الأسئلة العامة

سمعنا أنه لا تجوز النخامة تجاه القبلة ، فهل هذا عام في المسجد وخارجه

السؤال : سمعنا أنه لا تجوز النخامة تجاه القبلة ، فهل هذا عام في المسجد وخارجه ، وفي الصلاة وخارجها ، أم لا ؟

الجواب : هذه مسألة قد اختلف فيها أهل العلم ، فمنهم من يرى عدم جواز البصق والتنخم ، أو التفل تجاه القبلة مطلقًا ، ومنهم من فصّل، فجعل التحريم فيما إذا كانت النُّخامة في جدار القبلة فقط ، ومنهم من قيد ذلك بالمسجد ، ومنهم من قيد ذلك بالصلاة ، ولقد تأملت الأحاديث الواردة في هذا الباب ، وتأملت أقوال أهل العلم فيها ؛ فظهر لي تفصيل وترتيب ، أذكره بأدلته – إن شاء الله تعالى – وإن كان هذا البسط له موضع آخر ؛ إلا أنني سأختصره ما استطعت ، لتعم به الفائدة – إن شاء الله تعالى – .

فأقول – وبالله تعالى التأييد والتوفيق – :

هذا التفصيل راجع في الأصل إلى أربع حالات :

الأولى: إذا كان الرجل في المسجد ، وكان في صلاة .

الثانية: إذا كان الرجل في المسجد ، ولم يكن في صلاة.

الثالثة: إذا كان خارج المسجد في صلاة .

الرابعة : إذا كان خارج المسجد في غير صلاة .

أولاً : إذا كان في المسجد ، سواء كان في صلاة أو في غير صلاة :

أ- فيحرم عليه أن يتنخم في جدار القبلة ، وهذا لا أعلم له مخالفًا – وإن كانت الأدلة قد وردت بذكر الصلاة – فعن أنس بن مالك t أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – رأى نخامة في القبلة ، فشق ذلك عليه حتى رُئِيَ في وجهه ، فقام فَحَكَّه بيده ، فقال : إن أحدكم إذا قام في صلاته , فإنه يناجي ربه – أو : إن ربه بينه وبين القبلة – فلا يبزقَنّ أحدكم قِبَل قبلته ، ولكن عن يساره , أو تحت قدميه ” ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ، ثم رد بعضه على بعض ، فقال : أَوْ يَفْعَل هكذا. رواه البخاري .

وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لما رأى بصاقًا في جدار القبلة ، فَحَكَّه ، ثم أقبل على الناس , فقال : إذا كان أحدكم يصلي ؛ فلا يبصق قِبَلَ وجهه ، فإن الله قِبَل وجهه إذا صلى ” . متفق عليه .

ب- كما أنه لا يجوز له أن يبصق تجاه القبلة ، وإن لم تكن البصقة في جدار القبلة ، وذلك إن كان في صلاة ، لحديث حذيفة t عن رسول الله
– صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أنه قال : من تفل تجاه القبلة ؛ جاء يوم القيامة تفله بين عينيه… ” . أخرجه أبو داود وغيره ، وهو حسن ، على خلاف في رفعه ووقفه ، ويتقوى أيضًا بغيره ، ولحديث أنس وابن عمر السابقين : “… فإن الله قِبَل وجهه ” .

وأما إذا أراد أن يتفل تجاه القبلة ، وهو في مسجد ، وفي غير صلاة وهو عازم على دفنها ؛ فالأولى له ترك ذلك للخلاف الذي بين أهل العلم حول حديث أنس – المتفق عليه – أن رسول الله e قال : ” البزاق في المسجد خطيئة ، وكفارتها دفنها ” ، فحمله القاضي عياض – رحمه الله – على من لم ينو دفنها ، أما من نوى دفنها ، فلا شيء عليه ، وحمله النووي – رحمه الله تعالى – على التحريم ، انظر ” الفتح ” (1/609-610) ك: الصلاة الحديث رقم : (415) ، ولا شك أن الخروج من الخلاف أسلم لدين المرء ، والله أعلم.

