الأسئلة العامة

سمعنا أن المسافر يجوز له أن يتنفل على راحلته , أو سيارته بدون استقبال للقبلة

السؤال : سمعنا أن المسافر يجوز له أن يتنفل على راحلته , أو سيارته بدون استقبال للقبلة , فهل هذا صحيح أم لا ؟

الجواب : قد وفق الله أخانا أبا داود يحيى الدمياطي – حفظه الله – لإجراء دراسة لهذه المسألة , وذلك ضمن أبحاث علمية يقوم بها إخواننا طلبة العلم في دار الحديث بمأرب في المسائل الخلافية , ومحصل ما ورد في هذا البحث – مع زيادة مني في عرض الأدلة ودراستها – أن للعلماء مذهب كثيرة في هذه المسألة , ومنها :

1- أنه يجب عليه استقبال القبلة في جميع الصلاة ، عند تكبيرة الإحرام وسائر الصلاة , ومنهم من يقول بشرطية ذلك .

2- أنه يجب عليه استقبال القبلة عند تكبيرة الإحرام فقط , ويتوجه في سائر صلاته حيث وَجَّهَهُ ركابه , ومنهم من يقول بشرطية ذلك .

3- أنه يستحب له استقبال القبلة عند تكبيرة الإحرام فقط , ثم يتوجه حيث وَجَّهَهُ ركابه .

4- أنه يشرع له أحيانًا استقبال القبلة عند تكبيرة الإحرام ، وفي سائر صلاته يتوجه حيث وَجَّهَهُ ركابه .

5- أنه لا يستقبل القبلة مطلقًا, لا في تكبيرة الإحرام ولا في سائر صلاته.

6- ومنهم من فَصَّل : فإن سهل له الاستقبال عند الإحرام وجب ؛ وإلا فلا .

ولكل قول من هذه الأقوال قائلون به , وأدلة يستدلون بها على قولهم :

 

فالذين يرون الشرطية في جميع الصلاة ؛ يستدلون بعموم الآية: ]فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ[ [البقرة : 144].

– وبحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – المتفق عليه في قصة المسيء في صلاته : ” .. إذا قمت إلى الصلاة ؛ فاستقبل القبلة .. الحديث .

– وبالإجماع على شرطية الاستقبال , انظر ” مراتب الإجماع ” لابن حزم برقم : (31) وغيره .

– وبحديث أنس مرفوعًا مرفوعًا: ” من صلى صلاتنا , واستقبل قبلتنا , وأكل ذبيحتنا ؛ فذلكم المسلم ، الذي له ذمة الله وذمة رسوله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فلا تخفروا الله في ذمته ” رواه البخاري برقم : (391) ك: الصلاة , قالوا : فهذه أدلة عامه تشمل جميع أجزاء الصلاة .

والذي يرون الوجوب يستدلون بما رواه أبو داود , وأحمد , والدارقطني , وغيرهم من طريق ربعي بن عبدالله بن الجارود : حدثني عمرو بن أبي الحجاج : حدثني الجاورد بن أبي سبرة : حدثني أنس بن مالك : أن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – كان إذا أراد أن يتطوع في السفر ؛ استقبل بناقته القبلة , ثم صلى حيث وَجَّهَهُ ركابه . وسند هذا الحديث حسن , وقد حسنه قوم وصححه آخرون , وقال فيه ابن القيم: ” فيه نظر ” . كما في “الزاد” (1/476) . ولم يأت بدليل مُقْنِعٍ على ما قال – رحمه الله – .

قالوا : فَكَوْنُ النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – يتكلف إيقاف الراحلة – وهي في سيرها – وتحويل جهتها التي تسير عليها , حتى يستقبل بها القبلة , وقد يحدث له – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ولمن معه بسبب ذلك مشقة ؛ فهذا يدل على الوجوب , ولو لم يكن هذا واجبًا ؛ لما تَكَلَّفَ هذه المشقة , وقد كان – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – يحب أيسر الأمرين .

والذين يرون الجواز المطلق ؛ يستدلون بقوله تعالى : ] وَلِلَّهِ المَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [ .

– وبما رواه مسلم عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أنه كان يصلي حيث توجَّهَتْ به راحلته , ويذكر أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – كان يفعل ذلك, ويتأول هذه الآية : ] فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [ .

– وبما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر – أيضًا – : أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – كان يصلي سبحته – أي نافلته – حيث توجهت به ناقته .

– وبما رواه البخاري ومسلم عن عامر بن ربيعة أنه رأى رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – يصلي السبحة بالليل في السفر على ظَهْرِ راحلته حيث تَوَجَّهَتْ .

– وبما رواه مسلم أن أنس بن مالك صلى على حمار , ووجهه عن يسار القبلة , فسئُل في ذلك , وأنه يصلي لغير القبلة , فقال : لولا أني رأيت رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – يفعله لم أفعله .

