مقابلات ولقاءات

لقاء صحيفة البلاغ مع شيخنا أبي الحسن وفقه الله

قبلَ البدء في حوارنا كنتَ تجلسُ مع مجموعة قبائل تحتكمُ إليكم.. ما الذي جعلك كشيخ علم أن تلجأَ إلى الأحكام والأعراف القبَلية؟

أهلاً بك في مأرب، وفي مكتبة دار الحديث، أما ما سألتَ عنه فحقيقةً أن للناس مشاكلَ وهموماً ولهم ظروفٌ، وفي كتاب الله سبحانه وتعالى الحلُّ لهذه المشاكل، الناسُ يشكون إما من حاكم يحكمُ بأحكام عُرفية بعيدة عن الشرع،

وتصيبُ وتخطئُ، وتضر وتنفع، أو من حاكم يحكم بالشرع لكنه يجامل بالأحكام، أو يأخذ الرشوةَ، أو يطيل المدة، فتكثر الخسارة، وربما تقاتل الطرفان، فالناس يشكون من هذين الصنفين ـ وإن كان فيهما رجال صالحون ـ فلا بد للمخلصين الغيورين والعالمين بكلام الله وسُنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والعالمين أيضاً بالتركيبة القبلية والأعراف المتبعة أن ينظروا في هذه المشاكل بما هو مستنبط من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام،

 

وبفضل الله فإن لي أكثر من “25 عامًا” وأنا أقضي بين الناس، وكانت هناك نظرةٌ عند كثير من مشايخ القبائل بأن شرعَ الله لا يعرف إلا في مسائل المرأة إذا اختلفت مع زوجها، أو الطلاق أو المراجعة، وكذلك مسائل المواريث أو الفرائض،

أما أن شرع الله يعرف في الدماء أو العهود التي بين القبائل وغير ذلك فكثير منهم يتصور أن شرع الله لا يعرف هذا، وبفضل الله سبحانه أن هذا النظرية الخاطئة قد ذهبت من عند كثير من مشايخ القبائل ومراجعها وعرافها فضلاً عمن دونهم، وقد بينت لهم حكم الشرع فيها بحكمة وأسلوب حسن وحرصت على اكتساب هؤلاء المشايخ ـ مع الاستفادة من خبرتهم وتجربتهم ونصائحهم ـ وتبصيرهم بالحكم الشرعي وتخويفهم من عذاب الله إذا خالفوا شرع الله.

 

هل حسدك مشايخ القبائل ، لأنك تمتد على حساب مكانتهم؟!!.

الحسد يقع إذا كان الذي يحكم بشرع الله يسفه الآخرين الذين يحكمون بالعرف، أو يتربص بزلاتهم، ويطير بها ويشنع عليهم، أما أنا فأعتقد أن مشايخ القبائل قد نفع الله بهم كثيراً، وأنهم قد أطفأوا كثيراً من الفتن، على الأخطاء التي تقع منهم، فوجودهم خير من عدمهم، وأن القبيلة بلا شيخ قبيلة مندثرة وضعيفة حتى وإن كان شيخها جاهلاً فهو أحسن من الفوضى، وعندما تقطع الأمر مع رجل واحد أفضل من أن تحاول قطعه مع المئات، واحد يرضى وعشرات يسخطون، فوجود المشايخ المطاعين خير كثير، وأنصح طلبة العلم أن يعرفوا مكانة مشايخ القبائل في ميدان الخدمة في المجتمع، وحقن الدماء، ومدى الحاجة إليهم، وإن كان عند بعضهم مظالم ومواقف غير مرضية، فالنظر يجب أن يكون من جميع الجهات،ولسنا نقول بتقديس المشايخ بحق أو بباطل، ولا كمن يلغونهم ويقصونهم ويقولون هم شر محض، وإبعادهم خير من بقائهم، والواجب نصحهم وعلاج أخطائهم بقدر الإمكان، واليوم فكثير من كبار مشايخ القبائل يردون قضاياهم الخاصة إليَّ، وأحيانًا إذا حكموا ورضيت قبيلة ورفضت قبيلة أخرى فيرسلونهم إليَّ لأنظر في حكم هذا الحاكم، أقره أو لا أقره، هذا لما يعلمون من علاقتي الحسنة بهم وشفقتي وحرصي عليهم ومعرفتي لقدرهم ومكانتهم، وعلى ذلك فلا يوجد هناك مجال للغيرة والحسد؛ لأني لا أنافسهم على شيء، لا في دنيا، ولا في شيء، وإنما أنا أتمم مسيرتهم في الإصلاح وإطفاء الفتن، وأقوِّم بعض الاعوجاج الذي حصل منهم في هذه المسيرة، وأثني عليهم ً، وأدعو لهم ولأولادهم بالخير، وأتردد عليهم بالزيارات في المناسبات، وكذلك أحتفي بهم عند زيارتهم لي، فكانوا مع هذا أيضًا أنصارًا للحق في عدة مواضع.

 

بعض الأحكام العُرفية كالعيوب أين تضعها لو أرجعت إليك؟!.

العيب في عُرف القبيلة هو الإخلال بالعهد والميثاق أو الصلح أو الوجه كما يقال، ولا شك أن هذا مخالفللكتاب والسنة فالله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)، ويقول:(وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا)، والإخلال بالعهد أن تعطي مثلاً الصلح لرجل ثم بعد ذلك تعيب فيه وتقتله أو تصيبه بجروح، أو يفعل ذلك أحد ممن دخلوا في العهد، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من أمَّن رجلاً ثم قتله فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافراً، فعندما يعطي الرجل رجلا آخر صلحاً ويأتي بعده يعيب فيه أو يخيفه أو يجرحه لا شك أنه قد أخل بالعهد، والإخلال بالعهد حكمه التعزير، والتعزير ليس له حكم محدد في جميع القضايا، إنما يختلف من شخص لآخر، ومن حالة لأخرى، ومن زمن لآخر، والمقصود من التعزيرالردع، فكل ما يردع يعمل به ـ مالم يخالف الشرع ـ، فأقل ما يمكن أن يردع يعمل به ، فإذا كانت مائة الألف لا تردع يقضي بمئتي الألف أو نحوها، وهناك مسألة معروفة عند أهل العلم وهي التعزير بالمال، هل هو مقبول شرعاً أم لا؟ وأنا أرجح القول بأن التعزير بالمال سبيل شرعي ومسلك حكمي لا سيما ونحن في عملنا القضائي بين الناس لسنا مخولين من قِبَل ولي الأمر، إنما نستمد شرعيتنا من تراضي الطرفين، وليس معنا سجن ولا سوط، فما بقي إلا التعزير بالمال وإلا صار الناس فوضى، فالحكم في العيب بأحكام مغلظة سواء كانت عظيمة أو خفيفة، لا أستطيع أن أقول فيها بقبول أو رد إلا بعد دراسة القضية، فقضية أقول فيها الحكم هذا مناسب، وقضية أخرى أقول فيها هذا الحكم مبالغ فيه، أو عكس ذلك .

 

تقصد حجم القضية؟.

نعم.. بحجم القضية، وحجم ما يحدث من ورائها مع مراعاة قرائن أخرى.

 

شيخ.. في ندوة عن الإرهاب في مأرب، وحضرتها وكنت تجلس إلى جانب أحد الأمريكيين في المنصة ماذا قيل عنك؟.

