مقابلات ولقاءات

نـصّ الحوار الذي ألقته صحيفة إيلاف

نـصّ الحوار الذي ألقته صحيفة إيلاف
مع شيخنا أبي الحـسن مصطفى بن إسماعيل السليماني – حـفظـه الله تـعالى

والذي كان في مدينة صنعاء في أوائل شهر ذي القعدة 1428هـ

 

الشيخ أبو الحسن المأربي يتحدث لإيلاف عن طبيعة الخلاف الإخواني السلفي وعن الشيخ الزنداني وقضايا أخرى.

 

حاوره عبد الرزاق الجمل:

 

 

لا تزال هناك حلقة مفقودة أو حلقات في سلسلة الخلاف الإخواني السلفي في اليمن ولا تزال الأسباب التي يتحدث عنها البعض غير مقنعة مقارنة بما يوجد على أرض الواقع من سلوكيات تخفي

خلفها الكثير مما لا نعرفه ربما ومما لا يعرفه أكثر المختلفين حتى الآن ولا تزال السلطة لاعباً متهماً عند البعض رغم تبرئة آخرين لها وتحميل الشرع مسئولية ذلك فهل الخلاف سياسي أم شرعي أم توارد عليه الأمران وما هو تأثير السلطة على واقع الخلاف لتصبح العداوة بهذا الحجم؟ سنتعرف على هذه الجوانب وجوانب أخرى تتعلق بموقفه في الانتخابات الأخيرة حين أفتى الشيخ أبو الحسن المأربي القائم على دار الحديث بمأرب  بحرمة منافسة الرئيس في الانتخابات وسنتعرف على قضايا أخرى من خلال هذا الحوار الذي أجريناه معه  علما أن الحلقات القادمة ستكون مع ممثلين للطرف الآخر حتى تتضح الرؤيا أكثر من قراءة نظرة الطرفين للخلاف.

 

 

 

س:. فضيلة الشيخ :كانت لكم مواقف متشددة من جماعة الإخوان المسلمين في السابق فيما أذكر ومن بقية الجماعات وكنتم تقولون إن منطلقات العداء شرعية لكن الحال تغير بعد موت الشيخ مقبل الوادعي ما سر هذا التغير؟

 

*الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وسلم تسليما كثيرا أما بعد فقضايا الخلاف بيننا وبين الإخوان المسلمين قبل وفاة الشيخ ـ رحمه الله ـ وبعد وفاته هي هي إذ لم تكن حياة الشيخ مقبل أو وفاته هي التي توجد الخلاف أو تنهيه لأن هذا خلاف طويل علمي بين الإخوان والسلفيين في اليمن وخارجها لكن القول إن هذه المواقف تغيرت بعد موت الشيخ الوادعي ليس على إطلاقه فقد كنت أناصحه وأحاوره وأناقشه حول هذه القضايا وكنت أبدي وجهة نظري حول بعض الطرح منه سواء كان طرحاً يتصل بجعله مسألة اجتهادية مسألة عقدية أو جعله مسألة راجعة إلى باب تقدير المصالح والمفاسد فيجعلها مما لا يُعْذر فيه المخالف وربما أستنكر منه بعض الألفاظ  كقوله في يوسف القرضاوي (الكلب العاوي) هذا مع انتفاعي به في جوانب أخرى ، ومن كان لا يدري بحواري مع الشيخ في بعض القضايا فإنما يتكلم بمجرد علمه فقط .

