الحمد لله وكفى ، وسلام على عباده الذين اصطفى ، أما بعد
أرحب أولاً بالأستاذ عادل عبده بشر ، رئيس تحرير صحيفة الجمهور ، وأسأل الله عز و جل أن يوفق القائمين على هذه الصحيفة بالقيام بمهمتهم التوعوية النافعة على خير حال ،وأن يجنبنا وإياهم فتنة القول و فتنة العمل . وأقول مستعينا بالله في الجواب على أسئلتكم :
س1: لايزال الشيخ أبو الحسن المصري المأربي يثير الكثير من الجدل داخل اليمن وخارجه …. فمن هو أبو الحسن ؟ وأين تلقى مراحل تعليمه المختلفة ؟
ج 1 : إن مما يثير العجب كوني ـ حسب ما ورد في السؤال ـ سببا في إثارة الجدل داخل اليمن وخارجه، إذ أن من يكون كذلك هو الإنسان الغامض الذي لا يُعرف حقيقة توجّهه ، ولم تظهر مواقفه ، أما وقد ظهر لكثير من الناس القاصي منهم والداني موقفي من العنف والإرهاب ،
و من قضايا التكفير الخاص والعام ، والموقف العلمي المتزن تجاه ولاة الأمور ، ونحو ذلك من مسائل تشغل الساحة في الداخل والخارج ؛فما ذا بقي من حاجة لإثارة الجدل إلا عند جاهل أو متجاهل، وعند ذاك أذكر قول الله عز و جل: ( وما يضرونك من شيء ). وقول القائلة :
ليتك تحلو والحيـاة مريـرة وليتك ترضى والأنام غضـاب
ليت الـذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمـين خـراب
فإن صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب !
وقولك: من هو أبو الحسن؟ وأين تلقى مراحل تعليمه المختلفة ؟ فأنا مصطفى بن إسماعيل السليماني ،مواليد مصر ـ المنصورة ، ولدت في الجمعة /5/ رجب /1374هـ الموافق 14/1/ 1958م . تلقيت دراستي العصرية النظامية بمصر، ابتداءً بالقرية ، ثم المركز للدراسة الثانوية ، ثم المحافظة للدراسة الجامعية ،وقد نشأت في قرية وفي أسرة تحب التَديُّن ، وهي أسرة محافظة على الآداب الشرعية ـ في الجملة ـ كما هو حال أهل القرى ، وحفظت كثيراً من القرآن في صغري ، وفي كُتَّاب بقريتنا ، وقبل بلوغ العشرين رغبتُ في تحصيل العلوم الشرعية ، لاسيما في باب العقيدة والفقه والحديث ، ولم أستمر طويلاً فقدمتُ إلى اليمن سنة 1400 هـ وأنا ابن اثنتين وعشرين سنة تقريباً ،ثم تفرغتُ في اليمن لتحصيل العلوم الشرعية: من العقيدة ، والفقه ، والحديث ، وغير ذلك .
س2: لماذا ترك أبو الحسن مصر ، ومتى أنشأ معهد دار الحديث في مأرب ، ولماذا اختار منطقة “مأرب ” بالذات؟ وكم عدد الطلاب الملتحقين بالدار ؟ ومتى يحصل الطلاب على شهادة التخرج ؟ وهل الدار ملزمة بالبحث عن وظيفة للخريج ؟ وما الفرق بين معهد دار الحديث وجامعة الإيمان التي يرأسها الشيخ عبد المجيد الزنداني ؟
ج2: أولا : بلاد المسلمين هي بلد واحد في الأصل ، ومن انتقل من قطر إلى قطر منها ؛ فالأصل أنه لا زال في بلده ، كمن تحول من محافظة لأخرى داخل القطر الواحد ، هذا مقتضى الولاء الذي بين المسلمين جميعا، والذي هو من أوثق عرى الإيمان ، وإنما أصاب المسلمين ما أصابهم من التفرق والضعف حتى وضعوا عراقيل ضارة في كثير من الحالات ـ وإن كان قد يُحتاج إلى بعضها في حالات أخرى ـ فلم يكن التنقل من بلد مسلم لآخر مما يثير التساؤل في الأصل . ثم إنني رغبت في السفر من مصر لتحصيل العلوم الشرعية في جوٍّ هادئ بعيد عن التوتر الذهني ، إذ كان في مصر آنذاك ملاحقات لبعض جماعات التكفير، و الجماعات المناهضة للدولة ، وهذه الجماعات أفسدت الشباب في بعض جوانب الاعتقاد