الشامتون يتربصون بكل شيء دائماً، ولا يرضون إلا عمن كان على شاكلتهم، والحسنة عندهم سيئة، فكيف إذا كانت سيئة؟ نسأل الله لنا ولهم الهداية، أما المحبون والمناصرون فلهم نظرة أخرى فأكثرهم يرى أن الهدف الأسمى من المشاركة في مثل هذه الندوة هو إزالة اللوثة عن الإسلام، وعن الدعوة، وأن من يريد أن يزج بالإسلام في زاوية الإرهاب، أو يلبس الإسلام قميصاً ليس قميصه ويصور الإسلام وعلماءه وأهله بأنهم إرهابيون سفاكون للدماء، ولا مقصد لهم إلا إلحاق الضرر بغيرهم، هؤلاء غير منصفين، وإنما يستغلون تصرفات شاذة من بعض الشباب كما ذكرت في الندوة، ويقولون هؤلاء  يمثلون الإسلام،  وهذه تعاليم الإسلام، وقد قلت في الندوة هؤلاء الذين يصورون الإسلام بهذه الصورة لهم مقاصد غير حميدة، وإذا أرادوا أن يعرفوا الإسلام فليعرفوه من علمائه الكبار، ومن مراجعه الموثوق بها، أما التصرفات الشاذة فلا يُحكم بها على الاسلام، .. وكل مجتمع فيه شواذ، وفيه أخطاء، فإذا جعلنا هذه الأخطاء هي عنوان المجتمع فهذا ليس من الإنصاف، ولا شك أن من إخواننا المحبين والمناصرين من نظر إلى مجرد جلوسي في تلك الندوة واستشكل ذلك، ولم ينظر إلى الهدف الأسمى من المشاركة، وإن كان الجمهور الأغلب منهم قد نظر إلى المقصد الأعظم، إلا أن هناك من قال: كيف تحاضر في ندوة فيها نساء؟، قلت: النبي عليه الصلاة والسلام في خطبة العيد خطب الرجال فلما رأى أنه لم يسمع النساء ذهب إليهن ووعظهن وأمرهن بالصدقة، فما المانع من أن يخاطب الرجل النساء بالضوابط الشرعية وعند الأمن من الفتنة؟!، فضلاً عن أن يكون الخطاب موجّهًا إلى الرجال، ثم إذا كان النساء في طرف القاعة، ولا ينظر الرجل إليهن، فما المانع من باب أولى؟!!، وبعض الإخوان أيضاً نظروا إلى جزئية جلوسي في الندوة إلى جانب المندوب الأمريكي وهذا طبعاً راجع ـ إلى حدٍّ ما ـ إلى إلهاب المشاعر عبر وسائل الإعلام التي تستعمل العناوين المثيرة، فمنهم من يقول: السلفيون والأمريكان جنباً إلى جنب.. فأنتم كصحفيين أثرتم هذا الأمر بأسلوبكم المثير، وهذا الجلوس جائز بضوابط شرعية، مع أنني في الحقيقة جلست بجوار الأمريكي ولا أعرف أنه أمريكي إلا بعد أن جاء دوره في الكلام.

 

لم تكن تعرفه؟.

لا ما كنت أعرفه إلا بعد أن أحيلت الكلمة إليه أثناء الندوة.

 

ولو كنت تعرف هل ستجلس؟.

نعم، ولو كنت أعرف أنه أمريكي أو غيره وجلس بجواري لجلست إلى جانبه، ولو كلمني بالعربية التي أعرفها لكلمته، الإسلام دين إحسان، ودين مكارم الأخلاق، ودين مبادئ وثوابت، وحوار بنّاء مثمر، ويحكم العقل والنقل، لا مجرد العاطفة، أو ردود الأفعال، وهو دين يجازي الحسنة بالحسنة (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) ويجازي المسيء بإساءته، ويحصر العقوبة على المسيء لا كل من كان من أهل بلده، وقد كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: ” لو قال لي فرعون بارك الله فيك لقلت وأنت بارك الله فيك” ، والله تعالى يقول:(وإذا حييتم بتحية فاحيوا بأحسن منها أو ردوها)، فأنا لم أكن أعرف مدير المعهد الديمقراطي الأمريكي، ولما عرفته أثناء الندوة لم يكن هناك جديد يغير قناعتي بالمشاركة، بل أهديته الكتابَ الذي ألفته عن الإرهاب في آخر الندوة، عسى أن يعرفَ عن الإسلام أكثر وأكثر، ويعرف براءة الإسلام مما يحاول الغرب وقادته أن ينسبوه إليه، ولقد أدت الندوة ثمارها الطيبة، وأما المبغضون والمغرضون فلهم في ذلك مقاصدشتى، وهم يجالسون الأمريكان وغيرهم، ويجيزون لأنفسهم ما يحرمونه على غيرهم، وإذا فعلوا الشيء فهو عندهم من فقه الواقع ومصلحة الدعوة، وإذا عمله غيرهم فهو عندهم من التنازل عن الدين (فما لكم كيف تحكمون).

 

من تقصد بالمغرضين؟.

الذين لهم نظرة سوداوية على السلفيين، ولا يدركون حجم أهل الاعتدال فيهم، ويعادون صالحهم وطالحهم، ويحبون أن يشيعوا حولهم التهم، سواء أكانوا بعض الصحفيين أو كانوا بعض المنتمين لبعض التوجهات الدعوية، أو كانوا من السلفيين الذين عُرفوا بضيق الأفق وقصر النظر، أو غيرهم .

 

أنت تتحدث وكأنك الوجه الحقيقي للسلفيين؟.

أنت سألتني عن صدى الندوة عند السلفيين الذين هم قريبون مني، والذين هم يخالفونني من السلفيين وغيرهم فأجبتك بمواقفهم ولم أتكلم كمندوب عن السلفية كلها، وإنما أنا أحد الدعاة الذين يسلكون هذا المنهج السلفي المعتدل، وعن هؤلاء أدافع، لأنهم يمثلون السلفية في صفائها وسماحتها وإنصافها، ثم أين ظهر لك من كلامي أنني أتكلم باسمي عن الجميع؟

 

أقصد أن هناك مشايخَ في السلفية ينظرون بأن الجلوس مع الأمريكي فيه مخالفة للسلفية؟!.

قد أجبتُك وذكرت موقف المخالفين والموافقين، وأنت ترى ذلك مندوبية عن الجميع.

نعم ولكن هل أنت كنت تعرف أن ذلك الأمريكي هو صاحب تقرير عن الانتخابات السابقة في اليمن ورد فيه بأن فتواك المعروفة كانت إحدى معوقات ومثبطات العملية الديمقراطية في اليمن؟!، عندما قلت إن ولي الأمر لا ينافس وعليه فقد كنت تحرض على عدم الخوض في المنافسة؟!.

 

لم أكن أعرف ذلك، ولا أدري بتقريره هذا، وأنا ما غيرت رأيي في الفتوى، وما زلت على فتواي الأولى، وكل ما في الأمر أنه إذا ظهر للإنسان تزاحم بين المصالح والمفاسد فإنه يوازن بين الأمرين، ويفتي بما يكون فيه تقليل الشر، وتكثير الخير، لكن الأصلَ في الفتوى هو ما ذكرته، وقد أَخْرُج عن الفتوى العامة باعتبار وجود قرائن جديدة تحف المقام فأرى أن الأصلح المنافسة، أو أن الأصلح البقاء على الأصل، أما كون المعهد الأمريكي يظن في فتواي شيئًا آخر فلا ألزمهم ولا غيرهم برأيي، ولا يلزمني رأي غيري إذا لم يكن متعينًا شرعًا.

