السؤال : رجل دخل في صلاة العصر , ثم تذكر أنه نسي صلاة الظهر , فلم يصلها , فماذا يفعل ؟ وهل يجوز أن ينوي صلاة الظهر وهو في صلاة العصر ؟
الجواب : الأصل في ذلك حديث أنس المتفق عليه : ” من نام عن صلاة أو نسيها ؛ فكفارتها حين ذِكْرها , ولا كفارة لها إلا ذلك “.
فمن أهل العلم من يرى أنه يقطع صلاة العصر , ثم يصلي الظهر , ثم يرجع فيصلي العصر .
ومنهم من يرى أنه يستمر في صلاة العصر – فريضة – وبعد الانتهاء منها يصلي الظهر, ثم يرجع فيصلي العصر , وهذان القولان مبنيتان على وجوب الترتيب .
ومنهم من يرى أنه يستمر في صلاة العصر – فريضة – وبعد الانتهاء منها يصلي الظهر , ولا يعيد العصر مرة أخرى ؛ لأن الله ما أوجب في يوم واحد صلاة العصر مرتين .
ومنهم من يقول : إذا ذَكَرَها قبل أن يجلس للتشهد ؛ قَطَعَ العصر , وخرج لصلاة الظهر , وإن ذكرها في التشهد ؛ فيتم العصر ، ثم يعود للظهر .
ومنهم من يرى أنه إن ذَكَرَ صلاة الظهر – وقد صلى من العصر ركعة واحدة أو ثلاثًا – فيضم إليها أخرى ، فتصير اثنتين أو أربعًا , ويعدها نافلة , ثم يخرج فيصلي الظهر ثم العصر , وإن ذكرها لشفع : اثنتين أو أربع ؛ فيخرج ويصلي الظهر ثم العصر, وممن قال بهذا التفصيل الإمام مالك -رحمه الله- كما في ” المدونة ” (1/122 وما بعدها) .
وللمالكية تفصيل بين الذي يصلي وحده ، والمأموم ، والإمام , وهناك تفصيلات أخرى في كتب الفقه والفروع بما لا تحتمله هذه الفتوى ، وأكثرها أقوال لا دليل عليها .
والذي تميل إليه نفسي : هو الوقوف عند النص ، وهذا يقتضي الخروج من الصلاة التي هو فيها , ويحرم بالصلاة التي نسيهـا , لأن النبي – صلى الله عليه وعلى آلـه وسلم – قـال : ” فكفارتها إذا ذكرها ” أو ” فليصلها إذا ذكرها , وليس لها كفار ة إلا ذلك ” ومن قال : يتم صلاته , سواء كان بتحويلها نفلاً أو إبقائها على الفرضية ؛ فلم يقل بصلاتها حين ذِكْرها , وهذا مخالف لظاهر الحديث .
فإن قيل : الحديث لا يشمل من كان له عذر , وهذا عذره أنه متلبس بالصلاة , ولا يجوز أن يبطل عمله لقوله تعالى :]وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ[.
فالجواب : أن من كان متمكنًا من الخروج لصلاة الفائتة ، ثم يعود لصلاة الحاضرة ؛ فليس بمعذور , وأما الآية فليست معارضة لما نحن فيه , وقد سبق بيان وجهها , وأن الذي يترك عمله الذي هو فيه لما هو أهم – حسب ما يقتضيه الدليل – فلا يكون متعديًا بفعله هذا , بل هو طائع لله عزّ وجلّ , وقد قال ابن دقيق العيد – رحمه الله – في “إحكام الأحكام” (1/295) في الكلام على حديث أنس : “… وحيث يقال بالقطع : فوجه الدليل من أنه يقتضي الأمر بالقضاء عند الذكر, ومن ضرورة ذلك قَطْع ما هو فيه , ومن أراد إخراج شيء من ذلك ؛ فعليه أن يبين مانعًا من إعمال اللفظ في الصورة التي يخرجها , ولا يخرج هذا التصرف من نوع جدل ” .اهـ .
وسواءً قلنا بوجوب الترتيب – كما هو قول الجمهور على تفاصيل في ذلك , انظر ” مجموع الفتاوى ” (22/107-108) – أو لم نقل بوجوب الترتيب ؛ فمسألة النسيان والنوم بعينها فيها نص خاص يقتضي المبادرة للصلاة ، وإن كانت النفس تميل لقول الإمام أحمد والشافعي فيمن تذكر فائتة عند قيامه للجمعة ؛ أن يصلي الجمعة ثم يصلي الفائتة ؛ وذلك لكون الجمعة لا عوض عنها , لكن ظاهر النص يقتضي خلاف ذلك , وهو قول أبي حنيفة , انظر “مجموع الفتاوى ” الموضع السابق .
وقد يترجح تفصيل آخر باعتبار المصالح والمفاسد , فإذا كان تركه للجماعة القائمة ، وخروجه من الصف ؛ يفتح باب فتنة , أو يُظن به السوء؛ بأنه ترك الصلاة وراء الإمام , أو كان هذا الفعل يفتح الباب لأهل البدع والأهواء في ترك الصلاة وراء الإمام المسلم بدون مسوِّغ شرعي , ويتعلَّلون بأنهم تذكروا فائتة , أو نحو ذلك ؛ فالأرجح تقديم الصلاة التي تصليها الجماعة , وإلا فالوقوف عند ظاهر النص , أما إذا كنت منفردًا فقدّم الفائتة – على الأصح من أقوال أهل العلم – والله أعلم .
وهناك مسألة وهي : ما لو دخل رجل في صلاة الظهر معتقدًا دخول الوقت , ثم سمع الأذان للظهر , وظَهَر له خطؤه في دخول الوقت ؛ فالراجح أنها تكون له نافلة , ويلزم الصلاة في وقتها .
ومن دخل في فرض ، وأراد أن يتنقل منه إلى فرض آخر ؛ فأكثر كلام أهل العلم أنه يُبطل بذلك فرضه الأول ؛ لأنه نوى قطعه والخروج منه , ولا يصح له فرضه الثاني ؛ لأنه لم يبتدئ به من أوله , وهذه المسألة قد وفّق الله أخانا محمد بن سعيد العدني – حفظه الله – فكتب فيها بحثًا مستقلاً , ضمّنت هذه الفتوى خلاصته , وزدت عليه زيادات ، والله تعالى أعلم .