الأسئلة العامة

نرى بعض النـاس قـد اتخذوا المسـألة والشحاذة مهنة

السؤال  : نرى بعض النـاس قـد اتخذوا المسـألة والشحاذة مهنة ، حتى إن بعضهم ليملك العمارات والسيارات ، وله أموال يضارب بها مع التجار ، ومع ذلك نراه في المساجد أو على الطرقات يمدّ يديه للناس ، فما هو المطلوب منا تُجاهه ؟

الجواب : لا شك أن هذا خُلُقٌ ذميم ، فيحمل الرجلَ على حبُّ الاستكثار من الدنيا على أن يبيع دينه وعرضه ، وقد وصف الله بعض المؤمنين في سورة البقرة بقوله : ]للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربًا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافًا[ [البقرة : 273].

والواجب نصيحة هؤلاء بدون تعيير أو تشهير ، وإذا كان شرهم لا يندفع إلا بذلك ؛ فعلنا ، وينبغي نصحهم وتذكيرهم بما جاء عن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – في ” الصحيحين ” من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – قال رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – : ” لا يزال الرجل يسأل الناس ؛ حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مُزعة لحم ” .

وبحديث أبي سعيد في ” الصحيحين ” أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال : ” ومن يستعفف ؛ يعفه الله ، ومن يستغن ؛ يغنه الله ، ومن يتصبر ؛ يصبره الله ، وما أعطي أحدكم عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر ” .

 

وبحديث حكيم بن حزام في ” الصحيحين ” أنه قال: سألت رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فأعطاني، ثم سألته فأعطاني ، ثم سألته فأعطاني ، ثم سألته فأعطاني ، ثم قال : ” يا حكيم ! إن هذا المال خضرة حلوة ، فمن أخذه بسخاوة نفس – أي بزهد من الآخذ ، وانشراح نفس المعطي – بٌورِكَ له فيه ، ومن أخذه بإشراف نفس ؛ لم يُبَارَك له فيه ، وكان كالذي يأكل ولا يشبع ، اليد العليا خير من اليد السفلى ” قال حكيم : فقلت : يا رسول الله ! والذي بعثك بالحق ، لا أرزأ أحدًا بعدك شيئًا حتى أفارق الدنيا – أي لا أنقص ماله بالطلب منه ، كما في ” الفتح ” (3/336) – فكان أبو بكر t يدعو حكيمًا إلى العطاء ، فيأبى أن يقبله منه ، ثم إن عمر t دعاه ليعطيه ؛ فأبى أن يقبل منه شيئًا ، فقال عمر : إني أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم ، أني أعرض عليه حقه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه ، فلم يرزأ حكيم أحدًا من الناس بعد رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – حتى توفي .

وذكر الحافظ رواية عند ابن راهويه – يُنظَر سندها – وفيها أنه مات حين مات وإنه لمن أكثر قريش مالاً .

وننصح هؤلاء الشحاذين بما رواه البخاري من حديث الزبير بن العوام عن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أنه قال : ” لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة من الحطب على ظهره ، فيبيعها ، فيكف بها وجهه ، خير له من أن يسأل الناس أَعْطَوه أو منعوه ” .

وبما جاء في ” صحيح مسلم ” من حديث أبي هريرة t عن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أنه قال : ” من يسأل الناس أموالهم تكثُّرًا ؛ فإنما يسأل جمرًا ، فليستقل ، أو ليستكثر ” وعند أحمد من حديث حبشي بن جنادة مرفوعًا : ” من سأل من غير فقر ؛ فكأنما يأكل الجمر ” إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على ذم المسألة ، وفضل التعفف والتصبر ، وقد تكلم على طائفة عظيمة منها شيخنا مقبل بن هادي الوادعي – حفظه الله وعافاه من كل سوء – في رسالته ” ذم المسألة ” وأشار – حفظه الله – إلى انتقال هذا الداء العضال – ألا وهو حب الاستكثار من الدنيا – من هؤلاء الشحاذين إلى بعض من ينتسب إلى الدعوة ، وهذا محمول على من يفعل ذلك لنفسه ولورثته ، ويتستر باسم الدعوة ، وأما من سعى في ذلك لنصرة الحق وأهله ، فأجره عظيم عند الله ، ومن تأكل بدينه ؛ فالله كاشفه ، ولا شك أن هذا يهين العلم وأهله عند الخواص والعوام، وصدق من قال:

ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس لعُظِّما

ولكن أهانوه فهانوا ودنسـوا مُحيـاه بالأطماع حتى تجهما

وصدق من قال :

أصون عرضي بمالي لا أدنسه لا بارك الله بعد العرض في المال

وصدق من قال :

نرقع دينانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع

فطوبى لعبد آثر الله ربه وجـاد بدنياه لما يتوقـع

وصدق من قال :

إن لله عبـادًا فطنـا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا

نظروا فيها فلما علموا أنهـا ليست لحي وطنـا

جعلوها لجـة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنـا

وما كلفنا الله U إلا بالاستقامة على دينه ، وحث الناس على فعل الخيرات ، وبيان أولى السبل من ذلك لهم ، ألا وهو مساعدة من يقوم بالعلم والتعليم ، ويتعدى نفعه للمسلمين في جميع الأعصار والأمصار ، في زمن قلّ فيه من يعرف مكانة العلم الشرعي في الدعوة إلى الله U ، أما أن يصل الأمر بأقوام إلى ما يستقبح ، وينفر الناس عن الدعوة إلى الله U ؛ فلا .

عافانا الله وإخواننا من كل مكروه ، ويسر لنا فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، إنه جواد كريم .

(تنبيه) : لا ينبغي أن نعمم هذا الحكم على كل سائل ، ونتهمه بأن عنده من الأموال كذا وكذا ، لأن هذا سوء ظن بدون برهان ، ويُقَسِّي القلوب على المساكين جميعًا أو أكثرهم إلا من عرفنا حالته بعينه.

ثم إننا نحمد الله أن عافانا مما ابتلاهم به ، والله U يقول : ]وأما السائل فلا تنهر[ [الضحى : 10] وهو عام في كل سائل ، إلا من علمنا عنه أنه عاصٍ لله U بسؤاله ، وأما حديث : “للسائل حق وإن جاء على فرس” فقد ضعفه شيخنا الألباني – حفظه الله – في ” الضعيفة ” برقم (1378) , والله أعلم .