 

هل فيه جميل ومعروف بينك وبين الرئيس جعلك تصدر فتواك بعدم جواز منافسته؟

ما المراد بالجميل والمعروف؟

 

يعني مادة؟

أما أنا فليس معي من الرئيس منذ خلقه الله وخلقني الله ريال واحد، وإن كان هذا جائزًا شرعًا في الأصل، ومن واجب الرئيس أن يكفل الدعوة، فأنا وغيري نؤدي جزءً من واجب ولي الأمر، عندما نُعلّمُ الجاهلونكسوا العاري ونطعم الجائع، ونبني المساجد، ونحفر الآبار فهذا جزء من واجبات ولي الأمر، وعندما نفعل هذه الأشياء يجب عليه أن يدعمنا لا لذواتنا، ولكن لأن هذه الجهود جزء من حقوق الرعية عليه، مع أنه في الواقع لم يدعم دعوتنا، وأنا أفعل ذلك ديانة وقربة إلى الله تعالى، ولكن من ساءت أفعاله ساءت ظنونه، ومن كان معتاداً أن يمد يده للآخر ويدخل عليه ويخرج ويسأله من المال لنفسه وتستشرف ذلك نفسه فإنه يظن أن من قال كلمة حق فيها تأييد لولي الأمر بالدليل الشرعي أن هذه الكلمة ليست خالصة لوجه الله، وإنما هي لشيء أخذه المفتي أو حصل عليه، فنقول من قال هذا فإنما ينادي على نفسه بأنه من هذا الصنف فيتهم نفسه ويصدق عليه قول القائل العربي القديم: رمتني بدائها وانسلت.

 

الرئيس يتعامل مع أبي الحسن على أنه رجل قبيلة لا رجل علم فقط؟.

يُسأل الرئيس عن هذا.. فإني لا أدري هل هو يدرك دوري في المجتمع القبلي، بالإضافة إلى دوري في المجتمع الطلابي الدعوي، أم لا؟ وسواء كان هذا أو ذاك فما كان لله يقوم ويدوم ( ما عندكم ينفد وما عند الله باق) ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون).

 

الملاحظ أنك متناقض في فتواك حيث أنك أيدت الرئيس في حين السلفية تحرم الحزبية؟، متى صوت السلفيون في الانتخابات وليس معهم بطاقات؟

لا تناقض في الفتوى ولله الحمد، لأنني وجهتها لمن يرخص لهم بالتصويت ومعهم البطاقات الانتخابية، وقلت لهم: إذا كانت معكم بطاقات انتخابية وستنتخبون فانتخبوا الأخ الرئيس، وقلت أيضاً عن نفسي وعمن يرى رأيي سيكون معنا إن شاء الله بطاقات انتخابية في المستقبل وسننظر في كل انتخاب: إذا كانت المصلحة في ترشيح شخص ما فعلنا، وإلا أمسكنا بطاقاتنا في بيوتنا ولا أحد يلزمنا بأن نصوتَ لفلان أو لغيره بخلاف قناعاتنا الشرعية، لكن إذا رأينا أحداً أنفع للإسلام والمسلمين حقاً في الحال والمآل لا مجرد التوهم، وبنظرة شرعية ناضجة فعندها يكون معنا القول والفعل .. وإن لم يكن لنا حزب خاص فإننا نؤيدُ من وجوده أنفع للإسلام، ومسألة الانتخابات هي مسألة اجتهادية، وكلنا متفقون على أن الحكمَ لله وليس للشعب ولا لغيره، فلا يحلل ويحرم إلا الله سبحانه، لكن المسائل التي تتعلق بالانتخابات من ناحية الدخول أو الترك والنظر في المصالح والمفاسد مسائل اجتهادية يسعنا فيها الخلاف.

 

عازمون أنتم كسلفيين المرة القادمة التسجيل في سجلات الناخبين؟.

نعم ـ إن شاء الله ـ وأنا واحدٌ منهم بالشرط السابق والتفصيل المذكور.

 

هذا التحولُ لماذا؟، ماضي السلفية معروف، وهو أن التنظيم حتى على مستوى الحلقات الدينية يعد شيئاً من الحزبية وهذا محرم؟.

أنت الآن تكلمني على أنني أمثل السلفية جميعاً، وتريد مني جوابًا عن الجميع، أم تكلمني عن نفسي ومن على هذا الفهم من إخواني؟ فإن كان المراد الأول فلسنا مؤاخذين بضيق أفق غيرنا، وإن كان المراد الثاني فهذا مقتضى قناعات الكثير منا.

 

أفهم أنك لم تعد سلفياً!!، أرى تحولاً..

لم أعد سلفيًا في نظر الغلاة المسرفين الذين لا يفهمون السلفية حق الفهم، والذين همهم تصنيف الناس وتبديعهم وتضليلهم وإن كانوا أقوم منهم قيلا وأهدى سبيلا، أما من يعرف منهج كبار العلماء سلفًا وخلفًا يدرك أن ما أدعو إليه ـ بفضل الله ـ هو السلفية في صفائها وبهائها ورونقها العتيق، وصحيحٌ أن كثيراً من السلفيين كان عندهم النظرة الضيقة لأي تجمع أو لأي تعاون أو تنظيم للأمور أو ترتيب للمسائل ويعدون ذلك حزبية مذمومة ومروقاً من الدعوة السلفية لكن هؤلاء مخطئون وأخطئهم سابقاً ولاحقا، وقد تغير هذا الحال كثيرًا ـ ولله الحمد ـ والغالب الآن عليهم منهج الوسطية والاعتدال، لا منهج الغلو أو الانحلالً.

 

أنا لم أكن يوماً على هذا الانغلاق، وأرى أنه لا بد من تنظيم أمور الدعوة، وهم يعيبون ذلك عليَّ من قديم لأني أرى أنه لا بد أن تكون أمور الدعوة مرتبة ومنظمة، ويقولون أبو الحسن من زمان عنده هذه الحزبية، وهذا من فهمهم الضيق لمعنى الحزبية المذمومة، حتى وقعوا في حزبية أشد مما ينكرونها، فعندما تسألني عن هذا الفكر الضيق فأقول هذا الفكر موجود، وكان منتشراً ومتفشياً لكن بفضل الله قد اضمحل كثيراً، وحُجِّم وطُوِى فراشه كثيراً بالله أولا ثم ببركة الجهود التي بذلها طلاب العلم الذين ينشدون الوسطية والاعتدال والذينوقفوا أمام هذا الفكر الغالي المسرف،  ورأوا أنه لا بد من الفهم الصحيح وإعادة النظر في هذه الأمور بما هو موافق لضوابط الشرع، ومن ثم تحدثنا في مسألة البطاقات الانتخابية، وهذا تحول في هذه الجزئية كما تفضلتَ، فإني كنت من قبل لا أرى الاشتغال أصلا بالبطاقات الانتخابية لما كنت أرى من قلّة جدوى المشاركة في ذلك، لكن لا يمنع أن الإنسان يرى رأياً، ثم مع مجريات الحياة والمستجدات يعيد النظر في ذلك، وقد كان الإمام الشافعي له قولٌ في العراق وقولٌ في مصر عندما انتقل إليها، ويسمى قوله في العراق القول القديم، وقوله في مصر القول الجديد، فيقال: قال الشافعي في القديم، وقال في الجديد، فالإنسان عندما تتغير الأحوال والمقاصد والعوائد والقرائن تتغير عنده الفتوى، وقد رأينا أن إدارة الظهر لهذا الأمر بالكلية تفوت بعض المسائل التي تنفع الحق وأهله، كما أن الانخراط في هذا الشيء بالكلية يفوت كثيراً من مسائل الحق، فرأينا أن يكون معنا بطاقات، فإذا رأينا أن الإقدام أنفع أقدمنا أو أن الإحجام والبقاء في أماكننا أنفع بقينا، فلا زال هذا التحول منضبطاً بضوابط شرعية وليس تحولاً منفلتاً، ولذا فلا غبار على ذلك .

 

خليفة الشيخ/ الوادعي -زعيم السلفية-  وغيره لا يقرون بهذا، أنت لا تحرم التصوير ولا لبس البنطلون أو حلق الذقن!!.