والسلوك ، فتجرأوا على الدماء المحرمة ، ونشروا الفكر القائم على تكفير العصاة من المسلمين ، وشغلوا الساحة الدعوية بذلك ، وحكموا بكفر من لم يكن معهم ، وإن كان من أعلم الناس وأتقاهم ، بحجة أنهم فقط جماعة المسلمين ، ولم يكن آنذاك هناك تمييز واضح عند الجهات الأمنية بمصر بين الطوائف الدعوية ، وربما أُخذ الرجل بجريرة غيره ، مع كوني ممن كان يتعرض للأذى من بعض جماعة التكفير لردي على فكرهم هذا ، وتحذير الشباب من عقيدتهم ، ولاشك أن في مثل هذا الجو المتوتر لايتفرغ الذهن لتحصيل العلوم الشرعية ، ونظراً لما ورد في السنة النبوية في فضل اليمن وأهله ، ونظرا لما كنت أسمعه من المدرسين العائدين من اليمن عن حال أهل اليمن من المحافظة على الدين ، وتمسكهم بمكارم الأخلاق ونحو ذلك ؛ فقد انشرحت نفسي للمجيء إلى اليمن ، مع وجود من كان يرغبني ـ بإلحاح ـ في السفر إلى الشام ، لكن ما شاء الله كان ، وأحمد الله على ما قدر وأراد ، فقد تهيأت لي فرصة طلب العلم والدعوة إلى الله تعالى في اليمن ، كما أسأل الله أن يتمها بخير ، وأن يرزقني والجميع حسن العاقبة في أمرنا كله .
وأما عن إنشاء معهد دار الحديث في مأرب ، فقد مرّ ذلك بعدة مراحل : فقد بدأ بتدريسي في بعض المدارس الأهلية لتحفيظ القرآن الكريم والعلوم الشرعية بمأرب ، وذلك ابتداءً من سنة 1401هـ ، واستمر ذلك عدة سنوات ، ثم توسعت في باب الدعوة إلى الله،والخطابة في المناسبات العامة والخاصة ، وخطب الجمعة ، والعيدين ، وذلك في عدة مديريات في مأرب ، بل ربما كان ذلك في خارج مأرب أيضا ، لاسيما في محافظة الجوف ،وذلك إلى سنة 1408هـ ، وخلال هذه الفترة فقد كان المحبون للدعوة من مأرب وغيرها يترددون عليّ لزيارتي وسؤالي عما يحتاجون إليه في أمورهم الدينية ، وفي سنة 1409هـ بدأ توافد بعض طلاب العلم إلى مكاني في مأرب بقصد الاستقرار لطلب العلم ، ومن ذلك الوقت فالطلاب في زيادة ، والدعوة في ظهور وانتشار على منهج الوسطية والاعتدال ، ولله الحمد والمنة ، وقد بلغ عدد الطلاب هذه الفترة أكثر من أربعمائة طالب ، وقد تخرج من الدار عدد كبير ،وانتقلوا إلى بلدانهم ، ونشروا منهج الاعتدال ـ ولا أزكيهم على الله تعالى ، و أسأل الله أن ينفع بالجميع . وأما سؤالك : لماذا اخترتُ مأرب بالذات ؟فهذا راجع إلى تقدير الله تعالى أولا ، ثم إنني أول ما جئت إلى اليمن سنة 1400 هـ مكثت في صنعاء وما حولها نحو ثلاثة أشهر ،وكنت أطالع في هذه الفترة في كتب العلوم الشرعية في بعض المكتبات في صنعاء ، وأدْرس بعض علوم العربية عند أحد الفقهاء ـ جزاه الله خيراً ـ في بلاد خولان ، ثم نزلت زيارة إلى مأرب ، حيث يوجد بعض الأصدقاء والأحبة ، سواء منهم من كان يعمل طبيباً آنذاك لدى وزارة الصحة بمأرب ، أو من ليس معه عمل رسمي ويعمل أعمالاً حرة ، فلما نزلتُ إليهم رغبوني في البقاء في مأرب ، وذكروا لي وجود مكتبة علمية كبيرة عند أحد الدعاة إلى الله عز و جل في مأرب ، ووجود طلاب يحتاجون من يدّرسهم ويعلّمهم القرآن الكريم والعلوم الشرعية من أبناء مأرب ، فوجدتها فرصة لأستزيد من العلم ولأعلِّم غيري ، فكان ذلك مشجعاً لي على البقاء ، مع أسباب أخرى وجدتها من شيم أهل مأرب ، وصفاتهم الحميدة ـ ولا أزكيهم على الله تعالى ـ والتي كان لها الأثر في صبري على جو مأرب الحار وغير الملائم لمن هو حديث عهد بأرض مصر .