-وبما رواه البخاري من حديث جابر : أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – كان يصلي التطوع وهو راكب في غير القبلة .

والذي يرون الاستحباب المطلق – أي استحباب استقبال القبلة في جميع أجزاء الصلاة – دليلهم : الجمع بين أدلة الفريق الذي يرى الشرطية أو الوجوب , وبين أحاديث من يرى الجواز المطلق , فلهم أن يقولوا : أحاديث ابن عمر وجابر وغيرهما تَصْرِف ظاهر آية : ]فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ[ في السفر إلى الاستحباب ، والله أعلم .

والذين يرون استحباب الاستقبال عند تكبيرة الإحرام فقط : لهم أن يقولوا : أحاديث ابن عمر وجابر وغيرهما تدل على الجواز في السفر لجميع أجزاء الصلاة , وحديث أنس في الاستقبال عند الإحـرام يـدل – مع الجمع بينه وبينها – على الاستحباب في هذا الموضع , وإلا لما كان لحديث أنس أثر في الجمع بين أدلة هذا الباب , وكون حديث أنس أقل رتبة من أحاديث ابن عمر , وجابر وغيرهما ؛ لا يلزم من ذلك رَدُّه , فكم وجدنا أهل العلم يجمعون بين أحاديث مشهورة الصحة والمخرج , وأحاديث حسنة الإسناد , وفي حديث أنس سنة زائدة فلا تُتْرَك , والأصل إعمال الدليلين , لا طرح الأدنى منهما ؛ إلا إذا لم يكن الجمع ممكنًا ؛ فنلجأ إلى الترجيح , والجمع هنا ميسور وممكن – ولله الحمد – وبهذا القول قال أحمد وأبو ثور .

والذين يرون استحباب الاستقبال عند الإحرام – أحيانًا – يستدلون أيضًا بحديث أنس , ولهم أن يقولوا : وَرَدَتْ روايات كثيرة عن جمع من الصحابة ليس فيها هذا التفصيل المذكور في حديث أنس , فلما وقفنا عليه في حديث أنس ؛ علمنا أن هذا نادر, فحملنا الاستحباب على الحينية, والله أعلم .

والذين يُفَصِّلُونَ بين ما إذا تيسر الاستقبال فيجب , وإلا فلا , فلهم أن يقولوا : الأصل الاستقبال للأدلة المشهورة في القرآن وقصة المسيء في صلاته , وغير ذلك , فإن أمكننا ذلك فلا سبيل إلى تركه , وإن عجزنا عن ذلك انتقلنا إلى الرخصة , والله أعلم .

والذي يترجح عندي في هذه الأقوال : قول الإمام أحمد باستحباب الاستقبال عند تكبيرة الإحرام , ثم يتوجه الراكب حيث توجَّه به ركابه .

ومن قال بالشرطية والوجوب المطلقين ؛ فيرد عليه أحاديث ترك الاستقبال للقبلة , والذين يرون الجواز المطلق ؛ يرد عليهم حديث أنس , والذين يرون الاستحباب المطلق ؛ فحديث أنس أيضًا يرد عليهم : حيث أنه أكد الاستحباب في الاستقبال عند الإحرام , دون سائر الصلاة , والذين يرون الاستحباب أحيانًا عند الإحرام ؛ لقولهم شيء من الوجاهة أكثر مما سبق من أقوال , لكن الأوجه منه إطلاق الاستحباب عند الإحرام ؛ وكونه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فَعَلَ الشيء نادرًا ؛ فهو دليل للاقتداء به – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – دائمًا , إلا أن يرد تصريح بتقييد الاقتداء به – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – بالحينية, لعموم قوله تعالى : ] لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [ وغير ذلك من الأدلة , ومن رأى التفصيل ؛ فأوجب الاستقبال عند التمكن دون غيره ؛ يرد عليه أن هذه رخصة عامة , فتعم ما كان فيه مشقة أم لا , كالقصر والفطر في السفر , وقد لا يكون هناك مشقة , ومعلوم في الأصول أن العبرة بالمظنة , لا بالمئنة , فما كان مظنة المشقة – وإن لم يتحقق وجودها في بعض الأحوال – فهو جالب للتيسر , والعلم عند الله – تعالى – .

(تنبيه) : الراكب على السيارة يُلْحق بالراكب على الراحلة , حيث لا فرق بينهما من جهة التيسير ورفع الحرج في هذا الموضع , وأن هذا الحكم خاص بالنافلة , أما في الفريضة فينـزل الراكب ، والله أعلم .

(تنبيه آخر) : الإيماء في الركوع والسجود يجزئ , وهو ظاهر بعض الروايات , انظر ما قاله شيخنا الألباني – حفظه الله – في ” تحقيقه للمشكاة ” (1/424/1346) والله أعلم .