الأسئلة العامة

عندنا عادة : وهي الذبح في شهر رجب

السؤال: عندنا عادة : وهي الذبح في شهر رجب , وبعض الناس يخصص الذبح بالجمعة الأولى من شهر رجب , فهل هذا من السنة أم لا ؟

الجواب : تخصيص رجب بالذبح – فيما يسمى بالرجبية أو العتيرة – ليس له أصل في حديث رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – بل كان هذا مما يفعله أهل الجاهلية , حيث كانوا يذبحون في رجب , فبين لهم النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أن يفعلوا الخيرات , وأن يذبحوا لله في أي شهر كان , كما في حديث نبيشة الهذلي , قال : ذكر رجل للنبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أنا كنا نعتِّر في الجاهلية ؟ فقال : ” اذبحوا لله U في أي شهر ما كان , وبَرُّوا الله U وأطعموا “ وسنده صحيح – على اختلاف في بعض طرقه – أخرجه النسائي وغيره , وبنحوه حديث أنس عند الطبرني في ” الأوسط ” (4161) وفيه من لا يُعْرَف .

وهناك أدلة قد يستدل بها البعض على وجوب العتيرة , فمن ذلك :

(1) حديث مِخْنَف بن سُليم : من طريق ابن عون ثنا أبو رملة أنبأنا مخنف بن سليم , قال : بَيْنَا نحن وقوف مع النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – بعرفة , فقال : ” يا أيها الناس ! إن على أهل كلّ بيت في كل عام ؛ أَضْحاةً وعتيرة ” أخرجه النسائي وغيره , وسنده ضعيف, فإن أبا رملة لا يُعْرَف , وقد رُوِيَ من طريق أخرى فيها عبد الكريم بن أبي المخارق , وهو ممن لا يحتج به , ومع هذا ففيه نكارة ؛ حيث تفردا بهذا الوجوب .

(2) حديث عبد الله بن عمرو أن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – سئل عن الفَرَع ؟ فقال : “ هو حق , فإن تركته حتى يكون بَكْرًا , فَتَحْمِلَ عليه في سبيل الله , أو تعطيه أرملة ؛ خير من أن تذبحه, فيلصق لحمه بوبره , فتكفئ إناءك , وتولّه ناقتك ” قالوا: يا رسول الله! فالعتيرة ؟ قال : ” العتيرة حق ” أخرجه النسائي وغيره ، وسند حسن , وقوله : ” حق “ أي : ليس بباطل , لا أنه واجب , قاله الإمام الشافعي , انظر ” السنن المأثورة ” للشافعي ص(341)برقم (411) وانظر ” سنن البيهقي الكبرى ” (9/313) .

 

ومعنى الحديث : الحث على عدم التعجل بذبح نتاج الإبل حتى يقوى , ويكون لحمه أكثر , وانظر الكلام على معنى الحديث في ” غريب الحديث ” للحربي ( 1/181) وشرح النووي لمسلم (13/137-138) .

(3) وبنحو حديث ابن عَمرو حديث ابن عُمر – رضي الله عنهم جميعًا – في العتيرة , أخرجه الطبري في ” الأوسط ” (7046,7028) وإسناد حسن , وهو حديث صحيح , وقد سبق معنى قولـه – صلى الله عليـه وعلى آله وسلم – : ” العتيرة حق ” .

ومن نهى عن العتيرة استدل بحديث أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال : ” لافَرَع ولا عتيرة ” أخرجه البخاري (5472) ومسلم ( 5088) .

والفَرَع : أول النتاج , كانوا يذبحونه لطواغيتهم , والعتيرة : الذبيحة في رجب , قال الشافعي – رحمه الله -: ” الفَرَع – بفتح الفاء والراء – كان أهل الجاهلية يطلبون به البركة في أموالهم , فكان أحدهم يذبح بِكر ناقته أو شاته , فلا يغذوه رجاء البركة فيما يأتي بعده , فسألوا النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – عنه , فقال : ” فرِّعوا إن شئتم ” أي اذبحوا إن شئتم , وكان يسألونه عما كانوا يصنعونه في الجاهلية , خوفًا أن يُكره في الإسلام , فأعلمهم أنه لا كراهة عليهم فيه , وأمرهم استحبابًا أن يغذوه , ثم يُحمل عليه في سبيل الله ” . اهـ. من ” شرح مسلم ” للنووي (13/138) والحديث الذي ذكره حسن – إن شاء الله تعالى – . وقال النووي – رحمه الله – : ” قال أهل اللغة و غيرهم : … والعتيرة : ذبيحة كانوا يذبحونها في العشر الأُوَل من رجب , ويسمونها الرجبية أيضًا , واتفق العلماء على تفسير العتيرة بهذا …” اهـ . (13/137).

فالذي يظهر : أن الذبح لله U طاعة وعبادة , ولا نخصص استحبابه بشهر معين إلا بدليل, وقد رأيتَ أن أهل الجاهلية كانوا يخصون شهر رجب بالعتيرة, ويذبحون لغير الله , فنهى النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – عن الذبح لغير الله , وعن اعتقاد تخصيص رجب بذلك , بل يكون الذبح والإطعام في أي شهر كان – ومن ذلك رجب – وعادات الناس إذا كانت امتدادًا لما كان عليه أهل الجاهلية ، أو كانت مخالفة للدليل ؛ فلا يجوز للمسلم أن ينجرف معها , وإلا فمتى تقوم السنة إذا استسلم الناس للعادات المخالفة ؟

فالذبح جائز في رجب وغيره ، ولا نعتقد استحبابه أو وجوبه في زمان أو مكان إلا بمقتضى الدليل الوارد في ذلك بعينه ، وإذا ترك المرء الذبح في رجب ؛ حتى لا يُظن أن ذلك لاعتقاد وجوب أو استحباب الرجبية أو العتيرة ، ثم ذبح في وقت آخر ؛ لكان أولى لما سبق ، لاسيما إذا كان المرء مسموعًا متبوعًا .

أسأل الله صلاح حال المسلمين , وأن يرزقهم الفقه في الدين . والعلم عند الله  تعالى .

للتواصل معنا