 

س:. هذه مجرد مواقف منك لم تظهر في الساحة بجلاء آنذاك غير أن ما هو حاصل حاليا يمكن أن يوصف بأنه توجه عام لين مع الإخوان المسلمين ؟

 

* كانت لي مواقف وهي مجرد طرح وبيان لما أراه وقد لا يقابل هذا الطرح بالقبول الواسع الذي قوبل به بعد ذلك وهذا صحيح لأن الطلاب في حياة الشيخ   يرونه كبير الدعوة ووالدها والنفس تواقة إلى تقديم قول الأكبر غالباً وهذه آفة في الأوساط السلفية للأسف لهذا لم يجد هذا الطرح قبولاً واسعاً آنذاك وإن كان قويًا في نفسه من الناحية العلمية , إذن فالاعتدال واللين بضوابط شرعية موجود من قبل وليس من بعد لكنه كان يأخذ طابع الحكمة والرفق بيني وبين الشيخ، وكان الشيخ رحمه الله لا يلزمني برأيه ، ويطلب مني ألا ألزمه برأيي ، وهذا بخلاف الغلاة اليوم .

 

س:. ما هي القضايا أو النقاط التي يختلف فيها أبو الحسن كممثل لأحد الفرق السلفية مع الإخوان المسلمين ؟

 

* الخلاف السلفي الإخواني خلاف قديم وواسع ولا يوجد في بلد دون بلد وقد تحدثت عن هذا الخلاف في ستة أشرطة لي بعنوان (كيف تكون معتدلاً) لكن قبل أن نطلق القول بالخلاف بيننا وبين الإخوان المسلمين يجب أن نسأل هل الإخوان المسلمون على مشرب واحد في كل شيء أم هم مختلفون ؟هل الإخوان المسلمون في الجزيرة كالإخوان في الشام ومصر وأفريقيا أم أن بينهم فروقاً؟ فالإخوان في الجزيرة العربية أصفى في المعتقد من الإخوان المسلمين في بلدان أخرى لبركة دعوة التوحيد في الجزيرة لهذا ليس من الإنصاف إطلاق الخلاف بين السلفيين وبين جميع الإخوان وجعله واحداً من كل الوجوه وفي كل البلدان فقد أختلف مع بعض قادة الإخوان في الشام ومصر في مسألة التصوف وزيارة القبور والموالد لكني لن أختلف مع أحد من قادة الإخوان في هذا الشيء في الجزيرة العربية وكذلك الحال في مسائل من باب الأسماء والصفات ، غير أن هناك نقاطا خلافية يشترك فيها الإخوان غالباً هنا وهناك وهنالك ، ومع ذلك فأنا أعدهم من عموم أهل السنة في الجملة وإن خالفتهم في مسائل جوهرية ، وهم إخواننا وإن بغوا علينا ، ولا نجيز لأحد أن يظلمهم أو يتجاوز الحد معهم ، كما لا يجوز لأحد أن يتعصب لهم ويوالي ويعادي في حزبهم ، وأنصح بالتعاون معهم ومع غيرهم في كل ما يخدم الدين بالنظرة الشرعية لا الحزبية :

 

النقطة الأولى:.  الحماس الزائد عن الحد الشرعي ضد ولاة الأمر وتعبئة الأتباع بذلك.. وفي هذه القضية يقول السلفيون إن الحاكم إما أن يكون مسلماً وإما أن يكون كافراً فإن كان مسلماً فإما أن يكون عدلاً وإما أن يكون فاسقاً وفي كليهما يسمع ويطاع له في المعروف وإذا كان فاسقا يناصح بالتي هي أحسن وبما لا يثير الفتنة والصبر على ظلم حاكم أهون من الصبر على الفوضى والسلفيون في خلافهم مع الإخوان هنا ينطلقون من أصل من أصول أهل السنة ولا يقومون بذلك خدمة لمصالحهم  عند هذا الحاكم أو ذاك وإلا فالسلفيون في كثير من بلدان العالم هم أبعد الناس عن الظفر بشيء من دنيا الحكام إذا قُورنوا بما يحصل عليه الإخوان وغيرهم ، فالحماس للقضايا الدينية مطلوب ، لكن إذا كان يؤدي إلى مخالفة أصل من أصول السنة بالتهييج على الحكام والتعبئة التي تؤول إلى الفتنة فهو مرفوض ، ومع هذا فمن السلفيين من عنده برود زائد في هذا الباب ، والحق وسط بين طرفين .