لا يهمني أن يوافقني زيد أو عمرو على ما أقول، المهم أن يكون حقًا موافقًا للأدلة والقواعد المحكمة، وأنا لا أرى جواز التصوير مطلقًا كما تنقل عن الغلاة، بل فيها تفصيل، ولا أرى جواز حلق اللحية إلا لضرورة، وإن كنت أصادق وأحب كثيراً من الناس الذين حلقوا لحاهم حُبًّا شرعيًا حسب ما عندهم من المكارم والمواقف التي تنفع الدين مع نصحي لهم بالتوبة إلى الله من حلق اللحية، ولا أقيس الرجل بلحيته فقط، أو بمجرد تناوله القات فقط، فأنا من أكثر الدعاة جلوساً مع المخزنين هنا في مأرب وغيرها، وأستغل تجمعهم لنصحهم وتوجيههم، وأسعى لتنمية ما عندهم من خير وصفات حميدة وعمل صالح، وأحاول تقليل الشر عندهم ما أمكن، والطبيب يجالس المرضى، والمعافى ليس بحاجة إلى طبيب، والذين يخزنون ويتركون الصلوات ويغتابون الناس ويلهون بالقيل والقال والسب والشتم واقعون في هذا المرض، ولا بد أن نجلس معهم لنعالجهم، ولن يجتمعوا لنا ـ ربما ـ في المساجد كل يوم مثلما يجتمعون في المقايل فنذهب إليهم لقصد نفعهم وخيرهم ولا نريد منهم جزاءً ولا شكورًا.

 

لم تطرد أحداً من طلابك بسبب القات، أسمع أن الإمام في معبر يطرد ويفصل من يخزن من طلابه؟!.

أنت أتيت مجلسنا هنا وأنت مخزن فهل طردك أحد من الطلاب قبل مقابلتي لك أو عاملك معاملة سيئة؟ هذه ثمرة التربية الهادئة، والنظرة الشمولية المعتدلة، فكم من مخزن فيه صفات يعجز عنها بعض من لا يخزن، وليس معنى ذلك أن القات لا شيء فيه، فإن ضرره أكثر من نفعه، كما فصّلت ذلك في فتوى مستقلة، فأنصح بترك التخزين لكن بالحكمة والموعظة الحسنة لا المعاملة الخشنة، فالله عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم( ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك) وأمر الله موسى وهارون ـ عليهما السلام ـ أن يكلما  فرعون باللين لا بالسب والطرد (وقولا له قولا لينًا لعله يتذكر أو يخشى) وفرعون أجمعت الملل اليهودية والنصرانية والإسلامية على كفره، فكيف لا نلين القول مع المسلم العاصي؟.

أقصد الطلاب الذين يتعلمون عندك؟!

أنا لا أطرد الطلاب لكني أنصح الطالب أن لا يخزن، والحمد لله القات ليس منتشراً عندنا في هذا المكان، والطلاب فقراء ولا يقدرون على شراء القات، وحتى الذي في نفسه القات وهو قادر على شرائه فالظروف ليست مهيأة له بذلك، لاستمرار الدروس من بعد صلاة العصر إلى ما بعد العشاء بساعة، وهذا وقت الذروة عند المخزنين، ولا يُسمح له بالتخلف عن الدروس إلا لعذر، والقات ليس عذرًا، ولذلك فلا أعلم أحدًا يخزّن عندي من الطلاب والله أعلم.

 

ما دامت هذه التحولات عندكم فما الفوارق الباقية بينكم وبين الإصلاحيين؟، كنتم مميزين عنهم بتحريم الانتخابات وأمور أخرى؟!.

الخطأ أن تفهموا أن الفارقَ بيننا وبين الإخوان المسلمين في مسألة الانتخابات فقط، لأننا مختلفون مع الإخوان المسلمين قبل أن تدخل العملية الديمقراطية البلاد، السلفيون والإخوان مختلفون في السعودية حيث لا انتخابات ولا ديمقراطية، فالخلاف أكبر من مجرد مسألة الانتخابات، أما الانتخابات فمسألة اجتهادية كما سبق، أنا لا أتكلم في المسائل الاجتهادية التي قولي فيها صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب، أقول هناك فوارق بيننا وبين الإخوان قد ذكرتها أو بعضها في مقابلة مع صحيفة “إيلاف”، أما هذه المسائل ففي داخل قادة السلفيين اختلاف فيها من قبل، السلفيون في الكويت يرون الانتخابات ونحن كنا في اليمن لا نرى بها، واليوم أصبح منا من يراها ومن لا يراها هذه طبيعة المسائل الاجتهادية التي لا ينبني عليها ولاء وبراء، ومع وجود الخلافات بيننا وبين الإخوان المسلمين إلا أنني أراهم من جملة أهل السنة، وأتعاون مع أهل الاعتدال منهم ومن غيرهم على البر والتقوى وما يحقق المصلحة العامة، ولست ممن إذا رضي عن شخص رفعه فوق قدره، وإذا اختلف معه أي اختلاف يبخسه قدره، ويهدر كل ما عنده من حسنات بل أنظر للشخص أو للجماعة والطائفة من جميع الجهات، وهذا مسلك أهل العلم والإنصاف، لا أهل التهور والاعتساف، وخلافي مع الإخوان لا يسوّغ ظلمهم أو الإعانة على ذلك، وتعاوني مع أهل الاعتدال منهم لا يعني الانخراط في طريقتهم حذو القذّة بالقذّة، و( قد جعل الله لكل شيء قدرًا).

 

طيب من متى السلفية تقبل بالإجتهاد؟.

للأسف أن كثيراً من السلفيين عندهم غلو في دعوى الاجتهاد، فيتزبب بعضهم قبل أن يتحصرم، فلا يقال متى بدأ الاجتهاد فيهم ولكن يقال متى بدأ التقليد في السلفية؟ لأننا رأينا منهم من يقلد تقليدًا قبيحًا، أما الاجتهاد فأصول علماء السلفية تدعو إليه، وتضع له ضوابط، وأنا أقول تقليد منضبط خير من اجتهاد أهوج، فكون الطالب يتعلم اتباع الدليل والحرص على معرفة البرهان، وأخذ القول بحجته وأن لا يقلد شيخه إلا بدليل إن كان يحسن فهم ذلك هذا عمل حسن، لكن أن يصل به الأمر إلى أن يتجرأ ويتشبع بما لم يعط ويخوض فيما لا يحسن فهذا أمر مرفوض، وهو إما إفراط أوتفريط، إما تقليد وتقديس للأشخاص فلا يخرج عن أقوالهم ويكون كالريشة في مهب الريح، أو كالميت بين يدي المغسل، وإما جرأة وتمرد على المشايخ وعلى الفتاوى، والصواب أن نأخذ  من المشايخ ما وافق الدليل، وموقفنا من العالم إذا أصاب أخذنا قوله وشكرناه، وإذا أخطأ رددنا قوله وعذرناه، ولسنا كمن يأخذون قول العالم أياً كان، ولا كمن إذا خالفوا العالم شتموه وسبوه واتهموه في نيته وفي علمه وقصده.

 

لكنكم فرّختم اليوم آلاف المشايخ؟، المؤهل حديثين و…

مسألة أننا فرخنا آلافَ المشايخ، كلام مبالغ فيه، والخطأ مرفوض منا ومن غيرنا، ومن تكلم بالضوابط الشرعية فلا يؤاخذ بجريرة غيره ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) ولقد وجدت النصائح المنضبطة بالأدلة والآثار السلفية في ضبط هذا الباب قبولا عند جمهور طلاب العلم، فلا عبرة بالمتعالمين أو المتشبعين بما لم يُعطوا، ومع إنكاري على هذا الصنف من السلفيين إلا أنهم أفضل من الذين يفتون بأهوائهم بغير علم، أو يعتمدون على تاريخ مزور ملفّق، أو روايات مكذوبة باطلة، أو يحكمون العقل على النقل، أو يحللون ويحرمون تبعًا لمنظمات صهيونية أو ماسونية أو صليبية، غير آبهين بالكتاب والسنة، فإن طلاب العلم وإن أفتوا بدون تبحّر في العلوم، فقد قصدوا الذب عن الشريعة ـ وإن أخطأوا ـ بخلاف كثير من الأصناف الأخرى، وكون الطالب مبلغاً ولو كان بحديثين فقط فلا بأس، فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: “بلغوا عني ولو آية”، فإذا كان الطالب سيبلغ الحديث بوجهه الصحيح، جزاه الله خيراً، لكن إذا كان سيبلغ الآية أو الحديث ثم يظن أنه المرجع للأمة ولا يجوز لأحد أن يخالفه فإن خالفه نصب له الحرب فهذا هو الانحراف والغرور.

