(هل ثبتت قراءة المعوذات في أذكار الصباح والمساء؟)
رُوي ذلك من حديث عبد الله بن خُبيب الجهني – رضي الله عنه- :
فمن طريق أَسِيد بن أبي أَسيد البراد عن معاذ بن عبد الله الجهني عن أبيه أنه قال: خرجنا في ليلة مَطَر وظُلْمة شديدة نطلب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليصلي بنا، فأدركناه، فقال: “أصليتم“؟ فلم أقل شيئًا، فقال: “قُلْ” فلم أقل شيئًا، ثم قال: “قُلْ” فلم أقل شيئًا، ثم قال: “قُلْ” فقلت: يا رسول الله، ما أقول؟ قال: “قُلْ: (قل هو الله أحد والمعوذتين) حين تُمسي وحين تُصبح ثلاث مرات؛ تكفيك من كل شيء“.
أخرجه أبو داود برقم (5082) والنسائي في “المجتبى” برقم (5428) وفي “الكبرى” برقم (7860) والترمذي برقم (3575) وأحمد في “مسنده” برقم (226664) بقراءة السور مرتين – وعدها بعض المحققين مقحمة- وأخرجه ابن سعد في “الطبقات الكبرى” (4/351) والبخاري في “التاريخ الكبير” (5/21) مختصرًا، وابن أبي عاصم في “الآحاد والمثاني” (5/33-34) برقم (2572) وعبد بن حميد في “المنتخب” برقم (493) وابن السني في “عمل اليوم والليلة” برقم (81) وأبو نعيم في “معرفة الصحابة” (3/1630) برقم (4094 ، 4095) والبيهقي في “الدعوات الكبير” برقم (45) وابن الأثير في “أُسد الغابة” (2/585) ترجمة عبد الله بن خبيب برقم (2918) والمقدسي في “المختارة” (9/287-288) برقم (248 ، 249 ، 250) والمزي في “تهذيب الكمال” (14/451-452) والحافظ في “نتائح الأفكار” (2/345-346 دون ذكر ثلاث مرات).
وهذا إسناد ظاهره الحُسْن: فأَسيد بن أبي أسيد البراد قد وثقه ابن حبان وابن خلفون، وصحح حديثه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، فمثل هذا لا ينزل حديثه عن درجة الحُسْن، إلا أن الدارقطني قال: “يُعتبر به” وهذا معناه: أنه لا يُحتج به، ولو جمعنا بين هذا وذاك لقلنا: صدوق ربما وهم، أي أن الأصل في حديثه الحُسْن، حتى يظهر للناقد أنه وهم في حديث ما، فيُليِّن الحديث به لذلك، وهل هو كذلك هنا؟ أجيبُ عن ذلك بعد ذِكْر حال معاذ.
فأما معاذ بن عبد الله الجهني: فقد ترجمه الحافظ في “التقريب” بقوله: “صدوق ربما وهم” إلا أن من نظر في كلام أهل العلم فيه، كما في “تهذيب التهذيب” يرى أنه لا ينزل عن درجة: “صدوق” فقد وثقه ابن معين وأبو داود وابن حبان، وكون ابن حزم يقول: مجهول؛ فلا التفات إليه بعد توثيق من هم أعلم من ابن حزم بهذا الشأن، وكون الدارقطني يقول: “ليس بذاك” فلا يُغمز الرجل من أجل هذا، فإن الأكثر والأعلم على توثيقه، فإن لم يكن “ثقة” فلا أقل من أن يقال: “صدوق”.
وعلى هذا فتحميل أَسِيد عهدة الوهم في إدخال هذا الحديث من جملة أذكار الصباح والمساء أولى من تحميل معاذ بن عبد الله بن خبيب، لاسيما وقد رواه عن معاذ بن عبد الله من هو أوثق من أسيد بدون هذه الزيادة:
فقد رواه زيد بن أسلم – وهو ثقة- عن معاذ بن عبد الله عن أبيه، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في طريق مكة، فأصبْتُ خُلْوة من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فدنوتُ منه، فقال: “قُلْ” فقلتُ: ما أقول؟، قال: “قُلْ” قلت ما أقول؟ قال: “قل أعوذ برب الفلق” ثم قال: “قل أعوذ برب الناس” ثم قال: “ما تعوَّذ الناس بأفضل منهما” هكذا دون ذِكْر الصباح والمساء، ودون ذكر (قل هو الله أحد).
