى لم تُقَْم إلا بعدد ومن غير سلطان؛ أُقيمت إذا لم يكن في إقامتها فساد يزيد على إضاعتها، فإنها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن كان في ذلك من فساد ولاة الأمر أو الرعية ما يزيد على إضاعتها؛ لم يُدْفع فساد بأفسد منه، والله أعلم )).اهـ.  وانظر نحوه من كلام سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى – ([9]).

قلت: وما قرره شيخ الإسلام رحمه الله – هو الموافق للأدلة والقواعد، فما لا يُدرك كُلُّه؛ لا يُترك جُلُّه، ومراعاة المصالح والمفاسد أمر عظيم في الدين، وكل هذا قد سبق ذِكْر الأدلة الدالة عليه ولله الحمد إلا أن هذا مقيد بضوابط، فليس الباب مفتوحًا لمن دبّ ودرج!!

ثم إن ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله تعالى – وبالضوابط التي وضعها؛ ليس فيه مفسدة تضر بالأمة، بخلاف ما سبق ذِكْره من مفاسد في صنيع المخالفين: لأن الإمام إن كان عاجزًا؛ فلا فتنة معه، لأنه ضعيف عاجز، وإن كان مفرطًا؛ فقد اشترط شيخ الإسلام السلامة من فتنة معه، وكذا اشترط السلامة من فتنة مع الرعية،وهذا ما قررته بتمامه ولله الحمد.

إلا أنه لابد أن يُعلم أن تقدير المصالح والمفاسد لايكون إلا بميزان الشريعة، وكبار العلماء هم فرسان هذا الميدان، وليس المجال مفتوحًا لكل أحد.

والملاحظ: أن ما يفعله الشباب يعود بمفاسد كثيرة قد سبق ذكرها فأين هذا من منهج الأئمة ؟!

وعلى كل حال: فإذا تخلف شيء من القيود التي ذكرها شيخ الإسلام وهذا هو الواقع الآن غالبًا فيما أعلم فيترك إقامة الحدود من آحاد الرعية؛ درءًا للمفاسد، ولعله لذلك قال صاحب الفضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه  الله تعالى –: ((فالحاصل أن إقامة الحدود من صلاحيات السلطان، وإذا لم يكن هناك في المسلمين سلطان؛ فإنه يكتفي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، ولا يجوز للأفراد أن يقيموا الحدود، لأن هذا كما ذكرنا يلزم منه الفوضى، ويلزم منه حدوث الثارات والفتن، وفيه مفسدة أعظم مما فيه من المصلحة، ومن القواعد الشرعية المسلَّم بها: أن درء المفاسد مقدم على جلب   المصالح ))([10]).اهـ.

وقال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى – جوابًا عن سؤال فيمن يُجافي المستأمنين، فذكر أنهم يحالون للمحكمة الشرعية، فسئل عما لو لم تكن هناك محاكم شرعية ؟ فقال رحمه الله تعالى –: ((إذا لم توجد محاكم شرعية؛ فالنصيحة فقط، النصيحة لولاة الأمور، وتوجيههم للخير، والتعاون معهم، حتى يُحَكِّموا شرع الله، أما أن الآمر والناهي يمد يده، أو يقتل أو يضرب؛ فلا يجوز، لكن يتعاون مع ولاة الأمور بالتي هي أحسن، حتى يحكموا شرع الله في عباد الله، وإلا فواجبه النصح، وواجبه التوجيه إلى الخير، وواجبه إنكار المنكر بالتي هي أحسن، هذا هو واجبه، قال الله تعالى: )فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا   اسْتَطَعْتُمْ ( ([11]) ولأن إنكاره باليد بالقتل أو الضرب؛ يترتب عليه شر أكثر، وفساد أعظم بلا شك ولا ريب لكل من سَبَرَ هذه الأمور وعرفها )). ([12]) .اهـ. 

فإن قيل: لقد جاء عن بعض الصحابة إقامة حد القتل على بعض أهل المعاصي، فمن ذلك:

أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه  – قَتَلَ مَنْ أَبَى الإذعان في التحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

وأن حفصة بنت عمر رضي الله عنهما – أمرتْ بقتل جارية لها سَحَرَتْها.

وأن جندب الخير بن كعب الأزدي وإن كان مختلفًا في صحبته قد قَتَلَ ساحرًا.

