الأسئلة العامة

هناك من يخص شهر رجب بصيام وقيام , فهل لهذا أصل في السنة ؟ أم أنه من عادات الناس التي لا أصل لها ؟

السؤال  : هناك من يخص شهر رجب بصيام وقيام , فهل لهذا أصل في السنة ؟ أم أنه من عادات الناس التي لا أصل لها ؟

الجواب : قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في ” تبيين العجب بما ورد في شهر رجب ” ص ( 23) : ” لم يَرِدْ في فضل شهر ر جب , ولا في صيامه ، ولا صيام شيء معين منه , ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه ؛ حديث صحيح يصلح للحجة , وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ , رُوِّيْنَاه عنه بإسناد صحيح , وكذلك رُوِّيْنَاه عن غيره …” اهـ.

وعند ابن أبي شيبة (2/345/9758) بسند صحيح عن خرشة بن الحُر , قال : رأيت عمر بن الخطاب يضرب أكف الناس في رجب ؛ حتى يضعوها في الجفان , ويقول : ” كُلُوا , فإنما هو شهر كان يعظمه أهل الجاهلية ” . وأخرج أيضًا (2/346/9761) بسند صحيح عن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر , قال : كان ابن عمر إذا رأى الناس وما يَعُدُّوْنَ لرجب كَرِهَ ذلك .

وهاأنذا ألخص ما ورد في كتاب الحافظ ابن حجر – رحمه الله – فقد لا يتيسر لكثير من الناس الوقوف عليه , ولأهمية العلم بذلك ؛ فقد أورد أحاديث منها ما حَكَمَ عليها بالضعف , ومنها ما حكم عليها بالوضع :


وذَكَر الحافظ أن أمثل ما ورد في ذلك : حديث أسامة بن زيد – رضي الله عنهما – قال : قلت : يا رسول الله ! لم أرك تصوم من الشهور ما تصوم في شعبان ؟ قال ” ذاك شهر يغفل الناس عنه , بين رجب ورمضان…” الحديث , قال : ” فهذا فيه إشعار بأن في رجب مشابهة برمضان , وأن الناس يشتغلون فيه من العبادة بما يشتغلون به في رمضان , ويغفلون عن نظير ذلك في شعبان , وأن ذلك كان المعلوم المقرر لديهم ” . اهـ .

قلت : الحديث أخرجه النسائي وأحمد وغيرهما , وفي سنده ثابت بن قيس الغفاري , ترجمته في ” تهذيب التهذيب ” تدل على أنه لا يحتج به , ولذا قال الحافظ : صدوق يهم , فالسند لين لا يحتج به .

ثم ذكر حديثًا آخر , وفيه : ” صم من الحُرُم واترك ” ثم قال : ” وفي إسناده من لا يُعرف ” .

والمقصود أن رجب من الشهور الحرام .

ثم ذكر حديث أنس : ” من صام من كل شهر حرام : الخميس والجمـعة والسبت ؛ كُتبت له عبادة سبعمائة سنـة ” وفي روايـة: ” تسعمائة سنة ” .

قال : ” وفي سنده ضعفاء ومجاهيل ” . اهـ .

قلت : والنكارة واضحة عليه , فما ثبت أقل من ذلك في شهر رمضان , الذي صيامه فرض على المسلمين باتفاق المسلمين .

ثم ذكر حديث أنس : ” إن في الجنة نهرًا يقال له : رجب , ماؤه أشد بياضًا من اللبن , وأحلى من العسل , من صام يومًا من رجب ؛ سقاه الله من ذلك النهر ” وفيه مجاهيل , قاله ابن الجوزي .

ثم ذكر حديث أنس , أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا دخل رجب قال : ” اللهم بارك لنا في رجب وشعبان , وبلغنا رمضان ” وهو حديث ليس بالقوي . اهـ . قلت : والظاهر أن سنده منكر جدًّا .

وحديث أبي هريرة , أن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لم يصم بعد رمضان إلا رجب وشعبان . اهـ. قلت : وفيه متروك .

وحديث أبي سعيد : ” رجب شهر الله , وشعبان شهري , ورمضان شهر أمتي ” حديث باطل .

وحديث أنس : ” فضل رجب على سائر الشهور ؛ كفضل القرآن على سائر الأذكار , وفضل شعبان على سائر الشهور ؛ كفضل محمد على سائر الأنبياء , وفضل رمضان على سائر الشهور ؛ كفضل الله على عباده ” حديث باطل .

وحديث أبي سعيد : “رجب شهر الله الأصم أي : لأنه ما كانت تسمع فيه قعقعة السلاح من صام من رجب يومًا إيمانًا واحتسابًا ؛ استوجب رضوان الله الأكبر ” حديث باطل .