 

من أقرب إلى فكر السلفيين برأيك، وهل مخالفوك في دماج ومعبر من السلفيين؟!

هؤلاء إخواننا وأحبتنا، ولهم ما لأهل السنة، وعليهم ما على أهل السنة، ونعتقد أنهم إخواننا بغوا علينا كما قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه “إخواننا بغوا علينا”، ونعتقد أنهم طلاب حق ـ في الجملة ـ لكن كما قال علي رضي الله عنه: “كم من متمن للحق لا يدركه”، فهم يحبون الحق، ويحرصون عليه ـ في الجملة ـ ويحبون العقيدة الصحيحة ويحرصون عليها، لكن عندهم انحرافات في أشياء، وهذه الأشياء لم تجعلنا نبدعهم، أو نخرجهم من دائرة السنة، ولا نحذّر من مجالستهم،  ومحاضراتهم كما هم يفعلون معنا، وليس هناك أفضل من أن نطيع الله في من عصاه فينا، هم لو أساءوا إلينا فلا نسيء إليهم، لأننا نقول إننا أصحاب حق واعتدال، فإذا أساء إليَّ أحد فأنا لا أسيء إليه، بل أحسن إليه، وإن رددت عليه بالعلم الموثق والبحث المحقق فليس ذلك إساءة إليه، وكذلك لو وصفته بحقيقة حاله وواقعه، وقد بينت ما عند هؤلاء وقادتهم الذين يقلدونهم من أخطاء في كتابي “الدفاع عن أهل الاتباع” بما فيه الكفاية ـ إن شاء الله ـ والأصل أننا نعد من لم يقع في الشركيات والبدع الكبار المخالفة لأصول أهل السنة أنه من أهل السنة والجماعة وإن كان عامّيًا أو تاجرًا أو جنديًا أو ليس له صلة بالعلماء والسير في فلك الدعوة، وهناك نظرة للسنّة بالمعنى العام، والسنة بالمعنى الخاص، وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية واضح في هذا المعنى، ونحن نتعاون مع الشخص في الحق، وننصحه إذا خالف، والله تعالى يقول:(إنما أنت مذكّر لست عليهم بمسيطر).

 

يشكون منك لأنك توسع دائرة أهل السنة؟

ليست السلفية ملكنا، وليس معنا ختم نختم به لمن أردنا إدخاله، ومن لم نختم له فهو على شفا جرف من النار، هل السلفية حكرٌ علينا؟ هل نحن مَن يمثل السلفية، ومن لم يكن معنا فليس بسلفي؟ هذا فهم فاسد، السلفية السواد الأعظم، أهل السنة هم السواد الأعظم، وكان ابن مسعود يقول: “عليكم بالسواد الأعظم”، فكيف نخرج هؤلاء جميعًا من أهل السنة بزعم أنهم ليسوا معنا ونحصر السنة في مدرسة أو مسجد شيخ ما، أو في جامعة أو طائفة؟ السلفية هي قواعد ومنهج قائم على اتباع الكتاب والسنة على منهج سلف الأمة، فمن كان كذلك فهو سلفي علمنا به أم لم نعلم به، عادانا أم صادقنا، يحضر لنا أو يحذر منا، السلفية منهج ورحمة واسعة على العباد وليست شقاء عليهم، فإذا قلنا فلان   ليس بسلفي وظلمناه في ذلك فنحن بهذا نكون قد حكمنا بغير حكم الله ورسوله؛ لأن حكم الله ورسوله أنه من أهل السنة فكيف يشكوا الغلاة ممن يوسع ما وسعه الله ورسوله؟ العكس هو الواقع، وهم أولى بالذم لأنهم يضيقون ما وسعه الله ورسوله، والعيب إنما يكون على من وقع في ذلك لا على من وسّع ما وسّعه الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم.

 

كيف كانت رؤية الشيخ/ مقبل الوادعي كزعيم السلفية؟!.

الشيخ/ مقبل الوادعي لم يكن كهؤلاء الذين أتوا بعده، هؤلاء في كثير منهم تعالم، وضيق صدر مع المخالف، الشيخ/ مقبل رحمه الله صاحب علم، وكان يخالف في بعض هذه المسائل، وكان يقول: لا ألزمكم برأيي، ولا تلزموني برأيكم، يسعنا الخلاف في هذا، لكل منا رأيه، مثلاً كان يحكم على إخواننا في جمعية الحكمة بأنهمليسوا من أهل السنة، وأنا أخالفه من قديم في هذا، وقلت: هم من أهل السنة، والخلاف بيننا وبينهم لا يسوغ إخراجهم من أهل السنة والجماعة، فكان يقول: لا ألزمك برأيي ولا تلزمني برأيك، لكن هؤلاء الغلاة قوم لا يرون إلا رأيهم، إذا خالفتهم عادوك واتهموك، وفكرهم يتآكل ولا يتكامل، وبين حين وآخر ينقسمون على أنفسهم لعدم إحكامهم الأصول التي تضبط الوفاق والفراق، ومع ذلك فالشيخ مقبل ـ رحمه الله ـ ليس معصومًا، فهو على فضله وأثره المبارك بشر يصيب ويخطئ، ونقبل منه ونرد عليه، لكن بالمنهج العلمي المنضبط، لا الاندفاع العاطفي المنفرط.

 

ليس صحيحاً أن أبا الحسن مدسوسٌ على السلفية؟.

هكذا يقول الغلاة إنني مدسوس لتدمير الفكر السلفي، وأني أتيت من مصر لذلك، وهم أخذوا هذه الكلمة من شيخهم الذي علمهم الغلو ربيع المدخلي ـ أحد الدعاة في مكة المكرمة ـ ولكن ربيع المدخلي الذييقول عنّي إنه منذ أن وطأت قدماه اليمن جاء ليؤسس الفكر الإخواني ضد الدعوة السلفية، هو الذي كان يمدحني أني إمامٌ في هذا الزمان، ونابغة اليمن، وإمام الجرح والتعديل، وكان إذا ذكر العلماء الكبار ليستشهد بصنيعهم على مخالفيه يذكر المشايخ/ ابن باز والألباني وابن عثيمين ـ رحمهم الله ـ ويذكرني معهم، فقد كان يعدني من كبار الأئمة بالأمس، ثم أصبح يعدني من كبار الإخوان عندما أظهرت مخالفته للصواب، ويعلم الله أنني ما فرحت بغلوّه في مدحي يومًا قط، وقد قلت له مرة: أنا فوق ما تريدني اليوم، ودون ما كنت تعطيني بالأمس، فأنا أحمد الله الذي أكرمني بالفهم المعتدل والأسلوب الحكيم للسلفية من معدنها الصحيح، وهو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم جميعًا وبفهم العلماء الربانيين وفقهاء الأمصار وأئمة المذاهب وكبار أهل العلم سلفًا وخلفًا، وإذا كنت كذلك فلا يضرني سب فلان ولا جعجعة أوثرثرة فلان.

 

شيخ يحسب عليك أنك تتقرب للدولة على حساب السلفية فقد أطرت عملك الدعوي بجمعية مرخصة من الدولة وهذا مرفوض؟.

