الأسئلة العامة

أعطيتُ لرجل مبلغًا من المال ليتـاجر فيـه

السؤال   : أعطيتُ لرجل مبلغًا من المال ليتـاجر فيـه ، وكتبنا شرطًا بيننا على أن الربح والخسارة نصفان، أو يكون ذلك ثلثًا وثلثين، فأخبرني أنه خسر في التجارة ، وقد سمعتُ من بعضهم أن الخسارة في المال تكون عليّ وحدي ؛ لأني صاحب المال، فما هو الصحيح في ذلك ؟

الجواب : هذه الشركة في التجارة تسمى المضاربة ، وبعضهم يقول : القِراض ، والمضاربة عبارة عن رجل أعطى مالاً لآخر ، ليعمل فيه ، فأحدهما صاحب المال ، والآخر عامل فيه، وللمضاربة صور أخرى، لكن الذي ورد في السؤال هو ما سبق .

 

والذي عليه أهل العلم أن الخسارة – وتسمى الوضيعة – لا تكون إلا على صاحب المال فقط، وليس على العامل منها شيء ، طالما أنه لم يفرّط ولم يهمل ، ويكفيه أن يخسر جهده ووقته ، ويذهب عليه كل ذلك بدون ربح , فصاحب المال يستحق الربح بماله ، والعامل يستحقه بعمله ، والخسارة تكون على صاحب المال في ماله ، وعلى العامل في عمله ووقته ، وهذا أمر متفق عليه بين العلماء ،كما صرّح بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – كما في ” مجموع الفتاوى ” (30/32) وقال المقدسي في ” المغني ” (5/183) : ” لا نعلم فيه خلافًا ” اهـ . وقال في (5/148) : ” والوضيعة في المضاربة على المال خاصة ، ليس على العامل منها شيء ؛ لأن الوضيعة عبارة عن نقصان رأس المال ، وهو مختص بملك ربه – أي صاحبه – لا شيء للعامل فيه ، فيكون نقصه من ماله دون غيره ، وإنما يشتركان فيما حصل من النماء ، فأشبه المساقاة والمزارعة ، فإن رب الأرض والشجر يشارك العامل فيما يحدث من الزرع والثمر ، وإن تلف الشجر أو هلك شيء من الأرض بغرق أو غيره ؛لم يكن على العامل شيء ” اهـ .

فإن قال قائل : نحن على شرط ، ولا بد من الوفاء بالشرط ، وأن يتحمل العامل نصف أو ثلث الخسارة .

فالجواب : أن هذا شرط ليس في كتاب الله ، وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – : ” كل شرط ليس في كتاب الله – أي ليس في حكم الله– فهو باطل، وإن كان مائة شرط “. متفق عليه من حديث عائشة ، وقد صرّح المقدسي ببطلان هذا الشرط بلا خلاف يعلمه ، كما في المغني (5/183) .

وأيضًا بماذا يستحل المسلم مال أخيه ؟ وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – : ” إن دماءكم ، وأموالكم ، وأعراضكم عليكم حرام… ” متفق عليه من حديث أبي بكرة.

وقد يقول بعض الناس : أنتم بهذا فتحتم الباب للعمال يلعبون بأموالنا ، ويعبثون بها ، فإذا طالبناهم قالوا : قد خسرنا !!

والجواب : أن من ضَعُف دينه، وهانت عليه آخرته ، وباع دينه بعرض من الحياة الدنيا ؛ فهو الذي يعبث بمال المسلمين ، ثم يحلف لهم أنه قد خسر ، وليس ذلك التهاون بسبب فتوى أهل العلم ، إنما السبب في ذلك قلة الخوف من الله عز وجل ، فالواجب على صاحب المال أن يبحث عن الرجل الأمين في دينه، البصير بعمله ، وإلا أمسك بماله عنده ، أما أن يضع ماله عند السفهاء فيعبثوا به ثم يقول : إن أهل العلم فتحوا الباب علينا !! فهذا كله من العجز ، وقلة التوفيق ، واتهام أهل العلم بما لا يجوز .

لكن إذا ساهم العامل في الخسارة من طيب نفسه مع صاحب المال ؛ فهو من مكارم الأخلاق ، وبراءة لذمته ؛ خشية أن يكون قد تسبب – ولو من بعيد – في هذه الخسارة ، والله أعلم .

للتواصل معنا