وحديث أنس : ” من صام ثلاثة أيام من رجب ؛ كَتَبَ الله له صيام شهر , ومن صام سبعة أيام ؛ أُغلق عنه سبعة أبواب النار , ومن صام ثمانية أيام ؛ فتح الله له ثمانية أبواب الجنة , ومن صام نصف رجب ؛ كَتَبَ الله له رضوانه , ومن كتب الله له رضوانه ؛ لم يعذبه , ومن صام رجبًا كله ؛ حاسبه الله حسابًا يسيرًا ” . حديث باطل . قلت : وهناك أحاديث أخرى باطلة بهذا المعنى مع زيادة .

وحديث عبد الله بن الزبير : ” من فرّج عن مؤمن كربة في رجب ؛ أعطاه الله تعالى في الفردوس قصرًا مدّ بصره , أكرموا رجبًا ؛ يكرمكم الله بألف كرامة ” حديث باطل .

وحديث أبي سعيد : ” رجب من أشهر الحرم , وأيامه مكتوبة على أبواب السماء السادسة , فإذا صام الرجل منه يومًا , وجوّد صومه بتقوى الله ؛ نطق الباب , ونطق اليوم , فقالا : يا رب اغفر له , وإذا لم يتم صومه بتقوى الله ؛ لم يُسْتَغْفَر له ” حديث باطل .

وحديث أنس : ” من صلى المغرب في أول ليلة من رجب , ثم صلّى بعدها عشرين ركعة , يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب, و] قل هو الله أحد [ مرة , ويسلم فيهن عشر تسليمات , أتدرون ما ثوابه؟ فإن الروح الأمين جبريل علّمني ذلك .” قلنا: الله ورسوله أعلم . قال: ” حفظه الله في نفسه وأهله ووالده وولده , وأجير من عذاب القبر , وجاز على الصراط كالبرق بغير حساب ولا عذاب ” حديث باطل . وبنحوه حديث ابن عباس , وهو باطل أيضًا .

والحديث الذي فيه صلاة الرغائب , من حديث أنس , وهي صلاة في ليلة الجمعة من رجب , بين العشاء والعتمة . يصلي ثنتي عشرة ركعة, يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة , و] إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ [ ثلاث مرات , و ]قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [اثنتي عشرة مرة , يفصل بين كل ركعتين بتسليمة , فإذا فرغ من صلاته صلى سبعين مرة , يقول : اللهم صلّ على محمد النبي الأمي وعلى آله , ثم يسجد , ثم يقول في سجوده : سبوح , قدوس , رب الملائكة والروح , سبعين مرة , ثم يرفع رأسه فيقول: اغفر وارحم , وتجاوز عما تعلم , إنك أنت العزيز الأعظم, سبعين مرة , ثم يسجد الثانية فيقول مثلما قال في السجدة الأولى , ثم يسأل الله تعالى حاجته , فإنها تقضي … الخ هذا الحديث الباطل .

قال ابن الجوزي : ” ولقد أَبْدَع من وضعها , فإنه يحتاج من يصليها إلى أن يصوم , وربما كان النهار شديد الحر , فإذا صام لم يتمكن من الأكل حتى يصلي المغرب , ثم يقف فيها , ويقع في ذلك التسبيح الطويل , والسجود الطويل , فيتأذى غاية الأذى , وإني لأغار لرمضان ولصلاة التراويح , كيف زوحم بهذه ؟ بل هذه عند العوام أعظم وأجل , فإنه يحضرها من لا يحضر الجماعات ” . اهـ .

وانظره في “الموضوعات” في باب صلاة الرغائب (2/124-126).

وحديث أنس : ” من صلى ليلة النصف من رجب أربعة عشر ركعة , يقرأ في كل ركعة الحمد مرة , و] قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [ أحد عشر مرة , و] قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [ ثلاث مرات , فإذا فرغ من صلاته , صلى عليّ عشر مرات , ثم يسبح الله بحمده ، ويكبره ، ويهلله ، ثلاثين مرة ؛ بعث الله إليه ألف مَلَكَ يكتبون له الحسنات , ويغرسون له الأشجار في الفردوس , ومُحِيَ عنه كل ذنب أصابه إلى تلك الليلة …. الخ .” وهو حديث باطل .

وحديث علي بن أبي طالب : ” إن شهر رجب شهر عظيم , من صام منه يومًا ؛ كتب الله له صوم ألف سنة , ومن صام منه يومين ؛ كتب له صوم ألفي سنة , ومن صام منه ثلاثة أيام كتب الله له صوم ثلاثة آلاف سنة ….” , وذكر السبعة , والثمانية , الخمسة عشر … وهو حديث موضوع لا شك فيه .

