الأسئلة العامة

اختلف رجلان في حكم صلاة العيد ، هل هي واجبة ، أم سنة يثاب فاعلها ، ولا يأثم تاركها ؟ فما هو الصواب في ذلك ؟

السؤال  : اختلف رجلان في حكم صلاة العيد ، هل هي واجبة ، أم سنة يثاب فاعلها ، ولا يأثم تاركها ؟ فما هو الصواب في ذلك ؟

الجواب : في هذه المسألة ثلاثة أقوال مشهورة لأهل العلم :

الأول : أنها سنة مسنونة ؛ وهو قول جمهور العلماء .

الثاني : أنها فرض كفاية ، أي : يُنظر إلى وجود ذاتها ، دون النظر إلى فاعليها ، أو يُنظر فيها إلى المجموع لا الجميع ؛ فإن قام بها البعض سقطتْ عن الباقين ؛ وهذا القول هو المشهور من مذهب الحنابلة .

الثالث : أنها فرض عين , أي : يأثم من تركها ، وهو مذهب الحنفية، ورواية عن أحمد .

وقد استدل أصحاب القول الأول بما هو متفق عليه من حديث طلحة بن عبيدالله ، قال : جاء رجل إلى رسول الله e من أهل نجد ، ثائر الرأس , يُسْمَعُ دَويُّ صوته ، ولا يُفْقَهُ ما يقول ، حتى دنا ، فإذا هو يسأل عن الإسلام ، فقال رسول الله e : ” خمس صلوات في اليوم والليلة “ فقال : هل عليّ غيرها ؟ قال ” لا ؛ إلا أن تطوَّع ” ، قال رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم –  : ” وصيام رمضان ” ، قال : هل علي غيره ؟ قال : ” لا ؛ إلا أن تطوَّع ” قال : وذكر له رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم –  الزكاة  ، قال : هل علي غيرها ؟ قال : ” لا ؛ إلا أن تطوَّع ” ، قال : فأدبر الرجل وهو يقول : والله لا أزيد عليها ولا أنقصُ ، قال رسول الله e : ” أفلح الرجل إن صدق “.

قالوا : فهذا الحديث يدل على أنه لا يجب على الأعيان إلا الصلوات الخمس في كل يوم وليلة ، ويوما العيد داخلان في هذا العموم ، وقد انتصر لهذا القول جماعة من العلماء ، منهم ابن المنذر في ” الأوسط ” (4/252) .

واستدل أهل القول الثاني – القائلون بأن صلاة العيد فرض كفاية – بأنها صلاة ليس لها أذان ولا إقامة ، فأشبهت صلاة الجنازة ، وهي فرض كفاية ، وأنها من شعائر الإسلام ، واستدلوا أيضًا بقوله تعالى : ]فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ[ وأن هذا القول مقتضي الجمع بين حديث الأعرابي وأدلة الوجوب ، انظر “المغني” (2/224) .

واستدل أهل القول الثالث بأدلة كثيرة ، وقد انتصر له شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – فقرر أدلة الوجوب العيني ، فذكر أن الصحابة كانوا يصلونها في الصحراء مع النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم –  ولم يرخص لأحد يصليها في مسجده ، مما يدل على أنها من جنس الجمعة لا النوافل ، وأن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم –  لم يترك الخطبة لها ؛ كما في الجمعة ، ولا يرد على ذلك الاستسقاء ؛ لأن الاستسقاء لم ينحصر في الصلاة والخطبة له ، بل يكون بمجرد دعاء على المنبر وغيره ، حتى أن أبا حنيفة – رحمـه الله – حصر الاستسقاء في الدعاء ، ولم ير له صلاة خاصة به .