من الذي جعل ترخيص العمل الخيري والعلمي تنازلاً عن الحق مرفوضًا؟ هذه نظرة الغلاة القاصرة، فعندي تصريح لعملي الدعوي والخيري منذ 1418هـ أي قبل ما يموت الشيخ/ مقبل بأربع سنوات تقريباً، باسم جمعية التقوى للأعمال الخيرية والعلوم الشرعية واستصدرت تصريحًا للدار لأني أحب أن يكون عملي تحت نظر الدولة، وعلى مرأى ومسمع من الجميع، وهذا مما يجب علينا أن نسمعَ فيه لولي أمرنا، لأنه يقول لا أحد يعمل في الخفاء، وإذا كان ولي الأمر قد سمح للأحزاب السياسية التي تنافسُه على منصة الحكم فكيف يرفض تصاريح الجمعيات الخيرية التي تعمل في الدعوة إلى الله عز وجل، وإغاثة الفقراء والأيتام؟ فلماذا لا نستصدر التراخيص، وقد فتحت لنا الدولة مكاتبها؟ فأي تقرّب مذموم للدولة في هذا حتى يُحسب عليَّ عند العقلاء؟!

 

طيب هل هذا الفكر الناضج يؤهل أبا الحسن ليكون إمام جامع الرئيس؟.

أرى أن الاعتدال والفكر الناضج يؤهلني ويؤهل غيري ـ إن شاء الله ـ لما هو أكبر من جامع الرئيس، جامع الرئيس غاية ما فيه أنه يحتاج إلى إمام وخطيب، بماذا يختلف جامع الرئيس عن الجوامع الأخرى؟ ربما بعضالمساجد في عدن يصلي فيها عدد أكبر ممن يصلون في جامع الرئيس، بعض المساجد في حضرموت نذهبنحاضر فيها ويجتمع فيها أناسٌ لا نرى طرفـَهم، لماذا تحصر الآفاق الرحبة لهذا الفهم والنضوج مع الرغبة في الاجتهاد في طلب العلم في مجرد إمامة وخطابة جامع الرئيس أو غيره، نرى أن جامع الرئيس ميدان من جملة الميادين التي نعمل فيها في خدمة دعوة الله عز وجل وما جامع الرئيس إلا مسجد من جملة المساجد التي يحيى فيها الدعاة ذكر الله، صحيح هو جامع كبير وله مكانته وشأنه ونسأل الله أن ينفع به الإسلام وأهله، ولكن ليس معنى ذلك أن نحصر عملنا فيه فقط، إنما نعده حسنة من حسنات من أشار به ودعا إليه وسعى فيه، لكن ميادين الدعوة أكبر منه.

 

في ندوة الإرهاب بمأرب قلت بأن بعض المساجين يدخلون السجون بشيء من الغلو فيخرجون وهم مغالون تماماً.. وضح لنا ذلك؟.

كنت أتكلم عن الإرهاب كمشكلة عالمية، ولا أتكلم عنه في اليمن أو مصر أو سوريا مثلاً، الإرهاب مشكلة، نريد علاجها من جذورها، وقلت إن مشكلة الإرهاب لها جوانب متعددة، وأسباب إقليمية وعالمية ومحلية، وأسباب ترجع للشباب وللأسرة والمدرسة والمسجد … وغير ذلك من خلال التعبئة الخاطئة والفاسدة، ومن جملة الأسباب التي ذكرتها في كتابي “فتنة التفجيرات والاغتيالات” احتلال بلاد المسلمين، والحكم بغير ما أنزل الله، والاستهزاء بثوابت الدين في وسائل الإعلام.. هذه الأشياء تجعل الشباب يريدون أن يردوا على أهلها فيقعوا في خطأ، ويتجهوا نحو التفجيرات، والواجب سلوك سبيل الدعوة والبيان وبعث الهمّة في قلوب المسلمين وجمع صفوفهم والسعي في هداية ضالهم أولا، فقلت: إذا أردنا أن نعالج فالمحتل لبلاد المسلمين يخرج منها، والذي لا يحكم بما أنزل الله يحكم بما أنزل الله، والذي يستهزئ بالدين يؤخذ على يده، وكذلك ذكرت القمع العشوائي في السجون والتعذيب وإغلاق باب الحوار وتغليب لغة السياط والتعذيب ونهش الأبدان، بدل لغة الحوار، والإقناع، ودفع الشبهة بالدليل، والتسليم بما مع الشباب من حق، ورد ما عندهم من الباطل، وليس رفض كل ما عندهم بحقه وباطله وقبول قول الغير بعجره وبجره، فكم من رجل يدخل السجن وهو معتدل أو عنده نوع غلو فعندما يُعَذَّب أو يسمع ممن يسجنه مقالات قبيحة يخرج وقد امتلأ قلبه بالغيظ على الدولة، وقد عبئ تعبئة منحرفة، فيخرج وقد سلك مسلك الغلاة، ولو عومل معاملة منضبطة برحمة وشفقة وحرص على تقويمه وإصلاحه لكان عضوًا صالحًا في مجتمعه، فالمشكلة لها جذور من عدّة جوانب لا من جانب واحد، وعلى كل طرف في هذه المشكلة أن يصلح ما عنده.

 

هل تستطيع أن تقنع عناصر في “تنظيم القاعدة” بالحوار؟

ممكن أن أقنع كثيرين بإذن الله تعالى وقد أقنعت كثيرين منهم ومن غيرهم، ثم درسوا العلم الشرعي واستمروا والحمد لله في طلب العلم، وبعضهم جاء عندنا وكان على هذا الفكر أو غيره ثم كَفَّر عن يمينه أي البيعة التي أعطاها والعهد الذي أعطاه للقاعدة وغيرهم، وكل بني آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون.

 

هل عرض عليك أن تكون عضواً في لجنة الحوار مع “القاعدة”؟

ما عرض أحد عليَّ هذا.. ولجنة الحوار فيها رجال أكفاء ونفع الله بهم، وقد علمت أن كثيراً من الشباب قد استفادوا وتراجعوا عن هذا الفكر بفضل الله ثم بجهود اللجنة ولله الحمد، والدولة ليست بحاجة إليَّ في هذا، وعندها من هو أفضل مني.

 

فكر”القاعدة” من أين منبعه؟، هل من ربيع المدخلي كما فهمتُ؟

لا.. المدخلي قد أخطأ في باب التبديع وتصنيف الناس، فإذا لم تكن معه يرميك بأنك مبتدع ضال مارق من السلفية، وربما أفتى هو وأتباعه بهجرك وعدم الصلاة وراءك وعدم زيارتك إذا مرضت لمجرد مخالفته في الفهم، وإذا كنت داعية إلى الإسلام بطريقة غير طريقته يصنفك بأنك لست من أهل السنة والجماعة، وإذا تغديت مثلاً عند رجل هو في نظره حزبي قال: إنك حزبي، لأنك تغديت عند فلان، أو تعشيت عند فلان، ويتقرب إلى الله بسب من يراه مخالفاً، ويرى أن الواجب كشف عيوبه وعوراته أمام الناس، وفي هذا تفصيل لابد من مراعاته، وإذا قلت له قد ينفع الله بالشخص الفلاني المخالف له، يقول: هو أخبث من على وجه الأرض،أخبث من اليهود والنصارى، فكلما كان الرجل ذا بلاء حسن، ويد بيضاء في خدمة للدين وأخطأ في نظره ونظر أتباعه فهو الذي يستحق أن تنزل عليه السياط، ويُطلق فيه الجرح والتجريح ولا أقول الجرح والتعديل، أما فكرة منافسة ولاة الأمور فليسوا هم كذلك، والحق يقال والإنصاف واجب، وأعوذ بالله أن أكون من الظالمين، هم في هذا الباب يتفقون معنا أنهم ضد هذا الفكر ـ وربما يغالون في ذلك ـ لكنهم أيضاً خدموا هذا الفكر من حيث لا يشعرون، فإنه لما كان طبعُهم فظاً غليظًا على من خالف نفرت منهم الناس وراحت لأصحاب هذا الفكر، فلم يستطيعوا أن يحتضنوا هؤلاء الشباب، بل نفّروهم، ولم يجدوا في نظرهم إلا أصحاب الغلو في التكفير أو التفجير فكان ما كان والله المستعان.