وحديث أبي ذر : ” من صام يومًا من رجب ؛ عَدَلَ صيام شهر , ومن صام منه سبعة أيام ؛ غُلِّقَتْ عنه أبواب جهنم السبعة , ومن صام منه ثمانية أيام ؛ فُتِّحَتْ له أبواب الجنة الثمانية , ومن صام عشرة أيام ؛ بدّل الله سيئاته حسنات , ومن صام ثمانية عشر ؛ نادى منادٍ :قد غفر الله لك ما مضى , فاستأنف العمل ” وهو حديث باطل .

وحديث أنس أن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – خطب قبل رجب بجمعة , فقال : ” أيها الناس ‍! إنه قد أظلكم شهر عظيم , شهر رجب , شهر الله الأصم , تُضَاعَف فيه الحسنات , وتُسْتَجَابُ فيه الدعوات , ويُفَرَّج فيه عن الكربات , لا يُردّ فيه للمؤمن دعوة , فمن اكتسب فيه خيرًا ؛ ضوعف له فيه أضعافًا مضاعفة , والله يضاعف لمن يشاء , فعليكم بقيام ليله , وصيام نهاره , فمن صلى في يوم فيه خمسين صلاة , يقرأ في كل ركعة ما تيسر من القرآن ؛ أعطاه الله من الحسنات بعدد الشفع والوتر , وبعدد الشعر والوبر , ومن صام يومًا منه ؛ كُتِبَ له به صيام سنة , ومن خزن فيه لسانه ؛ لقّنه الله حجته عند مسألة منكر ونكير , ومن تصدق فيه بصدقة ؛ كان بها فكاك رقبته من النار , ومن وصل فيه رحمه ؛ وصله الله في الدنيا والآخرة , ونصره على أعدائه أيام حياته , ومن عاد فيه مريضًا ؛ أَمَرَ الله كرام ملائكته بزيارته والتسليم عليه , ومن صلى فيه على جنازة ؛ فكأنما أحيا موءودة , ومن أطعم مؤمنًا فيه طعامًا ؛ أجلسه الله يوم القيامة على مائدة عليها إبراهيم ومحمد , ومن سقي فيه شربة ماء ؛ سقاه الله من الرحيق المختوم , ومن كسى فيه مؤمنًا ؛ كساه الله ألف حلة من حلل الجنة , ومن أكرم فيه يتيمًا , ومسح يده على رأسه ؛ غفر الله له بعدد كل شعرة مستها يده , ومن أستغفر الله فيه مرة واحدة ؛ غفر الله له , ومن سبح الله تسبيحة ، أو هلل تهليلة ؛ كُتب عند الله من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات , ومن خَتَمَ فيه القرآن مرة واحدة ؛ أُلبس هو ووالده يوم القيامة كل واحد منهما ( تاجًا مكللاً ) باللؤلؤ والمرجان , وأمن فزع يوم القيامة .” وهذا حديث موضوع ، وإسناده مجهول .

وحديث سلمان الفارسي مرفوعًا : ” في رجب يوم وليلة , من صام ذلك اليوم , وقام تلك الليلة ؛ كان كمن صام من الدهر مائة سنة , وقام مائة سنة , وهو لثلاث بقين من رجب , وفيه بَعَثَ الله محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم ” وهو حديث منكر .

وحديث أنس مرفوعًا : ” بُعثت نبيًّا في السابع والعشرين من رجب , فمن صام ذلك اليوم ؛ كان كفارة ستين شهرًا ” وهو حديث منكر.

وحديث طويل لأبي الدرداء في تعظيم رجب وصيامه … الخ , وهو حديث موضوع باطل .

وهناك جزء لأبي محمد الخلال المتوفَّى سنة : (439هـ ) في فضائل شهر رجب , أكثره قد ذكره الحافظ في كتابه , وليس فيه ما يُعتمد عليه فيما أحدثه الناس في هذا الشهر . وهكذا فليحمد أهل ُ السنة ربَّهم الذي هداهم إلى معرفة علم الجرح والتعديل , الذي به تُمَيَّزُ الأحاديث الصحيحة من الضعيفة ، والباطلة ، والمكذوبة ، فكم من رجلٍ أتعب نفسه بهذه الأحاديث الباطلة , وضيَّع ما أوجبه الله عليه محكم في الكتاب وصحيح السنة , فمن كان جاهلاً ؛ فهذه ذكرى له وموعظة , ومن كان معاندًا ؛ فيُخشى أن يكون له نصيب من قوله U : ] وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ . عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ . تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً [ وقوله سبحانه : ] قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً [والله أعلم .

للتواصل معنا