وأما عن المدة التي يَحْصل فيها الطالب على شهادة التخرج ، فليست محددة على وجه الدقة ، لأن الدار أهلية خيرية ، ومفتوحة لكل من يريد أن يستفيد شيئا من العلم الشرعي وإن قلَّ ، ولا يشترط في قبول الطالب البقاء حتى يتخرج ـ وإن كان ذلك أفضل ـ فقد يجلس بعض الطلاب أسبوعاً ، أو شهرا ، أو سنة ، أو أكثر ، فإذا استمر الطالب نحو أربع سنوات تقريبا كان مؤهّلا للتخرج ، فإذا أتم دراسة كتب معينة في العقيدة ، والفقه ، والحديث ,والتفسير ، واللغة ، و قد حفظ القرآن ، أو قدْراً معينا منه ، أخذ شهادة تدل على قدر ما عنده من العلم ، ويُذكر فيها ما يشير إلى أنه درس الكتاب الفلاني والفلاني ، وهذه الشهادة عبارة عن تعريف للطلاب الراغبين في العلم بأن هذا الطالب قد درس هذه العلوم ، وأنه أهل للاستفادة منه فيها، وقد تخرج كثيرون من الطلاب ، وانتقلوا إلى بلدانهم في اليمن وغيره ، وفتحوا دورا للعلم ـ بقدر قدراتهم والظروف المحيطة بهم ـ فنفع الله بهم كثيرا ، ولله الحمد . وأما عن كون الدار ملزمة بالبحث عن وظيفة لمن تخرج منها ؛ فليست الدار ملزمة بذلك ، لأن هذا يحتاج إلى جهات حكومية أو خيرية متكفلة بهذا الأمر ، وليس ذلك موجوداً ، وغاية ما يمكن أن أفعله للطالب كتابة تزكية أو شفاعة عامة أو خاصة إلى أهل العلم والفضل في داخل اليمن وخارجه ، أُعَرِّف فيها بحال الطالب ، و مقدار علمه، ومنهجه الذي يسير عليه ، وحكمته واتزانه في الدعوة ، وأنه أهل لأن يعان في طريق الدعوة إلى الله ، وأن يؤخذ بيده ، أو يُبنى له مسجد ، ليتمكن من التدريس والدعوة ، فإن نفع الله بهذه التزكية ؛ وإلا فما على المحسنين من سبيل .
والذي ألجأ إلى هذا العناء عدم اعتناء الجهات المختصة في اليمن بالاستفادة من علم هؤلاء الطلاب ، ولو بعمل معادلة علمية لهم ، ليوظفوهم ، وليستفيدوا من علمهم ، ومنهجهم العلمي الهادئ الحكيم ، ولما لم يفعلوا ذلك حُرم كثيرون في المجتمع من علم هؤلاء الطلاب ، وأدى هذا إلى تمكين غيرهم ممن هم أقل منهم علما ، وربما حملوا أفكاراً منحرفة ، فأفسدوا الشباب ، وأدخلوا البلاد في فتنة لا يعلم عاقبتها إلا الله ، والله المستعان . وأما عن الفَرْق بين هذه الدار وجامعة الإيمان : فجامعة الإيمان شهادتها معتمدة عند الجهات الرسمية ، والطالب يحصل بها على درجة وظيفية ـ حسب علمي ـ وفي المقابل فدراسة العلوم الشرعية المتخصصة عندنا مكثفة ومركزة أكثر مما هي في الجامعة ـ فيما يظهر لي ـ وعلى كل حال فكل منهما على خير و يكمل الآخر ، والجميع يصب في خدمة السنة والعلم الشرعي إن شاء الله تعالى ، وإن وُجدت بعض وجهات النظر المتفاوتة ؛ فلا يسوِّغ ذلك الخروج عن أدب الخلاف ، أو ترك التعاون على البر والتقوى ،والاستفادة مما عند كل جهة من الخير ، والسعي في جمع الشمل ما أمكن ، مع مناقشة مسائل الخلاف في جو علمي أخوي صادق ،وهذا موقفنا من الجامعة أو غيرها من المؤسسات، والهيئات , والجامعات , والمدارس ، والأفراد العاملين في الساحة لنصرة السنة النبوية ، والواقع خير دليل على ذلك ،وأسأل الله للجميع المزيد من التوفيق والسداد، ثم إن الساحة تسع الجميع، بل هي محتاجة إلى أضعاف أضعاف الموجودين ، وكل على ثغر ، والعاقل الذي يدرك أنه وحده لا يعمل شيئا يُذكر ، أمام الهجمات الشرسة على الثوابت فضلا عما هو دونها .