جـ – ويَحْرُم عليه أن يبصق في المسجد ولا يدفن بصاقه ؛ لحديث أنس السابـق ، ولحديث أبي ذر t عن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أنه قال : عُرِضت عليَّ أعمال أمتي ؛ حسنُها وسيِّئُها ، فوجدت في محاسن أعمالها : الأذى يماط عن الطريق ، ووجدت في مساوئ أعمالها : النخامة تكون في المسجد لا تدفن ” . رواه مسلم .

د- ويَحْرُم عليه أن يتفل عن يمينه إذا كان في صلاة في المسجد أو غيـره ؛ لحديث أبي هريرة , وأبي سعيد , وأنس رضي الله عنهم , وكلها متفق عليها – أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال :
إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه ؛ فلا يبصقن بين يديه , ولا عن يمينه , ولكن عن شماله , وتحت قدميه ” وفي رواية : …تحت قدمه اليسرى ” وفي رواية عند البخاري من حديث أبي هريرة : ” …فإن عن يمينه مَلَكًا ” وعند ابن أبي شيبة (2/144-145) من قول حذيفة: فإن عن يمينه كاتب الحسنات , وسنده صحيح ، وقد يقال : إن له حكم الرفع ، وقد رُوِي مرفوعًا، وفيه عاصم بن بهدلة أبي النجود ، وفيه ضعف .

هـ- أما إذا كان في المسجد في غير صلاة ؛ فيرد عليه الخلاف السابق بين القاضي عياض والنووي – رحمها الله تعالى – فالأولى له ألا يتفل خروجًا من الخلاف ، إنما يخرج خارج المسجد , ويتفل .

و- وإذا أراد أن يتفل عن يساره , وهو في صلاة أو غيرها حيث لا أحد عن يساره , فإن لم يصبر – وهو الأولى – فليتفل عن يساره , أو تحت قدمه , ويدفنها , أو يدلكها , وبنحو ذلك جاء حديث سعد بن أبي وقاص – رضى الله عنه – عند ابن خزيمة , وأحمد , وغيرهما , وهو إلى الحُسن أقرب , والله أعلم .

ثانيًا : إذا كان خارج المسجد في صلاة :

أ- فَيَحْرُم عليه أن يبصق تجاه القبلة ؛ لأن الله بينه وبين القبلة , أو لأن الله تجاهه ، كما سبق .

ولحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عند مسلم أن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال : ” ما بالُ أحدكم يقوم مستقبل ربه ؛ فيتنخم أمامه أيحبُّ أحدكم : أن يسْتَقْبَلَ فَيُتَنَخَّم في وجهه؟ فإذا تنخم أحدكم , فليتنخم عن يساره , أو تحت قدمه , فإن لم يجد , فليقل هكذا.. ” ووصف ذلك القاسم – وهو ابن مهران أحد الرواة – فتفل في ثوبه , ثم مسح بعضه على بعض .

ويحسن هنا أيضًا الاستدلال بحديث حذيفة رضي الله عنه : ” من تفل تجاه القبلة ؛ جاء يوم القيامة وتفلته بين عينيه ” .

ب- وكذلك إذا كان خارج المسجد ، وهو في صلاة ؛ فلا يجوز له أن يتنخم عن يمينه , فإن عن يمينه ملكًا , وقد سبق عموم نهي النبي – صلى الله وعلى آله وسلم – المصلي عن البصق أمامه وعن يمينه , فيشمل المصلي داخل المسجد وخارجه .

ج- وإذا أراد أن يتفل عن يساره في أثناء الصلاة ؛ فإن كان بجواره أحد ؛ فلا يؤذه , وإلا فلا بأس , ولا يلزم دفنه ، لأنه خارج المسجد , والأولى دفنه , فما أقربه من إماطة الأذى , والله أعلم .

ثالثًا : إذا كان خارج المسجد , وليس في الصلاة :

أ- فإن أراد أن يتفل تجاه القبلة ؛ فليس هناك دليل -حسب علمي- يمنع من ذلك , فإن تركه خروجًا من الخلاف ؛ فهو أولى , وأما عموم حديث حذيفة رضي الله عنه : ” من تفل تجاه القبلة.. ” الحديث ؛ فهذا في الصلاة , والدليل على ذلك أمران :

1- ثبوت ذلك عن حذيفة من قوله بالإسناد نفسه عند ابن أبي شيبة (1/145) برقم : (7455) قال : ” من صلى ، فبزق تجاه القبلة ؛ جاءت بزقته يوم القيامة في وجهه ” والراوي أدرى بمرويه .