وأن رجلا أعمى قتل أم ولد كانت تسب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

فالجواب: لقد صَحَّتْ بعض هذه القصص، وفي بعضها خلاف، وسأجيب من وجوه إن شاء  الله تعالى – على افتراض صحة حميعها، فأقول مستعينًا بالله عز  وجل   –:

الوجه الأول: معلوم أن الخروج على السلطان، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر بالسيف؛ كان أمرًا مختلفًا فيه بين السلف الأوائل، ثم استقر الإجماع على ترك ذلك، لما جرى من مفاسد، وقد سبق هذا مفصلًا.

ومعلوم أيضًا أن الغالب من صنيع السلف ترك إقامة الحدود للسلطان، وعدم منازعته في ذلك.

فلا أستبعد أن يوجد من السلف الأوائل وإن قَلَّ عددهم من لم ير اختصاص السلطان بإقامة الحد، ولذا أقدم على إقامة الحد من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا كان بعضهم يرى تغيير منكر الحاكم باليد؛ فمن باب أولى أنه يرى ذلك في حق غيره، إلا أن هذه المسألة تفتح باب فتنة لاسيما في المتأخرين فلذا اشتهر عند العلماء والأئمة بعد ذلك أن إقامة الحدود سُنَّةٌ ماضية إلى السلطان كما سبق فالعمدة عندنا على ما استقر عليه الأمر عند العلماء والأئمة، لا ما كان موضع اجتهاد قبل ذلك في هذه المسألة وغيرها.

الثاني: أنه لا يُسْتَبْعَد أن يكون عمر قد علم مِنْ حال مَنْ قتله مِنَ المنافقين إذْن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بذلك، وإلا فعمر ما كان يتجرأ على ذلك في كثير من الحالات، فقد استأذن النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في قتل حاطب، وقال: ((إن الرجل قد نافق)) ولم يقدم على قتل حاطب دون استئذان، مع اعتقاده بأنه يستحق القتل، وغير ذلك من الحالات التي استأذن عمرُ وغيره فيها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في قتل بعض الناس، دون إقدام على القتل من قبل أنفسهم.

الثالث: أن هناك مَنْ أنكر على بعض من ذكرتم: فهذا عثمان – رضي الله عنه ، وهو أمير المؤمنين وقتئذٍ قد أنكر على حفصة أَمْرَها عبدالرحمن بن زيد بقتل جاريتها التي سحرتها:

فعند أحمد ([13]) أن ذلك بلغ عثمان، فأنكره، فجاء عبد الله أي ابن عمر فأخبره خبر الجارية، قال: وكأن عثمان إنما أنكر ذلك أنه صُنِع دونه. .اهـ.

وعند ابن أبي شيبة ([14]): فبلغ ذلك عثمان، فأنكره، واشتد عليه، فأتاه ابن عمر، فأخبره أنها سحرتها، واعترفت به، ووجدوا سحرها، فكأن عثمان إنما أنكر ذلك؛ لأنها قُتلت بغير إذنه . .اهـ.

وعند البيهقي ([15]): فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه  – فغضب، فأتاه ابن عمر رضي الله عنهما  – فقال: جاريتها سحرتها، أَقَرَّتْ بالسحر، وأخرجته، قال: فكَفَّ عثمان رضي الله عنه  – قال: وكأنما غضبه لقتلها إياها بغير أمره. .اهـ.

واستدل بذلك صاحب ((الشرح الكبير))([16]) فقال: ((وأما فِعْل حفصة؛ فقد أنكره عثمان عليها، وشقَّ عليه… )).اهـ.

فهذا نص صريح في إنكار عثمان على حفصة رضي الله عنهما  – لأنها قَتَلتْ بغير إذنه وهو أمير المؤمنين وهذا هو موضع النـزاع، ثم استقر الأمر عند أكثر العلماء على ترك إقامة الحد للسلطان، لما سبق من كلام أهل العلم، فلو كان فعل حفصة متفقًا على جوازه؛ لما اشتد غضب عثمان.

وفي ((الشرح الكبير))([17]) أن السيد يجلد القِنَّ، أما القطع أو القتل فيكون للسلطان، إلا في رواية، فإن السيد يملكهما أيضًا، وهو ظاهر مذهب الشاقعي… )).اهـ.

والصحابة فمن دونهم إذا اختلفوا؛ رجَّحنا بين أقوالهم بأدلة خارجية، وقول أكثر أهل العلم، وقواعد الشريعة، وروحها؛ كل ذلك يؤيد قول من ترك ذلك للسلطان بدون منازعة.