 

“القاعدة” على اتصال بالتكنولوجيا، بالتلفزيون، بالإنترنت، بالا….. لكن السلفيين لا..

ليس الغلاة جميعاً على ذلك، فالشيخ/ ربيع نفسه ـ وهو رأس الغلاة في الاتجاه السلفي ـ لا يمنع أن تظهر على التلفاز للنفع مثلاً، لكن سلفية غلاة اليمن شأنها آخر.

 

كيف؟!.

السلفيون المغالون في اليمن ليسوا كأصحابهم في السعودية في بعض الأمور، فهم هناك لا يمنعون من الظهور على التلفاز مثلاً، بخلاف هؤلاء، ولا يحرم أولئك فكرة الجمعيات الخيرية، بخلاف كثير من هؤلاء وهكذا .

 

كيف يفسر أبو الحسن الخلاف بين أئمة السلفية، الإمام من جانب، الحجوري، العدني، الوصابي…؟.

لسنا أئمة السلفية كما جاء في السؤال نحن طلاب علم، أئمة السلفيين هم العلماء الكبار سلفًا وخلفًا، أما نحن فباحثون وطلبة علم نعلم ونجهل، ونخطئ ونصيب، ولا نحب أن ننزلَ أنفسنا أو ينزلنا غيرُنا فوق منزلتنا، هذه الفتنة التي افتتن بها كثيرٌ من الناس فظنوا بأنفسهم أنهم أئمة وأنهم قادة السلفية، وما عرفوا قدر ما عرفوا من العلم والفهم، ولو عرف الإنسان قدر نفسه لعرف قدر الناس ولأراح واستراح.

 

أنت تقللُ من شأن هؤلاء الأئمة؟

أقولُ هذا عن نفسي أولا، ورحم الله امرءً عرف قدر نفسه، وبعضهم يدرك صحة كلامي وإن كابر مؤخرًا، ولا أراك مقتنعًا بكثير مما تحمله كثير من أسئلتك، إنما تحمل كلامًا تسمعه، ومع ذلك فعليَّ أن أجيب بما أراه حقًا.

 

لو كان هناك ملتقى لهؤلاء السلفيين هل يستطيعون الاتفاق على خطوط دعوتهم السلفية؟

تقصد المرجعية؟ إذا كنا ننظر إلى هذا الاجتماع وأنه لا بد أن يكون الاتفاق في كل شيء حذو القذة بالقذة، فهذا لن يكون لا عندنا ولا عند غيرنا، وإذا كنا ننظر إلى أن الاجتماع لا بد أن يكون حتى في المسائل الاجتهادية فهذا لن يكون لا عندنا ولا عند غيرنا، فقد اختلف الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في ذلك، كما حصل في قصة صلاة العصر في بني قريظة أو قبل الوصول إليهم، لكن يمكن أن نقول إن ثوابت الدعوة متفق عليها ويمكن الاجتماع عليها، بل هذا حاصل عند جمهور السلفيين في اليمن وغيره، أما المسائل المستجدة عند ربطها بأصولها وأشباهها ونظائرها فهذا ضرب من الاجتهاد يصيبُ المرءُ فيه ويخطئ، والخلاف في ذلك يسعنا، وقد نختلف في الفتوى، ونحن متفقون في العقيدة وثوابت السنة ومحكماتها، المهم أن نعرف مرتبة هذه المسائل، ونقول هذه المسألة رتبتها مثلاً من مسائل الاجتهاد التي لا حرج فيها على العباد، فلا ولاء ولا براء فيها، أو من المسائل التي هي أكبر من ذلك وحكمها كذا، فلا ضير في ذلك، المشكلة تكمن في الخلط بين المسائل، فليست المسائل المعلومة من الدين بالضرورة كالمسائل المستحدثة المستجدة التي فيها التباس واشتباه، ولا يجوز أن تجعل الفروع كالأصول، فلا بد من معرفة رتبة المسائل، فالأئمة الأربعة اختلفوا في مسائل كثيرة، لكنهم يثنون على بعضهم ويدل بعضهم على بعض، وكل منهم تتلمذ على يد الآخر، مالك درس الشافعي، والشافعي درّس أحمد مع وجود اختلاف بينهم ، ليس العيب في الخلاف إنما العيب في عدم ترشيده، وعدم التعامل معه بالأصول المرعية في هذا الباب، حتى يفضي أدنى خلاف إلى التراشق بالتهم، لكن هذا الحال قلَّ كثيرًا ولله الحمد.

 

في ظل التزاحم المذهبي في اليمن.. هل التوجهات السلفية تقوى أم تضعف؟.

السلفية لو استمرت على حالتها الأولى في المهاترات لتآكلت، وأكل بعضها بعضاً، أما اليوم فالسلفية في قوة ـ ولله الحمد ـ وفي توجه إلى القوة، وإلى النضوج، وإلى الاعتدال، وإلى سعة الصدر، والتعامل مع المخالف بضوابط رصينة، وتغليب لغة الحوار العلمي المنضبط على لغة التشنج وكيل التهم وقذف الأحكام، جمهور السلفيين يدرك مقدار الهجمة على الثوابت، ويدرك مدى حاجة العاملين المخلصين إلى التآزر والتناصر في الدعوة والبيان ورد الشبهات، وملأ الفراغ، ويدرك الثغرة التي يقف عليها كل طرف ـ وإن وجد خلاف في مسألة أو مسائل ـ ويدرك أن الأمة ما بلغت الرفعة والعز والتمكين إلا بهذا الفهم الناضج الصادق، وأن رد الخطأ لا يلزم منه بغض المخطئ، كما أن التعاون مع المخالف لا يلزم منه الرضا بمخالفته، وقد تترجم هذا التأصيل النظري إلى واقع عملي في المشاركة في مؤتمر علماء اليمن أكثر من مرة، مع وجود من يخالف في مسألة أو أكثر، لكن المقصد الأسمى أجل من مجرد إثارة هذا الخلاف في هذا الموضع، فهذا التوجه يؤول إلى قوة وعافية بإذن الله تعالى.

 

على ذكر الحديث عن الحوار ولغته هل يقبل أبو الحسن من طلابه الرأي المخالف له، هل عندك ديمقراطية مثلما تطالبون الآخرين ببعض مفاهيمها؟!.

نعم، قد أقول القول ويرد عليّ بعض طلابي، ويظهر لي خلال مناقشته صحة قوله فأرجع عن قولي للحق الذي ظهر لي، ولا خير في غير هذا الطريق، ولكن ليس عندنا تصويت على كل مسألة نختلف عليها وننظر الأكثرية من الطلبة؛ لأني لو رفعت يدي على شيء لربما رفع أكثر الطلاب أيديهم معي، وبالديمقراطية ستكون الأكثرية معي، لكن العبرة بالبحث العلمي المحقق، والنقل الموثّق، لا الباطل المزوّق، أو الأكثرية، أو رفعة مكانة القائل، أو غير ذلك، والحلال والحرام لا يؤخذ بطريقة الأكثرية، إنما المصدر الوحيد لذلك التشريع الإسلامي، نعم نأخذ بقول الأكثر ـ من أهل الفضل والعلم والاختصاص ـ في المسائل الإدارية والتنظيمية التي لا يظهر فيها دليل ملزم مع أحد الطرفين، ولا مصلحة أو مفسدة راجحة، ولا بد من حسم النزاع فيها لتسيير العمل، فلا سبيل إلا بذلك، فالأخذ بقول الأكثر له مواضع محددة فلا إفراط ولا تفريط.