 

 

 

النقطة الثانية:. التزهيد في كثير من علوم الشريعة لا سيما علوم العقيدة والحديث وأصوله ، فكثير منهم يزهدون في هذه العلوم وبلغة لا تخلو من سخرية كقول قائلهم (الناس طلعوا القمر وأنتم لازلتم في الحيض والنفاس .. لم تخرجوا من الحمّام بعد) وربما قاموا بتمثيليات تزهد في العلوم الشرعية والمهتمين بها وللأسف فإن أول من تضرر من هذا الطرح ومن هذا الفهم الإخوان أنفسهم إذ تفشى فيهم الجهل والتعالم فمنهم من يظن أنه عالم كبير  ـ وغايته أنه خطيب مفوّه أو شاعر أو حركي ـ لكن إذا حُوقق في بعض القضايا رأيته لا يتكلم من حيث يلج العلماء ولا يعرف كيف يرجح بين القواعد والنصوص  ولولا الله ثم المعاهد العلمية فترة من الزمن ثم جهود بعض الخيريين فيهم فترة أخرى لرأيت الإخوان في صحراء قاحلة من العلم ، وكثير من العلماء الموجودين فيهم ثمرة علماء السلفيين لا علماء الإخوان ، ومعلوم أن الدعوة بدون علم انحراف وزيغ { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني } .

 

 

 

النقطة الثالثة:. تهميش الدعوة إلى التميز العقدي بدعوى أن الاشتغال بذلك يثير بلبلة فكرية ، ..فالاهتمام بالتكتل الحزبي يقدم عند كثير من الإخوان على الاهتمام بالعقيدة ، وموقف كثير منهم من الخميني وغيره ، ومن الرافضة وغيرهم في اليمن وغيرهم دليل على ذلك ، وأنا هنا أتحدث عن ظاهرة لا عن كل فرد فرد ففيهم أفراد أفاضل وشيوخ أماثل يهتمون بالعقيدة   لكني أتحدثت عن ظاهرة موجودة عند من يملكون القرار في الجماعة وعند كثير من الجمهور المتفجر حماساً ، وعندما أتحدث عن الإخوان لا أتحدث عن العلماء الذين دخلوا ليصلحوا فيهم ، أو لأجل خدمة السنة في هذا الكيان الكبير وإن كان هولا العلماء قد استفاد منهم الإخوان أكثر مما أصلحوا فيهم شعروا أم لم يشعروا ووظفوا وجودهم معهم بما يخدم مصالحهم  إلى درجة أنهم استطاعوا أن يكسبوا من وجودهم مكاسب سياسية وتربوية كبيرة جدا وكان يفترض أن يكسبوا من وجودهم أشياء تخدم السنة بل رأينا من بعض هولاء العلماء والدعاة من شارك الإخوان في الحماس الزائد عن الحد الشرعي ،وقلّل من شأن تدريس العقيدة بدعوى أن هذه معركة لا خصوم لها ، أو بدعوى تأخير ذلك في سلّم الأولويات عندهم ، هذا ولست موافقاً لمن بالغ من السلفيين في جانب الحاكمية وهوّن من مخالفات كبيرة لتوحيد الألوهية ، ولا من بالغ في الأسماء والصفات وهوّن من شأن الحاكمية وخطورة الدعوات العلمانية ، بل الواجب الاهتمام بجميع أبواب التوحيد ، ولا بأس بالتخصص بين العاملين ، لا حصر التوحيد في شيء وإقصاء أو احتقار غيره من الجوانب .