وكذلك فقد ثبت عن علي أنه استخلف لها ، وأيضًا فالنبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أمر النساء بالخروج حتى الحُيَّض من النساء ، ليشهدن البركة ودعوة المؤمنين، فإذا أُمِرَ بإخراج الحيض – وهُنَّ لا يصلين – فكيف بالطاهرات ؟ ولما قال له – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – النساء : إحدانا ليس لها جلباب ؟ فلم يرخص لهنَّ في ترك الخروج ، بل قال : ” لتلبسها أختها من جلبابها ” مع أنه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم –  قال في شأن صلاة النساء في الجمعة والجماعة : ” وبيوتهن خير لهن ” وأيضًا : فالجمعة لها بَدَلٌ بالنسبة للمرأة والمسافر بخلاف العيد ، والعيد في العام كله يكون مرتين فقط, بخلاف الجمعة ، فإنها تتكرر خمسين مرة أو أكثر ، وقد أمر رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم –   بصلاة العيد ، وأمر بالخروج إليها، وداوم على ذلك ، هو وخلفاؤه والمسلمون من بعده – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ، ولم يُعرف قُطْرٌ في دار الإسـلام يَتْرَك فيه صلاة العيد ، وهي من أعظم شعائر الإسلام ، وقوله تعالى : ]وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ[ أمر بالتكبير في العيدين ، فهو أمر بالصلاة المشتملة على التكبير الزائد بطريقة الأولى والأَحْرى . اهـ ملخص ما قاله شيخ الإسلام بتصرف وزيادة خفيفة , وانظر “مجموع الفتاوى” (24/179-183) .

وزاد الصنعاني ، وصديق حسن خان في “الروضة الندية” بأن العيد والجمعة إذا اجتمعا ؛ أسقط العيدُ وجوبَ الاجتماع للجمعة ، والاجتماع للجمعة واجب ولا يسقطه إلا واجب، وانظر “سبل السلام” (2/141) وفي هذا الاستدلال بحث سيأتي – إن شاء الله – في موضعه .

وأجابوا عن أدلة أهل القول الأول ، بأن حديث الأعرابي : إما لأن الأعرابي لا تجب عليه الجمعة فضلاً عن العيد ، وإما لأن حديث الأعرابي في صلاة اليوم والليلة ، وأما صلاة العيد ، فهي من وظائف العام ، لا من وظائف اليوم والليلة ، وبه قال ابن القيم – رحمه الله – في كتاب
” الصلاة ” ص(39) .

وأجيب أيضًا على حديث الأعرابي بأنه قد خُصِّص عمومه بالصلاة التي أوجبها المرء على نفسه بالنذر ، فإن قيل : هذا بدليل مستقل ، قيل : والعيد كذلك له دليل مستقل ، فإن قيل : هذا مما أوجبه العبد على نفسه ، قيل : وما أوجبه الله عليه آكد مما أوجبه على نفسه .

وأما استدلال من قال بفرض الكفاية بالآية ]فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ[ أو أن العيد من شعائر الإسلام ، فهذا الدليل إلى قول من قال بالوجوب العيني أقرب ، وأما قياسهم على الجنازة ، وأن صلاة العيد صلاة ليس لها أذان ولا إقامة ، فأشبهت صلاة الجنازة ؛ فهو قياس في مواجهة النص ، وقد يقال : لم يحتج الناس إلى أذان لصلاة العيد أولاً : لخروجهم إلى الصحراء ، وبُعْدِهم عن أماكن الناس . وثانيًا : لترقبهم دخول ليلة العيد، وتأهبهم للخروج إليه ، وقطعهم كل الشواغل عنه ، بخلاف الصلوات الخمس ، والله أعلم .

وقد قال شيخ الإسلام : ” ومن قال : هو فرض كفاية ، قيل له : هذا إنما يكون فيها تحصل مصلحته بفعل البعض كدفن الميت ، وقهر العدو ، وليس يوم العيد مصلحة معينة ، يقوم بها البعض ، … ثم هذه المصلحة بأي عدد تحصل ؟ فمهما قُدِّر من ذلك كان تحكُّمًا ، سواء قيل بواحد أو اثنين أو ثلاثة…” اهـ . من “مجموع الفتاوى” .

وإلى القول بوجوب صلاة العيد على الأعيان ذهب الصنعاني والشوكاني ، وشيخنا الألباني ، وشيخنا ابن عثيمين – حفظ الله الجميع – وهو القول الذي تميل إليه نفسي ، على أن في بعض الأدلة التي استدل بها أهل هذا القول نظرًا ، ومع ذلك فهذا القول أقوى دليلاً من غيره ، ومع أنني أهاب مخالفة جمهور أهل العلم ؛ إلا أنني في هذا الموضع رجحت مذهب القائلين بالوجوب العيني ، لما ترجح لي قوة مذهبهم ، لاسيما وقد قال به جماعة من العلماء ، وهكذا يكون الاعتدال في نصرة الدليل وإجلال أهل العلم ، والله أعلم .

للتواصل معنا