الأسئلة العامة

رجل أراد أن يصوم فرضا كان أو نافلة , فهل يلزمه أن يُبَيِّت النية من الليل, أم لا ؟

السؤال : رجل أراد أن يصوم فرضا كان أو نافلة , فهل يلزمه أن يُبَيِّت النية من الليل, أم لا ؟

الجواب : الكلام على مسألة النية في الصيام ينقسم إلى مسألتين :

المسألة الأولى : النية في صيام الفريضة ، وتنقسم إلى فرعين:

الفرع الأول : صيام شهر رمضان.

والفرع الثاني : الصيام الواجب: كقضاء شهر رمضان , أو الكفارات , أو النذور .

المسألة الثانية : النية في صيام النافلة والتطوع .

أما عن الفرع الأول في الكلام عن النية في صيام شهر رمضان ؛ فالكلام على موضعين:


 

الموضع الأول : إن عُلِمَ بدخول شهر رمضان ، ورُئي الهلال من الليل ؛ فيجب على من سيصوم أن يُبَيِّتْ النية من الليل , ولو قبل طلوع الخيط الأبيض من الفجر ؛ لقول رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – : ” إنما الأعمال بالنيات , وإنما لكل امرئ ما نوى . “ متفق عليه .

ولِمَا ثبت عن ابن عمر وأخته حفصة – رضي الله عنهما وعن أبيهما – أنهما قالا : ” من لم يبيت الصيام قبل الفجر ؛ فلا صيام له . ” وفي لفظ : ” لا صيام لمن لم يُجْمِع من الليل . ” ولم يصح مرفوعًا , وبَسْطُ هذا له موضع آخر .

وجمهور أهل العلم حملوا هذين الأثرين – على افتراض رفعهما – على صيام الفرض , لا النافلة , وقد خالف زُفَر ، فقال : يصح صوم المقيم الصحيح بغير نية , واحتج بأنه لا يصح فيه غير صوم رمضان لتَعَيُّنه , فلا يفتقر إلى نية , لأن الزمن معيار له , فلا يُتَصَوَّر في يوم واحد إلا صوم واحد , وقد تعقبه غير واحد , انظر ” الفتح “(4/142) وقد عزا هذا القول الحافظُ لعطاء ومجاهد أيضًا , ولا شك أنه قول مصادم للأدلة . والله المستعان .

الموضع الثاني : إن لم يُعلم بدخول شهر رمضان إلا في أثناء النهار , فمِن أهل العلم مَن قال : يمسك بقية اليوم , ويقضي مكانه يومًا آخر .

ومنهم من قال: يمسك بقية يومه ، ويجزئه ذلك ، ولا يحتاج إلى قضاء .

ومنهم من قال: من أكل أول اليوم ؛ فليأكل آخره .

واستدل من قال بالإمساك بقية اليوم مع القضاء بحديث سلمة بن الأكوع أن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – بعث رجلاً ينادي في الناس يوم عاشوراء : ” أنَّ مَن أَكَلَ , فليُتم أو فَلْيصُم , ومن لم يأكل ؛ فلا يأكل .” أخرجه البخاري (1924) ومسلم (1135) قالوا : ونظير ذلك : الكافر إذا أسلم أثناء نهار رمضان ؛ لزمه الصوم بقية اليوم ، وكذلك الصبي إذا بلغ أثناء نهار رمضان ، فإنه يمسك من حين يثبت الوجوب في ذمته .

قالوا : وأما القضاء فواجب عليه , لقوله تعالى : ] فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [ , ولقولـه – صلى الله عليـه وعلى آله وسلـم – : ” صوموا لرؤيته , وأفطروا لرؤيته . ” . متفق عليه .

قالوا : وليس المراد من ذلك أن يرى كل أحد , بل إذا رآه البعض لزم البقية , كما هو مُفَصَّل في غير هذا الموضع , فاتضح من ذلك ثبوت الوجوب في حقه وإن لم يعلم برؤية غيره , قالوا : فإن قيل : لم يأمر النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – الناس الذين لم يصبحوا صائمين بالقضاء ليوم عاشوراء , وكان صيامه واجبًا آنذاك , كما هو مفصل في محله , لأمر النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – مناديًا ينادي في الناس بذلك , ولا يكون ذلك إلا لواجب , ولأدلة أخرى .

وأجيب : أنه قد رُويَت رواية بالأمر بالقضاء .

قلت : وهي عندي ضعيفة , انظر ” ضعيف سنن أبي داود ” لشيخنا الألباني – حفظه الله – ص(241-242) برقم (2447) بمعناه .

