[س15] سؤال: نصلي مأمومين وراء الإمام في التراويح، ونلاحظ البعض يُلحِّن في دعاء القنوت، والبعض لا يُلَحِّن ويقول: إن التلحين بدعة، فما خلاصة حكم التلحين في دعاء القنوت في الوتر للإمام، وكذلك التلحين في الأذان، جزاكم الله خيرا. أريد جوابا وافيا وشافيا من شيخنا.
الجواب: لقد حَرِصَ كثير من الأئمة في دعاء القنوت على التطْرِيب، والترنُّم، والتلحين في الدعاء، والحفاظُ على السَّجْع في الدعاء وإن كان ركيكًا ليس من عمل أئمة الإسلام؛ فإن هذا ينافي الخشوع والتدبر لمعاني الكلمات، ويفتح الباب للتفكير والانشغال بالحرف الذي تنتهي به الجملة، وكل هذا خلاف مقصود الخاشعين في صلاتهم ودعائهم، والأمر كذلك أيضًا في تلحين وتطريب الأذان، وقد قال الإمام أبوبكر الطرطوشي الأندلسي في كتابه: “الدعاءُ المأثورُ وآدابُه وما يجب على الداعي اتباعُهُ واجتنابُهُ” (ص 146-147): “اعلموا –أرشدكم الله- أني رأيت كثيرًا من الناس يقصدون في الدعاء السجع، وازدواج الألفاظ، ويذهبون مذاهب الفصاحة والبراعة والتنطع والفخامة، فيكون الدعاء مسجوعًا موزونًا، يضاهي مُكَاتَباتِ أهل الدنيا، التي يُقْصد بها الـمُبَاهاة بين الأقران، والـمُبَاراة بين النظراء والكُتّاب، وهذا باب مَنْهِيٌّ عنه في الدعاء …” إلى أن قال: “واعلموا أن مقام الداعي مقام تَذَلُّلٍ وخُشوع، وبُكاء وتَضَرُّع، وإظهارِ فاقَةٍ وحاجة، والسجع تَكَلُّفٌ وتَصَنُّع، واشتغالُ الخواطر بازدواج الألفاظ، وإقامة الأوزان؛ ينافي مقام الخشوع، ومن العجب العجاب أن تُعْرِض عن الدعوات التي حكاها الله في كتابه عن الأنبياء والأولياء والأصفياء مقرونة بالإجابة، ثم تنتقي ألفاظ الكُتّاب والشعراء” انتهى.
وفي البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال لعبيد بن عمير: “… وإياك والسجع في الدعاء، فإن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه لا يَفْعَلُونه” وذكر الطرطوشي أن بعض السلف مرَّ بقاضٍ يدعو ويَسْجَع، فقال: “أَعَلى الله تُبَالغ؟ لقد رأيتُ حبيبًا العجمي –وهو حبيب بن عيسى بن محمد العجمي أحدَ العُبّاد الزُّهُّاد مُجَابِي الدعوات، ت:119هـ- يدعو وما يزيد على قوله: “اللهم اجعلنا جَيِّدِين، اللهم لا تفضحنا يوم القيامة، اللهم وفقنا للخير” والناس يَدْعون ورآءه -أي يُؤَمِّنون على دعائه- وكان يُعْرَف بَرَكةُ دعائه، وكان أبو يزيد البسطامي يقول: سَلْهُ بلسان الحاجة، لا بلسان الحِكْمة” انتهى المراد من كتاب الطرطوشي.
وقال الشيخ بكر أبو زيد -رحمه الله- في كتاب “تصحيح الدعاء” (ص 83-84): ” وقد سَرَتْ بعضُ هذه الـمُحْدَثات إلى بعض قُفَاةِ الأثر -أي أهل السنة المتتبعين للآثار النبوية السلفية- فتسمع في دعاء القنوت عند بعض الأئمة في رمضان الجهر الشديد، وخَفْضَ الصوت، ورَفْعَه في الأداء حسب مواضع الدعاء، والمبالغة في الترنم والتطريب والتجويد والترتيل؛ حتى لكأنه يقرأ سورة من كتاب الله تعالى، ويستدعي بذلك عواطف المأمومين لِيَجْهَشُوا بالبكاء …. وهذا فيه مشابهة لما أدخله النصارى من الألحان في الصلوات، ولم يأمرهم بها المسيح والحواريون، وإنما ابتدعه النصارى، كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- …. وذكر -رحمه الله- أن الترنم والتلحين في الدعاء من سيما الرافضة والطُّرُقِيَّة، فعلى أهل السنة التنبه للتوقي من مشابهتهم. والله تعالى أعلم.