 

 

يمكن القول بأنك تتزعم ثورة على السلفيين؟

ليست ثورة، ولكنها نقلة علمية هادئة مؤصلة وموصلة إلى الاعتدال والوسطية حقًا لا ادعاءً إن شاء الله تعالى والفضل في ذلك لله وحده، ولست متزعمًا لهذا فهناك من هو أفضل مني وأسبق في هذا المجال.

 

تخليتَ عن الغلو، وهذه ميزة للسلفية؟

متى كان الغلو ميزة للسلفية وهو الذي أهلك الأمم؟ فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: “إياكموالغلو في الدين إنما أهلك من قبلكم الغلو”، الغلو ميزة عند من لا يفهمون، الذين يفرقون صفوفهم لأدنى خلاف بدعوى ضرورة تميز الدعوة، وأنها لا تقوم إلا بالتميز، وإن كان تميزهم هذا يلحقهم بالذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا كل حزب بما لديهم فرحون، أما التميز من الكفار والمنافقين والزنادقة وأهل الأهواء الغليظة المضلة فهذا محمود ومع ذلك فله ضوابط أيضًا، والعقلاء يدركون أن شرع الله هو الوسطية والاعتدال، فالاعتدال مطلوب حتى في الأمور الجبلية كما في الأكل والنوم والضحك والمخالطة وغير ذلك.

 

اعتدال أبو الحسن يشجعه الرئيس أليس كذلك؟.

عجيب منكم أيها الصحفيون تربطون كل شيء بالرئيس، هل نحن نعبد الرئيس أو غيره؟، ألسنا نعبد الله جل في علاه؟ إن المسلم يسلك ما يرضي الله أولاً دون تقيد برضا فلان أو فلان، ثم إذا جمع الله للمؤمن رضا الناس عليه بعد ذلك فتلك عاجل بشرى المؤمن، ثم إذا كان الرئيس يحب الاعتدال فهذا مما يمدح به الرئيس، فلما يُجعل ذلك مذمة، وموضعًا للتساؤل؟.

 

الملاحظ أن هناك اهتماماً رسمياً بك، المحافظ/ عارف الزوكا قبل أمس كان عندكم؟.

نعم زارنا الأخ المحافظ حفظه الله، والمحافظ يتفقد رعيته في كل مكان بالمحافظة، لماذا كان نزولُه عند أبي الحسن بالذات مُلاحَظًا، مع أن المحافظ يزور الجميع، ربما يتغدى هنا أو يتعشى هناك، هذا رجل عملي، ويتفقد الرعية وأحوالهم والأمور المتعلقة بعمله، ورجل متواضع ينزل إلى مستواهم، ويُشكر المحافظ عارف الزوكا على أعماله في المحافظة، وعلى أخلاقه وتعامله مع أبناء المحافظة دون النظر إلى الولاءات الحزبية الضيقة، فكونه جاء عند أبي الحسن باعتبار أن عندنا مدرسة أساسية وثانوية وتنقصها أشياء، وفي منطقة مهمة وفيها تجمّع طلابي فطلب منه أن يأتي ليتفقدها فلبّى الدعوة وجاء، هل هذا اهتمام رسمي خاص بي؟ أليس الرئيس ينزل عند مشايخ القبائل، وإلى بيوتهم، وما جاء عندنا في يوم من الأيام، فلماذا لا تقولون هناك اهتمام رسمي بالشيخ فلان؟، ثم لماذا تجعلون التصرفات العادية من الدعاة تحت المجهر، وتغضون الطرف عن أمور لا يغطيها ليل ولا يسترها ذيل من غيرهم؟.

 

أنت هنا تدعو الرئيس لزيارتكم؟

يُشرفني أن يزورَني ولاة الأمر ويطلعوا على رعيتهم، وكذا تشرفني زيارة كل صادق وجاد في خدمة البلاد والعباد، وإن لم أقصد ذلك في جوابي السابق، لكن يحتمل للصحفيين أسلوبهم في الحوار.

 

بماذا وعدك المحافظ؟

وعد بإصلاح المدرسة الأساسية والثانوية وإيفاء النقص الحاصل، ووجه الأخ مدير التربية بالمحافظة لإصلاح ذلك.

 

عندكم مدرسة غير هذه؟.

مدرستنا الشرعية عبارة عن مسجد ندرس فيه، لكن كلامي هذا عن المدرسة الأساسية والثانوية وهي كغيرها من مدارس التربية في الجمهورية.

 

لكن حلقات الجامع أقوى أثراً من المدرسة؟.

إن شاء الله، الفرق بين الجامع والجامعة واضح، ومع ذلك ففي الجامعات خير كثير، ونحث الشباب على الالتحاق بها، والتدرج في المراحل العلمية إلى أعلى الدرجات من الدراسات العليا، ولو قام رجال صالحون أكفاء في جميع التخصصات من أهل الوسطية الحقة لا المزعومة على الجامعات لأخرجوا أجيالاً يكونون رحمة على البلاد والعباد.

 

هل ترى أن أبو الحسن يكبر في عيون السلفيين وطلابها في ظل حالة الاستقطاب؟.

كثيرون تركوا الغلو والغلاة وسلكوا هذا المسلك المبارك، وكثيرون طلبوا مني المسامحة بعد كلامهم فيّ بغير حق، وقلت: أنا مسامح لكم ومسامح لغيركم الذي لا زال يشتم، فإن الداعية لا يحمل الأحقاد، وليس القصد أن أكبر في عين فلان أو غيره المهم رضا الله تعالى والله سبحانه وتعالى يقول (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) فمن حفظ الله حفظه، ومن دافع عن الدين دافع الله عنه، والله تعالى يقول:(أليس الله بكاف عبده) ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله: الكفاية للعبد من الله بقدر ما يحقق من العبودية، كثرة وقلة اهـ بمعناه، فاحفظ الله يحفظك، واحفظ الله تجده تجاهك.

 

هل لديكم طموح بإنشاء حزب سياسي قريباً؟، أو ترشيح نفسك مستقبلاً؟

ليس لدينا طموح بإنشاء حزب سياسي وأما أن أرشح نفسي فلا أفكر في هذا، وما نحن فيه من طلب العلم وتعليم للمسلمين، وتربية على منهج الاعتدال والحكمة خير من هذا كله، ويمكن أن ننفع البلاد والعباد في هذا المجال مما لو رشحنا أنفسنا، ولا مانع من ترشيح من يسد هذه الثغرة بالضوابط السابقة.

 

كلمة أخيرة؟

شكراً لك، وجزاكم الله خيرًا على زيارتكم لنا في هذه الدار، وأنصح المشتغلين في ميدان الصحافة أن يتحروا الحقيقة، وأن يكون همهم نصرة الحق الموافق لدينهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأن يدركوا أنهم يقومون على منبر جهوري الصوت، فلا يميلوا عن الجادة، لأن صلاحهم صلاح لكثير من الناس، وفسادهم فساد لكثير من الخلق، وربما أثّروا على تفكير شخص فيزيغ قلبه وتنطفئ بصيرته، فليحذروا من أن يحملوا أوزارهم وأوزار غيرهم، فطوبى لمن مات وماتت معه ذنوبه، ومن الناس من هو مفتاح خير مغلاق شر فطوبى له، وألا يفرحوا بما يسمى بـ “حرية الصحافة”فيقولوا كل شيء، فهذا انفلات وفوضى، وإياكم وحصائد ألسنتكم وأقلامكم.

 

ولا يفوتني أن أشكر كل صحفي يدرك مهمته وشريف مهنته، وينصر الحق من خلال صفحات صحيفته، وينطلق من مبدأ كريم، ويسلك مسلكًا شرعيًا مباحًا، ويسخر وقته وفكره وماله لخدمة قضية شريفة، تنفعه في الدنيا، وفي ظلمات قبره، وفي عرصات يوم القيامة، فكثّر الله من أمثالهم، وجعلنا الله جميعًا من الصالحين المصلحين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

 

 

للتواصل معنا