وأجيب بأنه لو يسلم بضعفها ؛ فلا يلزم من عدم النقل عدم الوقوع ، ولو سلمنا بقولكم ؛ فقد نسخ وجوب صيام عاشوراء فنُسخ حكمه وشرائطه ، انظر “الفتح” (4/142) بمعناه.

وأما من قالوا بالإمساك بقية اليوم مع الإجزاء , ولا يحتاج معه إلى قضاء , فقالوا : حديث سلمة بن الأكوع حجة في هذا الباب , بعلّة أن صوم عاشوراء آنذاك كان واجبًا , وصوم رمضان واجب , فلما اعتدَّ النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – بصيام من لم يعلم بوجوب صيام عاشوراء ، فليكن كذلك – من باب القياس – في شهر رمضان , ولهم أدلة عامة ، كرفع القلم عن المخطئ ، ونحو ذلك .

وقالوا للفريق الأول: لماذا أخذتم من حديث سلمة بن الأكوع الإمساك بقية اليوم , ولم تأخذوا منه الإجزاء وعدم القضاء ؟

قالوا : فإن قيل : فرق بين وجوب صوم عاشوراء ووجوب صوم شهر رمضان , لأن الوجوب في رمضان كان ثابتًا , وإنما خفي على بعض الناس , وتساوي المكلفين في العلم بالوجوب لا يُشْتَرَط , بخلاف ابتداء الأمر بصيام عاشوراء , فإنه حينئذ ابتداء وجوبه , فالفرق إنما هو بين ابتداء الوجوب والشروع في الإمساك عقبه , وبين خفاء ما تقدم وجوبه , ثم تجدد سبب العلم بوجوبه اهـ . “مختصر سنن أبي داود” لابن القيم ( 3/328) .

قالوا : فالجواب : أننا نُسَلِّم بهذا الفارق في بعض الناس لا كلهم , بدليل أن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أرسل من ينادي في قرى الأنصار التي حول المدينة بصيام يوم عاشوراء ، كما هو في ” الصحيحين ” من حديث الرُّبَيِّعِ بنت مُعَوِّذ , فمما لا شك فيه أن رجالاً قد بلغهم الخبر قبل آخرين , ففي حق الآخرين الوجوب ثابت بالجملة , لكن يُعفى عنهم لأنهم لم يعلموا , كما إذا رُئي الهلال بالليل فرآه البعض , والآخرون لم يعلموا به, مع تحريهم للهلال , فلما لم يُنْقَل الأمر بالقضاء ، مع اشتهار هذا الأمر ، وتوافر الدواعي لنقله لو وقع ، دل ذلك على عدم وقوعه ، والتكليف فرع العلم ، فلا تكليف بالتعيين هنا مع عدم العلم ، وقد عزا هذا القول ابن حزام في ” المحلى ” لعمر بن عبد العزيز وجماعة آخرين من الصحابة وغيرهم . انظر ( 6/ 166-167) .

ونصره شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم كما في “الزاد” (2 /70-71) والشوكاني في “نيل الأوطار”( 4/210) وفي “وبل الغمام” (1/486-488) وشيخنا الألباني – حفظه الله – في “الصحيحة” (6/251) وما بعدها.

قالوا : وإذا كان وجوب صوم عاشوراء قد نُسِخَ فلا يلزم من ذلك نسخ ما صاحَبَه من أحكام , وقيدوا تبييت النية بما كان مقدورًا عليه , بخلاف الصبي الذي يبلغ في نهار رمضان, والمجنون الذي يفيق, والكافر إذا أسلم, والعلم بالهلال , كل ذلك أثناء النهار من رمضان .

والذي يظهر لي : أن أدلة من قال بالإجزاء وعدم لزوم القضاء أقوى من أدلة من قال بالقضاء, لكن لما كان أصل الاستدلال هو القياس على عاشوراء ؛ فقد يقال : وجوب عاشوراء ليس كوجوب رمضان الثابت بالقرآن والسنة وإجماع الأمة , فهو من باب قياس الأعلى على الأدنى , وفيه نظر , أو يقال : هذا قياس في مقابلة النصوص الدالة على الصوم عند الرؤية – وإن لم يرها إلا بعض – كل هذا يقوي في نفسي أن يقال : من كان كذلك فليقض من باب الاحتياط والخروج من خلاف أهل العلم, ولبراءة الذمة, أما الجزم بذلك فلا . والله أعلم .

الفرع الثاني : وهو الكلام عن تبييت النية في الواجب من الصيام غير صيام شهر رمضان : كقضاء شهر رمضان , وصوم الكفارات والنذور , فلا يُتصور في مثل هذا أن صاحبه لم يعلم إلا في أثناء النهار , ولذلك فيجب تبييت النية للأدلة السابقة .

