الأسئلة العامة

لدي خمسة إبل ولدي قليل من المعز، هل يجوز أن أعطي نصاب على الإبل فلوس

لدي خمسة إبل ولدي قليل من المعز، هل يجوز أن أعطي نصاب على الإبل فلوس، بمعنى أنا قادر على أن أعطي ما يعادل قيمة معزة فلوس، أم أنه ضروري تكون واحدة من المعز أو أشتري معزة؟ جزاكم الله خيرا.

الجواب: اختلف العلماء في مسألة أخْذ القيمة بدل عين الزكاة، فذهب مالك والشافعي وأحمد إلى القول بالمنع، واستدلوا بظاهر الأدلة التي نصّتْ على إخراج زكاة الغنم من الغنم، والإبل إذا بلغت خمسا وعشرين فأكثر من الإبل، وزكاة الحبوب من الحبوب، على تفاصيل معروفة في مقادير وأجناس الزكاة، فلا يجوز العدول عما جاء به النص إلى غيره كما هو في الأضحية والكفارة، كما استدلوا بأنه لو كان إخراج القيمة جائزًا لبينها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، واستدلوا بما أخرجه البخاري من حديث أنس أن أبا بكر رضي الله عنهما كتب له فريضة الصدقة التي أمر الله رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: “من بلغتْ عنده من الإبل صدقة الجذعة وليستْ عنده جذعة وعنده حقة، فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدِّق -أي الجابي- عشرين درهمًا أو شاتين …” الحديث، فلم يأذن في القيمة إلا عند عدم وجود عين الزكاة، وأذن فيها للجبران فقط، وهذا يدل على أن الأصل في دفع القيمة المنع، واستدلوا بأن حاجات الفقراء متنوعة، وأجناس الزكاة متنوعة، وأن الله عز وجل أوجب الزكاة لدفع حاجة الفقير، وشكرًا لله على نعمة المال، فينبغي أن يتنوع الواجب ليصل إلى الفقير من كل نوع ما تدفع به حاجته، ويحصل شكر النعمة بالمواساة من جنس ما أنعم الله عليه به، واستدلوا بأن فتح الباب بإخراج القيمة مكان عين الزكاة ربما أفضى إلى التساهل في تقييم الزكاة، بما يضرُّ المسكين ولا يحصل به مقصود الزكاة للأغنياء من تزكية قلوبهم.

وذهب أبو حنيفة ووافقه على قوله البخاري وغيره إلى جواز إخراج القيمة نقدًا أو ما يقوم مقام عين الزكاة من جنس آخر، واستدل أهل هذا القول بأدلة منها: 1- عموم قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ) فهو تنصيص على أن المأخوذ مال والقيمة مال، فأشبهت المنصوص عليه، 2- كما استدلوا بأثر طاووس عن معاذ رضي الله عنه لما أرسله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى اليمن، فقال لأهل اليمن: ” ائتوني بخميس([1]) أو لبيس آخذه منكم مكان الصدقة، فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة” أخرجه البخاري معلقا وفيه انقطاع بين طاووس ومعاذ، 3- كما استدلوا بأن إخراج القيمة أسهل وأنفع من إخراج العين، وفي هذا الدليل مخالفة ظاهرة للأحاديث السابقة، والله عز وجل يقول: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).

وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قولاً جمع فيه بين هذين القولين كم في “مجموع الفتاوى” (25/80-82) فلم يذهب إلى إطلاق كِلا القولين، ولكن قيّد ذلك بالحاجة والمصلحة الراجحة، وبشرط العدل في التقييم بما لا يقع فيه ضرر، واشترط أيضًا رفع الحرج، فمن وجب في إبله شاه ولم يجدها فلا يُلْزَم بالسفر لشراءها من مكان بعيد، وكذا إذا رأى الساعي أن أخذ القيمة أنفع للفقراء، وكذا من باع ثمر بستانه أو زرعه بدراهم فيجزئه إخراج عُشْر الدراهم أو نصف العُشْر –على تفاصيل في ذلك- ولا يُكلّف أن يشتري ثمرًا أو حنطة إذا كان قد ساوى الفقراء بنفسه، كما يجوز إخراج القيمة إذا ألزم الناس بها ولي الأمر، لأن حكم الحاكم رافع للخلاف.

وعلى ذلك فالسائل له أن يُخْرِج قيمة الشاة بشرط أن لا يكون قد شحَّ بشاته، لأن هذا ينافي مقصود الزكاة من تزكية نفوس الأغنياء، ما لم تكن أحبّ ماله إليه لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: “وإياك وكرائم أموالهم” لكن الرجل إذا أعطى الأفضل والأغلى من ماله يريد بذلك وجه الله فهو أولى وأفضل، والله أعلم.

([1]) الخميس: الثوب الذي طوله خمس أذرع، ويقال له: المخموس، وقيل: سمي خميسا لأن أول من عمله ملك باليمن يقال له: الخِمْس -بالكسر- وقال الجوهري: لخمس: ضربٌ من برود اليمن، وجاء في البخاري: خميص -بالصاد- قيل: إن صحت الرواية فيكون مذكّر الخميصة، وهي كساء صغير، فاستعارها للثوب. اهـ من “النهاية لابن الأثير” (ص 285).