س3: الشيخ أبو الحسن متهم بالإرهاب عند بعض الناس .. فما صحة صلتكم بتنظيم القاعدة في مأرب ؟
ج3 : أما عن اتهامي بالإرهاب ، فما أظن أن ذلك موجود إلا عند من لا يعرف أبا الحسن أصلا ، أو من يعيش أسيرا لأوهام وخيالات وإشاعات روّجها المغرضون، أو من في قلبه غل على أبي الحسن ومن كان على شاكلته ، ويتعامل مع أبي الحسن وأمثاله انطلاقا من المثل اليمني القائل : ” عَنْزٌ ولو طارت ” أو أنه يعني إرهاباً لا يفهمه ولا يفسِّره إلا هو وأمثاله !! وإلا فصوتي من الأصوات الجَهْورية في المجتمع اليمني وغيره التي تحذر من العنف والإرهاب ، وتبين بُعد هذه الأفكار عن سماحة الإسلام وصفائه ، وكتابي :” فتنة التفجيرات والاغتيالات : الأسباب ، والآثار ، والعلاج ” مرجع مشهور في تأصيل الفهم الصحيح في هذه المسائل ، وقد طبعته وزارة الشؤون الإسلامية بالرياض عدة مرات ، وتوزعه مجاناً ، وذلك لما يمتاز به الكتاب من عرض منصف لمشكلة العنف والإرهاب ، وطرق واقعية للعلاج ، ورد على الشبهات دون وكس أو شطط ، والفضل في هذا كله لله وحده ، ثم إن الفتاوى المنشورة عني في هذا الباب ، واللقاءات الصحفية وغيرها ، سواء كان ذلك في صحف يمنية أو غير يمنية ، والندوات التوعوية ، وطلابي الذين استفادوا من مجالستي، وطلابهم الذين استفادوا منهم ، ومحاضراتي ، ولقاءاتي الدعوية في اليمن وغيره : كل ذلك يكذِّب هذه التهمة ، ويؤكد أنها فرية بلا مرية ، وترويج مثل هذه الإشاعات ، وانطلاؤها على كثير من الصحفيين ؛ يدل على أن كثيرا منهم لايكلف نفسه في البحث عن الحقيقة أدنى تكليف ، وإلا فلو تابع أدنى متابعة لعرف الحقيقة ، وهذا يدل على أن كثيراً منهم لم يدرك لُبَّ رسالته الصحفية ، وإنما همّه ترويج الإشاعات ، ليظفر بمكسب إعلامي ، ولا يبالي أن يكذِّب نفسه غدا فيما أشاعه اليوم ، وصدق رسول الله e القائل : ” كفى بالمرء إثماً أن يحِّدث بكل ما يسمع ” والله المستعان . وأما عن سؤالك : ما صحة صلتكم بتنظيم القاعدة في مأرب ، فلا أعرف تنظيما بمأرب بهذا الاسم ، فضلاً عن أن يكون لي به صلة أم لا ، والذين يُتهمون إعلاميا أو أمنيا بهذا الوصف لا أعرف أحدا بارزا منهم في مأرب ، وإن وجد أحد متأثر بهذا الفكر التنظيمي فلا أعرفه شخصيا ، وأما عن وجود من يكره الدولة ، أو يذكر مثالبها ، أو يحرض عليها لسبب أو لآخر ـ مستغلين في ذلك الغلاء المعيشي ـ فهؤلاء كثير في اليمن ، وليس في مأرب وحدها ، ولا يلزم أن يكونوا من تنظيم القاعدة ، فمنهم العامي ، ومنهم غير ذلك ,وموقفنا من هذا الفكر واضح ، وردودنا عليه أشهر من أن تذكر ، وليس ذلك رضاً منا بالفساد المالي والإداري الموجودين ، أو الغلاء المعيشي الطاحن في البلاد ـ كما يحلو لبعض المشوهين لدعوة أهل السنة أن يرميهم دائماً بذلك ـ ولكن هذا الموقف المتزن من باب الخشية من أن يزيد التهييجُ الطينَ بلَّة ، والمجتمع مرضا وعلة ، والأمة فرقة وذلة ، هذا مع بَذْل النصح ما أمكن . فالدعوة السلفية العلمية التأصيلية في اليمن وغيره هي التي تعالج هذا الفكر الدموي وغيره من أفكار منحرفة ، لكن بإنصاف وحجج وبراهين ، وعلى منهجية مؤصلة ومستمرة ، بخلاف الإعلام أو بعض الجهات الرسمية التي لا نعلم لها وجوداً إلا عند وقوع حادث مروّع في مأرب أو غيرها ، فعند ذاك تأتي وسائل الإعلام المحلية و الدولية ، وتُعقد ندوات للتنديد والشجب ، وتظهر فتاوى ، وتظهر الكتابة بالخطوط العريضة الحمراء في الصحف بالاستنكار ، وإن كان كل ذلك مطلوبا ؛ إلا أنها رغوة صابون سرعان ماتنتهي ، لأنها لا تقوم على منهج مؤصَّل في العلاج، أما دعوتنا فتحمل على عاتقها تربية شباب الأمة على الوسطية والاعتدال ، ومناقشة حجج الشباب الذين صاروا ضحية التعبئة الفاسدة مناقشة علمية منصفة ، وذلك في كتب ، ورسائل ، ومطويات ،ومنشورات , وأشرطة ، وغير ذلك ، سواء تعرضنا لمتاعب بسبب هذا الموقف أم لا، وقد نفع الله بهذا كثيراً ، فهل بعد هذا كله يأتي قوم أغمار ، أو ناشئة صغار ، فيتهمون حملة لواء الاعتدال بما هم منه براء ؟! نعوذ بالله من هذا البلاء ، ومن ذاك الغثاء !!
س4: أعمال إرهابية حَدَثَتْ في مأرب ، وكان ضمن المتهمين فيها طلاب دار الحديث في مأرب ، ما هو تعليقكم على ذلك ؟
ج4 :اتهام طلاب دار الحديث بمأرب بمشاركتهم في أعمال إرهابية بمأرب اتهام صادر من بعض الصحفيين الذين يجهلون الحقيقة ، أو صادر من بعض الحاقدين على الدار ، أو المروجين لإشاعات الحاقدين ، وإلا فلم يصدر ذلك ـ ولله الحمد ـ عن الجهات الأمنية المختصة في مأرب أو صنعاء ، لأنهم يعلمون أن الدار بعيدة كل البعد عن هذا الفكر أو ذاك العمل ، فهذا الاتهام كاتهام الذئب بدم يوسف ـ عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ـ ولو فرضنا أن بعض المسؤولين صرح بذلك ، فهو محمول على أنه صرح بما بلغه لا بما هو واقع ، أو أنه يريد أن يثبت إخلاصه في عمله ، ويقظته في مهمته ولو بظلم الأبرياء ، وفي هذا العمل من الفساد فوق ذلك : أن اتهام البريء سبب في براءة المتهم الحقيقي ، واستمرار فساده في الأرض ، فيا ليتهم يعلمون !! والذي حصل في مأرب عبارة عن مشكلة بين القبائل والقوات المسلحة أثناء محاولة القبض على بعض المتهمين بالإرهاب ، في منطقة تبعد عن الدار قدر سبعة كيلومتر ، وقد علم طلابُ الدار بالخبر كما علم غيرهم عبر الناس الذين حضروا أو سمعوا ممن حضر ، فأي صلة للطلاب بهذا الحادث
س5: الشيخ أبو الحسن مطلوب للسلطات المصرية ، هكذا يدّعي بعض الناس ، فما صحة هذا القول ؟