 

 

 

س:.  استثنيت العلماء في حديثك عن الإخوان لأنهم دخلوا ليصلحوا غير أن الشيخ عبد المجيد لم يدخل ليصلح لأنه من أسس كيان الجماعة هنا فهل هو ممن استثنيتهم؟

 

* ليست لدي معرفة تاريخية تامة عما إذا كان الشيخ عبد المجيد هو الذي أسس الجماعة هنا من البداية أم لا لكني أعتقد بأنه الذي أحياهم ووسع نطاقهم لأن كثيراً من الذين دخلوا في حزب الإصلاح دخلوا ثقة في الشيخ عبد المجيد وليس ثقة في السياسيين الذين نسمع بهم اليوم لكن الإخوان من ورائه ربوا هؤلاء تربية لا يراها الشيخ في الكثير من الحالات  وليس معنى هذا أن الشيخ عبد المجيد يخالف الإخوان في كل شيء فهو يوافقهم في أشياء كثيرة إلا أنه ليس من تربيتهم البحتة ولا أسلم بأنه ما دخل فيهم ليصلح منهم ، بل دخل لذلك لكن السؤال هل تحقق له ما يريد ؟ هل الذين دخلوا في الجماعة حباً له وثقة فيه لا زالوا على ولائهم له ولما يطرحه فيما يخالف الإخوان ؟ .

 

س:. هل الشيخ يساويهم في قضية التميز العقدي .؟

 

* لا الشيخ لديه تميز في باب العقيدة واهتمامه بذلك واضح في جامعة الإيمان ، كما ذُكر لي ، وتعليمهم الطلاب أمور العقيدة واختيارهم لمدرسين زُكوا عقدياً دليل على ذلك ، لكن للشيخ نظرته في قضية المصالح والمفاسد  لهذا فهناك فوارق في التميز العقدي بين الشيخ والإخوان  وإن كنت لا أرتضي أشياء أخرى عند الشيخ  كما هو لا يرتضي أشياء أخرى عندي لكن هناك قضايا أكبر تجمعنا وتؤلف بيننا وأنا أحرص على توطيدها معه ومع غيره لخدمة الدين بالضوابط الشرعية ولست ممن إذا اختلف مع داعية في شيء خالفه في كل شيء ، وإذا لم تكن قواعد الشريعة تكفينا في ذلك ، فما يمر به المسلمون من محن وكوارث كافٍ في سلوك هذا المسلك .

 

س:. إلى جانب الثلاث النقاط التي يختلف فيها الإخوان مع السلفيين عموما ما هي النقاط التي يختلف فيها سلفيو اليمن مع إخوان اليمن؟

 

* يلاحظ في طرحي لنقاط الخلاف بيننا وبينهم أني لم أذكر أن الإخوان يسيئون إلينا ويتهموننا بما نحن منه براء  وينبذوننا بالتكفير تارة وبالعمالة أخرى ـ وهما متناقضان ـ ويسطون على بعض مساجدنا …. الخ لم أذكر هذه الأشياء لأني أعتبرها سلوكيات وإن كانت في الحقيقة شائعة وهي وإن كانت أخطاء فردية لكنها زادت على الحد حتى أصبحت ظاهرة  ومع ذلك لا أحب أن أقول قالوا فينا كذا وكذا ولا أحب أن أعامل المسيء بمعاملته ، والواجب أن تطيع الله فيمن عصاه فيك ، والداعية يتحمل من البعيد فكيف من القريب ، وأحب أن يكون كلامي عن مسائل علمية لو اتفقنا فيها  سينتهي كثير من هذه السلوكيات الخاطئة ولا أستحضر الآن نقاط خلاف تستحق أن تسمى نقاط خلاف مؤثرة غير الثلاث المذكورة  وقد ذكرت ما يتعلق بهذا في الستة الأشرطة المشار إليها بما هو أوسع من ذلك ، وربما ذكرتُ ستة فروق بيننا وبينهم فيما أذكر فيُرجع إليها.