ثم يقال أيضًا: حفصة إن تأوَّلت؛ قد تأوَّلت أنها أحق بجاريتها، فكما أنها التي  تؤدبها؛ فهي التي تقيم عليها الحد، ويؤيد ذلك قول ابن عمر: ((جاريتها سحرتها، أَقَرَّتْ بالسحر، وأخرجته)) والله أعلم.

فهل أنتم ولاة أمور، أو سادة لهؤلاء الذين تقيمون عليهم الحد، وهم عبيدكم وإماؤكم؟!

وإذا لم تكونوا لا هذا ولا ذاك؛ فلماذا تستدلون بقصة حفصة ؟! وأنتم ترون أن الأكثر على عدم الترخيص بذلك، وأن عثمان أنكر عليها، وأن من دافع عن حفصة استدل بأنها قتلت جاريتها، وهذا كله بخلاف حالكم!!

الرابع: أن جندبًا الأزدي لما قتل الساحر؛ أمر الوليد بن عقبة وهو ابن أبي معيط، وهو صحابي، وولاه عثمان على الكوفة أمر بحبس جندب ([18]) وهذا مما يدل على إنكاره على جندب، وقد يكون ذلك بأمر عثمان رضي الله عنه  – فإنه كان واليًا له على الكوفة، والله أعلم.   

الخامس: ومما يؤكد أن الأمر ليس متروكًا لكل أحد يقيم الحدود: أن الأعمى لما جمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم- المسلمين، وقال: ((أَنْشُد الله رجلا، فَعَلَ ما فَعَلَ، لي عليه حق، إلا قام )) فجاءه الأعمى، وهو يتزلزل، أي خائف من عاقبة صنيعه، ولو كان ذلك مرخَّصًا فيه للجميع؛ لما خاف، ولا اضطرب، وسيأتي جواب مستقل مفصل إن شاء  الله تعالى – عن قصة الأعمى، والله أعلم.

السادس: لو سلمنا بأنه يجوز لآحاد الرعية إقامة الحد على من فعل ما يوجب الحد؛ فلا شك أن ذلك مقيد بما لا يؤدي إلى مفسدة أكبر مع ولاة الأمور أو الرعية، كما سبق من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى – لكننا نجد أن ترك ذلك لآحاد الرعية؛ يُفْضي إلى شر عظيم، وخطر جسيم، والواقع خير شاهد على ذلك، فبطل قولكم، والعلم عند الله تعالى.



([1]) من ((أصول السنة ((لأحمد بن حنبل رواية عبدوس بن مالك العطار)) (ص66) برقم (30) وانظره عند اللالكائي في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة))( 1-2/160).

([2]) أخرجه اللالكائي: (1-2/168).

([3]) (1-2/169).

([4]) ((وبل الغمام على شفاء الأوام)) (2/332) ت. الشيخ محمد صبحي حلاق -حفظه الله- ط. مكتبة ابن تيمية، ومكتبة العلم، وانظر ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) (12/376) لأبي الحسن يحيى بن أبي الخير العِمْراني الشافعي اليمني، المتوفَّى (558 هـ) ت. قاسم بن محمد النوري، ط. دار المنهاج.

([5]) انظر على سبيل المثال ((الشرح الكبير)) لشمس الدين المقدسي (26/175 – 176)   ت. الشيخ عبد الله بن عبد المحسن التركي ط. هجر.

([6]) (26/170، 172) مسألة (4371، 4372) ت. الشيخ عبد الله بن عبد المحسن التركي، ط. هجر.

([7]) كما في ((المقنع)) (26/170- 171) ت /د. التركي.

([8]) ((مجموع الفتاوى)) (34/176).

([9]) في ((مجموع فتاوى ومقالات متنوعة)) (6/64-65).

([10]) نقلًا من ((فتاوى الأئمة في النوزل المدلهمة))صـ (170).

([11]) [ التغابن: 16 ].

([12]) نقلًا من ((فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة)) (ص67-68).

([13]) في المسند برقم (1779). بسند صحيح.

([14]) ((المصنف)) (9/416/برقم 7961) (10/135-136/برقم 9029)، وانظر أصل القصة في ((الموطأ)) و ((مصنف عبد الرزاق)).

([15]) في ((السنن الكبرى)) (8/136).

([16]) (26/176) ت. الشيخ عبد الله عبد المحسن التركي، ط. هجر.

([17]) (26/175 – 176).

([18]) انظر ((الإصابة)) (1/615-616) ط / دار الكتب العلمية، ترجمة جندب بن كعب الأزدي.

أضف تعليق

انقر هنا لنشر

للتواصل معنا