ج5 : ليس صحيحاً أن السلطات المصرية أو غيرها تطلبني ، وهذه فرية قديمة ، أثبت الواقع كذبها ، فأحياناً أذهب إلى السفارة المصرية بصنعاء لاستخراج بعض المعاملات التي تهمني أو تهم أقاربي ، وليس لهذه الفرية أثر ولا عين . ولي قرابة ثلاثين سنة في اليمن فما سمعت هذا من أي جهة رسمية مصرية أو يمنية طيلة هذه المدة ، مع لقائي أحياناً بهؤلاء وأولئك ، أفلا يدل كل هذا على أن هذا من القول بغير علم ؟! ثم إن دعوتنا ـ ولله الحمد ـ تدعو إلى الحفاظ على الأمن والاستقرار في جميع البلاد : مصر , واليمن ، وغيرهما ، وتحذر من كل ما يقلقل الأمن ويزعزعه ، ودعوتنا تُصْلح ما أمكن بالحكمة والموعظة الحسنة ، وتقرر سماحة الإسلام وبراءته من الإرهاب الفكري والدموي ، وتتعاون مع المسؤولين الصادقين بالمعروف في إنصاف المظلوم ، وحفظ الحقوق ، ورد المظالم ، وتعليم الجاهل ، وكسوة العاري ، وكفالة اليتيم ، وبناء المساجد ، ومشاريع السقيا ، وإصلاح ذات البين ، ومحاربة ظاهرة الثأر القبلي ، والاستعمال الأهوج للسلاح ، وتحارب الفساد العقدي والخلقي، كل ذلك في حدود المتاحات ؛ لا مجرد التحليق في سماء الخيالات والطموحات ، فلماذا ـ بعد هذا كله ـ تثار إشاعة أني مطلوب للسلطة المصرية أو غيرها ؟! إن هذا ليدل على جهل أو تجاهل وتحامل ، لكنه غيظ الأسير على القِدِّ ، والله المستعان .
س6:بعض الجماعات المنضوية في الجماعات السلفية انسلت إلى تنظيمات أخرى، ” كالجهاد ” مثلاً ، فما هو تعليقكم على هذا ؟
ج6 : وهذا أيضاً من جملة التشويه للحق وأهله ، وتحميل الدعوة السلفية الصحيحة ما لا تحتمل ؛ لأن وجود شواذ في كل طائفة أمر لاينكره إلا جاهل أو متجاهل ، ولو حَمَّلْنا دعوة الحق كل ما يحصل من زلات بعض المنتسبين إليها ؛ لآل بنا الأمر إلى فساد عظيم ، فمثلا قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الحق والهدى والنور ، وَوُجد فيمن ينتسب إلى الإسلام آنذاك منافقون ، على رأسهم عبد الله بن أُبيّ بن سلول ، فهل هذا دليل عند العقلاء المنصفين على تحميل دعوة الحق ما يجري من المنافقين ؟وهذا علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ خرج من جنده صنفان من أهل الأهواء :فرقة ادعت أنه إله ، وهم أتباع ابن سبأ ، وأخرى كفّرته وحاربته ، وهم الخوارج النواصب ، وفيهم يقول القحطاني في نونيته :
واعرف لأهل البيت واجب حقهم واعرف عليا أيما عرفـان
لا تنتقصـه ولا تـزدفـي حبـه فعليه تصلى النارطائفتـان
إحداهمـا لا تـرتضيـه خليفـة و تنصه الأخرى إلها ثـان فهل يُتهم عليّ ـ رضي الله عنه ـ بسبب انحراف من انحرف من جنده ؟ كيف والله سبحانه وتعالى يقول :(ألا تزرُ وازرة وزْر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى وأن إلى ربك المنتهى )؟! وهذا المذهب الزيدي خرج بعض أبنائه بفكر الرافضة الإمامية ، وأعلنوا التمرد على الدولة ، وحصل بسبب ذلك شر عظيم في القوات المسلحة وفي الشعب ، فهل نتهم المذهب الزيدي والزيدية عموماً بالإرهاب ؟!وهؤلاء بعض الشافعية تابعوا الحوثية على أفكارهم أو ذهبوا مع أصحاب التفجيرات فهل نتهم المذهب الشافعي بذلك ؟ وهاهي المدارس والجامعات في العالم الإسلامي قد تخرج منها طلاب ، وغَزَتْهم هذه الأفكار ، مع أن بعض الخريجين يدرس دراسات علمية عصرية بحتة كالطب والهندسة، فهل معنى ذلك أن الجامعات والمدارس توجَّه إليها جميع التهم بسبب انحراف بعض خريجيها ؟ أو يُطْعَن في دراسة الطب والهندسة لذلك ؟! وها هي الوزارات ـ التي لا غنى للمجتمع عنها لتنظيم أموره وقضاء حاجاته ـ يوجد فيها بعض الشواذ والسلبيات ، ومن يحمل بعض هذه الأفكار ، فهل يسوِّغ هذا اتهام فكرة الوزارات ونفعها في المجتمع من الأصل ؟وهكذا المنظمات والإدارات الرسمية و الشعبية لايَسْلم شيء منها من وجود متطرفين فيها ، وهؤلاء أبناء الإسلام يوجد فيهم غلاة ، وجفاة ، وقتلة ،وقطاع طريق ، فهل نتهم الإسلام بسببهم ؟! إذاً يجب أن تكون النظرة متجهة إلى صحة أو فساد المنهج الذي تقوم عليه الطائفة ، أو الجماعة ، أو الوزارة ، أو الإدارة ، أو المنظمة … الخ ، وكذا ننظر إلى غاياتهم ، ووسائلهم ، وبرامجهم ، وإلى فتاوى جمهور قاداتهم ، فإذا كان المنهج صحيحا ـ غاية ووسيلة ـ وجب تأييده ونصرته والدفاع عنه ، ومعالجة الخلل الذي يقع من بعض أفراده في حالة التطبيق ، فالعبرة بصحة التأصيل ، لا مجرد وجود الخلل عند البعض في التنزيل ، والعبرة بالجمهور الأعظم الذي استفاد من الدعوة ، لا مجرد من شذَّ لسبب أو لآخر ، والعبرة بفتاوى الكبار المؤثرين في المسيرة أو جمهورهم ، هذا إذا كنا منصفين في نظرتنا وفي أحكامنا على الغير ، و أيضاً إذا كنا جادين في معرفة موطن المرض وأسبابه لعلاجه ،أما مجرد التشويه فهو بضاعة المفاليس،و إذا كان المنهج فاسداً من أصله ،أو يقوم على وسائل منحرفة ،أو غايات مريبة مشبوهة ؛ فيجب محاربته من نشأته قبل استفحاله ، إذا عجزنا عن نصح أهله وتوجيههم ،للاستفادة من طاقاتهم وقدراتهم . هذا ، مع العلم بأن وجود بعض من ذهب إلى العنف فكراً وفعلاً ليس خاصًّا بالدعوة السلفية ،
فالشيعة عند بعضهم من الإرهاب الفكري والدموي ما لا يخفى ، وما يجري في اليمن بسببهم وما جرى قبل ذلك في الحرمين وغيرهما ، وما يجري منهم في العراق ضد أهل السنة لا يجهله أحد ، إلا الذين يحبون أن يحمِّلوا غيرهم ما جنتْه أيديهم !! كما أن العنف موجود عند غير المسلمين أصلا ،ومنه عنف تمارسه دول ، ومنه عنف تمارسه جماعات ، ومؤسسات ، وعصابات ، وأفراد ، فلماذا هذا الضجيج الإعلامي الماكر الذي يحاول أن يحمل الدعوة السلفية زلات بعض الشواذ ، ويجعل هذه الدعوة المباركة من أولها إلى آخرها مرحلة من مراحل الإرهاب الفكري والدموي ؟ إن وجود أفراد يحملون هذا الفكر لم تسلم منه كثير من الدوائر الحكومية ، ولم يسلم منه بعض الصحفيين الذين يدندنون بهذه الشبهة ، ولم يسلم منه بعض السياسين ، والمحللين ، و المسؤولين ، وكذا لم يسلم منه بعض المنتسبين إلى رجال الأمن والقوات المسلحة قادة وأفرادا ، بل لم يسلم منه أي مجتمع ، فلماذا حَصْر هذه الشبهة في الدعوة السلفية بالذات؟ إن وراء الأكمة ما وراءها ، ومن يروِّج هذه الشبهات إما غافل أو متحامل ، لكن : ( إن الله يدافع عن الذين آمنوا ) ، وصدق سبحانه : ( ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ).