 

س:.رغم موقفكم المعتدل من جماعة الإخوان في اليمن إلا أنكم بقيتم محتفظين بشكل الاختلاف العام (أي أن هناك خلافاً) هل موقف الإصلاح من السلطة كمعارضة وموقفكم الموالي للرئيس السبب في بقاء ذلك (أي أنكم تريدون المحافظة على حالة الود بينكم وبين السلطة)؟

 

* هذا التفسير ليس بلازم  أولاً لأن موقفنا مع الأخ الرئيس موقف شرعي كما أن موقفنا من الإخوان موقف شرعي  فأنا عندما أتفق مع الإخوان  ضد من ينال منهم بغير حق هذا موقف شرعي وموقفنا مع ولي الأمر السمع والطاعة والنصح إذا خالف الحق موقف شرعي أيضاً فلماذا يُدعى التعارض بين الموقفين الشرعيين حيى يُفزع للبحث عن سبب جامع لوجود هذين الموقفين ؟ أنا لي نظرة من جهة الإخوان أخطئهم في أشياء وأدافع عنهم في أشياء ، وأناصرهم في أشياء ، وأناصحهم في أشياء ، وكذلك لي نظرتي تجاه السلطة الحاكمة أخطئها في أشياء وأدافع عنهم في أشياء وموقفي مع الجميع دائر بين المناصرة والمناصحة بالتي هي أحسن ، وبالضوابط الشرعية ، فعندما يقال لماذا احتفظتم بهذا الموقف وبذاك  هل لأن احتفاظكم بهذا الموقف السبب فيه وجود الإخوان خارج السلطة  من أجل أن تبقوا على حبل الود بينكم وبين الرئيس ؟ فلا يلزم هذا التلازم .

 

س:. لنفترض أن هذا الموقف شرعي هل السلطة في منزلة من الورع بحيث لا تتبنى هذا الموقف وتستثمره لصالحها؟

 

أليس اختلافنا مع الإخوان قبل اختلافهم مع الرئيس؟ ألم نختلف معهم في مسائل وهم يمثلون ثلث السلطة ومعهم وزارات وقرارات وأموال ؟ لماذا لم نقل طالما أنهم مع السلطة فعلينا أن ننسى الخلافات بيننا ؟ لو كان الإخوان هم السلطة الآن لقلنا بوجوب السمع والطاعة لهم  ولوقفنا ضد من يريد الخروج عليهم  لكن ليس معنى ذلك أننا سنقول بأن الخطأ أصبح صواباً أما قضية “هل بالإمكان أن تستغل الدولة هذا؟” هذا ممكن وقد يكون ضمن برامجها تفعيل هذا الأمر أو استغلاله في وقت ما ، أما من ناحيتنا فنحن نقف موقفا شرعياً استفادت منه الدولة أم لا استغلته أم أهملته وإن كان يبلغني أن هناك من المسئولين في الدولة من يقول نحن نستخدم السلفيين ورقة وسنتركهم كما تركنا الإخوان ألا فليعلم هذا وغيره أننا لا ننطلق إلا من أدلة شرعية وقناعات علمية ، ونراعي في ذلك الحال والمآل ، أقبلت الدولة علينا أم أدبرت ، ولا نحاسب نحن بقصد غيرنا وفعله ‘ ومن أراد أن يستغلنا بغير قناعاتنا فسيرى يقظتنا وتفطّننا والله المستعان .

 

س:. الموقف السياسي لجماعة الإخوان المسلمين كمعارضة هل يعتبر نقطة خلاف دينية بينكم وبينهم انطلاقاً من نظرتكم الدينية لقضية الحاكم وهل يعد هذا العمل نوعا من الخروج.؟

 

* أصل فكرة تخطئة الحاكم ونصحه فيما يخطئ فيه بالضوابط الشرعية حق ولا ينكرها الشرع  فأبو سعيد الخدري أنكر على مروان بن الحكم ، وكلمة الحق عند السلطان الجائر من أفضل القربات ، لكن لا بد من مراعاة الضوابط الشرعية لذلك .