أخرجه النسائي في “المجتبى” برقم (5426) وفي “الكبرى” برقم (7858) وأبو عبيد في “فضائل القرآن” (صـ144-145) برقم (47/1) والبخاري في “التاريخ الكبير” (5/21) وابن قانع في “معجم الصحابة” (9/3247) برقم (1006) والطبراني في “الأوسط” برقم (2796) وفي “الدعاء” برقم (677) وأبو نعيم في “معرفة الصحابة” (3/1630) برقم (4096) والبغوي في “معجم الصحابة” (4/165) برقم (1677) والحافظ في “نتائج الأفكار” (2/347).
فزيد بن أسلم أوثق من أَسيد بن أبي أسيد، فروايته بدون ذِكْر الصباح والمساء، وبدون ذكر سورة (قل هو الله أحد) هي المعروفة عن معاذ بن عبد الله.
وقد توبع زيد على عدم ذِكْر الصباح والمساء من رواية عبد الله بن سليمان الأسلمي عن معاذ عن أبيه عن عقبة بن عامر الجهني قال: بيْنا أنا أقود برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم راحلته في غزْوة؛ إذ قال: “يا عقبة قُلْ” فاستمعتُ، ثم قال: “يا عقبة قُلْ” فاستمعتُ، فقالها الثالثة، فقلتُ: ما أقول؟ فقال: (قل هو الله أحد) فقرأ السورة حتى ختمها، ثم قرأ: (قل أعوذ برب الفلق) وقرأتُ معه حتى ختمها، ثم قرأ: (قل أعوذ برب الناس) فقرأت معه حتى ختمها، ثم قال: “ما تعوّذ بمثلهن أحد“.
أخرجه النسائي في “المجتبى” برقم (5430) وفي “الكبرى” برقم (7846) والبخاري في “التاريخ الكبير” (5/21-22) برقم (952).
وعبد الله بن سليمان الأسلمي “صدوق يخطئ” إلا أنه توبع من زيد بن أسلم على ذِكْر المعوذتين، ولعل من خطئه هنا زيادة (قل هو الله أحد) وقد جعل الحديث من مسند عقبة بن عامر لا من مسند عبد الله بن خبيب، وقد حصل وهم آخر منه: فروى الحديث عن معاذ عن عقبة دون ذكر أبيه أصلاً، وبدون ذكر الصباح والمساء أيضًا: أخرجه النسائي في “المجتبى” برقم (5431) وفي “الكبرى” برقم (7852) فهذا الاضطراب من عبد الله بن سليمان الأسلمي، إلا أن روايته – مع ما فيها- تتوافق مع رواية زيد بن أسلم الثقة، في ذكر المعوذتين وإطلاق الذِّكْر دون تقييده بالصباح والمساء.
هذا، وقد اختلفت كلمة الحافظ ابن حجر في هذا الحديث:
فحسّنه في “نتائج الأفكار” (2/345) بذكر الصباح والمساء، وقال مرة أخرى في (2/347): “والحديث معروف بعقبة بن عامر….. وبسبب هذا الاختلاف توقفْتُ في تصحيحه” اهـ وقال في “النكت الظراف” (4/317): “وهو معروف بعقبة بن عامر” اهـ وقال في “الإصابة” (4/65): “ولا يبعد أن يكون الحديث محفوظًا من الوجهين” اهـ.
قلتُ: أما ذكر عقبة في حديث عبد الله بن خبيب فلا تطمئن النفْس إلى ثبوته، لرواية زيد بن أسلم – وهو ثقة- ومتابعة أسيد بن أبي أسيد – وهو صدوق- على عدم ذكر عقبة، وخالفهما عبد الله بن سليمان الأسلمي – وهو صدوق يخطئ- فروايته منكرة، إلا أن الحديث في ذِكْر المعوذتين من حديث عقبة مشهور، بل ادعى بعضهم فيه التواتر، فإن حُمل كلام الحافظ عليه فلا إشكال.