المسألة الثانية : النية في صيام النافلة , فقد ذهب بعض أهل العلم إلى وجوب تبييت النية في الصيام النفل , ومن هؤلاء ابن حزم في “المحلى” (6/170) وعزاه لمالك وغيره , ورجحه الصنعاني في “سبل السلام” (4/ 116-117) , واستدلوا بعموم الأدلة السابقة , وأثر ابن عمر وحفصة , وبعضهم صحح رفعه وفيه نظر.

وذهب الجمهور إلى جواز إنشاء نية صوم التطوع بعد طلوع الفجر , واستدلوا على ذلك بما جاء في “صحيح مسلم ” (1154) أن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – دخل على عائشة , فقال : ” هل عندكم من شيء ؟ “قالت : لا , قال : ” فإني إذن صائم . “.

قالوا : و” إذن ” ظرف للزمان الحاضر , فأنشأ النية من النهار اهـ . من ” الشرح الممتع ” ( 6 /372-373) .

واستدلوا أيضًا بآثار تثبت عن بعض الصحابة ، بأنهم أنشؤوا نية صوم التطوع أثناء النهار , انظر هذه الآثار عند عبد الرزاق ( 4/ 271-277) وابن أبي شيبة (2/ 292) والطحاوي في “شرح معاني الآثار” (3/56) .

قالوا : فهذا حديث رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وهذا فهم جماعة من أصحابه , أضف إلى ذلك أن التطوع سومح في نيته من الليل تكثيرًا له , فإنه قد يبدو له الصوم في النهار , فاشتراط النية في الليل يمنع ذلك , فسامح الشرع فيها , كمسامحته في ترك القيام في صلاة التطوع , وترك الاستقبال فيه في السفر تكثيرًا له , بخلاف الفرض اهـ. من ” المغني ” ( 3/ 24) .

قالوا : فإن قيل : حديث عائشة أعم من أن يكون بَيَّت الصوم أولا , فيحمل على التبييت ؛ لأن المحتَمَل يُرد إلى العام ونحوه , قالوا : على أن في بعض روايات حديثها : ” إني كنت أصبحت صائمًا . ” والأصل عموم أدلة التبييت , وعدم الفرق بين الفرض والقضاء والنذر , ولم يقع ما يرفع هذين الأصلين, فتعَّين البقاء عليهما اهـ. من “سبل السلام” (4/117).

وأجاب المتسامحون في تبييت النية بأن رواية : ” فإني إذن صائم .” ظاهرة في الشروع في النية , وفَهْمُ الصحابة حجة في ذلك , ولا صحابي مع من قال باشتراط التبييت في النفل إلا عموم قول ابن عمر وحفصة , فيقدم عليه خصوص ما ثبت عن جماعة من الصحابة , وهو قول عامة أهل العلم , وقد تسامح الشرع في نوافل الصلاة , وهي أشهر من الصيام بخلاف الفرض , على أن هذا مقيد بمن أصبح ممسكًا – وإن لم ينو من الليل – أما من أكل أول النهار , ثم أراد بعد ذلك أن ينوي بقية اليوم صوم نافلة فلا , إنما يأكل بقية يومه إن شاء .

هذا ولا دليل مع من قال بجواز إنشاء النية أثناء النهار , وقيد ذلك بما قبل الزوال , وهو قول للإمام الشافعي -رحمه الله – في ” الأم ” (2/126) والظاهر الجواز قبل الزوال وبعده , كما في ” مجموع الفتاوى ” (25/120) .

وللإمام الطحاوي جمـع بين أدلة الباب , انظره في “شرح معاني الآثار” وقد شنَّع عليه إمام الحرمين , كما في “الفتح” (4/142) حتى قال : ” إنه كلام غثٌّ لا أصل له . ” اهـ .

(تنبيه) : إن نوى صيام النافلة أثناء النهار , فالذي يظهر أن أجره يكون من بداية نيتة , لعموم قوله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – : ” وإنما لكل امرى ما نوى . ” وهو المنصوص عن أحمد , قاله شيخ الإسلام , كما في ” مجموع الفتاوى ” (25/120-121) وهو ما رجحه شيخنا محمد بن صالح العثيمين – حفظه الله – في “الشرح الممتع” (6/ 372-274) , ورجح كذلك أنه إن نوى إفطار صوم نفل أثناء النهار , ثم رجع , فأجره على قدر ما بقي , أما إن نوى إفطار فرض , فيفطر , وإن لم يأكل . انظر “الشرح الممتع” (6/376-377) . والله أعلم . 

للتواصل معنا