2- تبويب ابن خزيمة في ” صحيحه ” حيث قال في(2/62) : ” باب ذكر علاقة البصق في الصلاة تلقاء القبلة : مجيئه يوم القيامة وتفلته بين عينيه… ” , ثم ساق حديث حذيفة , وإنما ذكرت هذا الوجه اعتضادًا لا اعتمادًا , والعبرة بالأول ، والله أعلم .

وقد يستدل بعضهم للمنع خارج الصلاة بأثر ابن مسعود ، ومعاذ ، وعمر بن عبد العزيز ، كل ذلك عند عبدالرزاق (1/435) وفي هذه الآثار التصريح بالمنع وإن كان خارج الصلاة .

والجواب : أن أثر ابن مسعود ؛ فيه عنعنة أبي إسحاق , إلا أن الحافظ عزاه في ” الفتح ” لعبدالرزاق وغيره ؛ فينظر هذا الغير , وهل عنده ما يزيل هذه العلة أم لا ؟

وأما أثر معاذ ؛ ففيه – والله أعلم – انقطاع بين عبدالله ابن الصامت ومعاذ .

وأثر عمر بن عبدالعزيز ؛ فيه رجل لا يُدْرَى من هو , وأحسن أحواله أنه لين . والله أعلم .

وإذا كان الراجح من الأدلة وأقوال أهل العلم في مسألة استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط الجواز- على تفصيل قد سبق , فالبصاق أو التفل أو التنخم أخف .

وأما البصق في المسجد , أو حال الصلاة ؛ ففيها أدلة خاصة , والله أعلم .

( ب , ج ) والتفل عن اليمين أو الشمال خارج المسجد بدون صلاة ؛ لا أعلم ما يمنع من ذلك , وأحاديث النهي عن البصق على اليمين فيها التصريح بأن ذلك في الصلاة , والله أعلم

(تنبيهان) :

الأول : إذا أراد أن يبصق المصلي ؛ فقد علمه النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أن يبصق عن يساره , أو تحت قدمه , أو يأخذ بثوبه فيبصق فيه ويدلكه , والظاهر من السنة القولية والفعلية – كما في حديث عبدالله بن الشخير عند مسلم – أن يبدأ المصلي بالبصق عن يساره , أو تحت قدمه , ويدلكها بما يزيلها بالكلية أو يدفنها , لا أن يبدأ بالثوب ؛ إلا لحاجة , كما جاء عند مسلم وابن أبي شيبة من حـديث أبي هريرة : ” فإن لم يجد ؛ فَلْيَقُلْ بثوبه هكذا.. ” وذَكَرَ الثوب , وعند أبي داود من حديث جابر : ” فإن عجلت به بادرة ؛ فليقل به هكذا.. ” وذَكَرَ الثوب , وفي سنده حاتم بن إسماعيل : صدوق يهم على صحة في كتابه , وبنحوه عند أبي داود وابن أبي شيبة من حديث أبي سعيد , وسنده حسن .

الثاني : هذا حكم المسألة حسب ما وقفت عليه , لكن في هذا الزمان وقد فُرِشَت المسجد , ولم تعد من الحصباء ونحوها ؛ فالأولى أن يبدأ بثوبه أو ما في معناه كالمنديل ، فيبصق فيه , وإلا فليصبر , لأنه ليس مضطرًا للتنخم على الفراش مع وجود ثوبه أو منديله , وإذا كان في الزمن الأول يسهل الحفر للنخامة ودفنها في الوقت نفسه ؛ ففي هذا الزمن لا يتيسر ذلك – أعني تنظيف الفرش من النخامة – إلا بعد فترة , مع بقاء أثر مما يتأذى بذلك المسلمون , ولا يجوز له ذلك ، لاسيما إذا فتح الباب في هذا , وقد أُمِرْنا بتطهير المساجد وتكريمها , ومثل ذلك على الفراش يخالف هذا التكريم ، ولا يبعد القول بحرمة فعل من تعمد النخامة على الفراش وإن نوى إزالتها.

أسأل الله أن يوفقنا لطاعته . والعلم عند الله تعالى .

للتواصل معنا