الأسئلة العامة

الذهاب للعرافين والكهنة

السؤال  : نجد بعض المسلمين إذا مرض له مريض ، أو ضاع عليه مال ، يذهب للعرافين والكهنة ، فيطلب منهم علاجًا لمريضه، أو ليخبره بمالِهِ أين هو , ومع من هو ؟! وأحيانًا يذهبون للسحرة من أجل أن يفرقوا بين الرجل وزوجه ، ونحو ذلك ، فهل هذا يجوز لهم شرعًا ؟ نرجوا بيان ذلك مع ذكر الدليل الشرعي .

الجواب : هذا الأمر يدل على الجهل بتوحيد رب العالمين ، ومن حقق التوحيد لله U علّق قلبه بربه ، فإذا مرض ؛ دعا الله U : ]وإذا مرضت فهو يشفين[ [الشعراء : 80] ويبحث عن العلاج الذي أباحه الله سبحانه وتعالى

، كما قال رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – : ” ما أنزل الله داءً ؛ إلا أنزل له شفاءً ” . أخرجه البخاري من حديث أبي الدرداء ، وفي رواية : …ولا تتداووا بحرام “. وفي رواية : ” إن الله لم يجعل في حرام شفاءً ” . وانظره في ” الصحيحة ” برقم (1633، 2881) لشيخنا الألباني – حفظه الله تعالى – .

 

والعرافون هم الذين يَدَّعُون عِلْم الغيب ، ويقال : العراف هو المنجِّم ، والرمّال , والساحر , والذي يضرب بالحصى , ويخط في الأرض ، أو ينظر في كتف الذبيحة من الضأن أو المعْز بعد أكلها ، أو نحو ذلك ، وبعضهم فرق بين العراف والكاهن ، فمن ذهب إليهم : فإما أن يسألهم فقط ، وإما أن يسألهم ويصدقهم على قولهم . فالأول : لا تقبل له صلاة أربعين يومًا ، كما جاء في ” صحيح مسلم ” من حديث بعض أزواج النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أنه قال : ” من أتى عرافًا , فسأله عن شيء , لم تُقْبَل له صلاة أربعين يومًا ” .

والثاني : وقع في الكفر ؛ لما جاء في حديث أبي هريرة وغيره في السنن أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال : ” من أتى كاهنًا ، فصدقه بما يقول ؛ فقد كفر بما أنزل على محمد – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ” . وهو حديث حسن .

وكيف لا يقع في الكفر ، وهو يصدق الساحر , ويؤمن بما يقول في أمر قد اختص الله U به ؟ كما قال تعالى : ]عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسول[ [الجن : 27] ، والساحر ليس برسـول ، إنمـا هو كذاب مفترٍ ، ويقـول تعالى : ] وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا هو يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين[ [الأنعام : 59] وفي ” صحيح البخاري ” من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – : ” مفاتح الغيب خمسة ، لا يعلمهن إلا الله : ]إن الله عنده علم الساعة وينـزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير[ [لقمان : 34] ويقول تعالى: ]قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون[ [النحل : 21] ويقول الله U : ] قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون [ [الأعراف : 188] .

فمن كان يصدق الساحر فيما يقوله؛ فعمله يقتضي تكذيب القرآن ، الذي صرّح بتفرد الله U بعلم الغيب ، ومن كان كذلك ؛ فإن قلبه سيتعلق بالسحرة ، ولا يخلص الدعاء لربه رغبًا ورهبًا ، ومن بلغ هذا المبلغ فقد خسر دنياه وآخرته ، ] قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين [ [الزمر : 15] .

وبعض الجهلة يقول : نحن ذهبنا عند الساحر, فأخبرنا بأمور حقيقية !! وغفل هذا المسكين عن كون الحق الذي عندهم كالسم في العسل ، وكالسراب ] يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا ووجد الله عنده فوفاه حسابه [ [النور : 39] .

وهذا الأمر قد أجاب عنه رسول الله e كما جاء في ” صحيح البخاري ” من حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت : سأل ناس رسول الله e عن الكهان ، فقال : ” ليس بشيء ” ، فقالوا : يا رسول الله ! إنهم يُحدِّثوننا بشيء فيكون حقاًّ ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – : ” تلك الكلمة من الحق يخطفها الجنّي ، فَيَقَرُّها – أي يصبُّها – في أذن وليه , فيخلطون معها مائة كذبة ” .

وربَّ فتنة تثور بين قبيلتين بسبب فتوى كاهن أعمى البصيرة ، يذكر فيها أن المال المسروق مع فلان ابن فلان !! وليس الأمر كذلك ، فتحدث فتنة الله أعلم بنهايتها ، وهذه خسارة الدين والدنيا ، وصدق الله إذ يقول : ]إن الشطان لكم عدو فاتخذوه عدوًا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير[ [فاطر : 6] .

وقد يقول بعضهم : إننا نذهب إلى الساحر ليزيل السحر ، ولا نصدقه!!

وهذا تناقض واضح ، والراجح عند أهل العلم – حسب الأدلة السابقة وغيرها – أن هذا الفعل لا يجوز أيضًا.

فالذي أنصح به المسلمين إذا نزلت بهم نازلة ؛ أن يفزعوا إلى الله تعالى، ويجأروا له بالدعاء في ثلث الليل الأخير ، أو بين الأذان والإقامة ، أو عند السجود ، فإن ذلك من مواطن الإجابة ، وأن يُرْقوا أنفسهم وأهليهم بكلام الله عز وجل وبما صح من بالأدعية المأثورة صباحًا ومساءً ، وعند النوم ، ونحو ذلك ، فإن الأذكار حصن حصين ، وإن أصاب أحدهم سوء بعد هذا ؛ فليصبر ، فإن أمر المسلم كله خير ، إن أصابته سراء شكر ؛ فكان خيرًا له ، أو أصابته ضراء صبر ؛ فكان خيرًا له ، ولا يصدق هؤلاء الأفاكين المتأكلين بدينهم ، الذين قال الله فيهم : ]ولا يفلح الساحر حيث أتى[، والواجب على المسلم أن لا يضعف قلبه أمام زخارفهم وشرهم ، والله تعالى يقول: : ] أليس الله بكاف عبده [ [الزمر : 36] بلى ، فحسبنا الله ونعم الوكيل .

للتواصل معنا