ثم إن الدعوة السلفية الصحيحة دعوة منفتحة على الناس ، وتعامل الناس بحسب الظاهر والله يتولى السرائر، وعملها أكثر ما يكون في المساجد ، والمساجد مفتوحة لكل من دخلها إما للصلاة ، أو لحضور محاضرة ، أو درس في الفقه ، أو الحديث ، أو التفسير ، أو اللغة ، أو حلقة لتحفيظ القرآن الكريم ، فمن حضر مرة في المسجد ثم انصرف ، وتلقفته فرقة أخرى ، وعبأته تعبئة فاسدة ، وحذّرته من العودة مرة أخرى إلى هذه الدعوة وحملتها ، ثم قام بأعمال تخريبية ، فقُبض عليه ، وسئل عمن يسمع له من الدعاة ، أو يحضر عنده من العلماء ، أو سئل عن المسجد الذي يصلي فيه ؟ فقال : لقد حضرت محاضرة للشيخ الفلاني ـ من دعاة السلفية ـ أو درستُ أسبوعاً ، أو شهراً ، أو أكثر عند فلان ، قالوا ـ منتهزين لهذه الفرصة ـ : الدعوة السلفية أحد أطوار الإرهاب !! هذا ليس من الإنصاف ، وليس من الصدق والإخلاص في معرفة مواطن الداء ليوضع له الدواء ، فإن الدعوة السلفية تحذر الليل والنهار من الإرهاب الفكري والدموي ، وتحاور حملة هذا الفكر محاورات علمية هادئة هادفة ، والفكرة لا تطردها إلا فكرة أخرى ،
والدعوة السلفية تؤمن بالجدال والحوار بالتي هي أحسن مع غير المسلمين ؛ فكيف مع بعض المسلمين الذين غزتهم أفكار خاطئة ، فظنوا أنهم يحسنون صنعا؟ الدعوة السلفية تحرص على سلامة المجتمع من الفتن والقلاقل ، وتحذر من زعزعة الأمن والاستقرار ، لأنها تؤمن بأن دعوتها لا تنشط إلا في جو الأمن والاستقرار، لا في أجواء الفتن والدمار، وعلى سبيل المثال : عندما استقرت اليمن من الانقلابات السياسية أكثر من ربع قرن في زمن الأخ الرئيس علي عبد الله صالح قويت الدعوة الموافقة للفطرة السليمة ،وتهيأت الفرصة للناس ، فيسمعون من الدعاة ، ويحضرون محاضراتهم ومجالسهم ، ويتدبرون كلامهم ، ويقارنون بين أقوالهم وأفعالهم ، وينظرون في تحريهم للسنة ، فانشرحت لذلك صدور كثير منهم ، سواء من أبناء المذهب الزيدي أو الشافعي ، وهذا لا يكون إلا إذا أمن المتكلم والمستمع على دمه وماله وعرضه، وأما الجو الذي يمتلئ بغبار الفتن فهذا لايربي امرءاً صالحاً ، ولا يؤصِّل رجلا عالما ً ،
بل هو جو الفوضى والضياع ، ويا ليت الناس يعتبرون بالعراق والصومال وغيرهما ، فإذا كان كبار الدعاة يدعون إلى ماسبق ، وإذا كان كبار الطلاب يتخرجون ثم يربون الناس على ذلك ، وإذا كان العوام المناصرون لدعاة السنة ليسوا من المشاركين في الفتن التي تزعزع الأمن ـ مع كثرة هذه الأحداث في اليمن ـ وإذا كان ذلك كله منشوراً في الكتب ، والرسائل ، والأشرطة والسيد يهات وغيرها ، ويُنادى به من فوق المنابر ، وفي أعظم المجامع في الجمعة والعيدين ، وعلى صفحات الصحف ، وفي بواطن القاعات والمؤتمرات ، إذا كانت مواقف دعاة السنة الصحيحة بهذا الوضوح؛ فهل يسوغ بعد ذلك لمنصف أو رجل يحترم رأيه أن ينسب إلى الدعوة السلفية عكس ذلك تماما لوجود من خالطها يوماً أو أسبوعاً أو أكثر، ثم انحرف عنها؟!(مالكم كيف تحكمون) ؟! أضف إلى ذلك أن الجماعات التي تبالغ في التكفير ، أو تمارس التفجير ؛ يتهمون الدعوة السلفية المعتدلة بالتمييع والعمالة والجبن والضعف ، ويحذرون منها ومن دعاتها ، وهناك آخرون يتهمونها بأنها مرحلة من مراحل الإرهاب ،فهاتان تهمتان بينهما مابين المشرق والمغرب، وهذا دليل على التناقض ، وبراءة الدعوة المعتدلة من هاتين التهمتين ،وهكذا الحق كاللبن ،يخرج من بين فرث ودم ، ولا يتلوث بلون الدم ، ولا برائحة الفرث، والله أعلم .