 

س:. أبو سعيد لم يكن لديه برنامج يهدف للإطاحة بالحاكم وحكومته؟

 

* عفواً اصبر عليَّ أعلم هذا لكني أتحدث عن أصل فكرة ” تخطئة الحاكم إذا أخطأ” وجوازها شرعا بشروط وضوابط منها : أن لا يكون ذلك جالباً لمفسدة أكبر …. أن لا يكون علنا إن أمكن.. وأن لا يكون بطريقة تفسد الحاكم ولا توصل إلى المطلوب .. أو بطريقة تهيج العامة على الحاكم وتسقط هيبته  غير أن الواقع الموجود اليوم شيء آخر ، فهذه الجزئية التي أباحها الشرع بضوابط لتكون ضمانات حتى لا يتسع الخرق على الراقع طُورت ونُفخ فيها حتى أصبحت الآن هياكل وتنظيمات يقال لها (معارضة) همّها أو همّ كثير منها دفن كل مصلحة وعدم الاعتراف بكل حسنة من الحاكم ثم إن الحاكم إذا عورض في خطأ منه ثم استجاب لهم ورجع إلى الصواب جعلوها مكسبا سياسيا لمصالح حزبية أخرى وإذا لم يستجب  جعلوها من عدم الاهتمام بمشاعر الشعب والأمة وغير ذلك مما يجعل الحاكم يتخذ الموقف العدائي  فلا يستجيب لطلبات المعارضة وإن كانت حقا حتى لا تصنف على أنها مكاسب سياسية للمعارضة وهذا فساد من الطرفين لا يقرّه شرع ولا عُرْف ولا عقل ولا نقل ، فالمعارضة في الوضع الحالي في كثير من الحالات ـ وإن كانت لها مواقف نافعة ومؤثرة ـ إلا أن شرها أكثر من خيرها وفسادها أكثر من نفعها وهي إلى المنع أقرب منها إلى الجواز وعندما تصل إلى هذا الحد تكون نقطة خلاف بيننا وبين الإخوان وقد يرجع ذلك إلى نقطة الإفراط في الحماس ، ورغم أن الإخوان بعيدون عن السلطة باعتبارهم معارضة إلا أنهم مع ذلك أقرب إلى السلطة منا ويسهل وصولهم إلى مرادهم من السلطة في كثير من الأوقات والحالات ، وأحيانا يتعرض بعض إخواننا لمضايقات ولا نجد إلا أن نستشفع برجال من الإخوان لهم ولاء إسلامي عام ، وليس حزبياً ضيقاً ، ولهم مكانة عند الرئيس أو غيره ، ويُشكرون على ذلك ، والواجب علينا وعليهم الانتصار للحق لا للحزب فقط .

 

س:. لكن هل هذا العمل خروج على الحاكم.؟

 

هناك من يقول بأن الخروج لا يكون خروجاً حتى يكون بالسلاح وهذا غير صحيح فالخروج له مراتب أول هذه المراتب الخروج بالكلام وذِكْر مثالب الحكام ، وإيغار الصدور عليهم ، وهذا فيه إعانة على التمرد والفتنة الكبرى وقد كان من السلف من يعد الكلام إعانة على فتنة الدماء ، ولأن الفعل يسبقه الكلام ، لكن يجب التفريق بين حكم الفعل وحكم الفاعل فالفعل خروج أما الفاعل فنحتاج في الحكم عليه بذلك إلى استيفاء الشروط وانتفاء الموانع في حقه ، لا سيما والمتكلمون بذلك من المعارضة يتأولون إباحة الدستور الذي رضيت به السلطة لذلك ، وهذه شبهة تدرأ الحكم على المعين حتى حين ، وقد ذكرت في كتابي ” فتنة التفجيرات والاغتيالات ” قول من لا يرى الكلام خروجاً ورددت عليه بتوسّع فيُرجع إليه .