وهاك حديث عقبة بن عامر: فقد جاء بلفظ: “ألم تر آيات أُنزلت الليلة لم يُرَ مثلهن قط؟ (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس)” وفي رواية: “أمرني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقراءتهن دبر كل صلاة“، وفي بعض الروايات: “كلما نمت وقمت” وفي بعضها: “إذا نمت وإذا قمت” وفي بعضها مع ذِكْر قصة، وفي بعضها بدون القصة، وفي بعضها بذكر المعوذات، وغالبها مقتصر على المعوذتين، وفي بعضها بذكر سورة الفلق فقط، والحديث بهذه الروايات مفرقًا أخرجه:
مسلم في “صحيحه” برقم (814) وأبو نعيم في “مستخرجه على صحيح مسلم” برقم (1842 ، 1843 ، 1844) وأبو داود برقم (1462 ، 1463) والنسائي في “المجتبى” برقم (1336 ، 5433، 5434 ، 5435 ، 5436 ، 5437 ، 5438 ، 5439 ، 5440) وفي “الكبرى” برقم (1259 ، 7838 ، 7839 ،7840 ، 7842 ، 7843 ، 7844 ، 7845 ، 7847 ، 7848 ، 7849 ، 7851 ، 7855) وفي “عمل اليوم والليلة” برقم (889) والترمذي برقم (2902 ، 2903) والدارمي برقم (3482 ، 3483 ، 3484) وابن خزيمة برقم (534 ، 535 ، 536 ، 755) وابن حبان برقم (1842) والحاكم (1/253) ، (2/540) والطيالسي في “مسنده” برقم (1003) وابن أبي شيبة في “مصنفه” برقم (29595) وأبو عبيد القاسم بن سلام في “فضائل القرآن” (صـ145) برقم (47/3) ، (صـ145) برقم (47/4) والحميدي في “مسنده” برقم (851) وأحمد في “مسنده” برقم (17296 ، 17299 ، 17303 ، 17322 ، 17341 ، 17342 ، 17350 ، 17366 ، 17370 ، 17378 ، 17392 ، 17417 ، 17418 ، 17452 ، 17455 ، 17792) وابن شبّة في “تاريخ المدينة” (3/1011مرتين، 1011-1012 ، 1012مرتين، 1012-1013) وابن عبد الحكم في “فتوح مصر والمغرب” (صـ322 ،326) وأبو زرعة الدمشقي في “تاريخه” (1/500) برقم (1312) وابن الضريس في “فضائل القرآن” (صـ122) برقم (286) ، (288 ، 289) والرُّوياني في “مسنده” (1/150) برقم (160) وأبو يعلي الموصلي في “مسنده” برقم (1734 ، 1735 ، 1736) وابن المنذر في “الأوسط” برقم (1560) والطحاوي في “شرح معاني الآثار” (1/113-116) برقم (122 ، 123 ، 124 ، 125 ، 126 ، 127) والخرائطي في “مكارم الأخلاق” برقم (454) والطبراني في “الكبير” (17/107) برقم (294 ، 811 ، 812) ، (17/334-335) برقم (926) (17/345-346) برقم (951) وفي “مسند الشاميين” برقم (1968) وابن السني في “عمل اليوم والليلة” برقم (122) وابن المقرئ في “المعجم” برقم (557) وأبو نعيم في “ذكر أخبار أصبهان” (1/261) والبيهقي في “الكبرى” (2/394 من وجوه) وفي “الشُّعَب” برقم (2559 ، 2560 ، 2563 ، 2564 ، 2565 ، 2566) والبغوي في “شرح السنة” (4/479) برقم (1213) بذكر سورة الفلق، وفي “تفسيره” (4/728) وابن عساكر في “تاريخ دمشق” (51/81-82 ، 82) وابن الأحضر في “العمدة في مشيخة شُهدة” برقم (24) والمقدسي في “حديث عبد الله المقرئ مما وافق رواية أحمد في المسند” (صـ81) برقم (40) والمزي في “تهذيب الكمال” (7/458) ترجمة حُنين بن أبي حكيم، ومحمد بن الحسين البزار في “فوائده” كما في “التدوين في أخبار قزوين” (1/172) والحافظ في “نتائج الأفكار” (2/290 ،291 ، 292 مرتين).
ومن نظر في هذه المواضع وجد عددًا كبيرًا نحو خمسة عشر رجلاً يروونه عن عقبة دون ذِكْر الصباح والمساء.
ورواه على بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن عقبة مطولاً في نجاة المؤمنين، وخير سُور أُنزلتْ، وفواضل الأعمال: أخرجه أحمد في “مسنده” برقم (17334) والرُّوياني في “مسنده” (1/146) برقم (157 ، 158) مقتصرًا على بعض مكارم الخلاق.
وعلى كل حال: ففي فضل قراءة المعوذتين أحاديث كثيرة، لكن المقصود في بحثنا هنا: النظر في ثبوت قراءة المعوذات أو المعوذتين في أذكار الصباح والمساء، ولم يصح من ذلك شيء عندي، والحديث قد حسّنه شيخنا الألباني – رحمة الله عليه- في “صحيح الترمذي” (3/182) برقم (2829) وجَوَّد سنده في تعليقه على “الكلم الطيب” (صـ69)، وقد رجَّحتُ ما ظهر لي حسب فهمي لقواعد أهل العلم، والعلم عند الله تعالى.